ترجمة حفصة جودة
في ميناء تلك المدينة الساحلية غرب اليمن، رست آلاف من سفن الصيد الملونة بالأزرق الساطع والرسومات المعقدة وبعضها يقف هنا منذ عام 2015، هذا الميناء المصاب بالشلل يذكرنا كيف أثرت الهجمة السعودية على اليمن – التي أتمت مؤخرًا عامها الثالث – على البلاد ومواطنيها بشكل كبير.
عندما اندلعت الحرب في مارس 2015؛ فرض التحالف الذي تقوده السعودية حصارًا على جميع الموانئ التي يسطير عليها المتمردون الحوثيون، وكان التحالف يستهدف بشكل واضح قوارب الصيد التي تبعد كثيرًا عن شواطئ الحوثييين؛ حيث ادعت أن الصيادين يهربون الأسلحة من خلالها إلى الحوثيين.
كان لهذا الحصار تأثيره المدمر على معيشة آلاف الصيادين في اليمن؛ حيث يواجهون خيارات مستحيلة ما بين الفقر الشديد أو السجن أو الموت، يقول حسين إن أخيه علي – 40 عامًا – أحد الصيادين الذين فقدوا عملهم في ميناء الحُديدة عام 2015 ويضطر الآن للاعتماد على المساعدات لإطعام أفراد أسرته الثمانية.
صياد يمني يبيع ما تمكن من صيده في الحديدة
في مايو 2017 قرر علي أن يبحر بعيدًا عن شاطئ ميناء الحُديدة مثلما اعتاد قبل الحرب، لأن المياه القريبة من الشاطئ نفدت منها الأسماك، كان علي يعلم جيدًا أنه معرض لخطر الاستهداف بالضربات الجوية السعودية أو السفن الحربية لأنه أبحر بعيدًا، لكنه أكمل طريقه رغم ذلك بعد أن قضى عامين في محاولة العثور على أي عمل آخر.
يقول حسين: “اعتقل البحارة السعوديون أخي ومعه بعض الصيادين الآخرين واحتجزوهم في سجن بمدينة نجران السعودية، إنه محظوظ لأنه اعتقل بدلاً من استهدافه بضربة جوية”، ويضيف حسين: “صحيح أن أخي في السجن لكننا لا نشعر بالحزن الشديد، فقد قتلت الغارات الجوية العشرات من زملائنا الصيادين في عرض البحر”.
مقتل العشرات في الضربات الجوية والبحرية
وفقًا لرئيس اتحاد صيادي اليمن في الساحل الغربي عبد الله باحيدر؛ فقد اعتقل التحالف الذي تقوده السعودية أكثر من 80 صيادًا من المياه الإقليمية اليمنية كما استهدف 20 قارب صيد بالضربات الجوية؛ مما أدى إلى مقتل العشرات منذ مارس 2015.
كانت صحيفة عكاظ السعودية قد قالت في تقرير لها في يناير 2017 إن الحوثيين يجبرون صيادي اليمن في الحُديدة على تهريب الأسلحة، وتحدثت صحف أخرى ومسؤولون عن تهريب الصيادين للأسلحة، لكن الصيادين أنكروا تلك الاتهامات وأكدوا رفضهم التورط في تلك القضية.
“لا أتحمل أن أرى أسرتي تعاني بينما البحر ممتلئ بالأسماك” – حسين، صياد يمني
يقول حسين: “يعتبر الصيادون العائل الوحيد لأسرهم، وجميعهم يعارضون الحرب ويكرهون السياسة التي أدت إلى حرمان الناس من أعمالهم، ونحن نأمل أن يكون هناك أي إشراف من أي نوع على الصيادين بحيث لا يمنعهم من استكمال عملهم”.
ويرى حسين أن المخاطر التي يتعرض لها الصيادون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لن تمنعهم من ممارسة عملهم، فالصيادون لا يملكون أي عمل آخر، لذا سوف يواصلون الإبحار رغم الضربات الجوية وبذلك سيقع المزيد من الضحايا بين الصيادين.
يضيف حسين: “لا أتحمل أن أرى أسرتي تعاني بينما البحر ممتلئ بالأسماك، وإذا استهدفتني غارة جوية، فالسعودية تتحمل كامل المسؤولية عن دمي”.
ولا يعاني الصيادون فقط في مناطق سيطرة الحوثيين من سياسات السعودية الصارمة، ففي المخا – مدينة ساحلية تقع جنوب غرب اليمن – وتسيطر عليها القوات السعودية، يوجد العديد من الصيادين النازحين من مناطق مثل تعز بعد أن أصبحت مناطق عسكرية موالية للحكومة، هؤلاء الصيادون منعتهم السعودية أيضًا من الإبحار لأن المدينة بها قاعدة عسكرية للتحالف.
“لقد ترك آلاف الصيادين الحُديدة وذهبوا إلى الريف فلم يعد بإمكانهم تحمل نفقات المعيشة في المدينة” – اتحاد صيادي اليمن
في الوقت نفسه تضاعفت تكلفة الصيد في حضرموت والمناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة نظرًا لارتفاع أسعار الوقود، كما أن قوات التحالف حظرت الصيد في بعض المناطق أيضًا، يقول أحد الصيادين من حضرموت: “لقد ارتفعت أسعار الوقود كما أننا ندفع المزيد من الضرائب، وفي الوقت نفسه لم يعد بإمكان الناس تحمل أسعار السمك الباهظة، هذا هو السبب الرئيسي وراء التراجع في الصيد”.
الأطفال يذهبون للنوم جوعى
يقول الاتحاد اليمني لصيادي السمك في الساحل الغربي إن غالبية الصيادين الذي يقدر عددهم بنحو 150 ألف صياد اضطروا إلى تقليص عملهم أو التوقف عنه مما أدى إلى وقوع 70% منهم في براثن الفقر، يقول حسين إن بعض الصيادين مستعدون للمخاطرة بحياتهم في الصيد بدلاً من مواجهة البديل وهو الجوع أو الموت.
ويضيف: “لقد قرر أخي الإبحار بعيدًا عن الشاطئ لأنه لم يتمكن من توفير الطعام لأطفاله، لقد أجبرته المعاناة على المخاطرة بحياته، وليس أخي فقط من يفعل ذلك، فالكثير من الصيادين يواجهون الفقر ويعتمدون على المنظمات وفاعلي الخير لمساعدتهم”.
يقول عبد الله باحيدر رئيس اتحاد صيادي اليمن: “لقد ترك آلاف الصيادين الحُديدة وذهبوا إلى الريف فلم يعد بإمكانهم تحمل نفقات المعيشة في المدينة، معظم هؤلاء الصيادين يعتمدون على المساعدات من المنظمات الدولية والمحلية ومن بينها برنامج الغذاء العالمي”.
ترك الحصار السعودي لموانئ اليمن 70% من الصيادين يعانون من الفقر
كان محمد الزبيري وزير الثروة السمكية في حكومة الحوثي بصنعاء قد اتهم التحالف بقيادة السعودية في مؤتمر صحفي في منتصف شهر مارس، أنه استهدف الصيادين وقواربهم والموانئ في الثلاث سنوات الماضية، وقال الزبيري إن التحالف تسبب في خسارة مالية فادحة في قطاع الصيد، وأضاف أن التحالف دمر 11 مركزًا لتجميع أسماك الصيد في البحر الأحمر عام 2017 فقط.
توقف الكثير من الصيادين عن العمل وتركوا قواربهم في ميناء الحُديدة، بينما يكافح آخرون للعثور على فرص عمل جديدة وسط الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، يعيش أكرم حسني – صياد في الأربعينيات من عمره – في منزل صغير بإحدى ضواحي الحُديدة مع عائلته المكونة من 7 أطفال ويعتمد على المنظمات الخيرية والتبرعات للحصول على الطعام.
يقول أكرم إنه حاول البحث عن عمل بديل، لكنه كالكثير من الباحثين عن عمل في الحُديدة لم يتمكن من الوصول إلى شيء، ويضيف: “في بعض الأحيان لا أجد المال لكي أشتري الخبز ويذهب أطفالي للنوم وهم جوعى، حاولت أن أبيع قاربي لكن لا أحد يرغب في شراء قارب، في الحقيقة يرغب الكثير من الصيادين في بيع قواربهم، فالتحالف السعودي يمنعنا من الصيد ويجبرنا على الجوع حتى الموت، إنهم لا يأبهون لمعاناتنا، هذا التصرف ليس إنسانيًا على الإطلاق، إنها جريمة عندما يقفون لمشاهدتنا نجوع حتى الموت ولا يقدمون المساعدة.”
المصدر: ميدل إيست آي