ترجمة وتحرير: نون بوست
تحتدم الحرب في أوكرانيا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط. ولكن في قمة الناتو المزمع عقدها هذا الأسبوع، من غير المرجّح أن تجذب غزة الكثير من الاهتمام.
في مركز المؤتمرات الضخم وسط مدينة واشنطن، سوف تبرز قضية واحدة على جميع القضايا: ألا وهي الحرب في أوكرانيا. تمثّل محنة هذا البلد الذي يقاوم الغزو الروسي محور التركيز الرئيسي لقادة الناتو المجتمعين في العاصمة الأمريكية هذا الأسبوع. وفي حين أنه من غير المتوقع أن تتقدم كييف بدعوة مباشرة للانضمام إلى التحالف الذي ترغب فيه بشدة، يحشد المسؤولون الأمريكيون وشركاؤهم حزمةً من الالتزامات السياسية والأمنية الأخرى لمساعدة أوكرانيا على تحويل دفة الحرب.
تم التأكيد على مدى إلحاح هذه اللحظة بعد أن استهدفت المزيد من الهجمات الصاروخية الروسية مناطق مدنية في أوكرانيا يوم الإثنين مما أسفر عن مقتل العشرات. وفي إحدى الحالات، تم تدمير مستشفى للأطفال في كييف. وظل المسؤولون الأوكرانيون يناشدون منذ أشهر حلفاءهم الغربيين لنقل المزيد من منصات الدفاع الجوي والذخائر لإحباط الهجمات الروسية، وكثّفوا مناشداتهم في واشنطن.
قال أندريه يرماك، كبير موظفي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للصحفيين في واشنطن قبل القمة: “نحن نتطلع إلى بعض القرارات الجادة والقوية من قمة واشنطن بشأن أنظمة الدفاع الجوي الملموسة لأنها واحدة من أكثر اللحظات الحاسمة”.
يوم الثلاثاء، كشف الرئيس بايدن عن خطط لتزويد أوكرانيا بدفاعات جوية إضافية. ومع أن البيان الختامي للقمة، الذي من المقرّر أن توقّعه كافة الوفود، قد يناقش مسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى منظمة حلف الناتو باعتباره “لا رجعة فيه”، فلم يتم تحديد إطار زمني لهذه العملية. وحسب ما ورد، فإن بايدن متردّد بشأن ضم كييف إلى التحالف. وقد كلّف مساعديه بأن تتضمّن الوثيقة النهائية تأكيدًا على التقدّم في الإصلاحات السياسية وإصلاحات مكافحة الفساد التي لا يزال يتعيّن على أوكرانيا تحقيقها.
قال جيم تاونسند، المسؤول السابق في البنتاغون لشؤون أوروبا، لزملائي: “ما سيحصلون عليه هو بعض الأشياء التي هي أكثر من مجرد واجهة تجميلية، وهي تحسينات في الطريقة التي سنساعد بها أوكرانيا في السنوات المقبلة. لذا فهو نصف الكوب الفارغ، أو نصف الكوب الممتلئ”.
خلف مداولات الناتو العاجلة بشأن أوكرانيا يلوح في الأفق صِراع آخر. فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أدّت الحملة الإسرائيلية المدمرة في غزة إلى إبعاد الاهتمام العالمي عن الغزو الروسي وأججت المشاعر بشأن النفاق الغربي الواضح. أشار العديد من المنتقدين إلى الفجوة بين الغضب الأمريكي والأوروبي بشأن مهاجمة روسيا للمستشفيات الأوكرانية وهدوئهم النسبي مع قيام “إسرائيل” بشكل متكرر بتدمير المنشآت الطبية والمدارس في حربها ضد حركة حماس المسلحة.
وفي قمة هذا الأسبوع، من غير المرجح أن تثير الحرب في غزة الكثير من التعليقات المهمة – على الرغم من أن دولة عضوا واحدة على الأقل تعتزم جعلها نقطة نقاش. فقبل وصوله إلى واشنطن، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي انتقد “إسرائيل” بشدة منذ بدء الحرب، إنه يريد تسليط الضوء على الكارثة في غزة “في القمة”. وأعرب في بيان له عن أسفه لأن “المجتمع الدولي فشل في وقف إسرائيل في هذا الوضع المزري”، وأضاف أنه “من المستحيل أن يرتاح الضمير العالمي دون إقامة سلام عادل ودائم في فلسطين”.
لا يبدو مثل هذا السلام قريبًا في الشرق الأوسط ولا في أوكرانيا، التي تأمل قيادتها المحاصرة بشدة تحويل دفة المعركة ضد آلة الحرب الروسية. لكن غياب الضغوط الغربية الهادفة على نتنياهو أو إدانة بعض الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، كما قال أحد المندوبين الأتراك البارزين، يجعل احتضان الناتو الحماسي لأوكرانيا أكثر وضوحا.
أخبرني نعمان كورتولموش، رئيس البرلمان التركي وحليف أردوغان منذ فترة طويلة، في مقابلة أجريت معه يوم الإثنين في واشنطن: “من الواضح جدًا أن هذا نفاق، وازدواجية معايير. إنه نوع من العنصرية لأنه إذا كنت لا تتعامل مع الضحايا الفلسطينيين على قدم المساواة مع الضحايا الأوكرانيين، فهذا يعني أنك تريد خلق نوع من التسلسل الهرمي ضمن الإنسانية. وهذا أمر غير مقبول”.
في غضون أشهر فقط، خلّف القصف الإسرائيلي على غزة المزيد من الأنقاض أكثر مما خلفته سنوات من الحرب في أوكرانيا. لقد تم سُحقت المنطقة المكتظة بالسكان. وسوف تستغرق عملية إعادة الإعمار، عندما تبدأ، عقودا من الزمن. لقد أُجبر معظم سكان غزة على ترك منازلهم، وتسود مجموعة من الأزمات الإنسانية، بما في ذلك مجاعة شاملة، وذلك وفقًا لخبراء الأمم المتحدة.
حسب السلطات المحلية وتقديرات الأمم المتحدة، أودت الحرب بحياة حوالي 40 ألف شخص. وتشير تقديرات مجلة “لانسيت”، وهي مجلة طبية بريطانية مرموقة، أن العدد الحقيقي للقتلى بما في ذلك المفقودين في أنقاض غزة والوفيات “غير المباشرة” بسبب سوء التغذية والأمراض وغيرها من الظروف الناجمة عن الصراع، يمكن أن يصل إلى حوالي 186 ألف شخص – أي ما يقارب 8 بالمئة من سكان غزة.
في مواجهة مثل هذا الهجوم، أعرب قادة بلدان ما يسمى بالجنوب العالمي بالفعل عن انزعاجهم. عندما غزت روسيا أوكرانيا، قاد الغرب حملة الإدانة العالمية. وكتب الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو في وقت سابق من هذه السنة: “لقد دعا العالم إلى إدانة روسيا باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي. لكن اليوم، تسمح نفس الدول بنشوب صراع دموي آخر، وهذه المرة في غزة”.
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رفض الأمين العام لحلف الناتو المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ تهمة “الكيل بمكيالين”. وقال للصحفيين إن “أوكرانيا لم تشكل أبدًا تهديدًا لروسيا، ولم تهاجم أوكرانيا روسيا أبدًا. لقد كان الغزو الروسي لأوكرانيا غزوا غير مبرر، غزوا واسع النطاق لدولة أخرى. لذا، بالطبع، لأوكرانيا الحق في الدفاع عن النفس ضد أي هجوم غير مبرر والحفاظ على سلامة أراضيها”.
سار خليفة ستولتنبرغ، مارك روته، الذي كان حتى وقت قريب رئيس وزراء هولندا لفترة طويلة، على خط رفيع بشأن الحرب في الشرق الأوسط. وقد أعرب عن انتقاداته للنهج الإسرائيلي تجاه حملة غزة، لكن النقاد يتهمونه وحلفاءه بخنق إدانة الحكومة الهولندية الداخلية لإسرائيل، ربما لحماية صعوده إلى أعلى منصب في الناتو. وقد نفى روته هذه الاتهامات.
وبعد أسابيع فقط من بداية الحرب، اتهمت مذكرة مسرّبة من الملحق العسكري بالسفارة الهولندية في تل أبيب “إسرائيل” بالتخطيط لارتكاب جرائم حرب، مما يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي “يعتزم التسبب عمدا في إحداث دمار هائل للبنية التحتية والمراكز المدنية”. وقال وزير الدفاع الهولندي آنذاك إن المذكرة المسربة لا تمثل سياسة رسمية، ووصف بعض التقارير حول محتويات المذكرة بأنها انتقائية و”غير عادلة”. لكن التسريب في حد ذاته كان دليلاً على الاستياء الغربي المتزايد من استمرار “إسرائيل” في الحرب – وهو استياءٌ يهدد بأن يصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت. ولكن لا تتوقع أن تسمع عنه في واشنطن هذا الأسبوع.
المصدر: واشنطن بوست