ترجمة حفصة جودة
شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربًا استمرت لعقدين على العراق تسببت في مقتل 1.7 مليون مدني نصفهم من الأطفال، كانت قد بدأت قبل ذلك بفرض عقوبات في فترة التسعينيات قبل أن تدمر المجتمع المدني العراقي بغزوها غير الشرعي عام 2003 الذي أزهق مئات آلاف الأرواح وأدى إلى نشوب حرب أهلية وولادة الدولة الإسلامية “داعش”، ويعد هذا جزءًا بسيطًا من الكابوس الذي ألحقته أمريكا بشعب العراق.
اتُهم الاحتلال الأمريكي بالتسبب في ارتفاع عدد حالات السرطان وسرطان الدم والتشوهات الخلقية في المواليد نتيجة استخدام الجيش الأمريكي للأسلحة الكيماوية وإلقاء النفايات السامة بما في ذلك اليورانيوم المخصب في التربة والمجاري المائية، هذا الأمر لا يهدد فقط من يعيشون في العراق اليوم، لكنه يهدد الأجيال القادمة في العراق، لأن آثار اليورانيوم المتبقية سوف تظل مشعة لأكثر من 4.5 مليون عام.
يقول سكوت ريتر – مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة -: “تكمن السخرية في أننا غزونا العراق من أجل تدمير أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها، وللقيام بذلك، استخدمنا أسلحة جديدة تسببت في خسائر إشعاعية”.
جورج بوش على متن حاملة طائرات في مايو 2003 يعلن انتهاء القتال الأمريكي في العراق
هذه المعاناة الإنسانية تأتي نتيجة تلاعب الحكومة الأمريكية بالمخابرات نيابة عن المحافظين الجدد؛ حيث كانوا يبحثون عن أي ذريعة لغزو العراق في أواخر التسعينيات حتى يتمكنوا من نشر مشروعهم المشوه لإعادة رسم صورة أمريكا في العالم.
هذه الحرب كلفت دافعي الضرائب في أمريكا نحو تريليوني دولار وحياة ما يقرب من 5 آلاف جندي بالإضافة إلى إصابة عشرات الآلاف بالإعاقة الجسدية والاضطرابات النفسية.
دور التثقيف الخاطئ
في استطلاع رأي جديد أجراه مركز “بيو” للأبحاث؛ وجدوا أن 43% من الأمريكيين ما زالوا يعتقدون أن قرار غزو العراق كان صحيحًا، هذا يعني أن نحو نصف الأمريكيين ما زالوا يعتقدون أن تلك الحرب غير الشرعية القائمة على معلومات استخباراتية مزيفة وأسفرت عن عدد لا محدود من الوفيات والدمار؛ هي القرار السليم أخلاقيًا وسياسًا.
كيف يمكن أن يحدث هذا الظلم وسفك الدماء في بلد مثل الولايات المتحدة التي تفخر بقيمها الديموقراطية والليبرالية؟ هذا السؤال كبير حتى إن ورقة أكاديمية من 10 آلاف كلمة حاولت بالكاد الإجابة عن ذلك، لكن هناك بعض العلامات التي يسهل معرفتها وأولها نظام التعليم الثانوي في أمريكا.
على الأغلب لا يتعلم الطالب الأمريكي أي شيء عن العالم الخارجي والأمم الأخرى، أقول ذلك وأنا أب لطالبة في سنتها الثانوية الثالثة، بالإضافة إلى أن التعليم في المدارس الثانوية أصبح متجهًا نحو الاختبارات الموحدة، مما يعني أن المدارس قد تفقد تمويلها إذا انخفض مستوى الطلاب عن حد معين، وبذلك يتعلم الطلاب كيف يجتازون الاختبارات وليس كيف يتعلمون، ولهذا السبب – وعدة أسباب أخرى – تقع البلاد في المرتبة الأخيرة بين 35 دولة صناعية في الرياضيات وتعاني أيضًا من انخفاض درجات القراءة.
طفل يبكي في أثناء فرار أهله من الموصل مايو 2017
بالعودة إلى العراق؛ أجرت جمعية ناشونال جيوغرافيك مسحًا عام 2006 ووجدت أن 63% من الشباب الأمريكي ما بين 18-24 عامًا، لم يستطيعوا تحديد موقع العراق على الخريطة، هذه النتيجة مدهشة نظرًا لأن الولايات المتحدة خاضت حربين هناك منذ عام 1990 واحتلت البلاد لأكثر من 10 سنوات، فإذا لم يكن هناك اهتمام بمعرفة موقع العراق على الخريطة، فبالتالي لن يكون مفاجئًا أن لا نجد اهتمامًا بما يحدث في تلك البلاد.
الأفلام أعطت المعنى للمغامرة العسكرية
جزء آخر من لغز هذه اللامبالاة تجاه هذا الدمار في العراق سببه ما أسميه تأثير “القناص الأمريكي” (اسم فيلم)، حيث منحت هوليوود معنى للمغامرة العسكرية الأمريكية، حيث يحكي الفيلم ببطولة النجم برادلي كوبر قصة كريس كايل القناص الأمريكي الأشد فتكًا في تاريخ الجيش الأمريكي وجولاته الأربعة في العراق.
من الواضح أن الفيلم دعاية غير خجولة لأمريكا وحربها على الإرهاب، في المشهد الثاني يتذكر كايل بعضًا من طفولته، وعلى مائدة العشاء يعلمه والده درسًا حيث يقول له: “هناك فقط 3 أنواع من الناس في العالم: خراف وذئاب وكلاب الراعي”، ثم شرح له قائلًا إن كلاب الراعي موجودة للحماية من الشر، كانت الإشارة واضحة، فكلب الراعي هو القناص الأمريكي ومهمته حماية رجاله من الذئاب العراقية الشريرة.
برادلي كوبر يلعب درو كريس كايل في فيلم القناص الأمريكي عام 2014
بعد ذلك يعرض الفيلم عدة مشاهد للقطات حقيقية لاصطدام الطائرة ببرج التجارة العالمي وانهياره، يليه احتفال كايل وفريقه بما حققوه في العراق، الدلالة واضحة ومتعمدة حيث يقلدون دعايا إدارة الرئيس بوش قبل غزو العراق ويضللون الجماهير ليقنعوهم أن العراق له علاقة بما حدث في 11 من سبتمبر، وفي استطلاع تم بعد 11 من سبتمبر بـ10 سنوات، ما زال هناك 50% من الأمريكيين يعتقدون أن العراق له علاقة بتلك الهجمات.
لا علاج لمتلازمة القوى العظمى
من وجهة نظر نفسية عميقة، يقول الطبيب النفسي روبرت جاي ليفتون إن الولايات المتحدة تعاني من مرض عصبي جمعي يُسمى “متلازمة القوى العظمى”، ويقول ليفتون: “أعني بذلك وجود عقلية وطنية بقيادة محكمة تعتقد أنها تمتلك قدرة كلية ومكانة فريدة تمنحها الحق في السيطرة على جميع دول العالم”.
هذه المكانة كقوى عظمي تأتي من ظهورنا في الحرب العالمية الثانية كقوى فريدة في جميع النواحي واستمرار هذه القوة حتى نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينيات، ويقول ليفتون إن شعور الولايات المتحدة بالقوة المطلقة والحصانة قد تحطم تمامًا في هجمات 11 من سبتمبر مما خلق رغبة انتقامية في استعادة وتوسيع حدود العالم الذي تسيطر عليه القوى العظمى.
هذه المتلازمة تجعلنا نعتقد بأن لنا الحق في الانتقام من الذل الذي سببه الإرهابيون بسبب موقفنا الأخلاقي الفريد وأن لنا الحق في إملاء شروطنا الوجودية على بقية العالم، بمعنى آخر؛ وجود وحيوية الإمبراطورية الأمريكية هو الأمر الوحيد المهم، وسوى ذلك لا تتوقعوا منا أي اعتذار.
المصدر: ميدل إيست آي