“إحنا من أصل العروبة، إحنا مو مستعربين، ونفتخر بين العروبة، من نقول أحوازيين، للبطل ما نطخ هامة أي وحق سيد المرسلين، الحق خاوانه وخاويناه”.
بهذه الكلمات أو “الهوسة” كما يُسمونها، كان صوت الشاعر الأحوازي ستار صياحي أبو سرور يعلو في كل تظاهرة تخرج في مدن الأحواز العربية ضد تدهور الأحوال المعيشية في مدنهم والتهميشِ من السلطات الإيرانية.
لكن ستار قُتل في نوفمبر 2012 بعد خروجه من المعتقلات الإيرانية، وبقيت كلماته تعلو في الاحتجاجات التي دخلت يومها الـ7 على التوالي، وتواجهها أجهزة الأمن الإيرانية بالقمع والضرب والاعتقالات.
في كل مرة يخرج فيها المحتجون، ترتفع المطالب بالإنصاف ونيل حقوقهم المسلوبة بدءًا من السماح لأطفالهم بتعلم اللغة العربية الأم وصولاً إلى الحصول على ما يستحقونه من عائدات النفط المستخرج من الأحواز العربية.
لكن هذه الاحتجاجات ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، في ظل صمت دولي وعربي، فكيف يتسنى لنا فهم ما يدور في الأحواز؟ ولماذ يحاول النظام الإيراني طمس هويتهم العربية؟ وما السيناريوهات التي ترسم مستقبل الاحتجاجات في الإقليم؟
ماذا يحدث غرب إيران؟
ما يجري اليوم ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة من الاحتجاجات التي بدأت بعد مرور عدة أشهر من قيام الشاه رضا بهلوي بخلع حاكمه الشيخ خزعل الكعبي آخر حاكم عربي لإقليم الأحواز وفرض السيطرة الإيرانية على الإقليم بعد غزوه عسكريًا عام 1925.
وبدأ الشاه الأب ومن ثم الابن “محمد رضا بهلوي” حملة ممنهجة لمحو الهوية العربية وطمس معالم وجودها؛ مما دفع جنود الشيخ خزعل الكعبي وحرسه الخاص الذين كانوا يسمون الغلمان، إلى الوقوف بوجه “سياسة التفريس” والقيام بثورة سميت بثورة الغلمان في 22 من يوليو 1925 بقيادة شلش وسلطان.
ومع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، ساهم الشعب العربي الأحوازي بقوة لإسقاط النظام الشاهنشاهي “الدولة البهلوية” أملاً في عودة دولة الأحواز العربية عبر إقامة نظام ديمقرطي في إيران، وعندما استقر الأمر، وتشكلت أول حكومة مؤقتة، في مرحلة ما بعد الشاه، التقى وفد مع الخميني في مقره بمدينة قم الإيرانية، لكنه لم يُبد تعاطفًا، فكان عرب الأحواز أول ضحايا نظام الجمهورية الإسلامية، وقمعت الحكومة المؤقتة في بداية الثورة انتفاضتهم السلمية التي طالبوا خلالها بإقامة حكم ذاتي لإقليم عربستان “الأحواز”.
وعلى مدار تسعة عقود قاوم الأحوازيون “سياسة التفريس”، وشهدت الساحة الأحوازية ثورات تحررية، وخلال عمليات تمرد مسلحة وحركات غير مسلحة لا تعد ولا تحصى، كرر عرب الأحواز عزمهم على مواصلة نضالهم ومقاومتهم للاحتلال وتأكيد سيادة الأحواز التي ضاعت أمام الغزو الإيراني.
حاولت السلطات الإيرانية ربط الحراك العربي الأحوازي بالعامل الطائفي في المنطقة
وكانت آخر انتفاضة عارمة للأحوازيين في أبريل 2005 ضد سياسات الحكومة الإيرانية الرامية إلى تغيير النسيج السكاني للإقليم، وتهجير العرب من أرض آبائهم وأجدادهم واستبدالهم بمهاجرين من الفرس وسائر القوميات، وتحويل العرب في الأحواز من أكثرية إلى أقلية في موطنهم.
تأثر الأحوازيون عام 2011 بثورات الربيع العربي، وخاصة الثورة السورية، إذ قاموا بمظاهرات سلمية واسعة ولكن التعتيم الإعلامي الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني والإهمال العربي والتجاهل الدولي لقضية الأحواز وعدم تغطيتها ودعمها، ساهم في قمع طهران لهذه الانتفاضة بصمت.
حاولت السلطات الإيرانية ربط الحراك العربي الأحوازي بالعامل الطائفي في المنطقة، وتعرض الأحوازيون إلى القمع والعنف المنظم بدءًا من تصفية النشطاء السياسيين من خلال الإعدامات السرية أو العلنية، وصدور أحكام بالسجن لفترات طويلة، وممارسة التعذيب ضد نشطاء المجتمع المدني وحتى المواطنين العاديين.
وفي أواسط أبريل/نيسان من عام 2011، تناقلت التقارير الحقوقية إطلاق قوات الأمن النار على العشرات من المتظاهرين وقتلهم، في منطقة الأحواز، وشهد العام زيادة حادة في استخدام عقوبة الإعدام.
إنفوجراف – المصدر: إيران بوست
القضية المنسية
تعود أصول عرب الأحواز إلى قبائل عربية أصيلة، وتعد أراضيه من أخصب الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط، وتجري هناك 3 أنهار كبيرة، لكن حكومة طهران تعمل على حرمان السكان من هذه الخيرات الطبيعية، مما يجعل البعض يصف الشعب الأحوازي بأنه “أفقر شعب يسكن أغنى الأراضي خصوبة وخيرًا”.
يحدث ذلك منذ عام 1925، إذ يتعرض الأحواز لعمليات الإعدام بإجراءات موجزة والتهجير القسري والهجرة ومصادرة وتدمير المنازل والممتلكات الشخصية، حتى وصل الأمر إلى تغيير الأسماء العربية لمدن الإقليم إلى أخرى فارسية، كما سبق وتغير اسم إقليم الأحواز الواقع جنوب غرب إيران، على رأس الخليج العربي بمحاذاة العراق من عربستان إلى خوزستان عام 1937.
في ظل النظام الطائفي الأصولي الحاليّ في إيران، يعيش شعب الأحواز في خوف دائم من القمع، حتى إن نظام الملالي الإيراني الحاليّ عمل على استكمال برنامج التطهير العرقي الذي بدأ على يد نظام بهلوي
بات المد العروبي لدى الشعب العربي الأحوازي – رغم أن غالبيتهم من الطائفة الشيعية – يؤرق النظام الإيراني الذي يحاول بكل السبل تحريف المطالب القومية، إلى بؤرة الصراع الطائفي الذي يغذيه في المنطقة أحزاب ومليشيات يمولها ويسلحها ضد هويتها الوطنية والقومية.
وفي ظل النظام الطائفي الأصولي الحاليّ في إيران، يعيش شعب الأحواز في خوف دائم من القمع، حتى إن نظام الملالي الإيراني الحاليّ عمل على استكمال برنامج التطهير العرقي الذي بدأ على يد نظام بهلوي.
وعلى مدى عقود، أظهر النظام الإيراني كراهية عميقة ضد الأحواز الذين يشكلون 10% من السكان، حيث يعيش نحو 10 ملايين من الأحواز العرب في جنوب وجنوب غرب إيران، ويشكلون أحد الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط.
ونظرًا لوجود نحو 85% من البترول والغاز الإيراني، و35% من المياه في هذا المكان، مضت السلطات الإيرانية في مخطط التغيير الديموغرافي ومصادرة الأراضي واضطهاد الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية في إيران وممارسة سياسات التمييز والتهميش الممنهج ضد العرب.
طمس الهوية
كان هدف السيطرة على الأحواز واضحًا منذ البداية، وهو القضاء على كل ما هو عربي في الأحواز، ولم يدَّخر النظام الإيراني جهدًا في التخلص من الثقافة واللغة والتاريخ والكيان الوطني لعرب الأحواز ودمج كل ذلك داخل بوتقة الثقافة الفارسية من خلال حرمانهم من جميع حقوقهم المشروعة.
ولأجيال عديدة، يتلقى الأحواز معاملة قاسية على أيدي السُلطات الإيرانية، وردًا على الانتفاضات الشعبية التي أعقبت الاحتلال الإيراني، أعادت الأنظمة الإيرانية المتعاقبة التوطين القسري لكثير من السكان العرب الأحواز في المناطق الفارسية، كجزء من برنامج التطهير العرقي.
وفي أواخر الأربعينيات، بدأت الحكومة بتوطين “قبائل اللور” البدوية، الذين تفرعوا من الطوائف الفارسية، في المناطق ذات الأغلبية العربية، وخاصة في المدن الغنية بالنفط ومنها أُعيد توطين الشعب العربي قسرًا.
حاولت الأجهزة الإيرانية تزييف وتشويه الهوية الوطنية وثقافة الأحواز من خلال وصفهم بأنهم عرب إيرانيين وأقلية ناطقة باللغة العربية، والهدف من ذلك هو الإيحاء بأنهم ليسوا عربًا في الأصل، ولكنهم فرس أصبحوا مع مرور الوقت وتحت التأثير اللغوي لجيرانهم متحدثين باللغة العربية
تسارعت وتيرة سياسات التطهير العرقي في السنوات الأخيرة في محاولة لتدمير النسيج الديموغرافي في الأحواز، كما تم سحق أي حركة شعبية أو احتجاج تقودها الطبقة السياسية الأحوازية، من خلال تضييق الخناق على المتظاهرين والاعتقالات الجماعية، وإعدام غالبية الشخصيات السياسية البارزة.
وفي محاولة لـ”فرسنة” مناطق الأحواز، جرى تغيير الأسماء العربية التاريخية للمدن وحلت محلها أسماء فارسية، كما تم منع ارتداء اللباس العربي وحظر وتجريم استخدام اللغة العربية في الأحواز، إلى جانب رفض الهوية العرقية للعرب الأحواز.
ومنذ ظهور نظام الجمهورية الإسلامية التي أعقبت نظام الشاه، شرعت السلطات الإيرانية في استخدام مجموعة متنوعة من الإستراتيجيات في جهودها الرامية إلى طمس الهوية العربية في الأحواز، إحدى هذه الإستراتيجيات إدخال المستوطنين الناطقين بالفارسية ومنحهم منازل بين مجتمعات المواطنين العرب بهدف وجود تأثير سلبي على المواطنين العرب في الأحواز.
بالإضافة إلى ذلك، يتم بناء عدد هائل من المدارس والمؤسسات والمراكز لفرض ونشر اللغة والثقافة الفارسية، في حين يتم حجب واستبعاد اللغة العربية وكل ما يرتبط بهوية وثقافة وتاريخ الشعب العربي في الأحواز، حتى بناء مساجد خاصة بهم بات ممنوعًا.
حاولت الأجهزة الإيرانية تزييف وتشويه الهوية الوطنية وثقافة الأحواز من خلال وصفهم بأنهم عرب إيرانيين وأقلية ناطقة باللغة العربية، والهدف من ذلك هو الإيحاء بأنهم ليسوا عربًا في الأصل، ولكنهم فرس أصبحوا مع مرور الوقت وتحت التأثير اللغوي لجيرانهم متحدثين باللغة العربية بسبب قربهم من الدول العربية.
ماذا بعد؟
جرّب الشعب العربي في الأحواز كل القنوات السياسية السلمية للحصول على حقوقه الأساسية والمشروعة والمنصوص عليها في الدستور الإيراني الحاليّ، كما سعى على وجه الخصوص من أجل تطبيق المادتين 15 و19 من الدستور، اللتين تؤكدان حق التعليم باللغة الأم لجميع الجماعات العرقية، بما في ذلك العرب والأتراك والأكراد والبلوش.
لكن النظام الإيراني يرفض تنفيذ هاتين المادتين؛ الأمر الذي يحرم أكثر من 50% من السكان غير الفرس من لغتهم الأم، وبدلًا من ذلك، فرض النظام اللغة الفارسية كلغة رسمية في مناهج التعليم، وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع معدلات الطلاب الذين يتركون المدارس في سن مبكرة في المناطق غير الفارسية المهمشة.
بيد أنه لا خيار أمام الأحوازيين سوى المقاومة والاحتجاج بكل ما أوتوا من قوة وبكل الطرق والأدوات والخروج رجالاً ونساءً إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم أولاً، وليعلنوا أنهم باقون على أرضهم في وجه سياسات نظام الملالي، كما يرى حسن راضي
وفي كل مرة يخرج المحتجون فيها مطالبين الأمم المتحدة بإنقاذهم من بطش النظام الإيراني واعتراف جامعة الدول العربية بقضيتهم، لا يجدون سوى الصمت العربي والدولي.
يفسر صلاح أبو شريف الأحوازي أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية ذلك بأن الدولة الفارسية لعبت دور الشرطي في خدمة المصالح الغربية وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكيية، وكانت الدول الكبرى الحاكم والقاضي والخصم أيضًا؛ لذلك فإن الأمم المتحدة منذ تأسيسها منحازة وتسيِّرها مصالح الدول الكبرى لا سيما مجلس الأمن.
بيد أنه لا خيار أمام الأحوازيين سوى المقاومة والاحتجاج بكل ما أوتوا من قوة وبكل الطرق والأدوات والخروج رجالاً ونساءً إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم أولاً، وليعلنوا أنهم باقون على أرضهم في وجه سياسات نظام الملالي، كما يرى حسن راضي، مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات.