أجهزت “جماعة الحوثي” الشيعية في اليمن على آخر خصومها من السلفيين داخل محافظة صعدة مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث نجحت في ترحيلهم من المحافظة بعد 90 يوما من معارك ضارية بين الجانبين.
جماعة الحوثي، التي أطلقت على نفسها لقب “أنصار الله”، لم تخلد إلى استراحة المحارب، بل راحت تبحث عن خصوم جدد، وفق محللين سياسيين، اعتبرو أن الجماعة تستند في هذا الصدد إلى ذرائع “غير واقعية” تبرر لها الدخول في حروب جديدة ربما تفضى، في وقت قريب، لسيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء.
وكانت مواجهات مسلحة دارت بين الحوثيين والسلفيين في دماج، على مدار ثلاثة أشهر، أسفرت عن مقتل أكثر من 204 وجرح نحو 610 في صفوف السلفيين، بحسب مصادر سلفية، في حين يتكتم الحوثيون عن ذكر عدد الضحايا في صفوفهم.
ورعت لجنة وساطة رئاسية في مطلع يناير/كانون الثاني الماضي اتفاقا وافق عليه الحوثيون والسلفيون ينص على خروج الطلاب والسكان الأجانب من المنطقة خلال أيام.
وقال القيادي السلفي بدماج، أبو إسماعيل الوادعي، في حديث سابق إن “معظم السلفيين الذين تم ترحيلهم من منطقة دماج يعانون من أوضاع صعبة، لعدم تنفيذ لجنة الوساطة الرئاسية تعهداتها بالعمل على تعويضهم في التسكين والنقل والغذاء”.
وأضاف أن السلفيين تركوا 2200 منزل و300 غرفة خاصة بالعازبين في دماج، ونحو 200 قطعة أرض كان قد تم شرائها من قبل عدد من السلفيين الذين أقاموا في المنطقة، ورحلوا بناء على اتفاق الصلح بين طرفي النزاع .
وبعد أن كانت الجماعة الشيعية تحارب مطلع العام الجاري في معقلها داخل محافظة صعدة، قطعت في أقل من شهرين أكثر من 200 كيلومتراً، لتصل إلى بلدة همدان التابعة لمحافظة صنعاء، والتي تبعد عن قلب العاصمة صنعاء بحوالي 20 كيلومتراً فقط.
وسقط في مواجهات “همدان” عشرات القتلى من رجال القبائل ومن الحوثيين الذين قدموا إلى المنطقة بمئات المسلحين التابعين لهم، كما تم تفجير منزل لقيادي قبلي (الشيخ عبدالله الأحمر)، إضافة إلى نسف الحوثيين لمدرسة دينية.
وعقب الانسحاب من “همدان” التابعة إداريا لمحافظة صنعاء، عاد الحوثيون إلى مدينة عمران (شمال صنعاء)، وبدأوا بالترتيب لمظاهرات يقولون إنها تطالب بـ “إسقاط الحكومة” ورفض تقسيم اليمن وفقاُ للدولة الاتحادية التي اعتمدت ستة أقاليم، لكن قوات أمنية منعتهم من التظاهر بالأسلحة، وهو ما تطور إلى اشتباكات خلفت قتلى وجرحى من صفوف جنود نقطة أمنية وعناصر موالية للحوثي.
ويتوجس مراقبون من أن تشكل الحروب التي خاضها ويخوضها الحوثيون مع رجال القبائل في محافظتي عمران وأرحب شمالي اليمن ممراً للحوثيين إلى العاصمة صنعاء، خصوصاً بعد سيطرتهم على مناطق جديدة في عمران مؤخرا.
وكانت لجنة تحديد الأقاليم في اليمن برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، قد أعلنت رسمياً فبراير/ شباط الماضي، تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم في ظل دولة اتحادية، بواقع إقليمين في الجنوب و4 أقاليم في الشمال، وهو ما يرفضه الحوثيون كما ترفضه بعض فصائل الحراك الجنوبي المطالبة بفصل الجنوب عن الشمال، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل إعلان الوحدة بين شطري اليمن في مايو/أيار سنة 1990.
ونشأت جماعة الحوثي، التي تنتمي إلى المذهب الزيدي الشيعي، عام 1992 على يد حسين بدر الحوثي، الذي قتلته القوات الحكومية منتصف عام 2004؛ ليشهد اليمن ست حروب بين عامي 2004 و2010 بين الجماعة، المتمركزة في محافظة صعدة (شمال)، وبين القوات الحكومية؛ خلفت آلاف القتلى من الجانبين.
ويعسكر الحوثيون في المدخل الشمالي لمدينة عمران بعد مرور أسبوع من اشتباكات مع نقطة أمنية منعتهم من التظاهر بالسلاح، ويقول سكان محليون، إن الأوضاع متوترة بعد تعزيزات أمنية مكثفة على المداخل، إضافة الى حشود حوثية مسلحة تتوافد إلى المكان.
وباتت جماعة الحوثي تمتلك ممراً أمناً من معقلها الرئيس في صعدة حتى مدينة عمران (حوالي 200 كيلو متر) ويتمكن مسلحوها التحرك بسلاسة في غالبية الخطوط الإسفلتية المؤدية الى العاصمة صنعاء.
ونجحت جماعة الحوثي في استثمار سخط أبناء المناطق الفقيرة في عمران على مراكز النفوذ القبلي في حاشد، وسحب البسطاء للقتال في صفها، وهو ما يحذر محللون من عواقبه.
“بشير عثمان”، رئيس المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية، يرى أنه “بمجرد هيمنة طائفة على جموع الناس، سيكون من الصعب تحويلهم إلى مواطنين مدنيين يحملون هوية مواطنة يمنية”، حسب تعبيره.
وسابقاً كانت جماعة الحوثي تبرر عدم تسليم السلاح بعدم وجود الدولة القوية التي تفرض القانون على الجميع، لكن زعيم الجماعة “عبدالملك الحوثي” ظهر قبل أيام وأعلن رفض فكرة التخلي عن السلاح، حينما قال “يريدوننا تسليم السلاح، متسائلا: بماذا سنحارب العدو الخارجي؟ بالحجارة !”.
وأثار التحرك الأخير لجماعة الحوثي ريبة الدولة وقوى مدنية وسياسة من مجازفة إسقاطها للعاصمة صنعاء عسكرياً، تحت مبرر “البحث عن أعداء وخصوم جدد”.
ويرى الكاتب اليمني “أحمد العرامي” أن جبهات الحوثي القتالية تتوسع في عدة مناطق عن طريق السلاح والاغراءات، متبنية خطابا “غير واقعي”، على حد وصفه.
وقال العرامي لوكالة الأناضول “هوية الحوثي تقوم أساساً على افتراض عدو كما يظهر في شعاره (الصرخة) والمحاضرات التى يلقيها لأتباعه، حيث يربط وجوده بوجود إسرائيل والهيمنة الأمريكية على المنطقة.
لكن الحوثي، بحسب العرامي، “يُكسب صراعه الطائفي مع السنة بُعداً أكبر، حيث يربط (السنة) بالدولة، ثم يربط من ناحية أخرى الدولة بأمريكا واليهود”، على حد تعبيره
المصدر: الأناضول + نون بوست