في الوقت الذي تواصل فيه المعارضة الجزائرية البحث عن مرشح واحد يحظى بثقة الجميع لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة، فاجأ الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس الجميع بالقول إن الأفالان يطالب بوتفليقة بالترشح للعهدة الخامسة، رغم العوائق الصحية والقانونية التي تقف أمام الرئيس بوتفليقة.
المطالبة بالترشح لولاية خامسة
ولد عباس برّر رغبته وتمسك حزبه الذي يملك الأغلبية في البرلمان الجزائري، باستمرار بوتفليقة في رئاسة البلاد لخمس سنوات أخرى، بالإنجازات التي حققها لصالح البلاد والخطط الناجحة التي قام بها، موضحًا في هذا السياق، أن فترة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ توليه الحكم سنة 1999، كشفت أن “90% من المشروعات والخطط كانت إيجابية في مجملها عبر مختلف الميادين، خاصة منها الأمنية وترقية حقوق المرأة وحرية الرأي والتعبير”، مشيرًا إلى أن الـ10% المتبقية “سيتم اتخاذها في المستقبل كدروس”.
وأثنى ولد عباس مطولاً على إنجازات الرئيس، مذكرًا في السياق ذاته بوعوده الثلاث بتخليص البلاد من المديونية وإعادة هيبتها بين الدول واسترجاع أمنها واستقرارها، وقال: “لقد تم جمع كل إنجازات رئيس الجمهورية طيلة فترة حكمه وما بُني للأجيال القادمة والحزب تمكن من جمع 48 ملفًا خاصًا بإنجازات رئيس الجمهورية”.
وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في أبريل 1999
وشرعت قيادة الحزب الحاكم في الجزائر، بمساعدة المحافظين، بجرد منجزات الرئيس منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بدعوة من أمينه العام، وذلك ردًا على المعارضة التي دعت السلطة إلى الكشف عن وجهة 1000 مليار دولار، صرفت منذ تولي الرئيس بوتفليقة سدة الحكم عام 1999.
وقال الأمين العام للحزب: “نطالب بالاستمرارية في مهمة الرئيس مثلما بدأها عام 1999، الكلمة الأخيرة له”، مضيفًا: “نحن في حزب جبهة التحرير الوطني بصفتي أمين عام، أتحمل مسؤوليتي، وسأكون الناطق باسم كل المناضلين والمواطنين الذين عبروا عن رغبتهم وآمالهم لكي يواصل الرئيس مهمته مع الحزب العتيد، العمود الفقري للدولة”.
https://www.youtube.com/watch?v=_6RDVS5_5xw
ولد عباس أشار أيضًا إلى أن “حزب جبهة التحرير”، لن يقبل بأي مرشح آخر غير الرئيس بوتفليقة، للاستحقاق الرئاسي المقبل الذي يقام في الجزائر، شهر مايو 2019، كما كشف أن اللجنة المركزية للحزب ستجتمع قبل شهر رمضان من أجل صياغة بيان مطالبة الرئيس بوتفليقة بالترشح لولاية خامسة.
ووصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو في نفس الوقت، رئيس الحزب الحاكم، إلى سدّة الحكم في أبريل سنة 1999، ثم أعيد انتخابه سنة 2004 و2009، وفي رئاسيات 2014، وتعدّ هذه الانتخابات الرئاسية، أبرز حدث يستأثر باهتمام ونقاشات الجزائريين ووسائل الإعلام المحليّة هذه الفترة، حيث يحيط الغموض بهوية المرشحين الذين سيتنافسون على الرئاسة والاسم الذي سيقود الجزائر خلال الخمس سنوات القادمة.
ليست المرة الأولى
تصريح جمال ولد عباس، يأتي في سياق سلسلة تصريحات لمسؤولين بارزين في الجزائر، تتحدث عن نية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة البقاء في سدة الحكم والترشح لولاية رئاسية خامسة رغم مرضه الذي يمنعه من أداء وظيفته بالوجه الكامل المطلوب منه، وسبق أن أعلن رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، رفضه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في ربيع عام 2019 في حال قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسة.
الزوايا الطرقية ترى أن التفكير في شخص آخر غير بوتفليقة لتولي الرئاسة حرام
إلى جانب ذلك، أعلن رئيس حزب “تجمع أمل الجزائر” عمار غول، أنه سيبقي على دعمه للرئيس بوتفليقة “في كل قراراته وخياراته”، كما قال رئيس حزب “التحالف الجمهوري” بلقاسم ساحلي، إنه سيدعم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة متى قرر ذلك.
من جهته، قال رئيس المنظمة الوطنية للزوايا الطرقية (أكبر تجمع للطرق الصوفية في الجزائر) عبد القادر باسين، إن المنظمة التي يقودها تحضر لإنشاء قطب سياسي لدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبرنامجه، والاتصالات جارية مع عدة أطراف من أجل تأسيس هذا القطب الذي سيضم إضافة إلى الزوايا مثقفين وأحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات، وكل الذين يؤيدون ويدعمون الرئيس بوتفليقة وبرنامجه.
وأوضح رئيس المنظمة أن الزوايا الطرقية كانت وما زالت تدعم الرئيس بوتفليقة، وذلك منذ وصوله للرئاسة سنة 1999، وكانت من الأوائل الذين طالبوا بترشحه إلى ولاية رئاسية رابعة سنة 2014، ولا تزال تراه قادرًا على مواصلة الحكم، ولذلك تدعوه للترشح لولاية خامسة في 2019، وشدد في كلامه على أن التفكير في شخص آخر لتولي الرئاسة حرام، لأن الزوايا مرتبطة بعقد أخلاقي مع الرئيس بوتفليقة، ولا يمكنها أن تخونه أو تتراجع عنه.
يحظى بوتفليقة بدعم الزوايا الصوفية
آخر التصريحات التي جاءت في هذا الإطار ما بدر عن المحامي والحقوقي فاروق قسنطيني الذي كان يشغل سابقًا منصب رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في الجزائر (مؤسسة تابعة لرئاسة الجمهورية)، حيث قال في تصريح صحفي: “التقيت بالرئيس بوتفليقة قبل أسبوع بالإقامة الرئاسية في زرالدة، وتحدثت معه لنحو ساعة، وأفهمني بأن لديه رغبة في الترشح وبأن الصندوق ما سيفصل، وهذه مبادئ الديمقراطية”.
رغم المرض.. إصرار على مواصلة الحكم
تصريحات ولد عباس ومعها تصريحات باقي المسؤولين الذين عبروا صراحة عن نية الرئيس الترشح لولاية خامسة، تأتي في ظلّ تواصل مرض بوتفليقة، وهو ما يؤكّد استهانتهم بالشارع الجزائري حسب عديد من المحللين المحليين.
ونتيجة مرضه المتواصل، خفض بوتفليقة، كثيرًا من نشاطه العام، وهو ما دفع المعارضة الجزائرية للتشكيك في قدرته على حكم البلد وتسبب في استمرار التكهنات بشأن صحته، حتى إن بعض معارضي بوتفليقة دعوا لإجراء انتخابات مبكرة لسوء حالته الصحية.
وسبق أن أصيب بوتفليقة البالغ من العمر 80 عامًا، عام 2005 بقرحة معدية استدعت إجراء عملية جراحية في مستشفى فال دوغراس، قبل أن يصاب في 2013 بجلطة دماغية أثرت على بعض وظائفه وأقعدته على الكرسي المتنقل، وغيبته عن مخاطبة شعبه وممارسة مهامه أمام كاميرات الإعلام إلا في الضرورة القصوى، ولا تشاهده الجماهير عادة إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التليفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي، ورغم هذا يأبى بوتفليقة والمحيطون به أن يترك الحكم ويسمح بتغيير سلمي في البلاد.
فضلاً عن عائق المرض، يقف الدستور الجزائري أيضًا عائقًا أمام ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة
يسافر بوتفليقة دوريًا إلى مستشفيات فرنسية، خاصة مجمع غرونوبل الصحي لمتابعة فحوصاته الطبية، حتى إن طبيبه المباشر جاك مونسيغو المتخصص في القلب الذي كان يعمل سابقًا بالمستشفى العسكري في فال دو غراس بباريس بات يعمل في مجمع غرونوبل الذي أقام به بوتفليقة في فترات عديدة.
وفي وقت سابق كشف معهد “آون” AON الأمريكي للدراسات الأمنية وإدارة المخاطر في تقرير له، أن الوضعية الصحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ستزيد من الصراع بشأن السلطة وحدة الانقسام الداخلي من أجل تولي مقاليد الحكم، ما من شأنه، بحسب التقرير، أن يغذي الشلل السياسي ويضعف جهود البلاد في مجال الإصلاحات السياسية والاقتصادية، مستبعدًا أن يقدم الرئيس المقبل للجزائر على اتخاذ خطوات جريئة من أجل تغيير بنية النظام وتحسين نظام الحكم.
دستور البلاد
فضلاً عن عائق المرض، يقف الدستور الجزائري أيضًا عائقًا أمام ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، ذلك أن الدستور الحاليّ للجزائر ينصّ على تحديد الفترة الرئاسية بولايتين فقط غير قابلتين للتجديد، بعد أن كانت عدد الولايات مفتوحة.
ويرفض مقربون من عبد العزيز بوتفليقة هذا الطرح، حيث يقولون إن الرئيس حصل على ولاياته الأربعة قبل إقرار الدستور الحاليّ؛ لذلك فإنه من الناحية القانونية بإمكانه الترشح لولاية خامسة وسادسة إن أراد ذلك.
تنافس البرامج والمشاريع السياسية
مطالبة ولد عباس لبوتفليقة بالترشّح مجددًا لمنصب رئاسة البلاد، يأتي بعد أيام قليلة من اعتراف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بحق السياسيين في الوصول إلى قصر المرادية وتسيير شؤون الحكم في البلاد، عبر بوابة الانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها العام المقبل، شريطة المساهمة في الحركة التعددية الديمقراطية مع تغليب مصلحة البلاد والشعب على مصالحهم الشخصية.
وتؤكّد هذه التصريحات، عدم نية النظام الحاكم فتح الساحة لتنافس البرامج والمشاريع السياسية، وفتح باب التنافس الرئاسي الجدّي في البلاد، ذلك أن المتحكمين بالحكم يرون في بوتفليقة الشخص الوحيد الذي يحظى بالاجتماع والمتاح أمام النظام رغم تراجع أدائه ونشاطه إلى الحد الأدنى، للاستمرار سنوات أخرى في حكم الجزائر والتحكم في خيراتها.
يرى مراقبون أن فشل دوائر الحكم في إيجاد بديل لبوتفليقة، سيؤدي إلى استمرار تجربة هذا الأخير في الحكم رغم مرضه والدعوات المتواصلة من المعارضة التي تطالب بقطع الطريق عليه، تفاديًا لدخول البلاد في منطقة اللاعودة.
ويؤكّد جزائريون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومن حوله ليس لديهم أي نية لمغادرة الحكم في البلاد بل يسعون للخلود فيه، ولا يريدون ترك الجزائر تدخل مرحلة دولة القانون ولا السماح بالتغيير وفقًا لأسس الديمقراطية التي أضحت بمثابة ديمقراطية الحزب الواحد والرجل الأوحد.