“صفقة القرن” مصطلح تُطلقه الإدارة الأمريكية على مخطط إنهاء القضية الفلسطينية بالتعاون مع حلفائها العرب الذين انتقلوا من مرحلة الدفاع عن القضية الفلسطينية في فترة قد خلت لمرحلة الصمت ثم إلى مرحلة المشاركة الفعلية في التصفية، فقد بات تصفية القضية الفلسطينية قربان تثبيت بعض الحكام العرب في مواقعهم.
وقد تسارعت وتيرة التصريحات العربية التي تتحدث عن حق “إسرائيل” في الوجود وحقها في أرض فلسطين، واعتبار المقاومة الفلسطينية بأنها تهديد قومي لبعض البلدان، حتى دون التطرق لحق الفلسطينيين بأرضهم وحقهم في الانعتاق من الاحتلال.
مثّلت حالة الضعف العربي وتمزق الدول العربية وانشغالها في الصراعات الداخلية فرصة ذهبية لأمريكا لعرض ما اعتبرته تسوية وحل شامل للقضية الفلسطينية تُعطي فيه حق من لا يملك لمن لا يستحق، دون الأخذ بعين الاعتبار غضبة الشعوب وحِراك الأمة، طالما لم تُمس مصالح أمريكا في المنطقة، ولن يتزايد منسوب العنف في فلسطين، ولم يرتد القرار بما يُهدد أمن أمريكا وسلامة مجتمعها الداخلي.
خطوات أمريكا المتسارعة لفرض واقع جديد ونيتها نقل السفارة الأمريكية للقدس عشية ذكرى النكبة الفلسطينية ولهفة حلفائها لمواكبة خطواتها، بدأت بحراك فلسطيني شعبي وصورة وحدوية افتقدها لسنوات طويلة.
رغم التضييق والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومحاولات التركيع ومراهنة أطراف متعددة بأن غزة على حافة انفجار داخلي واقتتال داخلي جديد، قرر الشعب قلب الطاولة في وجه المتآمرين وانتفض باتجاه الحدود وأعلن شعار العودة إلى أرض الجدود.
يوم القيامة الفلسطيني المنتظر فيه مشهد زحف مئات آلاف اللاجئين من لبنان والأردن وسوريا باتجاه الحدود المحتلة، فالرهان عليهم كبير وحلمهم بالعودة يُحطم حاجز الخوف
تحرُّك الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وقلب المعادلة وصفع الأطراف المتآمرة، الأمر الذي يُنذر بأن 15 من مايو لن يكون يومًا عاديًا بل سيكون يوم القيامة الذي يتبدد فيه حلم الكيان بتمرير صفقة القرن، لقد ضرب التحرك الفلسطيني السلمي داخل حدود قطاع غزة والدماء التي سالت الشرط الأول لتمرير الصفقة، فمنسوب العنف في الأراضي الفلسطينية يتزايد مع كل جمعة جديدة، وكل قطرة دم جديدة تمثل تغذية لازدياد منسوب العنف الذي ما يلبث أن يتدحرج إلى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.
الصورة المتخيلة للتحرك الشعبي في أرجاء فلسطين بمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تُربك الكيان وتجعل صفقة القرن على المحك، فتطوُّر الأحداث وازدياد سقوط الضحايا في التظاهرات السلمية، سيدفع بكل تأكيد المقاومة الفلسطينية للرد على نزيف الدماء، ولربما تصدرت المشهد مجددًا أساليب نضالية تراجعت لظروف سياسية وإمكانات تنفيذية، فالتحرك الجماهيري السلمي بالتوازي مع سيناريو استهداف الكيان من المقاومة يمثل هدم الركن الأول لإتمام صفقة القرن.
يوم القيامة الفلسطيني المنتظر فيه مشهد زحف مئات آلاف اللاجئين من لبنان والأردن وسوريا باتجاه الحدود المحتلة، فالرهان عليهم كبير وحلمهم بالعودة يُحطم حاجز الخوف، فهم حريصون على مشاركة شرف مهمة إسقاط صفقة القرن، تحرك كهذا يُعزز فرص سخونة الجبهات الأخرى مع المحتل وقد تشن بعض الأطراف المتعاطفة مع القضية الفلسطينية هجمات نوعية على الكيان من خارج الحدود.
شعوب الأمة ورغم كل مظاهر الضعف البادية وتسلط حكامها، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما سيحدث في يوم القيامة الفلسطيني، لن تقبل الأمة التي انتفضت بكل قوتها عقب قرار ترمب أن ترى الدماء الفلسطينية نازفة وحالة الاستفراد وتصمت.
تحرُّك الشعوب العربية والإسلامية تخشاه أمريكا؛ فهو من جانب يُهدد أمن واستقرار حلفائها، ويُهدد أمنها ومصالحها في المنطقة، وقد تضطر للتعامل مع سيناريو حصار سيول بشرية لسفاراتها الموجودة في الدول العربية والإسلامية، وسيبقى احتمال استهداف سفاراتها ومصالحها كابوسًا يُطارد مخيلة أجهزتها الأمنية، فإذا ما تحرك هذا المارد سيكون بمثابة هدم الركن الثاني لصفقة القرن ويُحدث عدم تحقق الشرط الثاني لإتمام الصفقة.
على الأمريكان إدراك أنهم بحاجة لوقف تحرك إدارتهم، فلا يوجد منطق بأن يدفع الأمريكان ثمنًا من أرواحهم ومصالحهم في مقابل إرضاء “إسرائيل” وتحقيق أطماعها في بلد عربي
تُدرك أمريكا أن عليها استخلاص العبر من كل تحرك وإعادة دراسة قراراتها بناء على المتغيرات، وعلى الشعب الأمريكي إدراك أن الإدارة الأمريكية تأخذه إلى مواجهة مع مليار ونصف مليار مسلم، وعليهم بأن يتحضروا لموجة عداء وازدياد مشاعر السخط والكراهية تُجاه كل ما هو أمريكي، ولن يستطيع الأمن الأمريكي ضبط وإحباط كل هجوم محتمل، فلا يوجد جهاز أمني خالٍ من الثغرات.
أمريكا تتحدى الأمة الإسلامية والعربية باستهداف القدس وإنهاء القضية الفلسطينية التي تمثِّل شرف الأمة وأحد أهم أسباب وجودها.
على الأمريكان إدراك أنهم بحاجة لوقف تحرك إدارتهم، فلا يوجد منطق بأن يدفع الأمريكان ثمنًا من أرواحهم ومصالحهم في مقابل إرضاء “إسرائيل” وتحقيق أطماعها في بلد عربي.
الشروط التي وضعتها أمريكا للتراجع عن الصفقة، ومن استشراف للمستقبل القريب وقراءة للأحداث الجارية ستتحقق، فهل أمريكا وحلفاؤها على استعداد لتحمل الخسائر الناجمة عن ازدياد منسوب العنف في الشرق الأوسط وتهديد المصالح الأمريكية، هل إرضاء “إسرائيل” يستحق أن يدفع الشعب الأمريكي ثمنه؟
الفلسطينيون ماضون في مخطط إفشال صفقة القرن وانتزاع حقوقهم، وسيساندهم في حقهم كل حر في أصقاع العالم، فليس لديهم ما يخسروه سوى القيد والخيمة، الفلسطينيون ماضون ليوم القيامة، ولن تستطيع هوليوود ببراعتها وبوليود بجموح خيالها رسم صورة لما سيحدث.