تطرق ولي العهد السعودي في مقابلة له مع مجلة “التايم” الأمريكية لكثير من القضايا التي أوضح بها سياسة المملكة العربية السعودية الجديدة إزاء مختلف القضايا، ومن بينها موقف المملكة من الشأن العراقي وكيف تنظر المملكة إليه، بالإضافة إلى موقفه من النظام الإيراني.
ولشدة تعلق الموضوع العراقي بالموضوع الإيراني سنتناول تلك التصريحات بشيء من التحليل وأيضًا التذكير لمن لديه مشكلة بالذاكرة، كل هذا لمعرفة إلى أين سائرة المملكة السعودية بما يخص هذين الموضوعين بالتحديد.
حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تصريحاته لمجلة “التايم” الأمريكية أن يقلل من خطر إيران على المملكة بالوقت الحاليّ حينما قال: “الإيرانيون لا يشكلون تهديدًا كبيرًا للمملكة”، ودلل على كلامه هذا بعقد مقارنة بين الاقتصاد الإيراني واقتصاد المملكة، ومحاولته إثبات تفوق الجيش السعودي بإمكاناته التسليحية على الجيش الإيراني، لكنه استدرك وحمَّل النظام الإيراني مسؤولية كل المشاكل التي تحدث بالشرق الأوسط بالقول: “الإيرانيون هم السبب الرئيسي لمشاكل الشرق الأوسط”.
وعلى ما يبدو أن ولي العهد يحاول في تصريحاته هذه أن يرفع معنويات أتباعه، سواء داخل المملكة أو خارجها من الدول التي تدور بفلكه، ولو كان محمد بن سلمان يقصد ما يقوله ويؤمن به، لما اعتبر إيران عدو بلاده الأول، ولما شكل أكثر من تحالف عسكري وغير عسكري للتصدي لنفوذها بالمنطقة.
وإذا كانت إيران لا تشكل خطرًا على بلاده لماذا تقارب مع “إسرائيل” بهدف التصدي لها؟ وفي هذا الصدد بالذات نجد أن من الواضح جدًا أن عملية غض الطرف عن ممارسات إيران بالمنطقة التي قام به الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة والمستمر لحد الآن، كان الهدف منه الوصول إلى حالة التطبيع الحاليّة بين “إسرائيل” والدول العربية، على اعتبار أن مصالح الطرفين متفقتان على وجهة واحدة هي إيران.
ناهيك عن الأهداف الأخرى المتعلقة بتصفية القضية الفلسطينية وإتمام “صفقة القرن” كما يسمونها، وانتزاع اعتراف من ولي العهد بحق الإسرائيليين بأرض فلسطين ليعيشوا فيها آمنين، ولو كانت نتيجة كل الجهود الغربية الوصول إلى هذه الحالة، لكفت.
يسترسل ولي العهد السعودي في تصريحاته التي لا يمكن تفسيرها سوى أن السعودية ليست لديها مشكلة مع النظام الإيراني
حاول محمد بن سلمان بتصريحاته أن يثبت حقيقة أن النظام الإيراني عامل عدم استقرار بالمنطقة حينما قال: “متى رأيت أي مشكلة في الشرق الأوسط فستجد لإيران يدًا فيها؛ ففي العراق كانت إيران متدخلة، وفي اليمن وسوريا ولبنان، أين الدول المستقرة؟ مصر والسودان والأردن والكويت والبحرين لم تكن إيران هناك، لذا فإن جميع الدول المستقرة تنعم بالاستقرار لأن إيران لم تتدخل فيها”.
وقد أصاب ولي العهد محمد بن سلمان في توصيفه هذا، لكن التناقض هو في رد الفعل السعودي إزائه، فالسعودية ترتبط بعلاقات متميزة بالدول التي تعتبرها سائرة بالفلك الإيراني، وتحاول السعودية تقوية العلاقات معها، ففي تصريحاته الأخيرة قبل أيام أقرَّ ولي العهد السعودي بأن النظام السوري باقٍ بالحكم ولا مشكلة بذلك، بينما كان وزير خارجيته عادل الجبير لا يمل من تكرار كلامه عن ضرورة إسقاط هذا النظام وعدم الحوار معه إلا في موضوع رحيله سواء سياسيًا أو عسكريًا.
الأمر ذاته ينطبق على لبنان ومساعي المملكة للتقرب من النظام السياسي هناك، رغم علم السعودية أن النظام اللبناني يعتبر أسيرًا لسياسة حزب الله المقرب من إيران، وينطبق نفس الحال على علاقات المملكة مع النظام العراقي، حينما تحاول المملكة بكل قوة، التقارب معه، حتى لو اقتضى الأمر أن تتعامل مع زعماء لمليشيات تجاهر علنًا بولائها للنظام الإيراني.
ويسترسل ولي العهد السعودي في تصريحاته التي لا يمكن تفسيرها سوى أن السعودية ليست لديها مشكلة مع النظام الإيراني، ويُفهم منها أنها على استعداد لتطبيع العلاقات مع هذا النظام إذا كفَّ عن نشاطاته الخارجية حينما قال: “ما نريد ضمانه حقًا أنه مهما كان الأمر الذي يريدون فعله، ليفعلوه داخل حدودهم”، وبالتالي فإن الأمير غير مهتم بطبيعة الأيدلوجيا الخطيرة التي تحكم إيران، تلك الأيدلوجيا الطائفية والقومية الفارسية والتوسعية بامتياز.
ثم يعرج على الوضع بالعراق ويحاول إثبات أن الشعب العراقي مؤيد لتوجهات السعودية، حين يقول: “في العراق، شاهدنا 70 ألف مشجع يرفعون علم العراق والسعودية معًا في مباراة كرة القدم التي جرت بين المنتخبين السعودي والعراقي”.
ولكن هل فهم ولي العهد السعودي، الرسالة التي كان يريد الشعب العراقي إرسالها للمملكة؟ لا نظن ذلك، لقد كان الشعب العراقي بتشجيعه للفريق السعودي والحفاوة التي أبداها لذلك الفريق يريد أن يقول إن الشعب العراقي جزء من الشعب العربي ويستنجدون بالعرب لتخليصهم من النفوذ الإيراني المتمثل بحكومة عراقية تديرها أحزاب إيرانية ومليشيات طائفية تابعة لها، لكن ماذا كان رد فعل محمد بن سلمان؟
هل نفهم من كلام ولي العهد السعودي أن الإخوان المسلمين إرهابيون والحشد الشعبي منظمة سلمية داعمة للسلام والاستقرار؟
تقارب من النظام العراقي وسكت عن جرائم المليشيات بحق الشعب العراقي، بل إنه يصف الجيش العراقي الذي أُسس من مليشيات قادمة من إيران، بأنه جيش شرعي لحكومة شرعية نابعة من الشعب، قال ذلك حينما وصف القتال بين تلك القوات وتنظيم داعش بقوله: “في العراق عام 2013 تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” استولى على نصف العراق، وفي النصف الآخر لديك حكومة شرعية مع جيش قاتلتهم لمدة 5 سنوات وقضت عليهم”.
المشكلة الأكبر أن محمد بن سلمان يعلم تمامًا ما ارتباطات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ولماذا استولى على المناطق السنيَّة في العراق، ومن كان يموله ليفعل ذلك، حتى أصبح العراق بجميعه مُسيطرًا عليه من إيران بفضل تلك المنظمة الإرهابية، وبالمقابل التنظيمات الميليشياوية الإرهابية التي تسمى نفسها “الحشد الشعبي” اكتسبت الشرعية بحجة محاربتها للعدو الوهمي تنظيم داعش.
فهل نفهم من كلام ولي العهد السعودي للمجلة الأمريكية أنه يدعم مليشيات الحشد الشعبي؟ وهل نفهم من كلام ولي العهد السعودي أن الإخوان المسلمين إرهابيون والحشد الشعبي منظمة سلمية داعمة للسلام والاستقرار؟ هذه المنظمات الإرهابية التي يمتدحها ولي العهد السعودي، هي التي خرجت بتظاهرات وعملت اعتصامات في بغداد للمطالبة بعدم استقباله في بغداد، وتلقي عليه وعلى بلده تهمة دعم الإرهاب الداعشي.
كم هو مقدار الغفلة التي يعيشها من يقود المملكة الآن، عندما يقول إن خطر داعش لو لم يحاربه الجيش العراقي والمليشيات في العراق، لكان محتمًا علينا قتاله باليمن لسنين طويلة، وبذلك يقر ولي العهد السعودي بفضل النظام العراقي على السعودية حينما يقول: “تخيل أننا طردناهم من العراق ومنحناهم ملاذًا أفضل في اليمن دون أي حليف ولا حكومة ولا جيش يساعدنا بداخل اليمن، كم ستستغرق عملية التخلص منهم؟ ستستغرق أكثر من 5 سنوات، ستستغرق أكثر من 10 سنوات، ستستغرق نحو 20 سنة، وستتطلب تحالف أكثر من 60 دولة، تحالف أكبر من الحاليّ”.
محمد بن سلمان ممنون للنظام العراقي لأنه حال دون انتقال إرهاب داعش إلى اليمن، لكن يبدو أنه نسيَ أو تناسى أن الحكومة العراقية تساعد وستبقى تساعد الآن المليشيات الحوثية لتقاتل السعودية باليمن، والمساعدات المالية مفتوحة لهم من العراق، والسياسيون الحوثيون يعقدون مؤتمراتهم السياسية في بغداد، والمعارضة البحرينية تُدرب أفرادها في معسكرات الحشد الشعبي في العراق، فعن أي نظام شرعي يتحدث سمو ولي العهد؟
لقد خيبت ظن الشعوب العربية والإسلامية بعدما تفاءلت بتغير حقيقي سيتحقق في السعودية، يتذوق فيه العرب والمسلمون طعم الحرية
يعرج بعد ذلك ليصف أخطاء الولايات المتحدة الامريكية بالمنطقة ويحصرها بخطأين كبيرين، حينما يقول: “أعتقد أن أمريكا اقترفت خطأين: يتمثل الأول بالدخول في العراق، إنه كان خطأ فادحًا، كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقف بعد إكمال المهمة في أفغانستان، والخطأ الثاني، يتمثل في سحب القوات الأمريكية من العراق وتفكيك الجيش العراقي، هما خطآن كبيران تسببا في ظهور مشاكل أخرى في منطقة الشرق الأوسط”.
أمر مستغرب جدًا أن يشخّص ولي العهد السعودي أخطاء الولايات المتحدة في العراق بغزوه، وهل نسيَّ أن من حثَّ الولايات المتحدة على هذا الغزو أعمامه عندما كانوا ملوكًا على السعودية؟ أم أن عمره الصغير لا يساعده على تذكر تلك الأحداث؟!
إن ما فعلته أمريكا هو مجرد أنها استغلت الفرصة السانحة لاحتلال العراق حينما كان حقد ملوك السعودية وأمرائها على صدام حسين قد بلغ ذروته، وآثروا سقوطه حتى لو تعاونوا على ذلك مع الشيطان، وحتى لو علموا أن العراق سيكون لقمة سائغة لإيران.
ثم يقول إن الخطأ الثاني كان بحل الجيش العراقي، لكنه في نفس المقابلة مدح الجيش الذي شُكّل من المليشيات على أنقاض الجيش العراقي السابق، كيف نفهم هذا التناقض في حديثه؟ ثم دعا بعدم سحب الولايات المتحدة لقواتها من العراق، لا نعرف هل يريد أن يكون العراق كإمارات الخليج لا تستطيع العيش إلا بحماية من القواعد الامريكية ووصايتها؟
لقد خيبت ظن الشعوب العربية والإسلامية بعدما تفاءلت بتغير حقيقي سيتحقق في السعودية، يتذوق فيه العرب والمسلمون طعم الحرية، عندما جاء أبوك لسدة الحكم، استبشرت تلك الشعوب ببزوغ فجر جديد ينطلق من أرض الحرمين لينشر العزة والكرامة لباقي الشعوب، كما كانت كذلك طوال تاريخها، لكن مع الأسف تبين لنا أن بيننا وبين ذلك الفجر زمنٍ طويل، وأن التغير الذي حدث في السعودية لم يكن لصالحنا إنما لصالح أعداء أمتنا.