تحت ربقة الاستعمار لاحت في الأفق معالم حركة طلابية مغربية، نتيجة التطور التدريجي للتعليم العصري، وتزايد أعداد الطلبة المغاربة في فرنسا، وأسست عدة جمعيات طيلة فترة الاحتلال (1912- 1956)، لم ترتق إلى المستوى التنظيمي الذي أبانت عنه الحركة الطلابية بعد الاستقلال.
برزت الحركة الطلابية كامتداد للحركة الوطنية، فأصبحت قوة اجتماعية وسياسية مع تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عام 1956، المنظمة الأبرز في تاريخ الحركة الطلابية.
لم يعد بالإمكان التمييز بين الحركة ومنظمتها القوية، رغم محاولة إيجاد منظمات بديلة نتيجة الانشقاق الذي عرفه حزب الاستقلال عام 1959، وتبعية “أ.و.ط.م” للحزب الجديد: الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقرر حزب الاستقلال عام 1962، تأسيس الاتحاد العام لطلبة المغرب، باعتباره نقابة بديلة عن “أ.و.ط.م” التي انحرفت عن مسارها النقابي بحسب الحزب، لكن الاتحاد العام بقي منظمة استقلالية ولم تشتغل من داخلها أي من الأطراف السياسية في الجامعة منذ عام 1956.
استطاعت الحركة الطلابية التأثير في الصراع الاجتماعي والسياسي خلال عقود الاستقلال الأولى، وتعزيز قوة الأحزاب الوطنية والقوى الديمقراطية التي خسرت معركة الاستقلال، بعد تحالف الملكية مع القوى التقليدية التي طالما ارتكز عليها الاستعمار؛ فأيدت الحكومات الثلاثة الأولى بعد استقلال المغرب، وبتولي الملك محمد الخامس وابنه الحسن الحكومة الخامسة في تاريخ المغرب، تحولت “أ.و.ط.م” إلى قوة معارضة.
نظمت الحركة الطلابية من 1956، في إطار “أ.و.ط.م”، 16مؤتمرًا ناجحًا، وفشلت في إنجاح المؤتمر السابع عشر عام 1981، وحاولت الفصائل الطلابية عقد مؤتمر استثنائي وإعادة هيكلة المنظمة الطلابية دون جدوى، ففقدت الحركة تدريجيًا إطارها التنظيمي، وتعمقت أزمتها مع تفشي العنف داخل الجامعة، وتحولها من حركة طلبة المغرب إلى حركة فصائلية متصارعة على الشرعية.
رغم الأزمة المفتوحة فإن الحركة الطلابية ظلت رافدًا مهمًا للحركات الاجتماعية، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان مدرسة حقيقية تخرج الأطر السياسية والحزبية، والعديد منها اليوم أطر سياسية في خدمة النظام السياسي.
كانت السياسة التعليمية بالمغرب المُستعمَر طبقية على نحو سافر، وأداة قسرية لإعادة الإنتاج الاجتماعي
إن تاريخ الحركة الطلابية تاريخ حافل بالتضحيات والنضالات، فقد قدمت عشرات الشهداء وآلاف المعتقلين وما زالت، فقد تكونت ملامحها منذ الاستعمار، وأدت أدوارًا قوية في مغرب الاستقلال، ومر تاريخها من عدة منعرجات، وما زال تاريخها الراهن قسد الكتابة، فقد فرضت العديد من المتغيرات إعادة صياغة طبيعة الحركة الطلابية المغرية ويطرح اليوم، بعد تجربة تاريخية طويلة، أي تنظيم ممكن وضروري للحركة.
ولادة الحركة
خلال فترة الاستعمار قسمت السلطة الكولونيالية النظام التعليمي بالمغرب إلى ثلاثة أصناف: مدارس للأوربيين تعتمد النظام المطبق في فرنسا (ابتدائي – إعدادي – ثانوي)، وأخرى لليهود تعتمد على مدارس الرابطة اليهودية العالمية، وفتحت أول قسم بمدينة تطوان عام 1862، وثالثة للمسلمين مقسمة بين الأعيان والعموم.
ولم توجد إلا ثانويتين بمراكش والرباط، وإعدادية بفاس ببضع مئات من التلاميذ، نصفهم لا يكمل دراسته، أما التعليم العالي فلم يتجاوز عدد الطلبة الذين وصلوا إليه، في جامعات المشرق وفرنسا، عشر طلاب، ومجموع التلاميذ المغاربة الذين حصلوا على شهادة البكالوريا طيلة فترة الاستعمار (1912 – 1956) لم يتعد 520 تلميذًا.
أما التعليم التقليدي، فقد كانت جامعة القرويين مركزه، ويعتبر ضمن سلك التعليم العالي، إذ يتخرج طلبة مجازون من لدن شيوخ ليحملوا لقب عالم، وقد لعبت هذه الجامعة دورًا مهمًا في الثقافة التقليدية المغربية، حسب روبير مونطاني (R. Montagne) الذي أكد أن التعليم التقليدي كان حليفًا للاستعمار وفي خدمته، ولم يصلح أو يعصرن خلال الحماية، إذ ظلت المعارف التي تلقن فيه دون تغيير منذ خمسة قرون مضت، ولقطع الطريق على الوطنيين صدر قرار وزاري بتاريخ 10 من مايو 1933، يمنع على الأساتذة والتلاميذ بجامعة القرويين، التدخل في الشؤون السياسية.
تظاهرة لطلاب جامعة القرويين ضد الاستعمار الفرنسي
كانت السياسية التعليمية بالمغرب المستعمر طبقية على نحو سافر، وأداة قسرية لإعادة الإنتاج الاجتماعي، وقد عَبَّر عن هذا التصور بول مارتي (Paul Marty)، أحد المسؤولين الكبار في مديرية التعليم زمن الحماية قائلاً: “يجب على الفلاح الصغير أن يعود إلى أرضه بعد مغادرة المدرسة، ويجب أن يصبح ابن العامل في المدينة عاملاً فيما بعد، وابن التاجر تاجرًا، وابن الموظف موظفًا، يجب أن يتلقى كل طفل علمًا يتلاءم ووسطه الخاص ليبقيه في وسطه ويجعله أكثر تأهلاً للعب دوره الاجتماعي مهما كان هذا الدور متواضعًا”.
ارتبطت الحركة الطلابية في نشأتها بالحركة الوطنية وحزب الاستقلال القوي آنذاك
بالمقابل عمل رموز الحركة الوطنية على تشييد المدارس الحرة التي تعزز انتشارها بين عامي 1931 و1944، إذ انتقل عدد تلاميذها من 1.500 تلميذ سنة 1925 موزعين على 17 مدرسة، ليصل العدد 5.000 سنة 1937، ثُمَّ 7.000 سنة 1945 و20.000 سنة 1950، لـ121 مؤسسة، موازاة مع ذلك وصل عدد التلاميذ المسلمين في المدارس العمومية إلى 117.156.
ونتيجة الطبيعة النخبوية للتعليم لم تتضح بعد ملامح الحركة الطلابية المغربية، ولم ينطلق تاريخها التنظيمي رغم المحاولات الأولى: جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا 1912، اتحاد الطلاب المغاربة 1925، ثم الجمعيات الثلاثة: الجمعية العامة لطلبة المغرب 1947، وجمعية الطلاب المغاربة 1948، واتحاد الطلاب المغاربة بفرنسا 1950، التي قررت حل نفسها في غشت 1956، وعقد مؤتمر تأسيسي لقيام نقابة الاتحاد الوطني لطبلة المغرب بتاريخ 26 ديسمبر من السنة نفسها.
المرحلة الوطنية
ارتبطت الحركة الطلابية في نشأتها بالحركة الوطنية وحزب الاستقلال القوي آنذاك، وحملت شعارات الوحدة الوطنية، فاختير الحسن – ولي العهد – رئيسًا شرفيًا للمنظمة في أثناء المؤتمر الأول (ديسمبر 1956)، واعترف لـ”أ.و.ط.م” بصفة المنفعة العامة، كما أيدت النقابة الطلابية الحكومة الائتلافية (أكتوبر 1956 – مايو 1958) الثانية لحزب الاستقلال في مؤتمرها الثاني (سبتمبر 1957).
لكن مع المؤتمر الثالث (يوليو 1958)، برزت الخلافات داخل حزب الاستقلال، وظهر جناح يساري داخل الحزب انحاز له “أ.و.ط.م” وأيد مواقفه في دمقرطة نظام الحكم والمطالبة بمجلس تأسيسي، ومع بروز هذا الجناح باسم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (4 من يناير 1958)، أيد “أ.و.ط.م” حكومته بقيادة عبد الله إبراهيم (24 ديسمبر 1958-23 مايو 1960).
وبإقالة هذه حكومة توجه الحزب الوطني اليساري لمعارضة نظام الحكم، فكانت “أ.و.ط.م” بجانبه، معارضة مؤتمرها الرابع (أغسطس 1958) والخامس (يوليو 1960) الطابع غير الديمقراطي للنظام وندد بقمع المقاومة وجيش التحرير.
بعد هزيمة 1967 رفضت السلطات تنظيم “أ.و.ط.م” لمؤتمرها الثاني عشر، بمبرر أنه سيناقش مسائل وطنية، فتأجل المؤتمر للسنة التالية (1968)
من ذلك الحين تبنى “أ.و.ط.م” النضال الشعبي الجماهيري، وألغى الرئاسة الشرفية لولي العهد في مؤتمره السادس (1961)، وأعلن رفضه وضع قانون أساسي بإرادة منفردة، ودعا إلى مقاطعة الاستفتاء على أول دستور (1962) خلال المؤتمر السابع، وفي نفس السنة تضامن الطلبة مع الشعب الجزائري ضد الاستعمار، فاحتلوا السفارة الفرنسية في الرباط يومي 11 و12 من نوفمبر 1962.
احتجاجات الطلبة المغاربية في منتصف الستينيات
نتيجة انخراط الطلبة في الصراع السياسي والاجتماعي حكم على رئيس المنظمة لمؤتمرها الثامن (1963)، حميد برادة، بالإعدام بعد تصريحاته في تجمع بالجزائر خلال الحرب مع هذا البلد، ونفس الحكم نزل على الزعيم السياسي المهدي بن بركة الذي نادى بالاختيار الثوري وعارض حرب الرمال بين المغرب والجزائر، ومع اشتداد المواجهة بين المعارضة والنظام، توسعت حملة الاعتقالات والاختطافات، فرفع “أ.و.ط.م” في المؤتمر التاسع، 1964، شعار إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
المرحلة الثورية
رفعت المنظمة الطلابية في المؤتمر العاشر (1965) شعار: “الأرض للفلاحين والمعامل للعمال والتعليم للجميع”، فقد أصبح حقل التعليم محور المسألة الاجتماعية، بعد أن وصل عدد المدرسين في (64-1965) إلى 1.28.695، بزيادة 58.367، وعدد الطلبة 10.136، وقد قررت السلطات تقييد الانتقال بين أسلاك التعليم، للحدد من أعداد الطلبة، والنتيجة تفجر انتفاضة الدار البيضاء يوم 23 من مارس من نفس السنة، التي قال عنها الملك الحسن الثاني: “عندما قمت بتحليل المشاكل التي أدت إلى انفجار الدار البيضاء لم أبرر أيضًا هذا الانفجار كما أنني لم أبرر تمرد الشارع حيث كان الحفاظ على الأمن يوجب سحقه أحيانًا بشدة كبيرة”.
فأعلن حالة الاستثناء يوم 7 من يونيو 1965 التي ستدوم خمس سنوات إلى 7 من يوليو من عام 1970، فطالب المؤتمر الحادي عشر 1966 بـ”العمل من أجل رفع الحظر على الجامعة واحترام الحريات النقابية”.
وبعد هزيمة 1967 رفضت السلطات تنظيم “أ.و.ط.م” لمؤتمرها الثاني عشر، بمبرر أنه سيناقش مسائل وطنية فتأجل المؤتمر للسنة الموالية (1968)، طالب المؤتمر برفع حالة الاستثناء وإطلاق المعتقلين السياسيين، وإقامة حكومة وطنية لانتخاب مجلس تأسيسي وتأميم المرافق الحيوية، وبالإصلاح الزراعي وتصفية الاستعمار، وانتهاج سياسة خارجية معادية للإمبريالية والصهيونية ومناصرة لحركات التحرر الوطني.
انتفاضة 23 من مارس 1965
وبتأثير من الهزيمة العربية وماي الطلاب (1968) في فرنسا والثورة الثقافية الصينية، خرجت للوجود الحركة التلاميذية والحركة الماركسية اللينينية المغربية؛ فانعقد المؤتمر الثالث عشر (1969) وخرج ببيان سياسي يعبر عن بروز تيار جديد في الساحة الطلابية والسياسية، بمشروع سياسي جديد يعلن إفلاس الأحزاب الإصلاحية المساومة، ويعلن ارتباط الطلبة بالجماهير والقضية الفلسطينية قضية وطنية.
حُظرت “أ.و.ط.م” قانونيًا (يناير 1973- نوفمبر 1978)، وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد تنظيمي الحركة الماركسية اللينينية: “23 من مارس” و”إلى الأمام”
مع إنهاء حالة الاستثناء أعلن القصر مشروع دستور عرضه للاستفتاء فرفضته الأحزاب الوطنية، خاصة الاستقلال و”إ و ق ش”، وقررت التصويت عليه بـ”لا”، تكوين الكتلة الوطنية، ومقاطعة الانتخابات التشريعية، في هذا السياق عقدت “أ.و.ط.م” المؤتمر الرابع عشر (1970) وأعلن فصيل الطلابي جديد هو “الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين”.
وبعد المحاولتين الانقلابيتين من الجيش (1971-1972)، وتأثير من ثورة الطلاب في فرنسا، وبقراءة نظرية ترى الطلبة طليعة تكتيكية في الثورة، ومع اكتساح الفصيل الجديد للمنظمة الطلابية أخرج تصوره السياسي من خلال المؤتمر الخامس عشر (1972)، بتحليل متقدم للأوضاع الوطنية والدولية، وتشخيص لأزمة النظام السياسي، وإعلام إستراتيجية ثورية ببرنامج سياسي ومهام، ودعوة المنظمات الأخرى للعمل على قاعدة هذا البرنامج في إطار منظومة: “الوحدة – النقد – الوحدة”، وبالنتيجة حُظرت “أ.و.ط.م” قانونيًا (يناير 1973- نوفمبر 1978)، وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد تنظيمي الحركة الماركسية اللينينية: “23 من مارس” و”إلى الأمام”.
منذ 1975 غير النظام إستراتيجيته الهجومية، وبحث عن تقارب مع القوى الإصلاحية مستخدمًا قضية الصحراء لخلق “إجماع وطني”، تعزز ذلك بإعلان تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي قاد طلبته “أ.و.ط.م” – بعد رفع الحظر القانوني عليها – في المؤتمر السادس عشر (1978)، وقد تبين أن النظام عمل على اجتثاث اليسار الماركسي من الجامعة، لفسح المجال أمام طلبة حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي، لقيادة النقابة الطلابية وربط المنظمة الطلابية بـ”الإجماع الوطني” و”المسلسل الديمقراطي”.
نظم المؤتمر السابع عشر (1981) على وقع الانتفاضات الشعبية ضد غلاء المعيشة، كما انعكست مشاكل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على الحركة الطلابية، إذ حاول طلبته السيطرة على مجريات وتنظيم المؤتمر، لقطع الطريق على الفصائل الأخرى، خاصة فصيل “رفاق الشهداء” الذي خرج من رحم الحزب، فأعلن الطلبة الاتحاديون انسحابهم من المؤتمر بدعوى عدم الاعتراف بلائحة رفاق الشهداء المؤيدين من الطلبة القاعديين (الفصيل الطلابي الذي تكون في فترة الحظر القانوني)، فانسحب طلبة الاتحاد الاشتراكي ولم يبق إلا طلبة حزب التقدم والاشتراكية والطبلة الديمقراطيون، اللذين اشترطوا قيادة المنظمة رغم أنهم أقلية عددية، بدعوى توفير غطاء سياسي لـ”أ.و.ط.م”، فكانت النتيجة فشل المؤتمر، وتوقف التاريخ التنظيمي للحركة الطلابية.
رغم أن التيار الأمازيغي ظهر منذ 1992، فمع الألفية اتهم بممارسة العنف وقتل طالبين قاعديين، هما عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسيوي
مرحلة الأزمة
منذ فشل المؤتمر الـ17 دخلت الحركة الطلابية في أزمة مفتوحة، قطعت عدة أشواط ولم تتمكن من هيكلة منظمتها، ولا إيجاد صيغ تنظيمية بديلة لعدة عوامل، بين 1981 و1989 لم تبرز أي محاولة لهيكلة إطار نقابي للحركة الطلابية، ومع نهاية الثمانينيات، شرعت الفصائل التاريخية: الاتحاديون، القاعديون، الديمقراطيون، الطليعيون، التقدم والاشتراكية، في طرح تصوراتها لهيكلية “أ.و.ط.م”؛ بين الهيكلة فوقية والتحتية.
دعا فصيل الطلبة الديمقراطيين إلى هيكلة فوقية تتشكل من قيادة طلابية مؤقتة من الفصائل التاريخية لـ”أ.و.ط.م”، واستمر القاعديون أو المجالسيون، نسبة لرؤيتهم لإعادة هيكلة “أ.و.ط.م”، في مسلسل الهيكلة التحتية، فشنت ضدهم حملة اعتقالات واسعة منذ عام 1984 بدعوى الانتماء إلى منظمة غير شرعية، فأجهضت تحركهم لهيكلة “أ.و.ط.م”.
نظم المؤتمر السابع عشر (1981) على وقع الانتفاضات الشعبية ضد غلاء المعيشة
ظلت الحركة الطلابية تبحث عن تنظيمها المفقود، وتعمق ذلك مع بداية التسعينيات بظهور تيارات جديدة هي الفصائل الإسلامية التي ارتبط دخولها بظهور العنف داخل الجامعة المغربية، فقتل طالبان قاعديان، هما أيت الجيد بنعيسى والمعطي بوملي، واتهمت الفصائل الإسلامية التي تقول إنها كانت ضحية للعنف.
منذ ذلك الحين دخلت الحركة الطلابية مرحلة العنف الفصائلي، ورغم أن التيار الأمازيغي ظهر منذ 1992، فمع الألفية اتهم بممارسة العنف وقتل طالبين قاعديين، هما عبد الرحمان الحسناوي ومحمد الطاهر الساسيوي، واستمر مسلسل العنف بين الفصائل على شرعية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فقتل الطالب الإسلامي عبد الرحمن الحسناوي عام 2014 بجامعة فاس، واتهم فصيل البرنامج المرحلي (أحد تيارات القاعديين)، فتبين أن العنف بات سمة من سمات الحركة الطلابية المغربية.
تظاهرة تطالب بمحاسبة قتلة الطالب الحسناوي عام 2014
الأفق المفتوح.. ما بعد الأزمة
مع الألفية انقرضت الفصائل التقليدية التابعة للأحزاب السياسية، وتفرقت الحركة الطلابية بين المواقع الجامعية في كل جامعة يسيطر فصيل واحد أو أكثر يمنع أو يحاول منع البقية من الظهور، وبرزت تيارات طلابية أخرى ثقافية وقومية، وأخرى يسارية منتسبة لتجارب سياسية وحزبية جديدة، أو منبثقة من أوراق مرجعية أو خطوط سياسية، تنسب نفسها لتجربة الطلبة القاعديين.
قد تساعد أشكال الاحتجاج الجديدة الحركة الطلابية على تجاوز أزمتها التنظيمية
حاولت عدة فصائل يسارية إيجاد صيغة تنسيق جديدة، مع انتهاء العقد الأول للألفية، وطرح برنامج للحوار الفصائلي سنة 2010 بحلول ذكرى انتفاضة 23 من مارس 1965، لكن مشروعها توقف لأنه لم يلف حوله بقية الفصائل اليسارية.
مع بروز حركة 20 من فبراير الشبابية، في سياق ما سمي بـ”الربيع العربي”، ضخت دماء جديدة في الحركة الطلابية، فشاركت بعض المواقع الجامعية في هذه الدينامية بقوة، خاصة الموقع الجامعي ظهر المهراز بفاس، لكن الحركة الطلابية في غياب منظمتها الموحدة لم تساهم في الحركة الاجتماعية بفعالية.
ظلت الحركة الطلابية رافدًا لا ينضب للحركات الاجتماعية بالمغرب، ومثل طلبة المغرب اليوم شريحة اجتماعية واسعة في حاجة ماسة للتنظيم، فقد جاوز عدد طلبة الجامعات 900 ألف طالب في موسم الدراسي 2017-2018 موزعين على 126 مؤسسة جامعية.
بعد خفوت حركة 20 من فبراير المغربية، خرج طلبة الطب في مسيرات عارمة، وفرضوا مطالبهم على السلطات، وتبعهم الأساتذة المتدربون، وهم خريجو الجامعات المغربية، في ملف اجتماعي ضخم بشأن الوظيفة العمومية بالمغرب، ويقوم الطلبة اليوم بدور مهم في مناطق الحراك الاجتماعي بالريف وجرادة، إلخ، وقد تساعد أشكال الاحتجاج الجديدة الحركة الطلابية على تجاوز أزمتها التنظيمية، فهناك أصوات تنادي بتجاوز إشكالية شرعية الإطار، وإعادة تنظيم الحركة بأطر جديدة تتماشى والتطورات الاجتماعية والسياسية للألفية.