فاز الرئيس السيسي بفترة رئاسية ثانية واكتملت ملامح الحكم الراسخة في مصر لمدة أربع سنوات أخرى قادمة، سواء اتفقت أم اختلفت معها، بينما المعارضة المصرية لا تزال في وادٍ آخر، لا تملك من أمرها شيئًا، اللهم إلا مجموعة بيانات حماسية كلما كان هناك ما يستدعي إنتاجها، ودون ذلك، فالحالة الأيدولوجية تفرض نفسها على الجميع.
حمى الاستقطاب تنال من هذا المعسكر بشدة، فلا مفكرين ولا مثقفين ولا حتى خبراء تنظيميين ممن تمرسوا في الحياة الحزبية، ويعرفون أسرار وكيفية بناء كيان سياسي قوي، لديهم القدرة حاليًّا على إبداع نظام يلهم المصريين ويترك لديهم إحساسًا بوجود مستقبل بديل.
كيف يرى المصريون المعارضة؟
فرضت الحالة المزرية للمعارضة، سواء بالداخل أم الخارج، نفسها على انطباعات المصريين وزدات الانتقادات حولها بشدة خلال الفترات الماضية بسبب عجزها الواضح عن استغلال كل الفرص التي أتيحت لها للعب على السقطات السياسية للنظام، بجانب أن المعارضة نفسها ارتكبت أخطاء جسيمة بسبب ارتكانها للسهل الممتنع ودعوة الناس للمقاطعة في الفعاليات الانتخابية كافة، بدءًا من أحداث يونيو 2013 وحتى الآن.
الدعوة للمقاطعة آلية سياسية معروفة بالطبع، لكنها ضمن أدوات عدة يجب استخدامها وليست دائمًا الحل الأوحد خاصة عندما تقدم إلى شعوب لم تتعمق في الديمقراطية، بل الأمانة تقتضي الاعتراف بأنها لا تزال غارقة في الجهل السياسي، وهو ما انعكس على الواقع، فأي متابع للرأي العام يستطيع بمنتهى السهولة رصد الميول المتزايدة لرفض أي صوت يتحدث عن التعددية السياسية والديمقراطية المتعلقة بالتعبير عن الرأى والرأى الآخر.
الشعوب العربية و”المصري” في القلب منهم من وجهة نظر هؤلاء، ليست لديهم جاهزية للديمقراطية التي جلبت لهم “خراب البيوت” وتوقف الحال خلال الأعوام الماضية
سيطرت أحادية الرأي على السياسة في مصر “سلطة ومعارضة”، فانتقلت معها العدوى إلى المجتمع نفسه وخصوصًا الفئات التي تضررت من التعددية الزائفة التي أوقعت البلاد في فخ الاستقطاب والتوتر السياسي؛ مما انعكس على قطاعات الأعمال وأصحاب الأرزاق الذين أصبح غالبيتهم على قناعة تامة بأهلية مجتمعاتنا للحكم العسكري فقط.
الشعوب العربية و”المصري” في القلب منهم من وجهة نظر هؤلاء، ليست لديهم جاهزية للديمقراطية التي جلبت لهم “خراب البيوت” وتوقف الحال خلال الأعوام الماضية، لذا فإقبالهم على الانتخابات والتصويت لحكام شعبويين يعرفون اللغة المثلى للتعامل معاهم، أفضل كثيرًا من الانجرار إلى مثاليات التعددية والديمقراطية التي لم تحقق لهم شيئًا منذ تسع سنوات مضت.
المعارضة الحزبية في ميزان القوة
لا يوجد حاليًّا، أحزاب معارضة، قادرة على فهم الواقع والتحرك سياسيًا بما يناسب الأوضاع السياسية في مصر والمنطقة بأسرها، أغلب التيارات حصرت نفسها في زاوية ثورية، ترمي من خلالها، النظام المصري، بهتافات عدائية حنجورية، بما ينهي عليها مبكرًا، والحزب المصري الديمقراطي أقوى مثال على ذلك؛ فبعد فترة من تصعيد الاحتجاج ضد سياسات النظام، دون اللعب على نفس الأرضية ومحاولة سن برامج وضم كوادر قادرة على الوصول إلى البرلمان، لتشكيل ضغوط فاعلة، انتهى الحزب سريعًا وحوصرت قياداته ولم يعد يسمع له صوتًا.
لا يوجد داخل الحالة الحزبية المصرية، من يدرس التاريخ المصري وبشكل خاص الـ7 عقود الماضية، بجانب التجارب السياسية المشابهة في العالم
لا يمكن إنكار حجم الضغوط التي تمارسها السلطة على الأحزاب، ولكن بحكم الممارسة والمراقبة اللصيقة للعمل الحزبي خلال الفترات الماضية، يمكن القول إن القيادات الحزبية الكبرى الذين يقعون فريسة للضغوط، أغلبهم لديه أجندات شخصية ومصالح وزلات خارج القانون، ترصدها الدولة بعناية، بما يجعلهم أسرى لتعليمات بعض الأجهزة الأمنية التي ترى صالح الوطن في التصاق وتوحد الأحزاب والكيانات السياسية، وانصهارها في رؤية النظام الحاليّ والسير في كنفه، في ظل تحديات سياسية وأمنية لا يمكن إنكارها.
بجانب ذلك، لا يوجد داخل الحالة الحزبية المصرية، من يدرس التاريخ المصري وبشكل خاص الـ7 عقود الماضية، بجانب التجارب السياسية المشابهة في العالم، من أجل الفهم أولاً وبشكل متكامل، شخصية النظام المصري ونقاط القوة والضعف لديه، كأي حزب معارض يسعى إلى السلطة، بما يجعل الأداء هشًا دون طعم او رائحة، ويضع الأحزاب جميعًا أسرى للأهداف دون القدرة على تحقيقها، وهي أخطار يجب دارسة الأنتربولوجيا، وعلم الاجتماع السياسي جيدًا، لفهم كيفية التغلب عليها.
المعارضة خارج مصر
قبل أيام، كان الدكتور باسم خفاجي الناشط الإسلامي ورئيس مجلس إدارة قناة الشرق السابق، في لقاء على القناة نفسها، يرصد بدقة، ما الذي يعيق المعارضة خارج مصر ويجعلها لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها في مصر، رغم اختلاف الإمكانات والدعم والحرية في طرح الآراء والأفكار.
تركن المعارضة في الخارج، إلى حلول “تيك أواي” على رأسها تحريض المجتمع على تفجير ثورة جديدة، دون النظر لحجم وأوزان الداعين لذلك داخل المجتمع المصري
وصّف خفاجي الأزمة بدقة، وأرجعها لعدم فهم أطياف المعارضة للواقع، فالحل يكمن في التعاون على أهداف قابلة للتطبيق تتضمن مصالح الجميع، لأن التوحد في كيان واحد حسبما تسعى المعارضة دائمًا وتروج لذلك، لن يتم بأي شكل، لاختلاف العقيدة السياسي من تيار لآخر؛ فلا يمكن جمع الليبرالي واليساري والناصري والعلماني بالإسلاميعلى مبادئ وأهداف واحدة، بينما يمكن جمعهم على ميثاق تعاون يتضمن كيف يمكن للجميع أن يحصلوا على أفضل ما يريدون، دون أن يعرضوا بحقوق الأخر، وهذا لب الآزمة.
بجانب تلك الإشكاليات التي لن تجد حلاً لها حتى الآن، تركن المعارضة في الخارج، إلى حلول “تيك أواي” على رأسها تحريض المجتمع على تفجير ثورة جديدة، دون النظر لحجم وأوزان الداعين لذلك داخل المجتمع المصري، ودون الاستناد إلى أبحاث وثيقة الصلة بالواقع، عبر متخصصين، يرصدون تقبل الشارع لتلك الأفكار وتحمل تبعاتها، في ضوء دراسة تجارب التحول الديمقراطي والطرق المتعارف عليها عن المعارضة الرشيدة وأساليبها في خلق حالة توافق بين الأطراف المتصارعة، لتفكيك حالة الطغيان السائدة في المنطقة وتخليق حالة من الاصطفاف على مبادئ تعظم من كرامة الإنسان وحريته وتزكي التنوع على حساب الانغلاق والتشدد.
الإخوان وسنوات الشتات
لا جديد لدى الإخوان، هذا ما يمكن أن تصل إليه من أقرب الطرق، إذا أردت عنوان جامع لمضمون مجهود الجماعة طوال الخمسة أعوام الماضية، في التعامل مع الواقع الصعب الذي وضعت نفسها فيه.
ما زالت الجماعة غارقة في أزماتها الداخلية، تنظر للتحديات الراهنة وعمليات التحديث المتزايدة حتى من داخل عباءتها بالأقطار العربية، بالكثير من التردد أو التبلد إن شئت الدقة؛ لا تملك أي قدرة أو رغبة في تجديد أدبياتھا التأسيسية وخطابھا السياسي، الأمر الذي جعلها قعيدة فكر البنا وسيد قطب، دون إضافة أو تغيير بما يناسب العصر وأوضاعها الراهنة؛ الأمر الذي يفسر استمرارها في معاداة أي محاولة للتجديد، تظهر من داخلها أو خارج التنظيم الأم.
يتطور العالم، والجميع يبحث عن آليات القوة التي تساير العصر إلا الإخوان؛ فالجماعة حريصة بشكل لا يمكن فهمه ولا استيعابه، على التوقف عند حدود عشرينيات القرن الماضي
سقط حكم الإخوان وخرجت الجماعة بشكل قسري من السلطة منذ عام 2013، ورغم ذلك لا تملك حتى هذه اللحظة، تصورًا واضحًا يواجه الأسباب الحقيقية التي أقصتها عن الحكم، وهو ما يوقعها في فخ الكراهية وسماسرة الأزمات والمدعين الذين طالما تحدثنا عنهم هنا، سواء في الكيانات السياسية التي تتشكل وتتخذ موقفًا عنيفًا ينعكس بالسلب على المعارضة بأكملها أم في الأذرع الإعلامية للجماعة الذين فاحت رائحتهم مؤخرًا، وبات هناك من يدرك مع تفجر الأزمات داخل قناة الشرق مؤخرًا، كيف تم استغلال أزمة الإخوان في تحصيل مكاسب واسعة، من خلال ترسيخ عداء الجماعة مع قطاعات متزايدة في مصر، ليس فقط مع النظام ومؤسسات القوة في الدولة، بل مع النخب والأحزاب السياسية وشرائح واسعة من الشعب المصري.
يتطور العالم، والجميع يبحث عن آليات القوة التي تساير العصر إلا الإخوان؛ فالجماعة حريصة بشكل لا يمكن فهمه ولا استيعابه على التوقف عند حدود عشرينيات القرن الماضي والاستمرار في اتباع منهج التنظيم في توظيف الدعوة لخدمة السياسة، رغم إعلان الكثير من أبنائها في العالم العربي، وانطلاقًا من فهم أزمتها التي تستعصى على الحل، فصل العمل الدعوي عن السياسي لتجنب أخطار وشبهات تطويع الدين لصالحها.
بينما الجماعة الأم في مصر، تنظر لما يحدث حولها ويزيد لديها الحرص المرّضي على الزج بالدين في المعارك السياسية، ويكون الناتج توظيفًا يسيئ للدين والسياسة معًا، وانتقاص متزايد من قدر هذا وذاك، بما يضعف في النهاية صورة الانطلاق من هذه الأرضية وأصحابها، بل ورمزية الفكرة الإسلامية نفسها!