أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أخيرًا ترشحه للرئاسيات المسبقة المقررة في 7 أيلول/ سبتمبر المقبل بعد حالة ترقب طويلة، وذلك بحثًا عن الفوز بولاية ثانية لا تبدو صعبة عليه، إلا أن الرهان سيكون حول عدد الأصوات التي سيجمعها ونسبة المشاركة التي سيعرفها هذا الاقتراع، ليؤكد أن ما قام به في السنوات الخمسة الأولى جعلته مرشح الإجماع مثلما يقول مؤيدوه، وهو الرهان الذي ليس من السهل إدراكه بالنظر إلى تطليق الجزائريين للسياسة، وصعوبة التحديات التي تواجهها البلاد داخليًا وخارجيًا.
وأنهى الرئيس تبون الخميس حالة الترقب التي جعلت البلاد تعيش رئاسيات باهتة، مقارنة بما كان يحدث في السنوات الماضية، حيث يظهر أن جليس قصر المرادية لا يريد أن تصاحب ترشحه الهالة الإعلامية والحزبية التي كانت تحدث في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
بلا ضجيج
اكتفى الرئيس تبون بتوكيل ممثل عنه لإيداع رسالة نية الترشح وسحب استمارات اكتتاب التوقيعات، وذلك بعيدًا عن كاميرات الصحافة مثلما فعل مترشحون آخرون، حيث تم تأكيد هذا الترشح من خلال ظهور اسمه ضمن قائمة المعنيين بالترشح التي تصدرها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أولًا، ليوفد الخميس مستشاره بوعلام بوعلام ممثلًا عنه إلى مقر السلطة، لسحب استمارات التوقيعات الفردية الخاصة باعتباره مرشحًا حرًّا.
وتزامن هذا السحب مع بثّ التلفزيون الجزائري ومضة ترويجية لمقابلة تلفزيونية مع تبون، نُشرت على الصفحة الرسمية للرئاسة الجزائرية على فيسبوك.
وقال تبون: “نزولًا عند رغبة كثير من الأحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية والشباب، أعلن عن نيتي للترشح لعهدة ثانية مثلما يسمح به الدستور، وللشعب الجزائري الكلمة الفاصلة في ذلك”.
وأضاف أن “الانتصارات المحققة كلها انتصارات الشعب الجزائري وليست انتصاراتي، فالخاص والعام يشهد أن مداخيل الدولة تقوّت وأن النزيف الذي كان في الخزينة العمومية انتهى، والجزائر استرجعت ما كان يمكن استرجاعه من أموال منهوبة مقدرة بملايير الدولارات”.
وشكّلت وعود الرئيس تبون باسترجاع الأموال المنهوبة في عهد سلفه بوتفليقة ورقة رابحة في رئاسيات 2019، حيث كانت سببًا في ميل الكفة إليه خلال المناظرة التلفزيونية التي نُظّمت وقتها قبل يوم الاقتراع الذي جرى في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019.
وأعلن تبون في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن “السلطات استرجعت ما يفوق 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة، تنفيذًا لالتزامه بمحاربة الفساد عقب وصوله إلى الحكم نهاية 2019″، مبيّنًا أن “الأموال المسترجعة تمثلت في مبالغ مالية وعقارات وعديد المصانع”، وينتظر أن تشكل هذه النقطة عامل قوة في حملته الانتخابية المنتظرة للفوز بولاية رئاسية جديدة.
وأضاف تبون في مقابلة إعلان ترشحه أن “المواطن الجزائري أصبح اليوم يتمتع بحقوقه بكل أريحية، ويقوم بواجباته بكل فرح لأنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع”.
ويتضح من طريقة الترشح التي تفادت التهويل الكبير أن تبون يحرص على ألا يُربط ترشحه بالطريقة التي كانت تحدث في العهد السابق، حيث يؤكد في كل تصريحاته أن كل الممارسات التي تمّت في العقدين الأخيرين أصبحت من الماضي، لذلك أمرَ فور وصوله إلى السلطة بسحب كلمة “الفخامة” التي تُربط بمنصب رئيس الجمهورية.
ويشترط قانون الانتخابات في فصله المتعلق بالترشح للرئاسيات ضرورة جمع المترشح 600 توقيع كحدّ أدني من أعضاء البرلمان والمجالس الولائية والبلدية، أو 50 ألف توقيع كحدّ أدنى من المواطنين غير المنتخبين.
وجاء إعلان تبون لرسالة الترشح بعد شهر من فتح السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات باب الترشح، وقبل أسبوع من انتهاء المدة القانونية، وهي فترة كافية له بالنظر إلى الحزام السياسي الداعم له، رغم أنه يقدم نفسه كمترشح حرّ دون أي عباءة حزبية، وهو الأمر الذي حرص عليه خلال السنوات الخمسة لحكمه التي ركّز فيها على دعم الجمعيات المدنية بعيدًا عن التخندق الحزبي.
زيارة خاصة
قبل يوم من إعلان تبون ترشحه للرئاسيات، زار ولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل شرقي البلاد، وهي المنطقة التي ظلت لسنوات تقاطع الانتخابات وتشهد احتجاجات سياسية متوالية في عهد الرئيس السابق الراحل بوتفليقة، إلا أن هذه الاحتجاجات انعدمت في عهد تبون، خاصة بعدما استطاعت الحكومة تطويق نشاط جماعة الماك المصنفة “منظمة إرهابية”.
وحسب الصور التي بثّها التلفزيون الجزائري الحكومي، فقد حظيَ تبون باستقبال شعبي كبير من قبل سكان تيزي وزو، حيث افتتح هناك ملعبًا لكرة القدم بمقاييس عالمية وبسعة 55 ألف متفرج، وأطلق عليه اسم المجاهد والمعارض الكبير حسين آيت أحمد، وهو الملعب الذي مُنح لنادي شبيبة القبائل المعروف محليًا وأفريقيًا.
كما أعطى تبون إشارة انطلاق بناء مستشفى جامعي بسعة 500 سرير في تيزي وزو، وعاين مشاريع سكنية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية كالطرقات السريعة والسدود.
ورغم أن زيارة ولاية تيزي وزو كانت مبرمجة من قبل، وتأجّلت بسبب أجندة الرئيس الداخلية والخارجية، إلا أنها تظل ذات ميزة خاصة، فتغيير نسب المشاركة في الانتخابات بالمنطقة يظل تحديًا تعمل الحكومة على تحقيقه، لمحو صورة العزوف والمقاطعة التي تظل لصيقة بالولاية ذات الأغلبية الأمازيغية.
ولا يُستبعد أن ترتفع نسب مشاركة منطقة القبائل في الرئاسيات المقبلة، بالنظر إلى أنه لأول مرة سيعرف هذا الاستحقاق مشاركة أقدم حزب معارض في البلاد جبهة القوى الاشتراكية، التي تتمتع بقاعدة نضالية كبيرة هناك، وذلك بعد ربع قرن من مقاطعتها للرئاسيات.
وفي لقاء مع أعيان المنطقة، وعد تبون بإجراءات اجتماعية لفائدة المواطنين والطبقة العاملة، حيث وعد برفع المنحة المالية التي تمنحها الحكومة لبناء سكن ريفي إلى مليون دينار (7 آلاف و500 دولار)، إضافة إلى تعهّده بتحسين أجور الأطباء والممرضين.
ورافع تبون لبرنامجه الاقتصادي، واعدًا بإنشاء مناطق صناعية جديدة بالولاية، وأشار إلى أن “كل جزائري له الحرية الكاملة في الاستثمار في بلاده من أجل خلق الثروة”، الأمر الذي سمح في أقل من عام تسجيل 8 آلاف مشروع استثماري وطني و130 مشروعًا استثماريًا أجنبيًا.
وحملت زيارة تبون لتيزي وزو رسائل سياسية تتعلق بتفنيد ما تدّعيه حركة الماك الانفصالية، المصنفة منذ عام 2021 جماعة إرهابية التي نجحت السلطة في الحد من نشاطها، خاصة بعدما أفادت التحقيقات وقوفها وراء إضرام النار في عدة غابات بالمنطقة، وقتل الشاب جمال بن إسماعيل والتنكيل به.
وقال تبون إنه “قد حان الوقت لوضع تنظيم ملائم لمستقبل البلاد“، معتبرًا أن إعادة التقسيم الإداري ومراجعة قانونَي البلدية والولاية “أولوية قصوى”، لترسيخ الديمقراطية على المستوى المحلي. وأضاف: “إذا اقتضت الظروف، سيتم إنشاء ولايات منتدبة أخرى بتيزي وزو، كما تم بولايات الهضاب العليا والجنوب”.
واعتبر تبون أن النظام الاجتماعي “تاجماعث” مثال للديمقراطية التشاركية، وأنموذج ناجح في تسيير الشأن المحلي، ومن الضروري الحفاظ على هذه القيم.
ويعتمد هذا النظام غير الرسمي على تسيير أعيان المنطقة لشؤونهم في إطار اجتماعي تعاضدي قبل الوصول إلى تدخل الدولة، وهو ردّ على حركة الماك الانفصالية التي أعلنت تأسيسها حكومة صورية لتمثيل المنطقة، يقودها فرحات مهني الفارّ إلى باريس والذي قام عدة مرات بزيارة الاحتلال الصهيوني.
اتّساع المؤيدين
مع اقتراب انتهاء فترة سحب استمارات الترشح للرئاسيات، يؤكد الرئيس تبون أنه يسير بخطى ثابتة للفوز بعهدة جديدة، رغم تنوّع المنافسين له سواء الإسلاميين أو اليساريين وحتى النساء ومسؤولين عسكريين سابقين، بالنظر إلى أن الرئيس البالغ اليوم 78 سنة من العمر يحظى بتأييد من عدة أطراف تمكّنه من كسب المعركة الانتخابية من الدور الأول، وفق ما يرى متابعون للشأن السياسي الجزائري.
يعود هذا التوقع إلى أن الخصوم لم يستطيعوا توحيد أنصارهم، فالإسلاميون لا يزالون منقسمين رغم ترشح عبد العالي حساني شريف عن حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي معارض في البلاد، لكنه لم يستطع الحصول سوى على دعم حركة النهضة من التيار الإسلامي، الذي تبقى مشكلته في الجزائر التشتّت وعدم الاتفاق على مرشح واحد يمكن أن يوصل هذه المدرسة السياسية إلى حكم البلاد.
والأمر نفسه بالنسبة إلى اليسار، حيث يدخل بمرشحَين هما يوسف أوشيش عن جبهة القوى الاشتراكية، ولويزة حنون عن حزب العمال، فيما لا يملك العسكريون المترشحون، مثل قائد القوات البحرية السابق محند الطاهر يعلى، أيضًا الدعم اللازم سواء شعبيًا أو من المؤسسة التي كانوا ينتمون إليها، ليكونوا خصمًا حقيقيًا للرئيس الحالي الذي تظهر خرجاته أنه يحظى بدعم من مؤسسة الجيش، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني.
ومقابل انحسار المؤيدين للخصوم، تتسع يومًا بعد يوم دائرة المؤيدين للرئيس المترشح، حيث أعلنت 6 منظمات وطنية دعمها لترشح تبون للانتخابات المقبلة. وتتمثل هذه الجمعيات في المنظمة الوطنية للمجاهدين، والمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، والمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين، والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، والاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، وكلها تنظيمات مدنية لها آلاف المناضلين.
وتضاف هذه التنظيمات إلى عديد الأحزاب التي أعلنت دعمها لتبون، والتي تنوعت بين الإسلامية والوطنية والديمقراطية. ورغم أهمية هذا الدعم الحزبي والجمعوي لتبون، يبقى أهم رهان له هو ضمان أكثر مشاركة في الانتخابات المقبلة، لطيّ العزوف الذي عرفته الاستحقاقات البرلمانية والمحلية الماضية، وذلك بهدف توسيع القاعدة الشعبية الداعمة له، وتحقيق اللحمة الداخلية التي يتحدث عنها مؤيدوه.
وفي غياب مراكز لسبر الآراء في البلاد تقيس نوايا تصويت الناخبين قبل شهرين من موعد الانتخابات، يرى رئيس حركة البناء (حزب إسلامي)، عبد القادر بن قرينة، أن الرئيس تبون يمكنه الفوز بـ 90% من أصوات الناخبين في اقتراع 7 سبتمبر/ أيلول المقبل.
لكن تحقيق هذه النسبة وإن كانت تحمل في شقها إجماعًا شعبيًا حول شخص الرئيس المترشح، فإن البعض يرى أنه من الأحسن تفادي التسويق لها قبل الانتخابات، لأنها تعيد الجزائريين إلى تذكر ممارسات سابقة تتعلق بنسب التصويت المضخّمة للرئيس السابق بوتفليقة، والتي كانت تتحقق بتزوير نتائج الاقتراع، وهي صورة أكّد تبون في عدة مرات أنه يريد إحداث القطيعة معها بكل الطرق، لتحقيق “الجزائر الجديدة” التي يتبنى مشروعها.