قطعت المملكة العربية السعودية شوطًا كبيرًا في تهيئة الأجواء العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز سيكون “التطبيع الكامل مع “إسرائيل””، وفتحت الباب على مصرعيه أمام الدول العربية الأخرى لتغيير علاقتها مع دولة الاحتلال وتقبلها كواقع جديد في المنطقة.
التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، بأن لـ”إسرائيل” حق في الأرض الفلسطينية ويمكن التعايش معها مستقبلًا، وبلاده ليس لديها مشكلة مع اليهود، كشفت الوجهة الحقيقية التي تريد أن تصل إليها “الرياض الجديدة” في علاقتها مع دولة الاحتلال بعد أن رفعت كل المحظورات التي كانت في السابق تُجرم هذا الطريق.
الإثنين الماضي فجر ابن سلمان مفاجأة مدوية وقال: “في حال التوصل إلى سلام ستكون هناك مصالح بين “إسرائيل” ودول الخليج ومن بينها السعودية”، مضيفًا “الشعب اليهودي له حق في دولة قومية في جزء من موطن أجداده، والفلسطينيون والإسرائيليون لهم الحق في امتلاك أراضيهم الخاصة”.
وردًا على سؤاله عما إذا كان هناك إمكانية أن يكون هناك مصالح مشتركة بين بلاده و”إسرائيل”، قال ابن سلمان: “إسرائيل” اقتصاد كبير مقارنة بحجمها، وهي اقتصاد متنام، وبالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها معها، وإذا كان هناك سلام، سيكون هناك الكثير من المصالح بينها وبين مجلس التعاون الخليجي، ودول وبلدان مثل مصر والأردن”.
صداقة “إسرائيل”
تصريحات ابن سلمان التقفتها “إسرائيل” بكل ترحيب وبدأ محللوها وسياسيوها يتغنون بها، حتى وصلت لأن يشبهوه بـ”نتنياهو”، وتصدرت التصريحات الصحف ونشرات وسائل الإعلام العبرية المختلفة، فقالت صحيفة “هآرتس”، بأن ما قاله ابن سلمان “اعتراف بدولة “إسرائيل”.
موقع “والا” العبري هو الآخر تناول تصريحات ابن سلمان، مشيرًا إلى أن “ولي العهد السعودي يواصل تبني سياسة الصداقة مع “إسرائيل”
كما أوردت صحيفة “يسرائيل هايوم”، المقربة جدًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خبر المقابلة مع ابن سلمان، قائلة: “ولي العهد السعودي يُواصل إطلاق التصريحات المفاجئة”.
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن ابن سلمان “ساوى مرة أخرى ألمانيا النازية مع إيران، وقال للصحيفة الأمريكية إن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، يجعل من هتلر يبدو جيدًا، وأن هتلر لم يقُم بفعل ما يفعله خامنئي؛ فالأول أراد احتلال أوروبا، أما خامنئي فيريد احتلال العالم”.
وكتب كذلك الكاتب والمحلل الإسرائيلي مير طبعون قائلاً: “تشير تصريحات ولي العهد محمد بن سلمان إلى مجلة أتلانتيك إلى اعتراف سعودي واضح بحق “إسرائيل” في الوجود كدولة قومية”.
موقع “والا” العبري هو الآخر تناول تصريحات ابن سلمان، مشيرًا إلى أن “ولي العهد السعودي يواصل تبني سياسة الصداقة مع “إسرائيل” والشعب اليهودي بتصريحه عن حقّ اليهود في دولة خاصة بهم”.
وفي موقع والا أيضًا قال الكاتب غيا اليستر: “تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤشر جديد على احترام العلاقة بين “إسرائيل” والسعودية”، وأضاف “السعودية ليس لها علاقات مع “إسرائيل”، ولكن وراء الكواليس هناك تقارير تفيد بأن الاتصالات بين الجانبين جارية بسبب الخوف المشترك من إيران”.
بدوره أبدى موقع “غلبوز” تعظيمًا كبيرًا لتصريحات ابن سلمان، وقال: “الأمير السعودي يصنع التاريخ ويعترف بحق “إسرائيل” في الوجود”.
وعن تصريحات ولي عهد السعودية، أكد الكاتب الإسرائيلي أوريل بئيري، في موقع “سروجيم”، أن ابن سلمان يقدّم دليلًا جديدًا وواضحًا عن تحسن العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية.
قال أحمد المدلل القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: “تصريحات ولي العهد السعودي بأن للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أراضيهم، لا مسؤولة ومرفوضة”
فيما أشار يوني ين مناحيم، من معهد القدس للدراسات الإقليمية، إلى أن هذه التصريحات تسببت بحصول “هجوم شرس في العالم العربي ضد ولي العهد السعودي”، وذلك في مقال له حمل عنوان “ابن سلمان ونتنياهو وجهان لعملة واحدة”.
إشعال غضب فلسطين
لكن على الصعيد العربي والإسلامي، خلقت تصريحات ابن سلمان صدمة كبيرة، فيما اشتعل الشارع الفلسطيني غضبًا عليها، لما تمثله من خطورة حقيقية وغير مسبوقة على القضية والمشروع الوطني، وشرعنه لوجود الاحتلال الإسرائيلي.
وقال أحمد المدلل القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: “تصريحات ولي العهد السعودي بأن للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أراضيهم، لا مسؤولة ومرفوضة، لأنها تأتي في سياق تصفية القضية الفلسطينية، بتزامنها مع مشاريع تصفيتها، خدمةً للعدو الصهيوني”.
وأضاف “حديث ابن سلمان يحمل مغالطات تاريخية، لأن فلسطين ليست أرضًا لليهود، الذين يُعتبر وجودهم عابر عليها لـ60 أو 70 عامًا، وانتهي منذ قرون، بينما شعبنا أقام حضارة كبيرة فيها، إلى أن جاء وعد بلفور، واعتبرها أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض”.
وشدد قائلًا: “تصريحات ابن سلمان مستهجنة ومستغربة، من ولى عهد المملكة التي تتبوأ مكانة الدفاع عن الإسلام، كما تقول عن نفسها، أي الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، الذي يعد أحد ثلاثة مساجد تشد لها الرحال، وتعتبر نفسها أيضًا ظهيرًا لشعبنا”، على حد قوله.
وفيما يتعلق بمحاولات الرياض الزج بالقضية الفلسطينية في أتون صراعاتها الإقليمية، أكد أن “هناك قوى عربية رجعية تهدف إلى استبدال العدو المركزي للأمة الإسلامية، بعدو وهمي “إيران” الداعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه وكذلك الحقوق العربية”.
تأتي تلك التصريحات العلنية لولي عهد السعودية – التي صدمت حتى المجلة الأمريكية نفسها – بعد رصد تطبيع سعودي إسرائيلي متنامي خلال الفترة الماضية
وشدد أن الصراعات السعودية مع إيران أو أي دولة أخرى، ينبغي ألا تكون على حساب شعبنا المتمسك بكامل حقوقه الوطنية على أرض فلسطين، لطرد الكيان الإسرائيلي الذي يعد نبته غريبة وسط المحيط العربي والإسلامي، بالمقاومة والجهاد.
وفي ذات السياق، أكد الناطق باسم حركة فتح عاطف أبو سيف، أن تصريحات ولي العهد السعودي، في غير مكانها، لأن التطبيع مع “إسرائيل” دون التزامها بالحقوق الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها إقامة الدولة وعاصمتها القدس وفقًا لمقررات قمة بيروت، قلب للحقائق وذر للرماد بالعيون.
وقال أبو سيف: “إسرائيل” تحاول أن تبدأ من الخواتم وليس البدايات، بمعنى أن يُطًبع العرب معها ومن ثم تنظر إلى الحقوق الفلسطينية، الأمر المنافي للمنطق، وشدد أن “الأزمة الأساسية أن الشعب الفلسطيني لا يعيش بسلام على أرضه، ولذلك يجب تركيز الجهود العربية نحو تجريم الاحتلال، عبر مطالبات لعقد محاكمات لجنرالاته، واستصدار قرارات أممية تدعم صمود شعبنا”.
ونوه إلى “ضرورة إسناد العرب للمقاومة الشعبية وجعلها جزءًا من إستراتيجية وطنية شاملة، لأنه دون ذلك لا يمكن لشعب آخر في أي دولة أخرى العيش بسلام وأمان”، داعيًا لتجنيب القضية الفلسطينية الصراعات والتجاذبات بين “إسرائيل” ودول المنطقة، مضيفًا “استخدام فلسطين في التجاذبات الإقليمية تشويه للمستقبل وليس الحاضر فقط، الأمر الذي سيحدث ضررًا للقضية وشعبنا”.
وتأتي تلك التصريحات العلنية لولي عهد السعودية – التي صدمت حتى المجلة الأمريكية نفسها – بعد رصد تطبيع سعودي إسرائيلي متنامي خلال الفترة الماضية، كان أحدثه السماح للطيران الهندي المتوجه لتل أبيب التحليق في أجواء المملكة في سابقة هي الأولى في التاريخ السعودي.