انتهت قمة أنقرة الثلاثية يوم الأربعاء 5 من أبريل/نيسان 2018 التي جمعت كلًا من الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين والإيراني روحاني، مع توافق على اعتماد مسار أستانة وقرارات مجلس الأمن ذي الصلة كصيغة نهائية للتفاوض لحل الأزمة السورية.
وتوافق الجميع أيضًا على ضرورة محاربة الإرهاب، مع تقييدهم للإرهاب بالجماعات المحسوبة على القاعدة كتنظيم الدولة (داعش) وجبهة النصرة والجماعات أو الشخصيات المرتبطة بهما فكرًا ومنهجًا.
كما رحب الطرفان الروسي والإيراني بمقترح تركي قدمه الرئيس أردوغان بضرورة بناء وحدات سكنية في المناطق التي تمت استعادتها شمال سوريا، حيث قال: “هدفنا من هذا الاقتراح أن يخرج المواطنون من الخيام ويعيشوا في منازل ملائمة، يأكلون ويعيشون مما يزرعون”.
وكان من التصريحات البارزة في هذه القمة ما جاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني أن الحرب في سوريا انتهت، واتفق مع بقية الرؤساء على تسريع الجهود لضمان تحقيق التهدئة في سوريا، والوصول لوقف إطلاق نار دائم، وأضاف خلال المؤتمر الصحفى بعد القمة: “التطورات الجارية في عفرين لن تكون مفيدة إذا أخلت بوحدة الأراضي السورية، ويتعين تسليم السيطرة على هذه المناطق للجيش السوري”.
الواقع الميداني واستمرار القصف
مع أن مقررات قمة أنقرة تبنت مسار أستانة، وأكدت ضرورة وقف إطلاق النار من الأطراف المتنازعة، وضرورة الحل السياسي بعيدًا عن الحل العسكري، إلا أن الواقع الميداني خلاف هذه المقرارت، فالقصف لم يتوقف يومًا، لا قبل القمة ولا بعدها، حيث كثف الضامن الروسي غاراته على مناطق متعددة في ريف إدلب موقعًا عددًا من الضحايا، وكذلك في درعا جنوب البلاد خرقت قوات النظام اتفاق خفض التصعيد واستهدفت الأحياء السكنية المحررة في درعا البلد بقذائف المدفعية الثقيلة والرشاشات الأرضية؛ مما أدى إلى مقتل أحد المدنيين.
الغوطة بعد القصف
أما الغوطة الشرقية فقد تعرضت يوم الجمعة 6 من أبريل/نيسان لأكثر من 35 غارة جوية، نفذها الطيران الروسي ومعه طيران النظام، مما أدى لاستشهاد 23 مدنيًا بينهم نساء وأطفال، وجاءت هذه الغارات بعد رفض أهالي دوما عرضًا للنظام بالخروج الآمن باتجاه الشمال السوري، على غرار أهالي حرستا وجوبر، وهو ما جعل النظام يعود لسياسة الأرض المحروقة لدفع الناس للاستسلام.
فإين ما يحصل من استمرار القتل والتهجير الممنهج من قرارات أنقرة واتفاق الرؤساء الثلاث؟ وأين نحن من تصريح روحاني بأن الحرب انتهت بسوريا؟
لا شك أن روحاني لم يقصد الحرب بمعنى القصف والقتل الممارس من النظام وحلفائه الروس أو الإيرانيين، بل يعني بكل صراحة أن الثورة هي التي انتهت وعلى الشعب الثائر أن يستسلم وإلا سيستمر القتل والقصف.
أليس الأسد إرهابيًا؟
اتفق المؤتمرون في أنقرة على ضرورة محاربة الإرهاب وشددوا على محاربة تنظيم الدولة وجبهة النصرة أو تحرير الشام وكل جماعة أو شخص يمكن أن يرتبط بهذه الجماعات، ولكن أين إرهاب الأسد من إرهاب هذه الجماعات! ألم يقتل الأسد أضعاف وأضعاف ما قتله هؤلاء؟
ثم أليست الأحزاب الكردية إرهابية حسب وجهة النظر التركية في حين أنها موجودة جنبًا إلى جنب مع الروس في القرى العربية كتل رفعت وغيرها من القرى ولا يستطيع الأتراك التقدم نحوها إلا بالتفاهم مع الروس؟
الوحدات الكردية إرهابية أما النظام السوري ليس إرهابيًا، فلا مانع أن يحل مكانها في عفرين ولعل هذا الموقف التركي الرسمي هو ما شجع روحاني على مطالبة الأتراك بتسليم عفرين لنظام الأسد
كيف للروس أن يتحدثوا عن الإرهاب وهم الراعون والضامنون لاتفاق أستانة ولكنهم ما زالوا في صف القاتل، وما زالوا يمارسون الإرهاب ضد الشعب السوري المكلوم!
أما الموقف من نظام الأسد فمن ينظر بدقة إلى تصريحات الرؤساء الثلاث ومواقفهم تجاه الثورة السورية، يرى اتفاقًا بينهم على عدم تصنيف الأسد كإرهابي، ولا يخلو الأمر من بعض التصريحات الخجولة للجانب التركي، من وصف الأسد أحيانًا بأنه قاتل لشعبه أو هجر مواطنيه، أما وصفه بالإرهاب فلا.
ولا أدل من ذلك ما صرح به وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أثناء عملية غصن الزيتون أنه لا مشكلة إن كان النظام السوري سيدخل عفرين، لكن بشرط تطهيرها من “وحدات حماية الشعب الكردية “، لكن إنّ كان دخولهم لحماية هذا التنظيم، فلا أحد يستطيع وقف الجنود الأتراك”.
وبالتالي الوحدات الكردية إرهابية أما النظام السوري ليس إرهابيًا، فلا مانع أن يحل مكانها في عفرين ولعل هذا الموقف التركي الرسمي هو ما شجع روحاني على مطالبة الأتراك بتسليم عفرين لنظام الأسد.
هذا الموقف اللين من النظام السوري لم تنفرد به تركيا فقط التي طالما أعلنت أنها من أصدقاء الشعب السوري بل شاطرها في هذا الموقف النظام السعودي أيضًا، فقد أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حديث له لمجلة تايم الأمريكية نشرت الجمعة 6 من أبريل/نيسان 2018، بأنه يدعم أن يكون النظام برئاسة الأسد “قويًا”، وليس أبلغ من هذا التصريح في تأييد شرعية الأسد وبقائه في السلطة رغم مطالبة الملايين من السوريين بتنحيته.
متى ستتوقف الحرب في سوريا؟
توقف الحرب فعليًا في سوريا يتوقف على مدى تحقق مصالح اللاعبين الأساسيين في المنطقة الآن، ولهم تدخل مباشر في سوريا وهي 4 أطراف رئيسية متمثلة بأمريكا وروسيا وتركيا وإيران.
توقف الحرب في سوريا وتوقف القصف والقتل يتوقف على موافقة الشعب السوري على ما يقرره المجتمع الدولي
أما اللاعب الرئيسي والأكثر تأثيرًا على الأرض في سوريا فهي بلا شك الولايات المتحدة الأمريكية، وإن ظهرت بمظهر المعارض لسياسيات الدول الثلاثة، فإنها في الحقيقة من تدير الأمور في سوريا ولا يتم أي عمل إلا بعلمها وبموافقتها، فهي من أدخل الإيرانيين والروس، ومن سمحت للأتراك بدخول الشمال السوري بعد أن كان ممنوعًا عليهم أي تحرك باتجاه الأراضي السورية.
الذي يظهر أن بقاء الأسد ونظامه أصبح في الحقيقة مصلحة حيوية لأمريكا والدول الأخرى تبع لها في ذلك، في حين أصبح الحديث عن رحيل الأسد ضربًا من الخيال وأصبح مفروضًا على الثوار والمعارضة التخلي عن هذا الشرط بالترغيب أو الترهيب.
إذًا توقف الحرب في سوريا وتوقف القصف والقتل يتوقف على موافقة الشعب السوري على ما يقرره المجتمع الدولي الذي كان منذ البداية ضد ثورته وطموحاته للتخلص من ظلم نظام الأسد وأجهزته القمعية، ولعل ما قاله الأخضر الإبراهيمي الذي كان المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا عام 2012، أوضح تعبير عن نوايا الدول الفاعلة في سوريا حيث قال: “سوريا تواجه خيارين، إما الحل السياسي أو الجحيم“.
نعم إنه الجحيم الذي عاشه الشعب السوري منذ 7 سنوات وما زال يعيش فصولًا منه حتى اليوم، على أمل الخلاص من ظلم وبطش نظام الأسد ليدرك يومًا بعد يوم أن مشكلته لم تعد مع الأسد أو نظامه فقط، بل أصبح يواجه دولًا عظمى اصطفت في صف القاتل مع أنها أصمت أذاننًا بأنها تسعى لمساعدة شعوب العالم كي تنعم بالحرية والأمن والأمان والاستقرار.