بعد أيام قليلة من وقوف الأمم المتحدة إلى صف جبهة البوليساريو ونفيها ملاحظة أي تحركات عسكرية للجبهة الانفصالية في منطقة المحبس التي تبعد كيلومترًا واحدًا عن محافظة آسا الزاك الخاضعة للسلطات المغربية، فاجأت المنظمة الأممية مجددًا سلطات المغرب وذلك بتقديمها العزاء لزعيم الجبهة على إثر وفاة ممثلهم لدى المنظمة ووصفه بـ”السفير”، وهو ما أثار قلق الرباط.
برقية تعزية
في الوقت الذي يعمل فيه المغرب دبلوماسيًا على تسويق رؤيته لحل قضية الصحراء الغربية، وتأكيد انتهاكات جبهة البوليساريو لاتفاق وقف إطلاق النار وإثبات تحركات الجبهة في المنطقة العازلة التي يصفها المغرب بأنها “أعمال تؤدي للحرب”، سارعت الأمانة العامة للأمم المتحدة وهيئاتها المعنية بتسوية النزاع إلى تقديم العزاء بوفاة أحد قادة جبهة البوليساريو.
وزار كولين ستيوارت الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية ورئيس بعثة الأمم المتحدة من أجل الاستفتاء في الصحراء الغربية، مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف وقدم التعازي لجبهة البوليساريو في وفاة أحمد البوخاري ممثل الجبهة في الأمم المتحدة.
اتهمت الرباط المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس بالانحياز إلى “البوليساريو”
قالت الجبهة إن المسؤول الأممي استُقبل في مقر وزارة خارجيتها من الأمين العام للوزارة محمد سالم حمدة، وبعد لقاء قصير وقّع على سجل التعازي الذي فتحته الوزارة وكتب “على إثر وفاة الزميل السفير بوخاري أحمد، أتقدم باسمي ونيابة عن الأمم المتحدة والأمين العام السيد أنطونيو غوتيريس، بتعازينا الحارة إلى أسرة وأصدقاء وزملاء الفقيد”، وأضاف “لقد ظل السفير البخاري ممثلاً لا يكل للشعب الصحراوي ولجبهة البوليساريو في الأمم المتحدة بنيويورك ويحظى باحترام وتقدير كبيرين ممن عملوا معه في الأمم المتحدة على مر السنين”.
وعُين الرئيس الأسبق للجمهورية الفيدرالية لألمانيا والمبعوث الحاليّ للأمم المتحدة هورست كولر يوم 8 من سبتمبر/أيلول 2017 من طرف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبعوثًا شخصيًا له إلى الصحراء الغربية خلفًا لكريستوفر روس الذي قدم استقالته في مايو من نفس السنة بعد مهمة استمرت 8 سنوات، اتسمت بالتوتر بين المغرب والأمم المتحدة، وكانت الرباط التي تتهمه بالانحياز سحبت في 2012 ثقتها من الدبلوماسي الأمريكي، ثم عدلت عن قرارها لاحقًا.
قلق وغضب الرباط
وصف رئيس البعثة الأممية كولين ستيوارت، خلال زيارته مخيم تندوف الجمعة الماضي، ممثل انفصاليي “جبهة البوليساريو” في الأمم المتحدة المتوفى أحمد بوخاري بأنه “سفير”، أثار قلق الرباط التي تعتبر أن صفة “سفير” لا تمنح إلا لممثلي دول تعترف بها المنظمة الدولية، وهو ما لا تحظى به الجبهة الانفصالية.
هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها تصريحات ومواقف الأمم المتحدة قلق وغضب الرباط، إذ سبق أن أدلى الأمين العام السابق للمنظمة بان كي مون بتصريحات في مخيم تندوف الصحراوي، تقدم استفتاء تقرير المصير حلاً لنزاع الصحراء ويدعو إلى تنظيم مؤتمر للمانحين لمساعدة اللاجئين الصحراويين، واستعمل بان كي مون في معرض تصريحاته كلمة “الاحتلال” في وصفه لنزاع الصحراء، وهو ما اعتبره المغرب مسًا بمشاعر المغاربة.
واعتبرت الحكومة المغربية حينها أن استعمال عبارة احتلال يتناقض بشدة مع القاموس الذي دأبت الأمم المتحدة على استخدامه فيما يتعلق بالصحراء المغربية، وأن استعمال هذا التوصيف ليس له سند سياسي أو قانوني ويشكل إهانة بالنسبة للحكومة وللشعب المغربيين.
تضليل إعلامي
احتفاء “جبهة البوليساريو” باستعمال لفظ “سفير” لوصف مبعوث الجبهة الراحل من طرف الأمم المتحدة في شخص رئيس بعثة المينورسو، اعتبرته الباحثة في الشؤون السياسية المغربية شريفة لموير مجرد تضليل إعلامي.
وقالت الباحثة المغربية في تصريح لنون بوست: “ملف الصحراء المغربية ملف مطروح على الأمم المتحدة في اللجنة الرابعة، وشهر أبريل يعرف بتّ المجلس في الملف، وبات من العادي أن يشهد هذا الشهر من كل سنة مناوشات وحروب كلامية، كآلية إعلامية تحاول ممارسة التضليل الإعلامي”، وينتظر أن يصدر مجلس الأمن الدولي في ختام اجتماعه السنوي الذي بدأ الخميس الماضي قرارًا جديدًا للمجلس يمدد فيه لنهاية أبريل/نيسان 2019 ولاية بعثة المينورسيو، فضلاً عن صدور توجيهات للأمانة العامة لتدبير تسوية النزاع المتعثرة والمجمدة.
يؤكد المغرب أن الصحراء الغربية جزء من سيادته الترابية منذ خروج إسبانيا منها عام 1975
وتعتبر الصحراء الغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، وفق الأمم المتحدة، أرضًا متنازعًا عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، يسيطر المغرب على 80% منها ويديرها بصفتها الأقاليم الجنوبية، بينما تشكل المنطقة الواقعة تحت سيطرة جبهة البوليساريو بين منطقة سيطرة المغرب وموريتانيا 20% من مساحة الصحراء الغربية، وأقيم في الثمانينيات “جدار دفاعي” كما تسميه السلطات المغربية يبلغ طوله 2700 كيلومتر، ويقسم المستعمرة السابقة من الشمال إلى الجنوب.
ويؤكد المغرب أن الصحراء الغربية جزء من سيادته الترابية منذ خروج إسبانيا منها عام 1975، مستندًا إلى رأي استشاري لمحكمة العدل الدولية أقر بوجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين الملوك المغاربة وشيوخ الصحراء عبر تاريخ البلاد، ويقترح إعطاء الأقاليم الصحراوية حكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية كحل للنزاع مع “البوليساريو”، وهو ما ترفضه الجبهة مطالبة باستفتاء بشأن تقرير المصير.
اصطفاف المنظمة الأممية إلى جانب البوليساريو
فضلاً عن هذه التصريحات تعتبر أوساط مغربية أن صمت الأمم المتحدة ونفيها الأخير لوجود تحركات عسكرية للبوليساريو في المنطقة العازلة بمثابة الاصطفاف إلى جانب الجبهة في وجه الرباط بما يتعارض مع القانون الدولي الذي يقر مبدأ الحياد التام.
واتهم المغرب مؤخرًا جبهة البوليساريو بنقل مراكز عسكرية من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي (منطقة عازلة) للصحراء، واعتبر ذلك عملاً مؤديًا للحرب وخرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار يستهدف تغيير المعطيات والوضع القانوني والتاريخي على الأرض.
المغرب يرصد تحركات عسكرية لجبهة البوليساريو
يتضمن الاتفاق العسكري رقم 1 بين المغرب والأمم المتحدة 1991 مناطق ومراكز محددة بالصحراء مشمولة بالمراقبة والرصد، وتشمل نطاقين أحدهما شرق والآخر غرب الجدار الذي شيّده الجيش المغربي حول 80% من مناطق الصحراء المتنازع عليها، فيما بقيت 20% خارج الجدار اعتبرتها جبهة البوليساريو مناطقها وتصفها بـ”الأراضي المحررة”.
وتغطي عمليات الرصد والمراقبة التابعة للبعثة غرب الجدار حيث يوجد الجيش المغربي في 570 وحدة و29 منطقة تدريب و314 مركز مراقبة، ثم شرق الجدار حيث توجد قوات البوليساريو من خلال 93 وحدة و8 مناطق تدريب و38 مركز مراقبة.
دور الجزائر
ترى لموير أن الجزائر تريد تأجيج الصراع مع المغرب من خلال “جبهة البوليساريو”، وتقول في هذا الشأن: “الملف معروض في الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن التسوية الدولية للملف تعود للدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لا يبدو أن لها مصلحة حاليًّا في حسم هذا الملف الذي عمر طويلاً”، وقبل أسبوع اتهم المغرب في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة الجزائر بدعم انفصاليي “جبهة البوليساريو”، ثم ردت الجزائر بأن قضية الصحراء الغربية معترف بها من الأمم المتحدة منذ إدراج المنطقة عام 1963 في لائحة الأراضي غير المستقلة.
واعتبرت الجزائر أن من واجبها التضامن مع الشعب الصحراوي لنيل حقوقه الشرعية، وهو ما فعلاه المغرب وتونس مع شعبهما خلال كفاحه من أجل الاستقلال، لكنها استدركت “دعم الجزائر للشعب الصحراوي وممثله الشرعي جبهة بوليساريو لا يعني بتاتًا أنه يجب إشراكها في المفاوضات”، وهو ما يطالب به المغرب الذي قال وزير خارجيته ناصر بوريطة إن الجزائر تستطيع أن تلعب دورًا على قدر مسؤوليتها في نشأة هذا النزاع الإقليمي وتطوره.
في غضون ذلك تحدثت تقارير إعلامية دولية ومغربية عن تحركات للجيش المغربي داخل الصحراء مع تهديدات مغربية بشن هجمات ضد منشآت الجبهة خلف الجدار، في حال تواصل استفزازات “جبهة البوليساريو”.
منذ عام 1984 والمغرب يتبع سياسة “الكرسي الفارغ” للضغط على الاتحاد الإفريقي ودوله لسحب اعترافاتها بالصحراء الغربية
وترجع الباحثة في الشؤون السياسية المغربية شريفة لموير سبب التجاوزات الأخير ة للبوليساريو ومن خلالها الجزائر، إلى تغيير المغرب من سياسته وعودته لشغل مقعده في الاتحاد الإفريقي وإعطاء شراكة من أجل تنمية القارة الإفريقية، الأمر الذي كانت توظفه البوليساريو للهجوم على المغرب وإضعاف طرحه دوليًا حسب قولها.
وتضيف الباحثة في تصريحها لنون بوست، أن غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي جعل هذه المنظمة الإقليمية وسيلة للتشويش، ومخالفة دورها الأساسي في تحقيق نظام الأمن الجماعي، ووجود المغرب في المنظمة خلق توازنًا، وبات مطلب المنظمة يميل نحو العقلانية في معالجة المشكل المفتعل لتنمية الاتحاد الإفريقي ضمن حل الملف على أساس شامل يضمن التوازن، وانضمت الرباط مجددًا في يناير/كانون الثاني سنة 2017 إلى الاتحاد الإفريقي بعد غياب استمر 33 عامًا، احتجاجًا على قبول الاتحاد عضوية “الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” التي أعلنتها جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية.
ومنذ عام 1984 والمغرب يتبع سياسة “الكرسي الفارغ” للضغط على الاتحاد الإفريقي ودوله لسحب اعترافاتها بالصحراء الغربية، مستندًا في تلك السياسة إلى الميثاق التأسيسي للاتحاد الذي يوجب على الدول الأعضاء احترام سيادة بعضها بعضًا، إلا أنه لم يصل بهذه السياسة إلى أهدافه المنتظرة، حتى إنها كانت لها تبعات سلبية فيما يخص تدبير ملف الوحدة الترابية وكذلك فيما يخص حماية مصالح المغرب.