“هناك انتخابات قادمة في الهند وباكستان والولايات المتحدة والمكسيك والبرازيل هذا العام، ومهمتنا ضمان أن دور منصة فيسبوك في هذه الانتخابات دور إيجابي، ونمنع أي تدخل قد يحدث من خلال المنصة لتخريب تلك الانتخابات”، كانت هذه كلمات مارك زوكربيرغ الأخيرة عن أسبوع التحقيقات الذي يُمثل أكثر كوابيسه قسوة منذ تأسيسه لمنصة فيسبوك، وهو التصادم وجهًا لوجه أمام الأنظمة والحكومات.
تواجه شركة فيسبوك غرامات ضخمة من لجنة التجارة الفيدرالية التي لم تُنهي تحقيقاتها مع زوكربيرغ الذي وافق على المثول أمام التحقيقات والشهادة في أسبوع وُصف بأسبوع العار أو أسبوع الفضائح، واعترف فيه زوكربيرغ بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016، كما اعترف بانتهاك شركة تحليل المعلومات “كامبيردج أنالاتيكا” لخصوصية نحو 50 مليون حساب للتأثير على قرار الناخبين في الانتخابات الأمريكية.
لم يكن ذلك الأسبوع الأسوأ على فيسبوك فقط من الناحية القانونية، بل كان الأسوأ عليه أيضًا من المستخدمين للمنصة الذين دشنوا ولأول مرة حملة “احذفوا فيسبوك” لدعوة العديد من المستخدمين إلى حذف حساب فيسبوك الخاص بهم لمنع المنصة من استغلال معلوماتهم الشخصية لأغراض سياسية أو تجارية، وهو ما عرض الشركة لأكبر خسارة مالية تتعرض لها منذ نشأة المنصة.
على الرغم من أن التحقيقات لم تنتهه بعد، فبعد مثول زوكربيرغ للكثير منها من الكونغرس الأمريكي ومن حكومات دول مختلفة مثل أستراليا وبريطانيا التي طالبت بالتحقيق مع زوكربيرغ كذلك الذي وافق على الشهادة في بعضها ورفض في البعض الآخر، أعلن الأخير أدوات جديدة ستطبقها المنصة خلال الأشهر القليلة القادمة لحماية المنصة من استغلالها في الانتخابات كما حدث في الانتخابات الأمريكية.
هل يكون الذكاء الاصطناعي الحل؟
منشور “مارك زوكربيرغ” على صفحته الرسمية
ليست المرة الأولى التي يستعين بها عملاق التكنولوجيا بالذكاء الاصطناعي لحل المشاكل، حيث استعان زوكربيرغ من قبل بأدوات الذكاء الاصطناعي في الانتخابات الفرنسية والألمانية السابقة من أجل تحديد الحسابات المزيفة التي تتلاعب بآراء الناخبين على منصة فيسبوك، كما استخدمها لمواجهة العدد الضخم من الحسابات الروسية المزيفة التي استُخدمت من قبل في الانتخابات الأمريكية السابقة من أجل تحديدها ومسحها، وكان من بينها حساب لمؤسسة إخبارية روسية (IRA) بحسب ما ورد في منشور “مارك زوكربيرغ” على حسابه الرسمي على فيسبوك.
إضافة إلى أدوات الذكاء الاصطناعي التي ستكون سلاح زوكربيرغ الأول في مواجهة الحسابات المزيفة، سوف يستخدم عملاق مواقع التواصل الاجتماعي خطوتين إضافيتين ليمنع تكوين الحسابات المزيفة من الأساس، هذه الخطوات هي شروط معينة يجب أن يلتزم بها كل من يرغب في تمويل إعلانات دعائية من خلال منصة فيسبوك في أثناء الانتخابات.
سوف يُشترط توثيق كل حساب يرغب في تمويل إعلانات سياسية أو إعلانات خاصة بالانتخابات
أولى هذه الخطوات هي شرط توثيق كل حساب يرغب في تمويل إعلانات سياسية أو إعلانات خاصة بالانتخابات، بحيث يكون حساب كل من يقوم بتلك الدعاية موثق أو verified حينها يستوجب على كل من يرغب في نشر تلك الدعاية أن يوثق هويته وموقعه الجغرافي قبل أن يقوم بتلك الدعاية على المنصة، وعلى كل من لا يلتزم بتلك الشروط أن يتحمل حرمان المنصة له من أن ينشر إعلانات سياسية، سيبدأ تنفيذ تلك السياسة في الولايات المتحدة أولًا ومن ثم تنتشر لبقية الدول خلال الأشهر القليلة القادمة.
سيكون الوصول للإعلانات السياسية على فيسبوك أكثر سهولة، وذلك لأن فيسبوك يعمل الآن على تطوير أدوات تُساعد على تعقب الإعلانات السياسية على المنصة، بحيث يصبح من السهل على أي مستخدم رؤية كل أو أغلب الإعلانات التي تنشرها أو تدعمها صفحة، كما سيكون من السهل الوصول إلى أرشيف تلك الصفحة من الإعلانات السياسية، وهو ما يُسهل الوصول للإعلانات السياسية التي نُشرت في الماضي.
لن يدير المستخدمون أكثر من صفحة بعد الآن
“نحن نضع حماية خصوصية المستخدمين كأولوية”
مارك زوكربيرغ
اعترف زوكربيرغ بأن ما حدث في فضيحة “كامبيردج أنالاتيكا” خطأ فيسبوك في الأساس، وذلك لأن مهمة المنصة حماية خصوصية معلومات وبيانات المستخدمين، ولهذا فالشركة متعاونة مع تحقيقات الكونغرس التي من الممكن أن تُحمل فيسبوك غرامة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، ولهذا قرر زوكربيرغ تطبيق سياسة تُقيد من سهولة إنشاء حسابات وهمية أو مزيفة لاستغلال بيانات حسابات المستخدمين.
أعلن زوكربيرغ في المنشور الذي كتبه على صفحته الرسمية على فيسبوك بأنه لن يسمح بعد الآن بأن يدير حساب غير موثق (Verified) أكثر من صفحة في الوقت ذاته، وهو ما يراه زوكربيرغ وسيلة ستحد من إدارة أي حساب مزيف عدة صفحات في الوقت ذاته، وهو ما سيمنع تلك الحسابات الوهمية من الانتشار بشكل فيروسي وسريع كما حدث في الانتخابات الأمريكية عام 2016، بعد أن استطاعت الحسابات الوهمية أن تدير عدة صفحات مختلفة تساعدها على نشر الإعلانات السياسية بشكل أكثر انتشارًا.
ولأن فيسبوك بدأ في تنفيذ تلك السياسات التي تدعم حملة الإعلانات السياسية النزيهة على مواقع التواصل الاجتماعي في بلاد معينة مثل الولايات المتحدة وكندا، بدأت الشركة في توظيف مزيد من آلاف الموظفين الجدد، لينضموا إلى فريق فيسبوك الذي يعزم مارك زوكربيرغ أن يستخدمه لإنهاء الأزمة الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الشركة، ليقوموا بتوفير سياسة فيسبوك الجديدة خارج الولايات المتحدة في غضون شهور قليلة.
لن يُسمح بعد الآن على فيسبوك بأن يدير حساب غير موثق (Verified) أكثر من صفحة في الوقت ذاته
حملة الإعلانات السياسية النزيهة هي حملة تدعمها فيسبوك لحث شركات التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى أن تجعل الإعلانات السياسية أكثر شفافية ومصداقية على منصات التواصل الاجتماعي من حيث كشف معلومات الطرف الممول وموقعه الجغرافي، وتحديد الصفحات التي تنشر تلك الإعلانات وتكلفة الإعلانات أيضًا بحيث تكون معلومات متاحة للعامة ويمكن لأي مستخدم الاطلاع عليها.
لا يرى زوكربيرغ في هذه الشروط حلًا نهائيًا يُوقف كل من ينوي التدخل في الانتخابات مستغلًا منصة فيسبوك للتلاعب بآراء الناخبين من خلال التواصل الاجتماعي، إلا أنه يجد في هذه الشروط الجديدة وسيلة جيدة لمنع إنشاء الحسابات الوهمية من البداية لكي لا يضطره الأمر لمحاولة تعقبها وحذفها، بالإضافة إلى أنها وسيلة تدعم عملية نشر الإعلانات السياسية النزيهة بحسب رأي “مارك زوكربيرغ”.