ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: جوبي واريك وسعاد مخنت
وفقا لبعض الوثائق التي قُدمت في إطار نزاع قانوني، كشف بعض المحققين النقاب عن أدلة تحيل إلى وجود مخطط فساد يقدر بمليارات الدولارات حاكه بنك في الخليج العربي، ساعد إيران سراً على تجنب العقوبات لأكثر من عقد من الزمن. وكشفت سجلات صادرة عن لجنة التدقيق التابعة للحكومة البحرينية أن بنك المستقبل، الذي أُغلق في الوقت الراهن، والذي كان مملوكا لاثنان من أكبر البنوك الإيرانية ضمن مشروع مشترك، استبدل بعض الوثائق المالية للتستر على التجارة غير المشروعة التي تربط إيران بالعشرات من الشركاء الأجانب.
حسب السجلات، تستر البنك على صفقات لا تقل قيمتها عن سبع مليارات دولار بين سنة 2004 وسنة 2015. وخلال تلك الفترة، كانت البنوك الإيرانية ممنوعة من دخول الأسواق المالية العالمية بسبب العقوبات المفروضة عليها. وقد اكتشف المدققون مئات الحسابات المصرفية التي تعود ملكيتها لأفراد مُدانين بارتكاب جرائم تشمل تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن تقديم قروض وهمية إلى شركات تعمل على اعتبارها واجهة للحرس الثوري الإيراني، وذلك وفقا لما ورد في وثائق سرية قدمت للقضاء وحصلت عليها صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
شبّه مسؤولون بحرينيون البنك بحصان طروادة، الذي كان يعمل داخل الدولة الصغيرة التي تقع في الخليج العربي، بهدف تمكين إيران من شراء وبيع سلع بقيمة مليارات الدولارات، وانتهاك العقوبات الدولية التي تهدف إلى معاقبة طهران بسبب برنامجها النووي ودعمها للجماعات الإرهابية. ومن خلال الوثائق التي قدمت للمحكمة الدولية في هولندا خلال شهر شباط/ فبراير، اتهمت البحرين مسؤولي بنك المستقبل بارتكاب “مجموعة واسعة من النشاطات غير المشروعة” بالتعاون مع العديد من الشركاء الأجانب. وقد أشارت البحرين إلى أن الأنشطة التي تم الكشف عنها حتى اللحظة الراهنة ربما تكون مجرد غيض من فيض من المعاملات التي تم إخفاؤها بذكاء شديد.
خلال سنة 2015، انبثقت موجة من الاتهامات الجديدة على خلفية تحقيق واسع استأنف بعد أن أغلقت الهيئات التنظيمية البحرينية البنك رسمياً خلال السنة نفسها
أكدت البحرين في مذكرة إلى المحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي أنها “لم تواجه قط انتهاكات بهذا الحجم”؛ محيلة إلى أنه من غير الممكن تقدير تبعات المخالفات التي ارتكبها بنك المستقبل. في الأثناء، لم يستجب بنك المستقبل ولا البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة لطلب التعليق على الموضوع. وقد تأسس هذا البنك خلال سنة 2004، في إطار مشروع مشترك بين البنك الأهلي المتحد البحريني، والبنك الوطني الإيراني وبنك صادرات إيران. واتُهم بنك المستقبل في السابق بمساعدة طهران على الالتفاف على القيود التجارية المفروضة عليها. أدت هذه ادعاءات إلى مبادرة مسؤولين أمريكيين وأوروبيين إلى وضع البنك على القائمة السوداء وحظره من استخدام نظام الدفع الإلكتروني الدولي المعروف باسم سويفت. وتجدر الإشارة إلى أنه خلال سنة 2008، سلم البنك الأهلي أسهمه في بنك المستقبل إلى مؤتمن على اعتبارها وديعة سرية.
خلال سنة 2015، انبثقت موجة من الاتهامات الجديدة على خلفية تحقيق واسع استأنف بعد أن أغلقت الهيئات التنظيمية البحرينية البنك رسمياً خلال السنة نفسها. وقد دفع هذا الأمر المساهمين الإيرانيين في بنك المستقبل إلى تقديم شكوى إلى المحكمة في لاهاي، متهمين البحرين بإغلاق البنك بطريقة غير ملائمة، مطالبين إياها بإعادة الأصول المجمدة. وردًا على هذه الشكوى، قدّمت البحرين مئات الصفحات من نتائج التدقيق التي كشفت طبيعة هذه المؤسسة المالية التي تهدف بالأساس إلى التستر على النشاطات التجارية الإيرانية غير المشروعة، وتمكين شركات إيرانية من الوصول الى الأسواق الخارجية، فضلا عن استخدام النظام النقدي العالمي بشكل سري، وذلك وفقا لما جاء في مجموعة من الوثائق.
في هذا السياق، أشار وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة في بيان مكتوب لصحيفة “واشنطن بوست”، إلى أن “عملية التدقيق كشفت عن جرائم وانتهاكات للقوانين البحرينية والدولية ذات أبعاد عميقة”. وأضاف المصدر ذاته أنه “تم اتخاذ العديد من الإجراءات الجنائية في البحرين، فضلا عن أنه يجري اطلاع عواصم أخرى على نتائج التحقيق، التي في الغالب ستكون مثيرة للقلق بالنسبة للمجتمع الدولي بشكل عام”.
شملت الممارسات التي ورد ذكرها في التقرير، الاستخدام الممنهج لاستراتيجية التستر على المعاملات المالية، أي حذفها أو تغيير المعلومات المتعلقة بالهوية بصفة متعمدة عند نقل الأموال بين البنوك. وفي هذا الإطار، أفاد مدققو الحسابات أنهم اكتشفوا أكثر من 4500 حالة وقع فيها اللجوء إلى التستر عن المعاملات المالية من قبل مسؤولي البنك، بهدف إخفاء دور إيران على اعتبارها مرسلا أو متلقيا للأموال.
أخفى المصرف البحريني مبلغا تصل قيمته إلى 2.7 مليار دولار أثناء إجراء معاملات إيرانية باستخدام بديل غير رسمي لنظام سويفت الذي يصعب تعقبه
في السياق ذاته، أوضح مسؤولون من البحرين أن حجم الأموال التي جرى تناقلها ضمن هذه المعاملات يبلغ 4.7 مليار دولار، ولكن من المرجح أن يكون المبلغ الحقيقي أكبر بكثير. ويبدو أن بعض المعاملات تعرضت إلى حالات متعددة من التستر ضمن بنوك مختلفة. في مئات الحالات، اقترنت التحويلات المصرفية بتعليمات بتفادي أي إشارة إلى إيران أو القوانين المصرفية التابعة لها. وفي إحدى الرسائل، وجّه البنك الوطني الإيراني تعليمات لمسؤولي بنك المستقبل تفيد أنه لا يجب ذكر اسم البنك في أي رسالة يتم توجيهها عبر الولايات المتحدة الأمريكية.
من جانب آخر، انخرطت بنوك أخرى، ما في ذلك عدد من البنوك المتمركزة في بعض البلدان الغربية في عملية التستر من أجل إخفاء المبالغ المدفوعة إلى البلدان الخاضعة للعقوبات الدولية. وخلال سنة 2010، فرضت إدارة أوباما غرامة قدرها 298 مليون دولار على بنك باركليز البريطاني العملاق على خلفية لجوئه إلى استراتيجية التستر لإخفاء 500 مليون دولار ضمن المعاملات المالية مع إيران.
حسب ما جاء في الوثائق، أخفى المصرف البحريني مبلغا تصل قيمته إلى 2.7 مليار دولار أثناء إجراء معاملات إيرانية باستخدام بديل غير رسمي لنظام سويفت الذي يصعب تعقبه، فضلا عن المبالغ التي أخفاها عن طريق استخدام آلية التستر. ووفقا لادعاءات المسؤولين الحكوميين، كشف التدقيق عن آلاف الصفقات التي انتهكت مباشرة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وأكثر من 10 آلاف مخالفة للقوانين المصرفية البحرينية وغسيل الأموال. وشملت هذه الاتهامات 260 حالة فتح ضمنها بنك المستقبل حسابات لأشخاص مُدانين بارتكاب جرائم مالية تشمل غسل الأموال، ودعم الإرهاب.
في الإطار ذاته، أوضح مسؤولون أمريكيون سابقون مطلعون على القضية أن النتائج التي توصل إليها التحقيق مثيرة للقلق لأنها تسلط الضوء على النشاطات المظللة التي يقوم بها المسؤولين في البنوك، في وقت كان فيه بنك المستقبل يخضع لرقابة شديدة من جانب الوكالات الحكومية الأمريكية والبحرينية. في سياق متصل، أفاد المسؤول السابق في وزارة مكافحة الإرهاب، ماثيو ليفيت، الذي يشغل منصب مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أنه “إذا كنت تتبنى استراتيجية التستر، فأنت بذلك تخفي طبيعة المعاملات التي تجريها بعض الجهات المنظمة، وربما حتى تلك التي تخص البنك نفسه”. وأضاف المصدر ذاته، أنه “نتيجة لذلك، يصبح من الصعب معرفة مصدر الأموال التي قد تكون موجهة لدعم أنشطة مثل الإرهاب، أو المؤسسات النووية أو العسكرية لإيران”.
تتعلق إحدى الادعاءات الأكثر إثارة للجدل في إطار قضية بنك المستقبل، بأحد رجال الدين الشيعيين الذي تربطه علاقات وثيقة بحركات المعارضة في البلاد
خلال سنة 2004، تأسس بنك المستقبل على اعتباره مشروعا مشتركا بين إيران والبحرين في وقت كان فيه القادة البحرينيين يسعون إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين المملكة الخليجية الصغيرة وإيران، جارتها الشمالية. وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية السكان الشيعة في البحرين تربطهم علاقات ثقافية ودينية وثيقة بإيران، بيد أن العائلة الحاكمة السنية في المملكة تحالفت مع مجلس التعاون الخليجي، الذي يتخذ من الرياض مقرا له. وقد اتهم المسؤولون الأمريكيون الشريكين الإيرانيين، البنك الوطني الإيراني وبنك صادرات، بالمساهمة في تمويل برنامج إيران النووي وشبكتها الإرهابية الدولية.
منذ سنة 2011، بذلت الحكومة البحرينية جهودا حثيثة من أجل احتواء حركة مقاومة شيعية تتضمن منشقين سلميين ومتطرفين متشددين مسلحين موالين لإيران، وفقا لما توصل إليه بعض المحققين المستقلين. وفي العديد من المناسبات، وجّهت البحرين اتهامات إلى إيران تتعلق بالتحريض على العنف ضد النظام الملكي في البلاد. ولكن التدابير التي اتخذتها المملكة البحرينية من أجل تضييق الخناق على جماعات المعارضة في البلاد أدت إلى واجهتها لانتقادات دولية بشأن ارتكابها انتهاكات في مجال حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، تتعلق إحدى الادعاءات الأكثر إثارة للجدل في إطار قضية بنك المستقبل، بأحد رجال الدين الشيعيين الذي تربطه علاقات وثيقة بحركات المعارضة في البلاد. وقد انتقد المسؤولون البحرينيون بنك المستقبل بسبب السماح لعالم الدين الشيعي، عيسى أحمد قاسم، بإيداع أموال نقدية تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات على مدى عدة سنوات، وتوجيه بعض الأموال إلى مؤسسة خيرية يرأسها بعض المسؤولين البحرينيين، الذين اتُهموا بأنهم على علاقة ببعض المجموعات الإرهابية.
في شأن ذي صلة، أشار بعض المحققين الأمريكيين إلى أن قاسم جمع أمواله من ضريبة العشر والزكاة التي تلقاها من قبل المصلين في إطار الشعيرة الشيعية، التي تُعرف باسم أداء الخُمس من المغنم. في السياق ذاته، أوضح مسؤول أمريكي سابق مطلع على التحقيق أن “هذا الجانب يعد حساسا للغاية على الصعيد السياسي، ومن الصعب العثور على دليل قوي يثبت تمويل بعض الجهات للإرهابيين”. وتابع المصدر نفسه، قائلا: “إننا نشاطر البحرين هذا القلق نظرا لأنه يتعلق بتحويل ملايين الدولارات عن طريق استخدام أساليب غير شفافة”.
المصدر: واشنطن بوست