قبل شهر تقريبًا على انطلاق ماراثون الانتخابات التشريعية العراقية والمقرر لها الـ12 من مايو القادم، بدأت السلطات السعودية تحركاتها مبكرًا نحو تقديم أوراق اعتمادها مجددًا للعراقيين عبر بوابة الاقتصاد، وذلك بعد كشف السفير السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري، حزمة من المشاريع الضخمة بين البلدين، أبرزها ربط العراق بالبحر الأحمر.
إعلان تلك المشروعات جاء بعد زيارة وفد عراقي إلى السعودية قبل أشهر، لبلورة ما اتفق عليه رئيس الوزراء حيدر العبادي والعاهل السعودي الملك سلمان مؤخرًا، في محاولة لإعادة العلاقات بين الطرفين إلى ما كانت في السابق قبل أن تدخل أنفاق التوتر الأخيرة بسبب تباين وجهات النظر حيال بعض الملفات.
المخطط السعودي للدخول مجددًا إلى الملعب العراقي مرة أخرى بعد سنوات من الاعتزال، تصاعد بصورة ملفتة للنظر مع خلافة سلمان لعرش المملكة، ثم زاد مع تعيين نجله وليًا للعهد، تزامن هذا مع الخسائر التي تتكبدها الرياض في اليمن يومًا تلو الآخر، فضلاً عن الإدانات التي تتعرض لها جراء عملياتها العسكرية المستمرة منذ مارس 2015 وحتى الآن، فهل يصبح العراق وجهة المملكة الجديدة للبحث عن انتصار دبلوماسي ضد إيران بعدما بات تحقيق ذلك في اليمن شبه مستحيل؟
الاقتصاد.. البوابة الجديدة
في الـ22 من أكتوبر/تشرين الماضي، وقعت كل من السعودية والعراق اتفاقية تأسيس مجلس التنسيق السعودي العراقي برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي وبحضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، في العاصمة الرياض.
وخلال أولى جلسات المجلس الجديد تم الاتفاق على عدد من الموضوعات منها فتح المنافذ الحدودية وتطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية ومراجعة اتفاقية التعاون الجمركي بين البلدين ودراسة منطقة للتبادل التجاري، وتم البدء فعليًا في تدشين بعض تلك المشروعات المتفق عليها.
أعلن السفير السعودي لدى العراق عبد العزيز الشمري، قبل أيام، أن “المرحلة القادمة في صالح العراق، لأنه كلما ضعف يسهل السيطرة على العرب، ونحن قادمون بخطوات عملية، دورنا في المرحلة القادمة أن نقوي العراق”
النائب حسن شويرد رئيس لجنة الصداقة العراقية الخليجية، قال في تصريحات له أمس السبت إن المشاريع جاءت بعد زيارة وفد عراقي إلى السعودية قبل أشهر، لافتًا إلى أن الوفد التقى اللجنة التنسيقية الحكومية بين العراق والسعودية، وسيتم متابعة ما اتفق عليه عبر اللجان الفنية بين الجانبين.
أما عن سير المشروعات وما تم تنفيذه، فأوضح أن “منفذ الجميمة الحدودي بين البلدين، في مراحله النهائية بالنسبة للجانب السعودي، أما من الجانب العراقي فقد تم تخطيط المكان وتحديده، وهناك آفاق كبيرة بين الجانبين، وستتضح بعد إكمال اللجان الفنية في الوزارات إجراءاتها”، مشيرًا إلى أن “وزارات البلدين وقعوا اتفاقيات عبر اللجنة التنسيقية، وتشمل خطة عمل واضحة، وأن هناك زخمًا في العمل وهمة كبيرة لعمل مشاريع كبيرة بالنسبة للعراق، واستثمار مشاريع كبيرة في محافظتي الأنبار والمثنى”.
وعن أهمية الطريق البري بين العراق والسعودية، فكشف أن مخرجاته المالية كبيرة جدًا، حيث تمر جميع الشاحنات من السعودية إلى دول الجوار العراقي ومنها تركيا، وبالتالي سيخلق فرض عمل كثيرة، وتابع: “هناك تعاون على مستوى النقل البري والجوي وأن تنقل البضائع عن طريق سكك الحديد على مستوى عال من السرعة والدقة، لنقل شحنات كبيرة جدًا لأن السعودية تربطها مسافات قريبة مع محافظات جنوب وغرب العراق”.
وفي المقابل، أعلن السفير السعودي لدى العراق عبد العزيز الشمري، قبل أيام، أن “المرحلة القادمة في صالح العراق، لأنه كلما ضعف يسهل السيطرة على العرب، ونحن قادمون بخطوات عملية، دورنا في المرحلة القادمة أن نقوي العراق”، موضحًا: “نحن نتسابق مع الوقت، وهناك اجتماعات مكثفة في المجلس التنسيقي الاقتصادي العراقي – السعودي، والبلدان انقطعا 30 سنة، ونحتاج أن نؤسس علاقة إستراتيجية مع إخواننا العراقيين على مختلف المستويات الاقتصادية الأمنية التجارية وغيرها”.
علاوة على ذلك فقد تعهد بفتح منفذ الجميمة في جنوب العراق قريبًا، وأنه “سيكون بمثابة طريق الحرير بالنسبة للعراق لأن جميع حجاج آسيا سيسلكون هذه الطريق، فمن الجميمة إلى المدينة المنورة 5 ساعات، كذلك سنربط العراق بالبحر الأحمر عبر سكك حديد متطورة”.
مقتدى الصدر خلال زيارته للرياض بناءً على دعوة من الديوان الملكي يوليو/تموز الماضي
كسر حالة الجمود
سنوات طويلة ارتأت السعودية لنفسها أن تنأى بعيدًا عن العراق وساحته الملبدة بالغيوم، منذ غزو الكويت عام 1990، مكتفية بملفاتها الأخرى التي رأتها أكثر أهمية من الملف العراقي، وهو ما ثبت عكسه مع مرور الأيام، فارتمى العراقيون في أحضان إيران، ونجحت الأخيرة في فرض كلمتها على الجزء الأكبر من بلاد الرافدين.
ومع تولي سلمان إدارة المملكة، وبعد 27 عامًا من الجمود الذي شاب العلاقات بين البلدين، دخل البلدان فصلاً جديدًا من الانفتاح والتقارب، في محاولة لكسر تلك الحالة، فكانت البداية في 14 من يناير/كانون الثاني 2016، حين عينت الرياض، ثامر السبهان، سفيرًا لها في بغداد، بعد خلو هذا المنصب قرابة 25 عامًا تقريبًا.
إلا أن تصريحات السفير السعودي الجديد المثيرة للجدل حينها أثارت حفيظة العراقيين، معتبرين إياها تدخلاً غير مقبول في شؤونهم الخاصة؛ مما دفع الرياض في الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول، لتعيين عبد العزيز الشمري، قائمًا بالأعمال في سفارة المملكة لدى بغداد، في خطوة اعتبرها الإعلام المحلي “تخفيضًا لمستوى التمثيل الدبلوماسي”.
وفي الـ19 من يونيو/حزيران الماضي، أجرى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، – المقرب من إيران – زيارة إلى السعودية، بدعوة من الملك سلمان، تطرقت إلى بحث “سبل تعزيز التعاون وتطوير العلاقات بين العراق والمملكة العربية السعودية في جميع المجالات”.
الرياض ترى في العراق الفرصة الذهبية نحو استعادة بعض نفوذها المفقود في اليمن، ولعل انتصارًا يتحقق في بغداد يعوض بعض الخسائر في صنعاء
في هذا اللقاء أكد العاهل السعودي قائلاً: “قلوبنا مفتوحة وكل الأبواب مشرعة للتعاون مع العراق، ومستعدون للمساعدة والتعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والحدود والقطاع الخاص ورجال الأعمال وتبادل المصالح”.
وبعد أقل من شهر على زيارة العبادي، استقبلت الرياض وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي الذي كانت تطلق عليه وسائل إعلام سعودية حين تسلم منصبه وصف “تلميذ قاسم سليماني (زعيم فيلق القدس الإيراني)”، وحينها قدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هدية وصفت بـ”الدسمة” إلى الأعرجي، فقد منحه خمسة آلاف مقعد حج زيادة على حصة العراق من عدد الحجاج خلال الموسم الحاليّ.
في يوليو/تموز الماضي، وبناءً على دعوة رسمية من الديوان الملكي، أجرى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر زيارة رسمية إلى السعودية، التقى خلالها بولي العهد وبعض رجالات هيئة كبار العلماء بالمملكة، في زيارة وصفت حينها بـ”التاريخية”.
مكتب الصدر حينها أصدر بيانًا أشاد فيه بالزيارة وقيمتها الإقليمية، جاء فيه: “إننا استبشرنا خيرًا فيما وجدناه انفراجًا إيجابيًا في العلاقات السعودية العراقية، ونأمل أنها بداية الانكفاء وتقهقر الحدة الطائفية في المنطقة العربية الإسلامية”، كاشفًا النقاب عن اتفاق الجانبين على “تبني خطاب ديني وإعلامي معتدل، يدعو للتعايش السلمي والتعاون والمصالح المشتركة بين البلدين والشعبين”، إلى جانب مناقشة العلاقات الثنائية مع دول الجوار، والتأكيد على استقرار المنطقة.
تشكل إيران فاعلاً رئيسيًا في تفاعلات الساحة العراقية
مناهضة النفوذ الإيراني
استغلت إيران الغياب السعودي عن الساحة العراقية منذ حرب الخليج الثانية، وتوتر العلاقات بين البلدين بصورة فتحت المجال لطهران لتنفيذ ما كانت تسعى إلى تحقيقه عقب ثورتها الإسلامية.
تشكل إيران فاعلاً رئيسيًّا في تفاعلات الساحة العراقية، وعلى مختلف الأصعدة؛ إذ تمارس دورًا مؤثرًا في العراق، إذ رمت بثقلها للمحافظة على هذا الدور وتعزيزه باستمرار، لإدراكها أهمية العراق الإستراتيجية، وكونه بمثابة بوابة مهمة للدخول إلى المنطقة العربية، ومن خلاله يتحقق التواصل الملائم لإيران مع حلفائها في باقي دول المنطقة.
هذا الدور المتنامي لإيران في العراق، تزامن بشكل كبير من الخسائر التي منيت بها المملكة في اليمن، وبعد 3 سنوات من الحرب المعلنة ضد الحوثيين، فشل التحالف العربي بقيادة الرياض في تحقيق أي انتصار يذكر على أرض الواقع، في الوقت الذي يزداد فيه نفوذ حلفاء طهران يومًا بعد يوم.
الرياض ترى في العراق الفرصة الذهبية نحو استعادة بعض نفوذها المفقود في اليمن، ولعل انتصارًا يتحقق في بغداد يعوض بعض الخسائر في صنعاء فضلاً عن العقبات التي تقف أمامها في لبنان، لذا كان التغير الواضح في التوجه السعودي حيال العراق بعد قدوم سلمان ونجله.
سنوات طويلة ارتأت السعودية لنفسها أن تنأى بعيدًا عن العراق وساحته الملبدة بالغيوم، منذ غزو الكويت عام 1990، مكتفية بملفاتها الأخرى التي رأتها أكثر أهمية من الملف العراقي، وهو ما ثبت عكسه مع مرور الأيام
إريكا سولومون، مراسلة الشرق الأوسط لصحيفة “فاينانشال تايمز” في تقرير لها ترجمه “نون بوست“، كشفت بعض ملامح السياسية الخارجية السعودية الجديدة تجاه بغداد، مشيرة أنه خلال السنة الماضية، قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بزيارة تعد الأولى من نوعها إلى العراق منذ زيارة آخر مسؤول سعودي كبير للأراضي العراقية عام 1990.
وبين طيات هذه الزيارة، ألمح القادة العراقيون إلى إمكانية تأدية ولي العهد، لزيارة إلى العراق في وقت قريب، ويذهب البعض للقول إنه من المرجح أن يضيف النجف إلى محطات الزيارة، لكن وقع هذه التلميحات لم يكن جيدًا في الشارع العراقي، حيث شهدت العاصمة بغداد اندلاع احتجاج ضد مثل هذه الزيارة، مما أجبر وزارة الخارجية السعودية على إصدار بيان يفيد بأنها لم تخطط لمثل هذه الزيارة بالأساس.
التقرير كشف جهودًا سعودية من أجل إيجاد حلفاء شيعة في العراق ضد إيران، وهو ما تراه سولومون ربما يكلل بانتزاع فتيل الطائفية التي عاثت فسادًا في المنطقة وخلفت آثارًا دموية للصراع الذي طال جميع الأنحاء، وفي أسوأ الحالات، يمكن لهذا الضغط أن يحول العراق إلى واجهة أخرى للعداوات الإيرانية السعودية التي دارت رحاها في الآونة الأخيرة في كل من اليمن وسوريا ولبنان.
الصحيفة الأمريكية ترى أن استمالة ابن سلمان للشيعة العراقيين عبر مغازلتهم بين الحين والآخر، فضلاً عن ضخ المزيد من الاستثمارات والمشروعات التنموية بين البلدين والعزف على وتر العروبة والقومية، ربما يكون بوابة مناسبة نحو استعادة المملكة نفوذها مرة أخرى، خاصة أن تلك المفردات الجديدة تتماشى مع أفكار بعض الشيعة الذين يشعرون بالقلق إزاء الدور القوي والمتنامي الذي تضطلع به إيران في العراق.