بعد تسعة أيام على انطلاق شرارة “مسيرة العودة الكبرى”، والنصر الكبير الذي حققه الزحف الفلسطيني على حدود قطاع غزة، بفضح الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتواصلة بحقهم، وإعادة تصدر القضية الفلسطينية للمشهد العربي والدولي بعد اختفاء طويل، رُصدت تحركات تجري خلف الكواليس لإطفاء هذه الشعلة وإيقاف الغضب الفلسطيني بأي ثمن كان.
“إسرائيل” كانت تستنجد بمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة لمساعدتها في إيقاف الزحف الفلسطيني على حدود قطاع غزة الذي أصابها بـ”الإحراج والعزلة”، لكنها لم تحصل منهم على ما تريد، لتجد يدًا عربية طويلة ممدودة لتنقذها من ورطتها وتمد طوق النجاة لها مجددًا.
فخلال الساعات الأخيرة تحدثت تقارير بقوة عن وجود تدخلات عربية ودولية تجري في الخفاء، لإجبار الفلسطينيين على وقف “مسيرة العودة” التي انطلقت في الـ30 من مارس/آذار، مقدمة 29 شهيدًا وأكثر من 2500 جريح، وسط حديث عن قيادة “مصر والسعودية” هذا التحرك بتوجيه من “إسرائيل”.
ماذا تريد مصر والسعودية؟
بالتوازي مع التهديدات التي يطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتعامل بكل قوة وحزم مع الفلسطينيين الموجودين على حدود قطاع غزة؛ كشفت مصادر مصرية أن القاهرة تقود تحركًا عربيًا، بتوجيه من المملكة العربية السعودية، للضغط على حركة حماس لإيقاف مسيرة العودة.
وأكدت أن “الأوضاع داخل قطاع غزة تتجه نحو الانفجار الكبير في وجه كل من يحاصر القطاع، ومنها “إسرائيل” الآن، وهناك تخوفات أن ينتقل الغضب الفلسطيني نحو الحدود المصرية في الأسابيع القليلة المقبلة، ويضع القاهرة في موقف محرج محليًا وعربيًا ودوليًا”.
ما كشفته المصادر المصرية أثار غضب الكثير من الفصائل الفلسطينية التي أكدت رفضها القاطع لأي تحرك عربي أو دولي يمهد لإيقاف “مسيرة العودة”
المصادر المصرية أشارت إلى أن القاهرة تتحرك بالتعاون مع الرياض من أجل إقناع حركة “حماس” والضغط عليها لإيقاف مسيرة العودة الكبرى، ومحاولة السيطرة على الأوضاع الميدانية قبل أن تشهد تطورًا خطيرًا يصعب حينها التعامل معه، وتكون قد خرجت عن السيطرة الكاملة.
“مسيرة العودة باتت تُحرج الكثير من الدول العربية التي رفعت يدها تمامًا عن القضية الفلسطينية وتحاول جاهدة أن توفر الأجواء لطرح ما تسمى بـ”صفقة القرن” الأمريكية، والمواجهات على الحدود تعطل ذلك، والسعودية ومصر من أكثر الدول العربية التي تسعى لإيقاف المواجهات مع “إسرائيل”، حتى لو كلف ذلك أن تقدم مبادرة لحركة حماس لفتح المعبر بشكل كامل للتخفيف من وطأة الحصار المفروض على سكان قطاع غزة”، تضيف المصادر ذاتها.
ما كشفته المصادر المصرية أثار غضب الكثير من الفصائل الفلسطينية التي أكدت رفضها القاطع لأي تحرك عربي أو دولي يمهد لإيقاف “مسيرة العودة”، وقال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” صلاح البردويل: “لا أحد يستطيع وقف مسيرة “العودة الكبرى” التي انطلقت في الـ30 من شهر مارس الماضي”.
وأضاف “لم يتدخل أي طرف لوقف مسيرة العودة، وحتى لو تدخل البعض فالكلمة ليست هنا إلا للشعب الفلسطيني الذي يقول كلمته”، مشددًا على أن دماء الشهداء والجرحى لن تذهب تحت وقع أو تأثير أي صفقات، مضيفًا “مسيرة العودة لن تتوقف، لا سيما أن أطياف الشعب الفلسطيني كافة يشاركون فيها بكل فئاتهم العمرية وشرائحهم المختلفة وتحت راية علم واحد ووجهة واحدة”.
الرسالة القوية
ولفت القيادي في حركة حماس إلى أن مسيرة العودة الكبرى وجهت رسالة قوية جدًا للاحتلال الذي راهن على انقسام شعبنا الفلسطيني، مضيفًا: “الشعب الفلسطيني قال لهم إنه أكبر من ذلك”.
كان القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق، قد كشف سابقًا عن اتصالات دولية تجرى من أجل الضغط لوقف مسيرات العودة
بدوره، أكد خضر حبيب القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي، وجود ضغوط وابتزازات عربية لوقف “مسيرة العودة”، وأكد أنهم يرفضون أي تدخل أو ضغوط حتى تحقق المسيرة كل أهدافها.
“يبدو أن مسيرة العودة باتت تقلق الجميع، وفضحت كل من يتآمر على القضية الفلسطينية، لذلك هناك تحرك يجري في الخفاء لإيقافها بأي ثمن، وهذا التحرك جاء بنفس الوقت الذي يهدد فيه جيش الاحتلال بالتصعيد وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين”، يقول حبيب.
وشدد على أنهم سيرفضون ويتصدون لأي جهد أو تحرك لإيقاف المسيرة، قائلًا: “ردنا سيكون واضحًا؛ وهو الرفض والمزيد من الحشد والزحف نحو الحدود للمشاركة في مسيرة العودة، ولن نتوقف عن مطالباتنا ومسيراتنا السلمية حتى نحقق الهدف بفضح الاحتلال وتأكيد تمسكنا بالعودة”.
وكان القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق، قد كشف سابقًا عن اتصالات دولية تجرى من أجل الضغط لوقف مسيرات العودة.
وفي ذات السياق، أكد عاطف أبو سيف الناطق باسم حركة فتح أن أي حراك دولي أو إقليمي يجب أن يكون باتجاه إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المسلوبة، مشددًا أنه إذا لم يكن ما يعرض على الشعب الفلسطيني مقنعًا لن يتوقف مثل هذا الحراك السلمي الذي شكل نقطة التقاء الكل الفلسطيني والقلب النابض للمقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال.
وقال أبو سيف: “هذه التحركات قد تخلق نقاشًا عن بعض المواقف التي تكون مع أو ضد المسيرات السلمية، ولكنها لن تثني هؤلاء الشباب عن الخروج كل جمعة وصولاً إلى الخروج العظيم في مسيرة العودة الكبرى في الذكرى السبعين للنكبة”، مؤكدًا أن الحديث عن أي حراك دولي لا يستجيب لأصل الأزمة لن يكون إلا تبريدًا للازمة وليس حلاً لها.
بدأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين، الجمعة قبل الماضية، احتجاجًا يستمر ستة أسابيع للمطالبة بحق العودة
وشدد أبو سيف أن هذا الحراك السلمي لا يشكل خطرًا على أحد، ولكنه يشكل خطرًا أخلاقيًا على “إسرائيل” وخطرًا معنويًا على هذا الاحتلال، مشددًا أن هذه المسيرات السلمية الشعبية يجب أن تكون جزءًا من إستراتيجية وطنية شاملة تعمل على إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق الوطنية.
تدخلات فاشلة
وفي قراءة تحليله للتطورات التي تجري على الساحة الفلسطينية، رأى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن هناك عدة أطراف دولية وإقليمية معنية بالتدخل كوساطة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال لوقف الغضب الجماهيري المتصاعد، مشددًا أنهم حتى اللحظة لم يقدموا حلولاً للشعب الفلسطيني ويريدون منه التزامات دون إبداء أي حلول للإشكاليات ودون تعزيز حق العودة الذي يجمع عليه الشعب الفلسطيني.
وأكد المدهون أنه من الصعب أن تنجح هذه التدخلات في وقف مسيرات العودة لأنه لا يتحكم بها شخص أو فصيل وبالتالي من الصعب التكهن بنجاح أي وساطات.
ويستدرك المدهون قائلاً: “ولكن إذا قُدم للشعب الفلسطيني شيء يمكن الاعتماد عليه وتهدئة الناس يمكن البناء عليه ولكن باعتقادي ما يعرض وما يقدم لا يرضي الجمهور الغاضب خاصة أننا نعرف خصوصية قطاع غزة الذي لا يعاني فقط التهجير والاحتلال وإنما حالة حصار وفقر وضغوط وعقوبات حتى وصل إلى معادلة صفرية لا يوجد شيء يخسره وهذا ما دفعه إلى الحدود بمئات الألوف”.
وبدأ عشرات الآلاف من الفلسطينيين، الجمعة قبل الماضية، احتجاجًا يستمر ستة أسابيع للمطالبة بحق العودة، وأقاموا خيامًا على امتداد السياج الأمني لحدود القطاع الذي يعيش فيه مليونا فلسطيني.
ويطالب المحتجون بحق اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم في العودة إلى الأراضي التي احتلتها “إسرائيل”.
وبدأت مسيرة “العودة الكبرى”، في ذكرى يوم الأرض الموافق الـ30 من شهر مارس الماضي، حيث تجمهر مئات الآلاف من الفلسطينيين، في عدة مواقع شرقي قطاع غزة، للمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بعودتهم إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948.