تزايدت في الآونة الأخيرة، العمليات الجوية الأمريكية على الأراضي اليمنية، بحجة استهداف “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” الذي تصنفه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على أنه الفرع الأقوى على مستوى العالم لتنظيم “القاعدة”.
وفي 29 من مارس 2018، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، مقتل أربعة من عناصر القاعدة في ضربة نفذتها القوات الجوية الأمريكية في اليمن، وقال البنتاغون في بيان: “الضربة وجهت لفرع القاعدة في اليمن الذي يعرف بـ(القاعدة في الجزيرة العربية)، بالقرب من محافظة البيضاء”، وذكر البيان أنه “لم يصب أي مدني في الضربة، وأن الغارة هي السابعة من نوعها هناك خلال الشهر الحاليّ”.
تأتي هذه العمليات الجديدة، في سياق تفعيل ما تضمنه البرنامج الانتخابي الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يتعلق بسياساته إزاء الشرق الأوسط، ووضع على رأس قائمته، مكافحة ما يوصف بـ”الإرهاب”، في إشارة واضحة إلى ملف التنظيمات “الجهادية” المسلحة التي تنشط في أكثر من بلد عربي في وقتنا الراهن.
لكن لو عدنا إلى الخلف عامًا واحدًا، فإن الضربات الأمريكية على القاعدة في اليمن، تنشط فقط في مارس من كل عام، وهو ما يثير علامات استفهام عدة بشأن نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، لا سيما أن الإمارات العربية المتحدة الحليف الأمريكي الأول في منطقة الشرق الأوسط الذي يقول إنه يحارب القاعدة في اليمن، ينخرط في صفوف القوات التي تدعمها العديد من القيادات الإرهابية والسلفية المتشددة التي تؤمن بأبجديات ومنهج الوهابية والداعشية.
فعمليات يوم الثاني من مارس 2017، أي قبل عام من ضرباتها الجديدة هذا العام، كانت الأكبر للولايات المتحدة في اليمن منذ 2014، فقد بلغ عدد الضربات الجوية التي نفذتها المقاتلات والطائرات الأمريكية من دون طيار أو ما يُعرَف بـ”الدرونز” في يوم واحد، 25 عملية، وتوقع حينها المراقبون أن تزداد هذه العملية وعمليات أخرى، مثل الإنزال المباشر والقصف عبر البوارج الأمريكية، لكن هدأت تلك الضربات حتى نهاية شهر مارس من هذا العام، لتعلن وزارة الفاع الأمريكية مقتل أربعة من عناصر تنظيم القاعدة.
تم تأسيس التنظيم فعليًا في اليمن وأعلن رسميًا، عام 2009، ويعتبر فرعًا لتنظيم “القاعدة” الذي كان يتزعمه أسامة بن لادن
العمليات الأمريكية على الأراضي اليمنية، وسكوتها عن تجفيف منابع الإرهاب الحقيقية، يزيد من جراح اليمن الذي يعاني في الوقت الراهن من أزمة تُعتبر الأكبر في تاريخه، وأحد أسوأ الأزمات السياسية والإنسانية التي طالت أكثر من عشرين مليونًا من أبناء الشعب اليمني، بحسب أرقام الأمم المتحدة وتقاريرها، بالإضافة إلى ظهور مخططات لأطراف إقليمية لإعادة إحياء مشروع تقسيم اليمن، وفق رؤية جديدة، تشمل ما كان يُعرَف باليمن الجنوبي، بالإضافة إلى عناصر القوة الاقتصادية والجيوسياسية الإستراتيجية التي تملكها المناطق الشمالية، مثل بعض الموانئ اليمنية على البحر الأحمر، ومصادر النفط.
التأسيس الفعلي
تم تأسيس التنظيم فعليًا في اليمن وأعلن رسميًا عام 2009، ويعتبر فرعًا لتنظيم “القاعدة” الذي كان يتزعمه أسامة بن لادن، وكان أميره في اليمن أنور العولقي الذي قتل بطائرة دون طيار في 30 من سبتمبر 2011، في منطقة الجوف باليمن.
وأدرجت الولايات المتحدة، في العام نفسه 2009، هذا التنظيم على قائمة الكيانات الإرهابية، واستهدفت مواقعه وقياداته بغارات من طائرات دون طيار، وقتلت في 2011 القيادي أنور العولقي، وفي منتصف يونيو/حزيران 2015 ناصر الوحيشي زعيم التنظيم السابق.
أهم عملياته
كان تنظيم القاعدة قد شن في 12 من أكتوبر عام 2000 هجومًا على المدمرة الأمريكية كول أدى إلى مقتل 17 جنديًا أمريكيًا، كما نفذ عمليتين: الأولى في 2 من يوليو 2007 واستهدف سياحًا إسبانًا في معبد مأرب، بينما الثانية وقعت في 17 من سبتمبر 2008 واستهدفت السفارة الأمريكية بالعاصمة صنعاء.
تتركز القاعدة في المحافظات المجاورة (شبوة وأبين) اللتان زادت رقعة نشاطها فيها نظرًا للدعم الآتي لعناصر قيادية في تنظيم القاعدة، تحت ذريعة محاربة الحوثيين
والاعتداء الفاشل على طائرة ركاب أمريكية في ديترويت في ذكرى الميلاد عام 2009، ثم الطرود المفخخة عام 2010، كما تبنى التنظيم هجمات في الخارج بينها الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو الأسبوعية الفرنسية الساخرة (12 قتيلاً في الـ7 من يناير 2015).
معاقل التنظيم
تحتضن عدة محافظات يمنية كالعاصمة صنعاء شمالاً، والبيضاء بوسط اليمن، وحضرموت وعدن وأبين جنوبًا، المئات من مقاتلي داعش من عدة جنسيات أجنبية كالأمريكية والكندية والبريطانية والفرنسية والأسترالية، وبلدان شرق آسيا وجنوب القارة الإفريقية، بالإضافة لعدة جنسيات عربية يسكنون في أماكن تسمى “المأوى” ويتخذون منها دور دعوة لنشر الفكر المتطرف عبر لقاءات عما يسمونه “الجهاد”، وعرض أفلام مسجلة بمناطق يسيطر عليها التنظيم في دول كالعراق وسوريا، وكذلك إعداد مقاتليهم، والتجهيز لعملياتهم، كما يوجد عدد كبير من مقاتلي داعش داخل مدينة المكلا التابعة لمحافظة حضرموت، على شكل خلايا نائمة.
سيطر عناصر التنظيم على مدينة المكلا الساحلية، عاصمة محافظة حضرموت، منذ مطلع أبريل من العام 2015.
وتتركز القاعدة في المحافظات المجاورة (شبوة وأبين) اللتان زادت رقعة نشاطها فيها نظرًا للدعم الآتي لعناصر قيادية في تنظيم القاعدة، تحت ذريعة محاربة الحوثيين، مستغلة بذلك غياب أو عدم جاهزية مؤسسات الدولة في المحافظات اليمنية التي تتحكم بها قوات التحالف العربي، إضافة إلى أنها تبسط سيطرتها على غالبية المناطق في العاصمة عدن تحت ما يسمى الحزام الأمني.
بحسب “البنتاغون”، وأبجديات أمريكا إعلاميًا، فإنها تقول إن تكثيف العمليات ضد عناصر وقيادات القاعدة في اليمن “جزء من خطة لمطاردة هذا التهديد الفعلي”
يمتلك تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية اليمنية التي تسيطر عليها قوات موالية للإمارات العربية المتحدة، عدة معسكرات تدريب لعناصره والمستجدين فيه، بالإضافة لامتلاكه مخزونًا كبيرًا من العتاد والآليات العسكرية، الثقيلة والمتوسطة، بالإضافة لكميات كبيرة من الذخيرة، حصل عليها من معسكر اللواء 27 ميكا التابع للمنطقة العسكرية الثانية، بعد دخوله مدينة المكلا في 2 من أبريل 2017.
كما يمتلك التنظيم مبالغ مالية ضخمة تقدر بعدة مليارات من الريالات اليمنية تم السطو عليها من فرع البنك المركزي بالمدينة، ويستخدمها الآن في تمويل عملياته العسكرية.
أسباب نشاط الغارات الأمريكية
منذ نهاية يناير 2017، وبعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض مباشرة؛ بدا من الواضح أنه قد بدأ العمل مباشرة بإستراتيجيته التي أعلنها لمكافحة ما يوصف بالإرهاب، وبدا كذلك أن اليمن – وليس سوريا – سوف يكون البلد الأهم في عين عاصفة الآلة الحربية الأمريكية التي تبحث عن أهداف في الشرق الأوسط.
وفي 29 من يناير 2017، نفَّذت قوات أمريكية خاصة عملية إنزال ضد التنظيم في محافظة البيضاء، وسط اليمن، كما نفذت عناصر من مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” عملية أخرى الخميس 2 من مارس، في منطقة “موجان” الجبلية شرقي بلدة “شُقرة”، بمحافظة أبين.
وعقب تلك العمليات، تداولت وسائل إعلام دولية، تقارير أن واشنطن عثرت في الوسائط الإلكترونية التي عثرت عليها القوات الأمريكية الخاصة، خلال عملية الإنزال في البيضاء يناير 2017، على وثائق تقول إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، يخطط للتحرك ضد المصالح الأمريكية، وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مسألة أن التنظيم كان يخطط لذلك بالفعل، وأنه تمدد بسبب الحرب التي أدت – على أبسط تقدير – إلى اختفاء السلطة من الكثير من المناطق اليمنية.
وبحسب البنتاغون وأبجديات أمريكا إعلاميًا، فإنها تقول إن تكثيف العمليات ضد عناصر وقيادات القاعدة في اليمن “جزء من خطة لمطاردة هذا التهديد الفعلي، والتأكد من إلحاق الهزيمة بهم وحرمانهم من فرصة التآمر، وشن هجمات إرهابية من مناطق غير خاضعة لسلطة”.
أسباب الغارات الأمريكية ربما لذر الرماد في العيون، لأنه لو توفرت جدية لمحاربة القاعدة فإن أولى الخطوات تجفيف منابع الدعم للقاعدة في اليمن ومحاسبة القادة العسكريين والسياسيين الذين يقدمون الدعم السخي للقاعدة جهرًا وسرًا
تقول الولايات المتحدة الأمريكية إن “القاعدة “تستفيد من المناطق الخارجة عن نطاق السلطة في اليمن، من أجل إعداد أو توجيه هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
لا تُعتبر الضربات الأمريكية الأخيرة بدعًا من سياسات واشنطن التي تعتمد التدخل العسكري كأحد أدوات سياساتها الخارجية الأساسية والمطروحة دائمًا على الطاولة، كما أنها ليست بجديدة على السياسة الأمريكية إزاء الملف اليمني، حتى قبل أحداث فبراير من العام 2011.
القاعدة في اليمن موضوع قديم جديد وقد توسعت في ظل حالة الفوضى التي شهدها خاصة في مناطق الجنوب إلى درجة أنها استطاعت إسقاط مدن كبيرة كالمكلا وتحظى بدعم خفي من قوى الصراع واستخدامها كأداة صراع ضد الخصوم، وتُتهم الشرعية أحيانًا أنها توفر المعسكرات والتدريب والتسليح لعناصرها، نتيجة لأن غالبية أعضائها انخرطوا في بعض وحدات الجيش أو ما يسمى قوات الحزام الأمني، وأحيانًا يدعمها الحوثيون في مناطق الخصوم كالبيضاء ليؤكدون نظريتهم للعالم أنهم ما يحاربون إلا الإرهاب، رغم أن سلوكهم يتشابه بل يتطابق كل أفعالهم، ولا فرق بين الحوثيين وتنظيم القاعدة أو داعش، فيحملان نفس المشروع، لكن كل يجير الإسلام لمصالحه السياسية.
أسباب الغارات الأمريكية ربما لذر الرماد في العيون، لأنه لو توفرت جدية لمحاربة القاعدة فإن أولى الخطوات تجفيف منابع الدعم للقاعدة في اليمن ومحاسبة القادة العسكريين والسياسيين الذين يقدمون الدعم السخي للقاعدة جهرًا وسرًا.
القاعدة تهدد مصالح دول العالم في اليمن، لكن لو هناك نية حقيقية للقضاء عليها، سيتم ذلك خلال فترة وجيزة، لكن ما يتم حاليًّا من إعداد لهذا التنظيم في اليمن، والسماح له بتأسيس أرضية خصبة له، سيكون في المستقبل قوة مدمرة، وسيكون القضاء عليه أصعب من التنظيم الأم في أفغانستان، لأن موقع اليمن والتنظيم غير موقع أفغانستان.
هذه الصورة الشاملة للموقف، تقول إن اليمن لن يعرف استقرارًا قريبًا، حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار
فاليمن يطل على الخليج العربي والبحر الأحمر، وسيكون الممر الملاحي الدولي في مرمى نيران القاعدة، وهو ما قد تعاني منه كثير من الدول العالمية التي ترتبط مصالحها بهذا الممر المائي.
والأكثر خطورة في تدريب وتهيئة القاعدة في اليمن، هو تدريب عناصرها من الإمارات لاقتحام المدن وتنظيم الأمن والقتل بدم بارد، وهو ما قد يشكل خطورة كبيرة في المستقبل سواء على التحالف العربي وقواته في عدن أو الجنوب اليمني بشكل خاص، أو اليمن على وجه الخصوص.
وعلى كل، فإن هذه الصورة الشاملة للموقف، تقول إن اليمن لن يعرف استقرارًا قريبًا، حتى ولو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما يجب وضعه في حسبان الساسة اليمنيين صناع القرار السياسي، فهذا الملف يمكنه أن يكون ورقة تفاوض رابحة مع الولايات المتحدة، تفرض أمورًا بعينها على معادلة السياسة والحكم في اليمن بعد الحرب.