في الوقت الذي كانت تتجه فيه الأنظار إلى قمة خليجية أمريكية في واشنطن، مايو القادم، تحرك المياه الراكدة في الأزمة التي تدخل شهرها العاشر، إذ بمسؤولين مقربين من دوائر صنع القرار الأمريكي يشيرون إلى تأجيلها لسبتمبر المقبل، نظرًا لازدحام الجدول الدبلوماسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على حد قولهم.
قرار التأجيل جاء بعد حزمة من الاتصالات الهاتفية أجراها ترامب مع كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، حسبما أشار البيت الأبيض في بيان له.
تفسيرات عدة طرحت نفسها عن الدوافع الحقيقية وراء التأجيل المفاجئ للقمة، خاصة أن المناخ العام – وفق ما أشار البعض – ملائم لعقدها، تزامنًا مع وجود ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة هذه الأيام، وما يثار بشأن اجتماع من المقرر عقده بين ترامب وأمير قطر الثلاثاء القادم.
جدول دبلوماسي مزدحم
تطرقت الاتصالات التي أجراها الرئيس الأمريكي مع طرفي الأزمة إلى مناقشة سبل حلحلتها في أقرب وقت، حسبما أوضح بيان البيت الأبيض الذي أشار إلى أنه ناقش مع تميم خلال الاتصال سلوك إيران الذي يزداد تهورًا في المنطقة، وعقبات استعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي، كما أشاد بالتزام أمير قطر بالمساعدة على إعادة وحدة المجلس، مشيرًا إلى أن الجانبين اتفقا على أهمية الوحدة الإقليمية لمواجهة التهديدات الأمنية.
وفي اتصاله مع العاهل السعودي شدد على أهمية حل الخلافات الخليجية، واستعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي لمواجهة النفوذ الإيراني وهزيمة الإرهابيين والمتشددين، هذا بخلاف قضايا أخرى على رأسها الموقف في سوريا واليمن.
مسؤولون أمريكيون أشاروا إلى أن تأجيل عقد القمة مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الستة الذي كان مقررًا لها الشهر القادم، يعكس جدولاً دبلوماسيًا مزدحمًا، إضافة إلى خلو منصب وزير الخارجية في إدارة ترامب لحين الانتهاء من تثبيت مايك بومبيو في منصبه بدلاً من ريكس تيلرسون الذي تمت الإطاحة به مؤخرًا.
تفسيرات عدة بشأن دوافع تأجيل القمة
فشل أمريكي
فريق ثانٍ ذهب في تفسيره لقرار التأجيل إلى بُعد آخر يتعلق بشكل رئيسي بفشل إدارة ترامب في إحراز أي تقدم في هذا الملف، وفي محاولة لكسب المزيد من الوقت على أمل تحقيق أي خطوة إيجابية تحسب للإدارة الجديدة كان التأجيل إلى خمسة أشهر قادمة هو الحل الوحيد.
مجلس الأمن القومي الأمريكي أشار إلى أن ترامب ملتزم بحل أزمة الخليج هذا الشهر، مشيرًا إلى أن تأخير القمة الأمريكية الخليجية لا يرتبط بالتوتر بشأن قطر، وأن هناك تحركًا لبدء حوار وإتاحة مزيد من الوقت بشأن عقد القمة، حسبما نقلت “رويترز” عن المتحدثة باسم المجلس.
أنصار هذا الرأي يشيرون إلى أن اللقاء المرتقب بين ترامب وتميم في واشنطن في الـ10 من أبريل الحاليّ، حسبما أعلن البيت الأبيض، إنما يأتي في إطار مساعي أمريكا لحل الأزمة الدبلوماسية التي تعصف بالخليج العربي.
الرئاسة الأمريكية في معرض إعلانها هذه الزيارة، قالت: “الرئيس يأمل مناقشة سبل تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، والدفع قدمًا بأولوياتنا المشتركة في مجالي الأمن والاقتصاد”، كما نقلت عن مصادر مقربة من ترامب نيته الضغط من أجل التقدم في هذا الملف.
ذات المصادر أشارت إلى اجتماع من المتوقع عقده الشهر المقبل بين ترامب وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، تزامنًا مع اتصالات أخرى مع العاهل السعودي ونجله من أجل التنسيق لإحراز تقدم ملموس في ملف إنهاء الأزمة، وإن كان البعض يذهب إلى أن بناء قوة موحدة في مواجهة إيران وقطع العلاقات الدبلوماسية معها ربما سيكون الوسيلة التي يحقق بها الرئيس الأمريكي غايته لحلحلة الأزمة.
قرار التأجيل جاء بعد حزمة من الاتصالات الهاتفية أجراها ترامب مع كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان
ابتزاز لطرفي الأزمة
لم تتصدر الأزمة الخليجية جدول أعمال الرئيس الأمريكي خلال الفترة الماضية، ولم تتبوأ ما كان يأمله الجميع على قائمة أولويات البيت الأبيض، ليس هذا بسبب تكدس هذا الجدول أو ذاك، كما أشار البعض محاولاً تلمس العذر للإدارة الأمريكية في حسن نواياها إزاء تلك الأزمة.
فرغم انشغال إدارة ترامب بحزمة من الملفات الأخرى على رأسها التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية وهو الملف الذي ربما يعجل بالإطاحة به من البيت الأبيض، إضافة إلى التراشق الاقتصادي والسياسي مع كل من الصين والمكسيك، فضلاً عن الانشغال بالملف الإيراني، لم تكن السبب الرئيسي وراء تراجع مكانة الأزمة الخليجية في العقلية الأمريكية، حسبما أشار فريق ثالث.
هذا الفريق يرى أن أمريكا تملك العديد من أوراق الضغط على طرفي النزاع سواء السعودية وفريق دول الحصار من جانب، أو قطر من جانب آخر، تمكنها من حل الأزمة بين ليلة وضحاها، لكن اقتراب الأزمة من إتمام عامها الأول يرجع لكون واشنطن لا ترغب في تصفيتها من الأساس، ولِمّ لا والطرفين المتنازعين يلهثان وراء كسب ودها وتأييدها، سواء من خلال الصفقات العسكرية التي تستولى فيها الولايات المتحدة على مليارات الدولارات من الخزائن الخليجية، أو من خلال الدعم السياسي والدبلوماسي وتطويع المنطقة الخليجية بأكملها لتنفيذ مخططات وأوامر أمريكا.
تصريحات ترامب الأخيرة التي لوح من خلالها إلى هشاشة بعض الأنظمة الحاكمة وإمكانية سقوطها لولا دعمه لها، تأتي في هذا الإطار، ولعله يعلم جيدًا مداخل بعض حكام المنطقة وهو ما يجعله يعزف عليها بصورة أو بأخرى للحصول على المزيد من المليارات، ولعل ما حدث خلال لقائه وابن سلمان – الذي تعهد الأخير فيها بـ200 مليار دولار استثمارات في السوق الأمريكية بخلاف الـ500 مليار الأخرى التي حصل عليها مايو الماضي – خير دليل، هذا إن تم ربطه أيضًا بالتلويح بسحب القوات الأمريكية من سوريا والدوافع الحقيقية وراء هذا الإعلان المرفوض من صقور الإدارة الأمريكية، بحسب أنصار هذا الرأي.
مساعٍ أمريكية للحصول على مزيد من المليارات من دول الخليج
تصاعد التوتر
التسويف الأمريكي في إحراز أي تقدم في الأزمة الخليجية يتزامن مع تصاعد الملاسنات والخلافات بين طرفيها، خاصة بعدما استقر كل طرف في مقعده دون رغبة في تقديم مزيد من التنازلات، وهو ما جعل الملف في مرتبة متدنية في أولويات الأنظمة الحاكمة هنا وهناك.
الأيام الماضية شهدت تصعيدًا في حجم التراشق السياسي بين مسؤولي الفريقين، بدأت بتصريحات أكثر حديه من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث قال عن الأزمة القطرية خلال زيارته إلى القاهرة مطلع مارس الماضي، “لا أشغل نفسي بها، ومَنْ يتولى الملف أقل من رتبة وزير، وعدد سكانها لا يساوي شارعًا في مصر، وأي وزير عندنا يستطيع أن يحل أزمتهم”، مضيفًا: “مَنْ يتولى الملف القطري هو زميل عزيز في الخارجية بالمرتبة 12، إضافة للمهام الموكلة له”.
اقتراب الأزمة من إتمام عامها الأول يرجع لكون واشنطن لا ترغب في تصفيتها من الأساس، ولِمّ لا والطرفين المتنازعين يلهثان وراء كسب ودها وتأييدها
بعدها بأسابيع قليلة كانت تصريحات وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة الذي تحدث عن أزمته مع جيرانه مقللاً منها، حيث قال على هامش مشاركته في منتدى الإعلام العربي الـ17 الذي انطلقت أعماله في الإمارات الشهر الماضي: “لا يمكن الحديث عن حل لأزمة قطر في الظروف الراهنة، لكن ما يحصل في السعودية من تطور وانفتاح أهم ما يحدث في المنطقة”.
فيما أعلنت الإمارات، قبل عدة أيام، أنها قدمت شكوتين ضد قطر، إحداهما للمنظمة الدولية للطيران المدني، والثانية لرئيس وأعضاء مجلس الأمن، متهمة مقاتلات قطرية باعتراض طائرات مدنية إماراتية، بعدما أعلنت أبوظبي الأسبوع الماضي، أن طائرتين مقاتلتين قطريتين اقتربتا بصورة خطيرة من طائرة ركاب تجارية وأخرى مروحية مدنية، في حادثة هي الثانية من نوعها، فيما وقعت حادثة شبيهة في منتصف شهر يناير الماضي.
في المقابل اكتفت الدوحة بتصعيد التجاوزات الإماراتية والبحرينية إلى المنظمات الدولية، حيث تقدمت بشكاوى للأمم المتحدة في مارس الماضي، عن خمس خروقات إماراتية للأجواء القطرية وقعت في 4 من مارس و25 من فبراير، و3 و14 من يناير 2018، و21 من ديسمبر 2017، إضافة إلى شكوتين عن خروقات بحرينية وقعت في 28 من فبراير الماضي و25 من مارس الماضي، هذا بخلاف اتهام الإمارات الشهر الماضي باحتجاز قارب صيد وإجبار من كانوا عليه بالدخول إلى المياه الإقليمية الإماراتية تحت تهديد السلاح.