على رائحة البُن المحمص وزقزقة العصافير استيقظت صباح أول يومٍ لي في عاصمة الجنوب الإثيوبي، نظرت من الشرفة فلفت انتباهي مجددًا نظافة المدينة وجمال البحيرة التي تحيط بهوّاسا من كل الاتجاهات، بعد تناول الإفطار الخفيف والقهوة الإثيوبية المميزة بدا لي أن الوقت ملائم لاستكشاف زهرة الجنوب والتعرف على أحيائها ومعالمها البارزة.
نهضة عمرانية
لحسن الحظ كان الجو غائمًا جزئيًا مع نسماتٍ عليلة ورائحة “الدعاش” من أمطار ليلة أمس، صحيح توجد بعض السحب لكنها ليست داكنة كسحب العاصمة أديس أبابا التي لا تكاد تغيب عن السماء وزخّات المطر في الأخيرة مستمرة طوال اليوم في فصل الصيف عكس عاصمة الجنوب ذات الطقس المعتدل نسبيًّا.
بدأت الجولة من الطريق الشهير الذي يصل كنسية القديس قبرائيل التابعة للطائفة الأرثوذكسية بالبحيرة، الأشجار الخضراء تمتد على جانبي الشارع، مرافق سياحية ومطاعم تتناثر في كل مكان، سيارات قليلة مع حضور قوي للمركبات الصغيرة ثلاثية الإطارات وهي وسيلة المواصلات المفضلة للسكان المحليين.
قال مرافقي، إن المدينة نمت وتطورت في السنوات الأخيرة، وأشار إلى بناياتٍ ضخمة شمال شرق الكاتدرائية، موضحًا أنها لم تكن موجودة قبل سنواتٍ قليلة، وعلى الجانب الجنوبي الغربي من المدينة تم بناء مجمعات سكنية جديدة لتمليكها للمواطنين بأقساطٍ مريحة.
تقع هواسا على ارتفاع 1665 مترًا فوق سطح البحر، متمتعةً بمناخٍ معتدل طول العام، في السابق كانت عاصمة لمقاطعة “سيداما” والآن هي عاصمة إقليم “أمم وشعوب جنوب إثيوبيا”، بها خليط من السكان يضم معظم القوميات الإثيوبية، مثل وولايتا، سيداما، أورومو، هاديا، كامباتا، تيقراي، أمهرا، قوراقي، والناظر لهواسا على الخريطة يجدها محاطة بالماء من الغرب والشمال، فيما تحيط بها الغابات والأشجار الخضراء من الجنوب والشرق.
مجمعات صناعية ضخمة
في الآونة الأخيرة لفتت زهرة الجنوب الإثيوبي الأنظار إليها من كل حدب وصوب، فخلافًا للمقومات السياحية التي تتمتع بها، نجحت المدينة في جذب استثمارات صناعية ضخمة، فقد افتتحت إثيوبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي “حديقة هواسا لصناعة الملابس” التي تعد أحدث جزء من مخطط مركزي واسع النطاق وضعته الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا منذ العام 2014، فقد شرعت في تدشين 4 مجمعات صناعية عملاقة مملوكة للحديقة الصناعية باستثمارات مقدرة بما يقارب مليار دولار، وتخطط لإنشاء ثمانية مجمعات أخرى بحلول عام 2020.
وفي الإطار نفسه، افتتحت مجموعة “أونتيكس Ontex” منشأةً جديدة في هواسا خلال سبتمبر/أيلول الماضي، ضمن إستراتيجيتها في التوسع بالقارة السمراء، وهو ما يزيد من توافر منتجاتها في الأسواق النامية، وتمّ تجهيز موقع المصنع الجديد الذي يمتد على مساحة 11000 متر مربع بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا صناعة الملابس ومنتجات العناية الصحية وبتكلفة قدرها 220 مليون دولار.
المنشآت الصناعية المشار إليها أعلاه، كانت أحد أسباب نهضة زهرة الجنوب الإثيوبي وتوسعها، إذ استوعبت المجمعات الصناعية قوى عاملة تقدر بالآلاف من المدينة والمدن المجاورة حتى من العاصمة أديس أبابا وكفاءات في المجال من دول العالم المختلفة.
إذ سلط تقرير نشره موقع “بلومبيرج” الأمريكي الضوء على الموضوع تحت عنوان “الصين تحول إثيوبيا إلى مصنع ملابس عملاق”، وينقل فيه مراسل الموقع عن “باتار” هو مهاجر من الهند تعلم أصول صناعة الملابس في بنجلاديش ومصر قبل أن ينتقل إلى إثيوبيا للعمل فيها، قوله: “الحكومة ملتزمة جدًا حيالنا، ووضعت موظفين عملوا خلال 24 ساعة ليلاً ونهارًا من أجل بناء هذا المكان (المصنع) وليس هناك أي فساد، أبدًا”.
الطفرة الصناعية التي حدثت في عاصمة الجنوب الإثيوبي واكبتها قفزات نوعية في مجال التعليم، فإلى جانب جامعة هواسا الحكومية تحتضن المدينة كليات أهلية متعددة لدراسة الحاسب الآلي واللغات والعلوم الإدارية وغيرها من التخصصات.
بحيرة هواسا.. المَعلم الأبرز في زهرة الجنوب
رأينا أن نواصل طريقنا إلى البحيرة سيرًا على الأقدام، عندها بدأ رذاذ المطر يرافقنا، لحظة وصولنا مشارف البحيرة المدهشة كل شيء كان يعبر عن روعة الاستقبال، الطقس البديع، وسلام الناس وابتساماتهم الساحرة، الخضرة والجمال والماء ترسم في الذاكرة لوحات تشكيلية بديعة، الطريق إلى بحيرة هوّاسا أشبه بمرسمٍ تشكيليّ حر على الهواء الطلق ولحظة وصولك إلى البحيرة تستقبلك بالأحضان.
تقع بحيرة هوّاسا على مساحة شاسعة تحفها مجموعة من المنتجعات الفاخرة أبرزها منتجعا “هايلي” و”ليوي”، كما توجد العديد من الفنادق الكبرى ذات الخمس نجوم، وهناك مجموعة أخرى من الفنادق الصغيرة والـGuest Houses للراغبين في خيارات أقل تكلفة.
أيًّا كانت ميزانية الشخص بإمكانه قضاء عطلة فريدة من نوعها في زهرة الجنوب الإثيوبي، ويحق له الاستمتاع بالخضرة والماء والجمال المحتشد، نسيت أن أحدثكم عن ميزة أخرى تتميز بها بحيرة هواسا وهي وجود مجموعات من القردة وأسراب من الطيور الضخمة على ممشى البحيرة وفي وسطها، وكلها من النوع الأليف الذي لا يعتدي على الناس بل يقبل منهم الهدايا والطعام!