زهرة الصبار يا سلمى
في قصيدة كلمتين لأحمد فؤاد نجم التي غناها الشيخ إمام قال:
أدي كلمة من عذابي قلتهالك
باقي كلمة
من حنيني صنتهالك
فى الضلوع من دنيا ظالمة
كنت خايف يلمحوها
يقتلوها في سكة ظلمة
سقسقت والنور بشاير بشاير
زهرة الصبار يا سلمى
يا نسيم الشوق يا طاير يا طاير
خد لمصر في الصبح كلمة
طول ما يبقى الركب ساير
بالبصاير والعينين
يبقى ضامن يمشي آمن
يبقى عارف يمشي فين
والصبّار في اللغة أي شديد الصبر، وهو نبات متعارف عليه في ربوع مصر، واكتسب اسمه من صبره على العطش وظروف الإنبات السيئة، وبعض أنواعه لا تزهر إلا مرة واحدة في السنة وتعيش الزهرة لمدة يوم واحد فقط؛ ولهذا فهي محط احتفال الفنانين غالبًا لأنها تعبر عما طال انتظاره ونتاج صبر كثير.
فيلم “زهرة الصبار” للمخرجة هالة القوصي، إنتاج 2017، عُرض في سينما زاوية بمصر بداية من 14 من مارس 2018 وعدد من السينمات الأخرى، كما قام بجولة في عدة محافظات تابعة لفروع سينما زاوية.
عن الفيلم
قصة الفيلم باختصار تحكي عن ثلاث شخصيات تتقابل مصائرهم عندما يقعون في محنة معًا فيقررون مساعدة بعضهم البعض والبحث عن مكان للإقامة.
الشخصية الأولى عايدة التي أدت دورها سلمى سامي، ممثلة صاعدة في الثالثة والثلاثين من العمر تحب التمثيل وتحاول بكل جد ألا تغير مجالها هذا، والشخصية الثانية سميحة التي قامت بدورها منحة البطراوي وهي سيدة تبدو في أواخر الخمسينيات، وياسين فتى لا يبدو عليه أنه تجاوز العشرين قام بدوره مروان العزب.
مشكلتهم جميعًا تبدأ عندما تنقطع المياه في المبنى الذي تعيش به كل من عايدة وسميحة وتترك إحداهن صنبور المياة مفتوحًا – وعلى الأرجح هي عايدة – ليغرق المبنى عندما تعود المياه ويتسبب في مشكلة مع مالكة العقار التي تطردهما من شققهما بسبب تعذر سميحة عن الدفع، واتهام عايدة بالتأخر أيضًا.
ياسين شاب يسكن في نفس الشارع، تصادفوا معًا عندما دفع مضايقة أحد الشباب عن عايدة وساعدهن في نقل سميحة للمشفى بعد أن كسرت ساقها.
السرد في الفيلم مر بأزمة إقحام مشاهد الأحلام بشكل كبير، ودون تبرير أحيانًا
الشخصيتان عايدة وسميحة، تبدوان كشخصية واحدة في الماضي والمستقبل، فبتسلسل الأحداث تظهر أن سميحة كانت ممثلة صاعدة أيضًا غير موفقة، تقابلت مع مراد حلمي الذي عرف عايدة بدورها على عالم الفن، وأن سميحة لديها مشاكل مع أسرتها أيضًا متجسدة في شقيقتها، كما أن عايدة لديها مشكلة مع والدتها، كل ذلك يدل على أنهما شخصية واحدة تسير في مساران مختلفان للزمن.
القصة والسرد
سرد الفيلم ينقسم إلى قسمين: المشاهد الحياتية اليومية وأحلام عايدة التي غلبت عليه السيريالية والرمزية أحيانًا، وتندمج المشاهد معًا دون خط فاصل؛ مما يسبب في صعوبة متابعة الفيلم أحيانًا، ولكن من مشاهد أحلامها المميزة؛ حلمان: حلم الموت، حيث تدخل عايدة إلى غرفة تجد مجموعة من النسوة متشحات بالسواد يجلسن في دائرة حول مريضة تحتضر بمشفى – قد تكون المريضة ميتة بالفعل – يشربن الشاي، ثم يتحول المشهد من نهار داخلي إلى ليل داخلي، وتكون تلك الميتة عايدة، مكفنة بالأسود، وتبدأ النسوة في العويل والعديد على الميتة بجمل من فلكلور العديد على الشابات في الصعيد المصري، ذلك هو الحلم الوحيد الذي يؤكد للجمهور أن كل المشاهد السيريالية الغامضة التي تقتحم السرد هي أحلام عايدة.
من الأحلام الأخرى المهمة حلم أربعة أيوب، وهي عادة تجري في بلاد الشرق الأوسط خلال اليوم الرابع من أسبوع الآلام وهو اليوم الذي تشاور به يهوذا الخائن على الوشي بالسيد المسيح، حيث يذهب الناس إلى البحر ليتطهروا ويطلبوا المغفرة.
السرد في الفيلم مر بأزمة إقحام مشاهد الأحلام بشكل كبير، ودون تبرير أحيانًا؛ حيث بدا أن الشخصية تغفو في أي وقت وأي مكان أو تغرق في أحلام اليقظة كثيرًا، حيث تطير من مائدة طعام بمنزل والدتها إلى حديقة عندما يتحدثن عن الحب.
أداء الممثلين
أما التمثيل في الفيلم فانقسم بين مجموعتين: الأولى الشباب الذي لم يكن أدائهم طيلة الوقت موفقًا، فقد تأرجح بين مشاهد جيدة ومشاهد سيئة، والمجموعة الثانية المخضرمين الذين قاموا بأداء الدور بأفضل ما يكون كعارفة عبد النبي ومنحة البطرواي وفطين زكي.
أفضل ما الفيلم وأضاف كثيرًا لمتعة مشاهدته، هو التصوير واللعب بالإضاءة والزوايا الإخراجية.
ولأن الفيلم اسمه زهرة الصبار، فكان لا بد أن ينتهي نهاية غير مأساوية وسعيدة إلى حدٍ ما، ففي المشهد السابق لمشهد النهاية، يمر ياسين بأزمة قوية، توهم الجمهور بأن الفيلم لن ينتهي نهاية سعيدة، إلا أن صناع الفيلم قرروا أن تنبت زهرة الصبار رغم ما تتعرض له من ظروف.
الفيلم في المطلق تجربة جديدة، ليست بالقوة الكافية، ولكنها جيدة تنبئ بخروج نوعية أفلام جديدة على السينما المصرية، دون الخوف من الاتهام بالتعالي على الجمهور الذي طالما اُتهم به المجددون في السينما.