ترجمة وتحرير: نون بوست
إلى غاية اليوم، تبدو الآلة الدعائية الإسرائيلية سخيفة بعض الشيء. فمؤخرا، حذر الجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية من مضار الدخان المنبعث من الإطارات المطاطية المحترقة على البيئة وعلى صحة الفلسطينيين. ولئن يبدو الإسرائيليون محقين في تحذيراتهم من مضار الدخان على البيئة وعلى صحة الإنسان، إلا أن الاتهامات، التي وجهتها “إسرائيل” لحركة حماس والمتعلقة بالاستهانة بالأرواح البشرية، تبدو مثيرة للسخرية بالنظر للوضع الإنساني الحرج، الذي يمر به مليوني متساكن في قطاع غزة.
خلال يوم الجمعة الماضي، خرج عدد من أهالي قطاع غزة إلى الشوارع للمشاركة في مسيرة العودة. وقد واجهت القوات الإسرائيلية المتظاهرين بالرصاص الحي. وفي ذلك اليوم، اصطف مئات القنّاصة على طول الحدود لاستهداف المتظاهرين، الذين يقتربون من السياج الحدودي أو يحاولون اختراقه، وذلك وفقا لمصادر عسكرية إسرائيلية. ومن الطبيعي أن تكون الرواية الفلسطينية مختلفة تماما، حيث راج مقطع فيديو يصور مقتل متظاهر فلسطيني متأثرا برصاصة استقرت في ظهره.
حركة حماس تحتاج لإثارة اهتمام العرب
لم يكن يوم الجمعة الماضي دمويا بشكل كبير مقارنة بالأسبوع المنصرم، نظرا لأن الدخان المتصاعد من الإطارات المطاطية المحترقة حجب المتظاهرين عن أنظار القناصة المنتشرين على الحدود. وفي ذلك اليوم، شارك حوالي 15 ألف مواطن فلسطيني في المظاهرات، في حين بلغ عدد المتظاهرين في الأسبوع الماضي 30 ألف شخص. وإلى حدود مساء يوم الجمعة، بلغ عدد الضحايا في صفوف الفلسطينيين سبعة أشخاص، في حين لقي 18 متظاهرا حتفهم على خلفية مظاهرات الأسبوع الفارط. أما عدد الجرحى، فقد بلغ خلال هذا الأسبوع قرابة ألف شخص، من بينهم 290 شخصا أصيبوا بجروح جراء الطلقات النارية.
تعيش حركة حماس عزلة على المستوييْن السياسي والمالي، خاصة وأنها فقدت أقوى سلاح لها في مواجهة “إسرائيل”؛ ألا وهو الأنفاق
في الواقع، لا يمكن أن تشير الأرقام إلى الرسائل التي يريد المتظاهرون توجيهها للعالم. في الأثناء، من المنتظر أن تستمر موجة الاحتجاجات إلى غاية 15 أيار/مايو المقبل، الذي يتزامن مع الذكرى السبعين لتأسيس الدولة العبرية ونكبة الشعب الفلسطيني. من جهة أخرى، كانت حركة حماس في الصفوف الأولى لمسيرة العودة، التي انطلقت بمبادرة من بعض المنظمات الفلسطينية. ومن الواضح أن حركة حماس تسعى إلى إثارة وسائل الإعلام بعد أن خرجت القضية الفلسطينية من دائرة اهتمام الرأي العام العالمي والعربي.
ما الذي تبقى للفلسطينيين؟
تجاهر كل من مصر والأردن وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بالعداء لحركة حماس باعتبارها أحد أذرع تنظيم الإخوان المسلمين. ولعل الأمر المثير للاستغراب هو أن بن سلمان لا يخفي تعاطفه مع “إسرائيل”، شريكته في صراعه ضد إيران. وفي حواره مع مجلة “الأتلنتك” الأمريكية، اعترف بن سلمان بحق الإسرائيليين في إقامة دولة مستقلة. وعلى الرغم من أنه اعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم أيضا، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد ذر رماد في العيون.
من جهتها، تعيش حركة حماس عزلة على المستوييْن السياسي والمالي، خاصة وأنها فقدت أقوى سلاح لها في مواجهة “إسرائيل”؛ ألا وهو الأنفاق التي يمكن أن تصل إلى قلب الدولة العبرية. كما يمكن من خلال هذه الأنفاق تنفيذ هجمات مفاجئة تستهدف المستوطنات والقرى الإسرائيلية المتاخمة لحدود قطاع غزة. ومنذ بضعة أشهر، بنت الحكومة الإسرائيلية حاجزا من الفولاذ الصلب والخرسانة بهدف تدمير أنفاق حركة حماس. علاوة على ذلك، تستخدم السلطات الإسرائيلية الوسائل التكنولوجية لتحديد مواقع الأنفاق في المناطق الرملية.
أما حركة حماس، فترغب من خلال مسيرة العودة في التعبير عن الإحباط الذي يختلج صدور أهالي قطاع غزة جراء الحصار الذي عزلهم عن العالم الخارجي. ولعل ما زاد من معاناة أهالي القطاع هو القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن تقليص المساعدات المالية الموجهة للفلسطينيين والاعتراف بالقدس عاصمة “لإسرائيل”. بالإضافة إلى ذلك، أعلن الرئيس الأمريكي عن اعتزامه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس خلال شهر أيار/مايو القادم. وعند هذه النقطة، لسائل أن يسأل، ما الذي تبقى للفلسطينيين؟
لا يعول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على مساندة الأوروبيين، خاصة وأنه يحظى بالدعم المطلق من حليفه ترامب فيما يتعلق بسياسته تجاه الفلسطينيين وإيران
لا حلول تلوح في الأفق بالنسبة لقطاع غزة والفلسطينيين
على خلفية اعتراف ترامب بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، قطع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، كل العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن. وقبل ذلك، كان عباس رجلا لا حول له ولا قوة، ولا يتمتع بأي صلاحيات. ومن خلال الموجة الاحتجاجية، تعمل حركة حماس على كسب ود الفلسطينيين في مواجهة خصم الحركة السياسي، عباس. من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الفلسطينيين قد يلقون تعاطفا من قبل دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه الدول لا تستطيع تغيير الواقع الفلسطيني.
نتنياهو يمتلك دوافع سياسية داخلية
لا يعول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على مساندة الأوروبيين، خاصة وأنه يحظى بالدعم المطلق من حليفه ترامب فيما يتعلق بسياسته تجاه الفلسطينيين وإيران. وفي كل الأحوال، لا يمكن أن يبرر ذلك تعامل القوات الإسرائيلية مع الاحتجاجات الفلسطينية بشكل عنيف للغاية.
من جهتها، أرادت السلطات الإسرائيلية تحذير الفلسطينيين من مغبة الاقتراب من حدودها، حيث أعلنت أنها ستحميها مهما كلف الأمر، كما أنها لن تتسامح مطلقا مع أي شخص يتسلل إلى مناطق نفوذها. ولئن تبدو المخاوف الإسرائيلية وجيهة، إلا أن ذلك لا يمنعنا من التساؤل عما إذا كان بالإمكان مواجهة الموجة الاحتجاجية دون اللجوء إلى قنص المتظاهرين.
في هذا السياق، انتقدت الصحافة الإسرائيلية ردة فعل الجيش الإسرائيلي تجاه المتظاهرين، في حين رحّب طيف واسع من الإسرائيليين بعمليات قنص الفلسطينيين. وقد أراد نتنياهو صرف أنظار الصحافة الإسرائيلية عن الوضع في قطاع غزة من خلال لفت الانتباه إلى الوضع المأساوي في سوريا واليمن. وفي حال تطرق الإعلام الإسرائيلي إلى الواقع المأساوي في قطاع غزة، يمكن أن يمثُل رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام القضاء بتهمة الفساد.
على الرغم من أن المجتمع الدولي سيُدين القمع الإسرائيلي للمتظاهرين الفلسطينيين،، إلا أن وضع أهالي قطاع غزة لن يتغير
خلال الأشهر القادمة، قد تُرفع دعوى قضائية ضد نتنياهو، وبالتالي، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الظهور في ثوب السياسي الوحيد، الذي لا يتوان عن الدفاع عن وطنه في الأوقات الصعبة بغض النظر عن “العدو”؛ إن كان حزب الله أو الشعب الفلسطيني أو إيران. والجدير بالملاحظة أن نتنياهو يريد إيهام الرأي العام الإسرائيلي بأن شعبه سيرتكب خطأ فادحا في حال تمت مقاضاته أو تنحيته عن منصبه. وعموما، يحاول نتنياهو توجيه رسالة للرأي العام الإسرائيلي مفادها أنه السياسي الوحيد القادر على العبور “بإسرائيل” إلى بر الأمان في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
في الأثناء، من المنتظر أن تستمر المظاهرات ويرتفع معها عدد الضحايا والجرحى. وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي سيُدين القمع الإسرائيلي للمتظاهرين الفلسطينيين، في حين سيكسب الشعب الفلسطيني تعاطف مختلف دول العالم، إلا أن وضع أهالي قطاع غزة لن يتغير.
المصدر: تسايت