ترحمة وتحرير: نون بوست
لن يكون المتنافسون الواقعيون ليحلوا محل بايدن أفضل من جو فيما يتعلق بفلسطين. وعندما يتعلق الأمر بالديمقراطيين والجمهوريين، اختر ما يناسبك، ولكن لا يوجد خيار سليم.
مع تبقي أربعة أشهر على الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، تتراجع قضايا أخرى عن رادار وسائل الإعلام. وقد يعتقد المرء أن الإبادة الجماعية في غزة قد انتهت؛ حيث تراجعت تغطيتها في وسائل الإعلام الرئيسية بشكل كبير.
لكن “إسرائيل” تصعّد من هجماتها، وتستهدف المدارس علنًا، وتلقي القنابل على الأطفال الذين يلعبون كرة القدم، وتنقل مئات الآلاف من الفلسطينيين المشردين في معظمهم من مكان إلى آخر وتقصف كل ذلك.
في هذه الأثناء، انتقل الاهتمام الأمريكي إلى الداخل؛ حيث يدور النقاش حول ما إذا كان العجز العقلي الواضح لرجل يشغل أقوى منصب في العالم هو أمر غير مؤهل بينما شراكته الكاملة في إبادة جماعية بحجم مذهل لا تعتبر كذلك.
ويواجه الأمريكيون قرارًا انتخابيًا هزليًا على الرغم من أن الرهانات في تلك الانتخابات لا يمكن أن تكون أعلى من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، وبنفس القدر بالنسبة لبقية العالم. ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمرين الوطنيين للحزبين الجمهوري والديمقراطي، يعمل كل حزب الآن على وضع برنامج كل منهما لسنة 2024.
إن برنامج الحزب هو بيان سياسة غير ملزم يهدف إلى تزويد الناخبين ببعض الإحساس بما يمثله الحزب ككل. ومن الشائع جدًا أن يخرج الرؤساء وأعضاء الكونغرس عن برنامج حزبهم بشكل كبير بمجرد انتخابهم، ولكن كوثيقة سياسية؛ فإن لها معنى ما في تحديد التوقعات في مجال الدعوة وإطار مرجعي لجماعات الضغط.
ماذا يعني هذا بالنسبة لفلسطين، وغزة، والإبادة الجماعية المستمرة، والقمع الهائل للمعارضة في هذا الشأن الذي اجتاح ليس فقط الجامعات الأمريكية بل الثقافة الأمريكية على نطاق أوسع؟
الجمهوريون
مع المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرر عقده في 15 حزيران/ يوليو، اكتمل برنامجهم إلى حد كبير. فهم أكثر تجانسًا داخل حزبهم من الديمقراطيين؛ لذا فإن العملية أبسط والبرنامج نفسه أكثر غموضًا في العديد من القضايا.
ويتعهد البرنامج الانتخابي للحزب الجمهوري بـ “الوقوف إلى جانب إسرائيل، والسعي إلى السلام في الشرق الأوسط. وسنعيد بناء شبكة تحالفاتنا في المنطقة لضمان مستقبل من السلام والاستقرار والازدهار.”
وفي قسم منفصل يتحدث عن معاداة السامية، ينص البرنامج على أن الجمهوريين “يدعمون إلغاء تأشيرات دخول الرعايا الأجانب الذين يدعمون الإرهاب والجهاد”.
وإذا ما أخذنا هذه الأمور مجتمعة؛ يبدو هذا واضحًا بما فيه الكفاية. ويمكننا الاطمئنان إلى أن إسرائيل ستحظى بكل الدعم الذي تحتاجه في ذبح الفلسطينيين. فمع تعهد المتبرعة الجمهورية الكبيرة ميريام أديلسون بتقديم 100 مليون دولار لحملة دونالد ترامب الانتخابية مقابل وعد بالسماح لـ”إسرائيل” بضم الضفة الغربية، يتضح إلى أين تتجه رئاسة ترامب، وباستثناء نائب أو اثنين شاذين مثل النائب توماس ماسي، الذي غالبًا ما يصوت ضد ما تريده “إسرائيل” (ليس حبًا في الفلسطينيين)، فلا يوجد جمهوري لديه أي مشكلة في ذلك.
ومن المرجح أن يتكئ الجمهوريون على اتفاقات إبراهيم ويحاولون القيام بما فشل فيه جو بايدن حتى الآن: إبرام اتفاق بين السعودية و”إسرائيل”، ولكن في الوقت الذي ركزت فيه جهود بايدن على تطبيع العلاقات بشكل كامل؛ فمن المحتمل أن ينظر الجمهوريون وترامب إلى “إعادة بناء شبكة تحالفنا في المنطقة” من الناحية العسكرية إذا استمرت الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في جعل التطبيع الإسرائيلي السعودي الكامل أمرًا مستحيلًا.
وسيعطي الجمهوريون أولوية أعلى بكثير لمثل هذا التحالف من الديمقراطيين بسبب النزعة الانعزالية الكبيرة لدى العديد من مؤيدي ترامب. فبينما يشعر الديمقراطيون ببعض الغضب لأن ناخبيهم التقدميين والمسلمين والعرب والشباب يدعمون حقوق الفلسطينيين؛ فإن الجمهوريين قلقون من أن لا ينظر إليهم من قبل ناخبيهم الانعزاليين على أنهم يقربون الولايات المتحدة من حرب جديدة في الشرق الأوسط.
وبالتالي، فإن التحالف العسكري السعودي-الإسرائيلي، والذي يوجد بالفعل بهدوء من نواحٍ كثيرة، يقوم بكل ما يحتاجون إليه. ويكفي أن يدعي ترامب أنه حقق المزيد من “السلام” في المنطقة، وهذا النوع من التعاون يقلل من الحاجة إلى وجود قوات أمريكية على الأرض في المنطقة.
والأمر الأكثر إثارة للخوف هو ما يرجح أن يفعله الجمهوريون لسحق المعارضة. فستكون عمليات الترحيل بالتأكيد أداة سيستخدمونها لنزع فتيل الاحتجاجات ضد الدعم الأمريكي المستمر للجرائم الإسرائيلية. وقد رأينا هذا النوع من التكتيكات التي استخدموها في الكونغرس لملاحقة قادة الجامعات التي يعتبرونها غير صارمة بما فيه الكفاية في مكافحة دعم الحقوق الفلسطينية.
ويمكننا أن نستنتج من هذه العبارات المقتضبة في البرنامج الانتخابي أن الإدارة الجمهورية ستكون عدوانية في مهاجمة المدافعين عن الحقوق الفلسطينية. ويمكننا أن نتوقع من الإصلاحات المقترحة في الإصلاح الشامل للحكومة الفيدرالية في وثيقة مشروع 2025 سيئة السمعة أن تغير القواعد الخاصة بالمنظمات غير الربحية وجماعات الضغط لإغلاق السبل القليلة المتاحة أمام الجماعات لمحاولة تغيير السياسة الأمريكية تجاه فلسطين و”إسرائيل”.
وسيُضاف ذلك إلى جوهر خطة مشروع 2025، وهو تزويد البيروقراطية الفيدرالية بموظفين موالين لها، وبالتالي لن يجد مناصرو فلسطين أحدًا من المتعاطفين مع الفلسطينيين يمكن التحدث إليه في السلطة التنفيذية.
ويتحدث مشروع 2025 أيضًا عن تحالف أمني إقليمي يضم “إسرائيل” ودول الخليج؛ ويقترح قطع التمويل بالكامل عن السلطة الفلسطينية دون ذكر أي شيء يحل محلها، مما يضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تحت رحمة إسرائيل بشكل كامل؛ ويقترح خفض تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أيضًا، ويأمر بقطع أي تمويل من هذا القبيل “لتعزيز اتفاقات إبراهيم” واستنزاف المزيد من الموارد الشحيحة التي يملكها الفلسطينيون في المنطقة من أجل البقاء.
الصورة ليست جميلة في ظل حكم الجمهوريين، والسؤال إذن هو إلى أي مدى سيكون الديمقراطيون أفضل حالاً؟
الديمقراطيون
كما ذكرنا، فإن برنامج الديمقراطيين أقل تطورًا بكثير من برنامج الجمهوريين، رغم أن المؤتمر الديمقراطي لم يتبق عليه سوى ستة أسابيع، وعلاوة على ذلك، فإن ترامب يملي على الجمهوريين جدول أعمالهم في الغالب، بينما هناك قوى أكثر تنافسًا بين الديمقراطيين.
عندما يتعلق الأمر بفلسطين، تشمل تلك القوى حركة “غير الملتزمين” الكبيرة، التي ولّدت عشرات الآلاف من الأصوات الاحتجاجية ضد دعم جو بايدن للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
يريد التيار الرئيسي للحزب الديمقراطي الحفاظ على الموقف نفسه الذي اتخذه الحزب في سنة 2020، ففي ذلك البرنامج الانتخابي، أعلن الحزب دعمه المطلق لـ”إسرائيل”، ومعارضته لحركة المقاطعة، وتأكيده على القدس عاصمة “موحدة” لـ “إسرائيل”، وقد ميّز الحزب نفسه عن الجمهوريين بتأييده لحل الدولتين ومعارضته للضم الإسرائيلي أحادي الجانب لأي جزء من الضفة الغربية، لكن البرنامج بشكل عام كان خطوة كبيرة نحو موقف أكثر تأييدًا لـ “إسرائيل” مما كان عليه الحزب لسنوات.
لقد كانت فلسطين و”إسرائيل” موضع خلاف بين الديمقراطيين في المؤتمرات الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك العرض المروع في سنة 2012 عندما أُعلن أن التصويت على بند مثير للجدل يؤكد أن القدس عاصمة إسرائيل قد حصل على ثلثي الأصوات في حين كان من الواضح أن الحشد منقسم جدًا حول هذه المسألة.
ومن المتوقع ألا تكون هذه السنة مختلفة. ففي معرض دفاعها عن الوضع الراهن، قالت هالي سويفر من المجلس الديمقراطي اليهودي الأمريكي المؤثر للغاية، إن “82 المائة من الناخبين اليهود يعرّفون أنفسهم بأنهم مؤيدون لإسرائيل ولديهم ارتباط عاطفي بإسرائيل، و74 بالمائة يوافقون على تعامل الرئيس بايدن مع الحرب مع حماس، وفقًا لاستطلاع للرأي أجري في تشرين الثاني/نوفمبر… ولا ينبغي تخفيف لغة برنامج الحزب الديمقراطي بشأن إسرائيل من نقطة البداية القوية التي كانت سائدة قبل أربع سنوات.”
إن حاجة سويفر إلى العودة إلى شهر تشرين الثاني/نوفمبر أمرٌ لافت للنظر. ففي تلك المرحلة، كان يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر لا يزال قريبًا، وأي شخص كان يحاول فضح أكاذيب “إسرائيل” وبايدن الفادحة ومبالغاتهما في الإجراءات التي اتخذت في ذلك اليوم كان لا يزال محصورًا في السخرية والتهميش، فبحلول شهر شباط/فبراير، وجد استطلاع للرأي أجراه معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم أن 50 بالمائة من اليهود الأمريكيين و57 بالمائة من اليهود الديمقراطيين يريدون وقفًا دائمًا لإطلاق النار.
وقد ردت إليان فرحات، إحدى قيادات حركة غير الملتزمين، على سويفر بالدعوة إلى فرض حظر على بيع الأسلحة لـ “إسرائيل”، وقالت: “أود أن أطلب منكِ أن تأخذي بعين الاعتبار المشاعر الغالبة بين ناخبينا: 80 بالمائة من الديمقراطيين يؤيدون وقف إطلاق النار الدائم في غزة، و52 بالمائة من الأمريكيين و62 بالمائة من ناخبي بايدن يؤيدون وقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل”.
من المرجح أن يكون هناك المزيد من النقاش حول البرنامج خلال الأسابيع الخمسة المقبلة، وليس من المحتمل أن يتم تضمين وقف مبيعات الأسلحة في البرنامج، وحتى بعض العبارات التحذيرية حول كيفية استخدام “إسرائيل” لها ستتطلب بالتأكيد جهدًا هائلًا، هذا إذا أمكن تضمينها على الإطلاق.
ولكن بالنظر إلى الدعوات المتزايدة داخل “إسرائيل” التي تطالب الحكومة بالموافقة على وقف دائم لإطلاق النار وتبادل الأسرى على نطاق واسع، فمن الممكن أن يتضمن البرنامج بعض العبارات التي تدعو إلى ذلك، ومرة أخرى، سيكون ذلك غير ملزم، ولكنه سيكون توبيخًا نادرًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي؛ حيث يواصل نتنياهو عرقلة الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار.
من الواضح أن الديمقراطيين يحاولون إيجاد طريقة ما لتهدئة منتقدي سياستهم في غزة، ومع بروز نائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة محتملة لتحل محل بايدن في حال رضوخه للضغوط المتزايدة التي تدفعه للتنحي، فقد كانت هي وديمقراطيون آخرون يصورونها كصوت معتدل في إدارة بايدن.
لكن لا ينبغي على المدافعين عنها أن يعلقوا الآمال عليها، فقد كانت هاريس محبوبة لدى أيباك خلال فترة عملها القصيرة في مجلس الشيوخ، ومن غير المرجح أن تتغير إذا أصبحت رئيسة.
ومن الناحية العملية، يمكننا أن نتوقع أن تكون الأجندة العلنية للجمهوريين بيانًا صريحًا عن عنصريتهم، بينما سيكون الديمقراطيون أقل صراحة، وعلى أرض الواقع، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الديمقراطيين سيرغبون في مواصلة وهم الدولتين، بينما سيشجع الجمهوريون “إسرائيل” على القضاء عليه نهائيًا بالضم.
وكما هو الحال في كثير من الأحيان مع سياسة الولايات المتحدة بشأن فلسطين، اختر السم الذي تريده، فليس هناك اختيار سليم.
المصدر: موندويس