ترجمة حفصة جودة
لقد أصبح الضمير مثل ذبابة مايو في عصرنا هذا، يأتي اليوم ويرحل غدًا، ففي تلك اللحظة، يتألم العالم لما يحدث في مدينة دوما قرب العاصمة السورية دمشق، حيث مات العشرات ويرقد مئات الجرحى بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية، كان مشهد الأطفال الموتى والرغوة البيضاء تخرج من أفواههم يوبخنا عبر الشاشات، أما الإدانة والدعوة لاتخاذ خطوة هو ما يسميه مارتن أميس “خجل الأنواع”، وهو شكل الاستجابة التي أصبحنا نتخذها في تلك الكارثة السورية طويلة المدى.
لم يكن الأمر مختلفًا بعد هجوم نظام الأسد الكيماوي على الغوطة في أغسطس 2013، أو بعد صورة آلان كردي اللاجئ الغريق ذي الثلاث سنوات الذي أصبح رمزًا للعار عام 2015، أو بعد ذلك بعام في صورة الطفل عمران دقنيش الطفل الذي سحبوه من تحت الأنقاض في حلب وكان مغطى بالدماء والتراب، أو في أبريل الماضي عندما أصيب الرئيس ترامب بالصدمة نتيجة الصور المروعة للهجوم بغاز السارين على خان شيخون فأطلق 59 صاروخًا على مطار الشعيرات العسكري غرب سوريا.
في ذلك الوقت أعلن ريكس تيلرسون عقب استقالته من وزارة الخارجية أن عصر عائلة بشار الأسد اقترب من نهايته، لكن إذا كان حليف الأسد فلاديمير بوتين لا يعجبه ذلك، فهذا الغضب وهذه النيران مجرد ثورة وقتية، فمكالمة ترامب الهاتفية لبوتين وتهنئته بالفوز في الانتخابات، إشارة إلى نيته التراجع عن الصراع ووضع مصلحة أمريكا أولاً، فقد قال يوم الثلاثاء الماضي: “سوف نخرج قريبًا من سوريا”.
كان بالإمكان إجبار الأسد على الذهاب إلى طاولة المفاوضات من خلال حملة عسكرية ودبلوماسبة مستمرة
بالطبع هذا المشهد الحاليّ في دوما جعل ترامب يتوقف فجأة عن محاولته الخروج من الصراع السوري على الأقل في الوقت الحاليّ، لذا فقد غرّد على تويتر بفخره المعهود قائلاً: “الرئيس بوتين وروسيا وإيران مسؤولون عن دعم الحيوان الأسد، سوف يدفعون الثمن غاليًا، كارثة إنسانية أخرى بلا سبب على الإطلاق، يا للمرض”.
لكن ما نوع رد الفعل الذي سيتبع هذا الكلام؟ وإلى متى؟ سيكون مثل الانفجار؛ فسوف يشعل الاشمئزاز العالمي السماء الجيوسياسية لفترة ويجبر رؤساء الحكومات حول العالم على التعبير عن غضبهم، وسيتم مناقشة الأمر في الأمم المتحدة وربما يصدر مجلس الأمن عدة قرارات، ومع بعض الحظ سوف ترتفع نسبة التبرعات لوكالات الإغاثة.
بعد ذلك.. لن يحدث أي شيء، سوف تختفي صور دوما عن الساحة الرقمية قريبًا ليحل محلها فضيحة رياضية أو مغامرة إعلانية لآل كاردشيان، أما النوايا الحسنة للمنظمات العالمية فسوف تذوب في بحر من الجمود البيروقراطي، وستبدأ الدورة مرة أخرى.
لقد تفاجأنا بعقيدة بوتين الوطنية وسلطويته القاسية وسياسته الخارجية العداونية
يجب أن لا يكون الوضع كذلك، كانت هناك لحظة ينبغي استغلالها بعد مذبحة الغوطة عندما كان بالإمكان إجبار الأسد على الذهاب إلى طاولة المفاوضات من خلال حملة عسكرية ودبلوماسية مستمرة، وإعلان وقف إطلاق نار مستمر في المنطقة بين جميع الفصائل المتناحرة ليعطي بصيصًا من الأمل بشأن إمكانية التوصل إلى سلام دائم في المنطقة.
كان الأمر سيتطلب الآلاف من قوات حفظ السلام بالإضافة إلى التزام مرهق بإعادة بناء البنية التحتية لتلك الأمة الممزقة، كانت المهمة لتصبح طويلة وصعبة ومكلفة وهي أشياء تتجنبها أي سياسة خارجية في القرن الـ21، لكن كان من الممكن أن يحدث ذلك.
هذه الإستراتيجية ماتت في مهدها لعدة أسباب، أحدها للأسف كان رفض إد ميلباند في أغسطس 2013 دعم دعوة ديفيد كاميرون في مجلس العموم لاتخاذ رد فعل عاجل على الهجوم.
لماذا سمحنا لذلك أن يحدث؟ أولا: لقد فشل الغرب في التعافي من صدمة العراق، وحتى يومنا هذا أصبحت الكلمة رمزًا للعار الوطني، وتؤثر على أي حديث عن تدخل عسكري من أي نوع، لقد أصبحت مثل حق الفيتو لهؤلاء الذين يعارضون حلف الأطلسي، أو يعارضون إجراءات الأمن الداخلي ضد التطرف الإسلامي، لكن نتيجة ما حدث في العراق لم تكن حيطة وحذر معقولين، بل كانت مماطلة وتظاهرًا بالورع.
ثانيًا؛ لم يكن لدينا توجهًا قابلًا للتطبيق مع روسيا، فبعد أن رفضنا ضم الاتحاد السوفيتي السابق لعائلة الأمم الحرة مع “مشروع مارشال” الحديث (مشروع إعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية)، وافترضنا أن الانتخابات والسوق الحرة سيؤديان الغرض، لم نعد متأكدين من كيفية التعامل مع الدولة الروسية.
لا تتوقعوا أبدًا أن يثيرنا الرعب الذي يحدث في دوما ويجعلنا نتخذ أي خطوة مهمة حياله
لقد تفاجأنا بعقيدة بوتين الوطنية وسلطويته القاسية وسياسته الخارجية العداونية، وفي حرب المعلومات، جعل بوتين من نصف الكرة الأرضية التي أطلقت الثورة الرقمية حمقى، من خلال تحويله لعبتهم البراقة تلك إلى سلاح.
بالنسبة لي فأنا شخص ليبرالي أومن بعقيدة “مسؤولية الحماية” في القانون الدولي الذي أقرته قمة الأمم المتحدة عام 2005 الذي ينص على الاستخدام الجمعي للقوة من أجل وقف أي إبادة جماعية أو مذابح للمدنيين، إنني أدعم بشدة الإنفاق الدولي السخي على التنمية وأومن بواجب الأمم الغنية في قبول اللاجئين.
لكن العالم يبتعد عن تلك المفاهيم، وأصبحت الأمم الغربية تبني الجدران وتنفصل عن الاتحاد الأوروبي وتخفف من الديموقراطية وتحتضن الشعبوية الانعزالية لليمين، آمل أن لا يستمر هذا الأمر طويلًا رغم أننا نتجه نحوه بالتأكيد.
لذا لا تتوقعوا أبدًا أن يثيرنا الرعب الذي يحدث في دوما ويجعلنا نتخذ أي خطوة مهمة حياله، فالضمير سوف يستيقظ في لحظة كما يحدث دائمًا، وبعد ذلك يعود الوضع لما كان عليه من قبل.
المصدر: الغارديان