وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا، أمس الأحد، إلى فرنسا في زيارة تستمر ثلاثة أيام يلتقي خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سعيًا منه لتعزيز العلاقات التي توصف بـ”المعقدة” بين البلدين.
شبح حرب اليمن ينتظر
رغم غياب زخم الصفقات الاقتصادية عن زيارة ابن سلمان إلى فرنسا، من المنتظر أن يعمل ولي العهد السعودي على شراء صمت ماكرون تجاه قضايا عديدة، خاصة مع تنامي الضغوط على هذا الأخير في الداخل من مشرعين وجماعات حقوقية بشأن مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى التحالف الذي تقوده السعودية ويحارب جماعة الحوثي في اليمن.
وبينما طغت الصفقات على زيارة الأمير السعودي للولايات المتحدة وعلاقاته مع الرئيس دونالد ترمب، لا يريد الفرنسيون الظهور هذ المرة على الأقل وكأنهم حريصون على المال السعودي بأي ثمن، حيث أكّدت تقارير إعلامية عديدة عدم حرص باريس على توقيع اتفاقات مع ابن سلمان، وقال مسؤول بالرئاسة الفرنسية “إنها نوع من علاقة تعاون جديدة مع السعودية تستند بدرجة أقل إلى العقود التي نقر بأهميتها، وستترجم إلى رؤية مشتركة، هذه هي النبرة العامة التي ستسود الحوار”.
يسعى ابن سلمان من خلال هذه الشراكة الجديدة إلى شراء صمت ماكرون تجاه قضايا عديدة
ومن المتوقع خلال الزيارة إعلان مشروع سياحي بين باريس والرياض، لكن ليس من المتوقع إبرام أي صفقات كبيرة، ولن يوقع الجانبان على الأرجح أي عقد كبير، فقد قال الإليزيه إن الرئيس ماكرون يرغب قبل كل شيء في إقامة “تعاون جديد” مع المملكة النفطية التي يتوقع أن تدخل مرحلة اجتماعية واقتصادية جديدة مع وصول ابن سلمان للسلطة.
فيما قال مصدر قريب من الوفد السعودي الذي يزور فرنسا لوكالة الأنباء الفرنسية إن الأمر “يتعلق ببناء شراكة جديدة مع فرنسا وليس الجري وراء العقود فقط”، ويسعى ابن سلمان من خلال هذه الشراكة الجديدة إلى شراء صمت ماكرون تجاه قضايا عديدة تقلق الشارع الغربي عمومًا والفرنسي خصوصًا.
مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة
سعي ابن سلمان إلى شراء صمت ماكرون، يتزامن مع تنامي الضغوط على الرئيس الفرنسي الشاب في الداخل من مشرعين وجماعات حقوقية بشأن مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية التي تستعملها في حربها في اليمن.
ومؤخرًا، حثّ خطاب خاص مرسل إلى ماكرون من 12 منظمة دولية غير حكومية على الضغط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من أجل تخفيف الحصار على الموانئ اليمنية وتعليق مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة، التي تواجه انتقادات متزايدة بسبب عمليات القصف التي يقتل فيها مدنيون.
آلاف المشردين نتيجة الحرب على اليمن
ووفق مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بينيديكت جينرود، فإن “الرياض تقود تحالفًا قتل وجرح آلاف المدنيين”، مشيرةً إلى أن عددًا من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب، ومضيفةً أنه “بمواصلتها بيع السعودية أسلحة، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الإفلات من العقاب إلى القيادة السعودية”.
وينوي عدد من تلك المنظمات اللجوء إلى القضاء، على اعتبار أن فرنسا تنتهك اتفاقية تجارة الأسلحة التي وقّعتها باريس في 2014 وتنص على امتناع الدول الأعضاء فيها عن نقل أسلحة يمكن أن تستخدم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
من جهته، طالب النائب سيباستيان نادو العضو في الأغلبية الرئاسية، بإنشاء لجنة برلمانية للتحقيق بشأن مبيعات الأسلحة إلى “أطراف النزاع” في اليمن، ورأى النائب أن “الأمر يتعلق بمعرفة ما إذا كانت فرنسا قد احترمت التزاماتها الدولية في هذا المجال”، معبرًا عن أسفه “لعدم وجود” رقابة برلمانية على مبيعات الأسلحة التي قال إنها محض إدارية والبرلمان يملك بعض المعلومات، لكن ليس لديه أي تفاصيل.
فيما قالت آن إيري من منظمة “هانديكاب إنترناشونال” الدولية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة: “يجب أن يتوقف قصف المدنيين في اليمن على الفور”، مضيفة “قبل زيارة الأمير محمد بن سلمان، على ماكرون أن يختار إما حماية المدنيين أو بيع الأسلحة”، وتسبب الصراع اليمني في مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص وتشريد ما يزيد على ثلاثة ملايين وانتشار الأوبئة، وفقًا لما أكدته إحصاءات أممية.
يفرض التحالف العربي حصارًا على اليمن، يثير قلق المنظمات غير الحكومية ومنظمات الإغاثة الدولية
أظهرت نتائج استطلاع أعده معهد “يوغوف” لقياس مؤشرات الرأي أن غالبية الفرنسيين يرون أنه “من غير المقبول” أن تبيع بلادهم معدات عسكرية للسعودية، وقال المعهد في الدراسة التي أعدها لمنظمة “سام أوف إس” الدولية إن 74% من الفرنسيين ينددون ببيع أسلحة للسعودية ويعارض 71% منهم بيع السلاح للإمارات شريك الرياض في التحالف ضد الحوثيين في اليمن.
ورأى 88% من الفرنسيين أن على بلادهم وقف عمليات تصدير الأسلحة إلى بلدان قد تستخدمها ضد المدنيين، في حين أبدى 69% منهم تأييدهم لتعزيز دور البرلمان على صعيد مراقبة مبيعات الأسلحة.
وتقود السعودية منذ 2015 تحالفًا عسكريًا لمحاربة الحوثيين الذين سيطروا على أجزاء واسعة من اليمن ومنها العاصمة صنعاء ويفرض هذا التحالف العسكري حصارًا على اليمن، يثير قلق المنظمات غير الحكومية ومنظمات الإغاثة الدولية.
ملف حقوق الإنسان
فضلاً عن الملف اليمني، تضغط منظمات حقوقية دولية على الرئيس الفرنسي من أجل فتح ملف حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية مع محمد بن سلمان، فرغم الإصلاحات التي أعلنها العاهل السعودي في مجالات الحريات وحقوق المرأة، فإن التقرير الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي، من الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب بشأن حقوق المرأة في المملكة، من شأنه أن يضع ولي العهد السعودي في وضع حرج.
وأكد التقرير الجديد للاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن المرأة لا تزال تواجه “تضييقًا شديدًا” على حقوقها في السعودية، وندد في نفس الوقت، بـ”قوانين سعودية لمكافحة الإرهاب يتم توظيفها لتجريم التعبير الحر عن الرأي المخالف”، موضحًا أن “عشرات من الحقوقيين والمدونين والمحامين والمتظاهرين يمضون في هذا الإطار عقوبات طويلة في السجن بداعي اتهامات بالإساءة للدين والإرهاب وزعزعة استقرار الدولة ومحاولة التأثير على الرأي وغيرها”.
يُتهم ابن سلمان بالتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده
ويخشى ماكرون من ردة فعل الشارع الفرنسي والمنظمات الحقوقية، في حال لم يتطرق إلى هذه الملفات في لقائه المرتقب مع محمد بن سلمان، كما فعل عندما زاره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في باريس، حيث رفض الرئيس الفرنسي إعطاء نظيره المصري “درسًا” في حقوق الإنسان، وهو ما أدى إلى تلقيه لانتقادات لاذعة من المنظمات الحقوقية، في مقدمتها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش”.
صورة أكثر ليبرالية للمملكة المحافظة
إلى جانب بناء علاقات جديدة مع فرنسا ومحاولة كسب ود ماكرون، يسعى ولي العهد السعودي خلال زيارته إلى فرنسا لإعطاء صورة أكثر ليبرالية للمملكة المحافظة، ومن المنتظر أن يحضر ابن سلمان الحفل الموسيقي لختام مهرجان الفصح في مدينة إكس إن بروفانس بجنوب فرنسا، حيث ستعزف مقطوعات للمؤلفين الموسيقيين دوبوسي وروبرت شومان وفيليكس مندلسون.
وقبل زيارته فرنسا، زار ابن سلمان مصر وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي أمضى فيها نحو 3 أسابيع، وتتجاوز هذه الجولة، الأهداف السياسية والاقتصادية التقليدية باتجاه ما هو ثقافي يتناول موقف الرياض من الدين ومن الثقافات والتقاليد العالمية الأخرى.