يومًا بعد يوم تقترب إثيوبيا من إنجاز حلمها الكبير المتمثل في سد النهضة (باللغة الإنجليزية Grand Ethiopian Renaissance Dam وبالأمهريةህዳሴ ግድብ)، فاليوم الإثنين الـ2 من أبريل/نيسان تكمل إثيوبيا احتفالاتها بالذكرى السابعة لتدشين مشروع السد على منابع النيل الأزرق، فمن المنتظر أن تشهد منطقة قوبا على الحدود الإثيوبية ـ السودانية ختام الاحتفالات التي انطلقت منذ مطلع مارس/آذار الماضي.
وبحسب وكالة الأنباء الإثيوبية، فإن 2 من “توربينات” السد، يتوقع أن يبدآن إنتاج الكهرباء نهاية العام الحاليّ على أقصى تقدير، ويمكنهما توليد طاقة تصل إلى 400 ميغاوات، يتزامن ذلك مع اكتمال 64% من مراحل بناء السد واقتراب عملية تخزين المياه في البحيرة خلف السد الذي يفترض أن يبدأ خلال موسم الأمطار الغزيرة التي تهطل على الهضبة الإثيوبية من يونيو/حزيران حتى سبتمبر/أيلول.
حلم قديم دشّنه مليس زيناوي
سد النهضة كان حلمًا يراود الإثيوبيين منذ ستينيات القرن الماضي، فقد حدد موقعه الحاليّ مكتب الولايات المتحدة للاستصلاح خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت في الفترة من 1956 حتى 1964، ولكنّ الحكومات الإثيوبية لم تهتم بتنفيذه إلا في عهد رئيس الوزراء الأسبق مليس زيناوي Meles Zenawi الذي وضع المشروع نصب عينيه ووجّه حكومته بعمل الدراسات اللازمة حتى انتهت الجهات المختصة من تصميم السد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2010.
رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق مليس زيناوي
لقد استطاع مليس زيناوي أن يعبر بحلم النهضة الإثيوبية إلى أرض الواقع عندما تبنّى مشروع سد النهضة مطلقًا عليه اسم (سد الألفية العظيم)، مبينًا أن السد يوفر لإثيوبيا الطاقة النظيفة التي سيتم تصديرها إلى عدد من دول الجوار، وأوضح أنه مشروع نهضوي تسعى إثيوبيا من خلاله لتوفير الطاقة واستغلال ثروتها الطبيعية التي لم تستغل بعد خصوصًا نهر النيل الذي ينبع 70% منه من أرض الحبشة.
كان قرار رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق بتدشين العمل في سد النهضة قرارًا جريئًا وصعبًا لأن نظام حسني مبارك كان يتعامل مع ملف النيل من خلال جهاز المخابرات بينما كان الأصل أن تتعامل مصر مع قضية النيل من خلال الجهات المعنية مثل وزارتي الري والزراعة، وقد كان زيناوي يتوقع عراقيل وصعوبات تواجه المشروع الحلم؛ فلذلك كان يردد دائمًا في اللقاءات الجماهيرية : “نحن مهندسو السد، نحن بناة السد، نحن داعمو السد) وكانت الجماهير تتفاعل مع حديث رئيس الوزراء بالهتافات والتهليل الذي كان يحثهم بوضوح على المساهمة في تمويل السد.
موافقة سودانية وقلق مصري
تبدو مصر قلقة للغاية من الآثار السلبية التي قد تتعرض لها إمداداتها المائية جراء بناء إثيوبيا للسد العملاق عند منابع النيل الأزرق، رغم أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وقّع في 2015 اتفاق “إعلان المبادئ” في العاصمة السودانية الخرطوم مع نظيره عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي المستقيل هايلي مريام ديسالين.
نجد أن موافقة الخرطوم ودعمها للسد الإثيوبي شكّل صدمةً ومفاجأة قاسية للنخب المصرية؛ حيث يعد تأييد السودان لأديس أبابا إلى جانب العديد من دول المنطقة في الجنوب، مؤشرًا واضحًا على تراجع نفوذ القاهرة في القارة السمراء
القلق المصري يكمن في أن أي تدخل في تدفق مياه النيل يؤثر على أكثر من 100 مليون نسمة يعيشون على بعد بضعة كيلومترات من النهر، والنيل أيضًا هو أكبر مصدر لمياه الشرب في البلاد ومياه ري دلتا النيل، أكثر المناطق خصوبة في العالم.
فضلًا عن أن نهر النيل يولد ما يقرب من 60% من الكهرباء في مصر التي ينتجها السد العالي على الحدود مع السودان، زيادة على وجود مخاوف أخرى من انخفاض منسوب المياه في بحيرة ناصر التي تمتد على 5000 كيلومتر مربع وتغذي السد العالي.
وبالنسبة للسودان، نجد أن موافقة الخرطوم ودعمها للسد الإثيوبي شكّل صدمةً ومفاجأة قاسية للنخب المصرية؛ حيث يعد تأييد السودان لأديس أبابا إلى جانب العديد من دول المنطقة في الجنوب، مؤشرًا واضحًا على تراجع نفوذ القاهرة في القارة السمراء.
وكانت مصر تعتبر السودان أقرب دول العالم إليها لعوامل كثيرة، لكنها لم تضع في اعتبارها قضية حلايب التي وتّرت العلاقات بين البلدين منذ دخول القوات المصرية للمثلث المتنازع عليه في العام 1995 إثر محاولة الاغتيال التي تعرض إليها الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ووجهت حينها أصابع الاتهام للنظام السوداني.
لماذا يدعم السودان سد النهضة؟
تنتظر الحكومة السودانية انتهاء أعمال السد بفارغ الصبر للحصول على طاقة كهربائية من إثيوبيا بأسعارٍ تفضيلية لا يتجاوز فيها سعر الكيلوواط 5 سنتات، حيث تستورد الخرطوم من إثيوبيا حاليًّا نحو 300 ميجاواط يتوقع أن ترتفع إلى 800 بعد تدشين السد.
أثّرت قضية حلايب والصورة النمطية الشائهة التي يصورها الإعلام المصري والسينما المصرية عن السودان والسودانيين بصورة سالبة جدًا
كما يُتوقع أن يعمل سد النهضة على انسياب مياه النيل الأزرق إلى السودان بصورة منتظمة تقلل من حدوث فيضانات كتلك التي تحدث سنويًا، فضلاً عن إمكانية تمتع البلاد بنصيبها كاملاً في اتفاقية 1959، الشيء الذي يحتاجه السودان بشدة لإعادة إعمار القطاع الزراعي المدمر.
وبجانب ذلك، يجزم خبراء الري بتقليل السد لمشاكل الطمي الذي يغمر الأراضي الزراعية في السودان على ضفاف النيلين الأزرق والأبيض على قلتها.
شعبيًا، أثّرت قضية حلايب والصورة النمطية الشائهة التي يصورها الإعلام المصري والسينما المصرية عن السودان والسودانيين بصورة سالبة جدًا، فقد تعاطفت أعداد كبيرة من الشباب السوداني مع السد الإثيوبي وصل الأمر إلى أن العديد منهم اشترى أسهمًا وسندات للاستثمار في سد النهضة بل نفذّ بعض السودانيين حملات تبرع لصالح السد وسلموا الأموال للسفارة الإثيوبية في الخرطوم والقنصلية العامة في ولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا حسب مصادر نون بوست.
مفاوضات مرتقبة ووساطة أمريكية
دعت الخرطوم قبل أيام القاهرة وأديس أبابا إلى جلسة المفاوضات التي كان يفترض أن تتم في أواخر فبراير/شباط الماضي قبل أن تؤجل بطلبٍ إثيوبي، ومن المقرر أن ينعقد الاجتماع مجددًا في الرابع من أبريل/نيسان الحاليّ أي بعد يومين.
اللافت أن هناك أطراف دولية تحاول الدخول على الخط للعب دور الوسيط في القضية، حيث استبق وفد أمريكي رفيع بقيادة مساعد وزير الخارجية إيريك سترومايرجولة المباحثات المرتقبة وحطّ رحاله في العاصمة السودانية بغرض الوقوف على موقف الخرطوم، بعد أن اختتم زيارة مماثلة للقاهرة.
بعد لقائه الوفد الأمريكي، أكد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور موقف بلاده الثابت والمتمثل في ضرورة الحوار والتعاون من أجل الوصول لتفاهمات جذرية بشأن قضية سد النهضة، مضيفًا: “يرى السودان أن الوصول إلى تفاهمات بشأن سد النهضة يدعم الاستقرار في منطقة شرقي إفريقيا”.
ما الخيارات المصرية للتعامل مع السد؟
بالنظر إلى اكتمال أكثر من 64% من أعمال سد النهضة، يتضح أن خيارات مصر في التعامل مع السد الإثيوبي تبدو ضعيفة، إذ كان مجلس الوزراء المصري قد أصدر بيانًا، في 15 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية تقرير رفعه وزير الري بشأن الجولة الأخيرة للجنة الفنية الثلاثية المعنية بسد النهضة، أشار فيه إلى “عدم التوصل إلى توافق بشأن التقرير الاستهلالي الذي طرح من المكتب الاستشاري المتعاقد معه، لإجراء الدراسات الخاصة بآثار سد النهضة”.
يرى أستاذ القانون الدولي العام عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة أن “الوسائل المتاحة لمصر (محدودة)، بعد أن وقع قادة مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم في مارس/آذار 2015، اتفاقية إعلان مبادئ
وبالتزامن مع اقتراب عبد الفتاح السيسي من تدشين ولايته الرئاسية الثانية يظهر جليًا أن إثيوبيا وضعت مصر في مأزق كبير، لأن الأولى ليس لديها ما تخسره فقد تجاوزت الأزمة السياسية التي كادت تعصف باستقرارها بعد انتخاب أبي أحمد علي رئيسًا للائتلاف الحاكم خلفًا لهايلي ديسالين وبالتالي تعيينه في منصب رئيس الحكومة بشكل تلقائي.
يزداد موقف مصر صعوبة بمرور الأيام؛ فالسد صار أمرًا واقعًا بعد انتهاء معظم مراحل بنائه وعدم توقف الإنشاءات ولا تأثرها بجولات التفاوض التي فاقت حتى الآن 18 جولة.
الحقيقة أن مصر السيسي لم تقف مكتوفة الأيدي، فقد عملت على عرقلة بناء السد من خلال سعيها لثني المؤسسات المالية الدولية عن تمويل المشروع لكن إثيوبيا نجحت في إقناع مواطنيها الموالين للحكومة والمعارضين بتمويل سد النهضة عن طريق الصكوك والسندات، كما ألزمت أديس أبابا البنوك المحلية بتخصيص نسبة مقدرة من رؤوس الأموال لصالح منشآت السد، فلم يتوقف بناؤه وزادها ذلك إصرارًا على المضي قدمًا في المشروع.
ويرى أستاذ القانون الدولي العام عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية أيمن سلامة أن “الوسائل المتاحة لمصر (محدودة)، بعد أن وقع قادة مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم في مارس/آذار 2015، اتفاقية إعلان مبادئ تنص على أن تسوي الدول الثلاثة منازعاتها بعد هذا الاتفاق بالتوافق، من خلال المشاورات أو التفاوض”.
كذلك، فإن الوساطات الدولية بما فيها تحركات الولايات المتحدة لن تكون خيارًا قويًا يمكن لمصر أن تُعول عليه بالنظر إلى تعنت إثيوبيا واستنادها إلى اتفاق إعلان المبادئ إلى جانب تمسكها بالمضي في أعمال السد.
أعلن رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية والري سامح صقر دراسة الوزارة لإنشاء أكبر سد في “شلاتين” المتنازع عليها مع السودان بهدف تخزين 7 ملايين متر مكعب من مياه السيول توطئة لاستخدامها في وقت الجفاف
وفيما يتعلق بالحلول الفنية لحل مشكلة نقص المياه المتوقعة بعد انتهاء سد النهضة، طرح وزير الري المصري محمد عبدالعاطي إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي ومعالجة مياه الصرف الصناعي والاعتماد على تحلية مياه البحر المتوسط والبحر الأحمر بجميع المدن الساحلية، علاوةً على ترشيد الاستهلاك باعتماد الري الحديث في الأراضي الزراعية القديمة، بدلاً من نظام الغمر.
كما أعلن رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية والري سامح صقر عن دراسة الوزارة لإنشاء أكبر سد في “شلاتين” المتنازع عليها مع السودان بهدف تخزين 7 ملايين متر مكعب من مياه السيول توطئة لاستخدامها في وقت الجفاف .
وأخيرًا، نادى خبراء مصريون بالتفكير مجددًا في إحياء مشروع “قناة جونقلي” في جمهورية جنوب السودان للاستفادة من المياه الضائعة فى منطقة (الفواقد) التى تتبخر سنويًا من أجل تعويض النقص المنتظر في مياه الشرب.