تعدّ القدرات العسكرية الإيرانية معقدة وتشوبها العديد من المبالغات التي تتطلب تسليط الضوء عليها، فبينما تدّعي إيران تحقيق تقدم كبير في صناعاتها العسكرية وتعتمد على الذات في تطوير أسلحتها المحلية عبر الهندسة العكسية، تظل هناك نقاط ضعف بارزة تشير إلى أن قوتها العسكرية ليست بالقدر الذي يتم تصويره. رغم هذه الادّعاءات، قد تكون القوة العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني، مجرد “نمر من ورق” كما تثبت ذلك الحقائق التاريخية الراسخة.
البحث عن رئيسي
برزت هشاشة المنظومة العسكرية الإيرانية بوضوح خلال البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بعد تحطمها في مقاطعة أذربيجان الشرقية في مايو/ أيار الماضي، حيث سلط الحادث الضوء على القصور الكبير في قدرات الاستطلاع الجوي والمراقبة الإيرانية.
في ليلة الحادث، تعرقلت جهود البحث والإنقاذ بسبب الظروف الجوية السيّئة مثل الضباب الكثيف والأمطار الغزيرة التي تحولت إلى تساقط الثلوج في التضاريس الجبلية، ويبدو أن المروحية القديمة، التي تعود إلى عهد شاه إيران قبل 45 عامًا، لم تكن مزوّدة بجهاز الإرسال والاستقبال، ما صعّب على السلطات تحديد موقعها.
في ظل هذه التحديات، طلبت إيران المساعدة من تركيا، التي نشرت على الفور طائرة مسيّرة متقدمة من طراز أكينجي، القادرة على الطيران على ارتفاعات تصل إلى 40 ألف قدم والعمل في ظروف جوية صعبة.
تمكنت الطائرة من تحديد مصدر حراري يشتبه في أنه حطام المروحية، وشاركت الإحداثيات مع السلطات الإيرانية. أثبتت التكنولوجيا الحرارية للطائرة التركية وقدراتها على الطيران على ارتفاعات عالية أنها حاسمة في تحديد الموقع بنجاح، ما أتاح لفرق الإنقاذ الإيرانية الوصول إلى الموقع بعد ساعات.
لم يكشف هذا الحادث فقط عن افتقار إيران إلى طائرات استطلاع ليلية حديثة، بل أظهر أيضًا اعتمادها على المساعدة الأجنبية في المواقف الحرجة. بالإضافة إلى ذلك، كشف الحادث عن مشكلات أوسع نطاقًا داخل البنية التحتية العسكرية الإيرانية، مثل استخدام طائرات هليكوبتر قديمة، ونقص التدريب والمعدّات الكافية لفرق البحث والإنقاذ.
“سهند” في قعر البحر
رغم حديث إيران المتكرر عن امتلاكها قدرات عسكرية بحرية قوية، كشفت الأحداث الأخيرة عن نقاط ضعف كبيرة في قواتها البحرية، كما يظهر من حادث الفرقاطة البحرية الإيرانية “سهند (IRIS Sahand)”، التي انقلبت وغرقت أثناء إجراء إصلاحات في ميناء بندر عباس جنوب إيران في 7 يوليو/ تموز 2024.
وقع الحادث عندما فقدت السفينة، التي رست للصيانة، توازنها وانقلبت، ورغم المحاولات الأولية لتثبيت السفينة مؤقتًا، إلا أنها غرقت في النهاية بعد انقطاع الحبال التي كانت تثبّتها، ما أدى إلى إصابة عدد من أفراد الطاقم الذين تمّ نقلهم إلى المستشفى المحلي.
تشير التقارير إلى أن “سهند” خضعت مؤخرًا لتحديثات كبيرة، مثل إضافة صواريخ مضادة للسفن وصواريخ أرض-جو، إلى جانب أنظمة رادار جديدة من طراز AESA. من المحتمل أن هذه التحسينات زادت من وزنها العلوي، ما أسهم في عدم استقرارها وتسبّب في اختراق المياه لداخلها لاحقًا.
تمثل “سهند” النموذج الثالث من فئتها بعد سفينتَي “جمران” و”دماوند”، وصنّفتها وسائل الإعلام الإيرانية على أنها مدمِّرة، لكن وفقًا لمعايير التصنيف الدولية تعتبَر فرقاطة، حيث يبلغ طولها 94 مترًا وعرضها 11.5 مترًا وارتفاعها 16 مترًا ووزنها 1400 طن، وتتميز بمساحة كبيرة تسمح باستيعاب عدد أكبر من الطاقم مقارنة بـ”جماران” و”دماوند”.
وتعمل بـ 4 محركات ديزل تقود مروحتين في الأمام ومروحتين في الخلف، ما يمكّنها من الوصول إلى سرعة قصوى تصل إلى 34 عقدة. وقال المسؤولون الإيرانيون إن علبة التروس إيرانية الصنع بالكامل، مع تحسينات في استهلاك الوقود وخزانات وقود أكبر من سابقاتها.
تجهيزات “سهند” تشمل أنظمة اتصالات مختلفة، وأقمارًا صناعية، وقدرات حرب إلكترونية، ورادارات سطح البحر ورادارات كشف جوي، وصواريخ كروز مضادة للسفن بمدى يصل إلى 220 كيلومترًا و300 كيلومتر، ومدفع جاتلينج عيار 30 مليمترًا قادر على إطلاق 4 آلاف طلقة في الدقيقة وتغطي 270 درجة لمواجهة التهديدات.
بدأ بناء هذه الفرقاطة في عام 2012 ودخلت الخدمة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وخلال الكشف عنها في بندر عباس صرّح قائد البحرية آنذاك حسين خانزادي أن “سهند” هي المدمرة العسكرية الأكثر تقدمًا التي أنتجتها إيران، متفوقةً بتطورها فرقاطتَي “جماران” و”دماوند”.
رغم أن إيران ليست معروفة على نطاق واسع ببراعتها البحرية، إلا أنها تدير مجموعة من السفن الحربية السطحية المستمدة من التصميمات البريطانية القديمة التي تعود إلى الستينيات. وتمثل التصميمات الأحدث، مثل فئة MOJ، جهودًا لتحديث قواتها البحرية.
ومع ذلك، فإن غرق “سهند” مؤخرًا يسلط الضوء على هشاشة الصناعات العسكرية الإيرانية، ويكشف عن ثغرات كبيرة في الهندسة البحرية ومعايير السلامة التشغيلية.
هل أغرقتها “إسرائيل”؟
كعادتها، لم تقدم وزارة الدفاع الإيرانية بشكل رسمي سببًا محددًا لغرق “سهند”، التي كانت من أحدث السفن الحربية في البحرية الإيرانية. وأرجعت تقارير وسائل الإعلام المحلية الحادث إلى مشكلات فنية وضعف الصيانة. وفقًا للتقارير، كانت “سهند” تخضع للصيانة في ميناء بندر عباس عندما غمرتها المياه، ما أدّى إلى زعزعة استقرارها وانقلابها.
بينما أشارت الحكومة ووسائل الإعلام الإيرانية إلى مشكلات فنية، أثار محللون معارضون ومواقع إخبارية الشكوك بشأن احتمال التخريب. تكهّنت هذه التحليلات بأن “إسرائيل” قد تكون متورطة في عملية سرّية استهدفت الفرقاطة، مستندة إلى سياق الأنشطة البحرية الإيرانية والتوترات الجيوسياسية، خاصة أن “سهند” كانت تعمل في البحر الأحمر، ويُعتقد أنها كانت تجمع معلومات استخباراتية لصالح الحوثيين في اليمن.
إرسال “سهند”، التي لم يتجاوز عمرها 6 سنوات، إلى منشأة بندر عباس للصيانة يعدّ قرارًا غير معتاد، ما يشير إلى مشكلات أساسية ربما لم يتم الكشف عنها علنًا. كما أشارت تقارير إعلامية إيرانية إلى احتمال تعرض الأنظمة الإلكترونية للسفينة لهجوم إلكتروني إسرائيلي، ما أدى إلى غرقها.
ورغم الادّعاءات الرسمية بعدم وقوع وفيات، ازدادت الشكوك مع دفن الأدميرال سعيد خسروي بور في طهران نتيجة للحادث.
رقم قياسي بغرق السفن
شهدت إيران سلسلة من الحوادث البحرية الكبيرة في السنوات الأخيرة، ما جعلها تحتل رقمًا قياسيًا لعدد السفن البحرية التي غرقت خلال وقت السلم، حيث غرقت جميع هذه السفن دون أي مواجهة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة. أثارت هذه الحوادث تساؤلات جدّية حول القدرات التشغيلية وبروتوكولات الصيانة والهشاشة الشاملة للقوات البحرية الإيرانية.
وأبرز حوادث غرق الفرقاطات والسفن الحربية الإيرانية كانت:
فرقاطة “دماوند”
كانت الفرقاطة IRIS Damavand، وهي فرقاطة من طراز Mudge، السفينة الرائدة لأسطول بحر قزوين الذي تفخر به إيران. جنحت دماوند عند حاجز الأمواج في بندر أنزلي في يناير/ كانون الثاني 2018 خلال عاصفة مصحوبة برياح قوية وأمواج عالية، ما أعاق الرؤية والملاحة بشكل كبير.
أدّى الاصطدام إلى إلحاق أضرار جسيمة بالسفينة، وغرقها في النهاية في 28 يناير/ كانون الثاني 2018. أصيب 6 من أفراد الطاقم أثناء الحادث، تم إنقاذ أربعة منهم لكن اثنين فُقدا. كانت دماوند مجهّزة بأنظمة متقدمة، بما في ذلك صواريخ كروز المضادة للسفن، ومدفع بحري فجر 27، ورادار ذو مصفوفة مرحلية، ما يبرز أهميتها الاستراتيجية في بحر قزوين، ومع ذلك غرقت نتيجة عاصفة وارتفاع في الأمواج.
سلطت هذه الحادثة الضوء على عدم قدرة الطواقم الإيرانية على التحكم بالسفن خلال العواصف والظروف الجوية السيّئة، وهي حالة تشير إلى نقص التدريب على مثل هذه الظروف التي تعدّ من أساسيات الملاحة البحرية عالميًا.
سفينة الدعم “كنارك”
في مايو/ أيار 2020، تعرضت سفينة الدعم “كنارك” لضربة صاروخية خاطئة أطلقتها فرقاطة “جماران” الإيرانية خلال مناورة عسكرية في بحر عمان. أدّى هذا الحادث الناتج عن نيران صديقة إلى مقتل 19 بحارًا وتدمير البنية الفوقية للسفينة بالكامل. كانت “كنارك”، وهي سفينة دعم لوجستي، تشارك في تحديد الأهداف خلال التدريبات عندما تعرضت للضرب.
كشفت هذه الحادثة عن الافتقار إلى التواصل الفعّال والانضباط التشغيلي خلال العمليات التدريبية الإيرانية، ما يسلط الضوء على نقاط ضعف كبيرة في تنفيذ التدريبات العسكرية والإجراءات التشغيلية.
سفينة “خارك”
كانت “آيريس خارك” أكبر سفينة بحرية إيرانية وأحد الأصول المهمة لأسطولها، تُستخدم في المقام الأول لإعادة الإمداد والدعم اللوجستي. وفي 2 يونيو/ حزيران 2021، اشتعلت النيران في السفينة أثناء وجودها في خليج عمان، ورغم الجهود المبذولة للسيطرة على الحريق أدّى الحادث إلى غرق السفينة في النهاية.
بُنيَت السفينة في المملكة المتحدة ودخلت الخدمة منذ عام 1984، حيث لعبت دورًا حيويًا في التدريب والعمليات البحرية طويلة المدى. وجّهت خسارة “خارك” ضربة قوية لقدرات إيران اللوجستية البحرية، ولا يزال السبب الدقيق للحريق غير واضح، لكن هناك تكهّنات بأن سوء الصيانة ربما كان أحد العوامل المساهمة في الحادث.
وإلى جانب الحوادث السابقة، وقع حادث هام آخر في ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما انقلبت السفينة الطلائية في حوض جافّ في بندر عباس.
إيران خارج السباق البحري العالمي
تشير هذه الحوادث مجتمعة إلى مشكلات هيكلية رئيسية داخل القوات البحرية الإيرانية، بما في ذلك نقص الصيانة، ضعف التدريب، والمعدّات القديمة أو المعيبة. تكرار خسارة أصول بحرية كبيرة دون أي اشتباكات قتالية، يكشف عن قضايا عميقة الجذور تهدد فعالية واستعداد البحرية الإيرانية العملياتي. لهذه الحوادث تأثيرات عميقة على القدرات البحرية لإيران وطموحاتها الاستراتيجية الأوسع في المناطق البحرية الحيوية، مثل البحر الأحمر وخليج عمان.
ويؤثر تآكُل القوة البحرية الإيرانية بشكل مباشر على موقفها الاستراتيجي الضعيف في البحر الأحمر والخليج العربي. هذه المناطق، خاصة مضيق هرمز، ليست فقط ذات أهمية إقليمية حاسمة لإيران، بل تمثل أيضًا ممرًّا تجاريًا هامًّا يبدو أن إيران غير قادرة على حمايته أو إغلاقه كما تهدد في كل مرة تتعرض للتهديد، وذلك بسبب قدراتها البحرية المحدودة للغاية.
يثير الوضع الحالي للبحرية الإيرانية تساؤلات حول قدرتها على مواجهة القوة الضاربة للبحرية الأمريكية المنتشرة في البحر الأحمر والخليج العربي، حيث تمثل البحرية الأمريكية، المعروفة بتكنولوجيتها المتقدمة والتدريب المتفوق والدعم اللوجستي، تحديًا هائلًا يبدو أن البحرية الإيرانية غير مجهّزة لمواجهته. هذا التفاوت يقوّض كذلك موقع إيران الاستراتيجي، وقدرتها على تحدي الوجود والعمليات الأمريكية في هذه المناطق.