شهدت الأزمة الخليجية منذ بدايتها في يونيو/حزيران الماضي موجات متباينة من المد والجذر، دخلت خلالها أنفاقًا مظلمة من التراشق السياسي والإعلامي، فشلت خلالها جهود الوساطة كافة، غير أن منعطفًا جديدًا ربما تدخله الأزمة قريبًا ربما يخلط بعض الأوراق، وذلك بعد تلويح السعودية بشق قناة بحرية على طول حدودها مع قطر فيما أطلق عليها قناة “سلوى” نسبة إلى المنفذ الحدودي بين البلدين.
المقاطعة الاقتصادية والسياسية التي فرضتها دول الحصار على جارتها طيلة الأشهر العشر الماضية يبدو أنها لم تؤت ثمارها في ظل تمسك الدوحة بموقفها الرافض لأي إملاءات خارجية تمس سيادتها الوطنية، فكانت المحاولة الأخيرة لإخضاعها عبر عزلها جغرافيًا بتحويلها إلى جزيرة منعزلة في المياه الخليجية محاصرة بنفايات سعودية إماراتية وقواعد عسكرية وبحرية.
قناة سلوى.. العزل والورقة الأخيرة
قبل أيام كشفت صحيفة “سبق” السعودية النقاب عن مشروع شق قناة بحرية ضخمة على طول حدود المملكة مع قطر، يدخل ضمن المشروعات السياحية التي تستهدف الرياض تدشينها خلال الفترة القادمة في إطار مرحلة التغيير التي تشهدها منذ تعيين ابن سلمان وليًا للعهد.
المشروع وفق ما نشرت الصحيفة سينفذ عبر تحالف استثماري سعودي إماراتي مصري من 9 شركات في هذا الحقل، وتقدر التكلفة مبدئيًا بـ2.8 مليار ريال تقريبًا، لافتة إلى أنه في انتظار الموافقة الرسمية عليه والترخيص له ليبدأ التنفيذ المتوقع اكتماله خلال 12 شهرًا فقط.
خطة المشروع تتلخص في شق قناة بحرية تبدأ من منفذ سلوى الحدودي بين السعودية وقطر إلى لسان خور العديد في الخليج العربي، بحيث يكون امتداد الساحل الشرقي للسعودية كاملًا وغير منقطع، باعتبار أن الحدود مع قطر البالغة 60 كيلومترًا هي الجزء البري الوحيد الذي يقطع هذا الامتداد، مما يعوق التجارة البينية وخطط التطوير السياحي للمنطقة ذات الحيوية؛ كونها مركز ربط لدول الخليج العربية.
ومن ثم فمن المتوقع في إطار تطبيق هذا المشروع أن يتم الربط بحريًّا بين سلوى وخور العديد بقناة عرضها 200 متر وعمقها 15 – 20 مترًا وطولها 60 كيلومترًا؛ مما يجعلها قادرة على استقبال جميع أنواع السفن من حاويات وسفن ركاب الطول الكلي لها 295 مترًا وأقصى عرض للسفينة 33 مترًا وأقصى عمق للغطس في حدود 12 مترًا، ويستهدف المشروع بناء منتجعات على طول الشاطئ الجديد، عبارة عن وحدات منفصلة تضم شواطئ خاصة لكل منتجع، إضافة إلى 5 فنادق رئيسية أحدهم في سلوى والثاني في سكك والثالث في خور العديد واثنان في رأس أبو قميص.
الصمت القطري حيال التلويح بمثل هذا المشروع الذي ربما يهددها بعزلة جغرافية كاملة عن محيطها الخليجي أثار حفيظة دول الحصار بصورة كبيرة
الخطة لا تقتصر على شق قناة وبناء منتجعات فقط، بل تستهدف إنشاء قاعدة عسكرية سعودية في جزء من الكيلومتر الفاصل بين الحدود القطرية وقناة سلوى البحرية، بينما سيحول الجزء المتبقي إلى مدافن نفايات للمفاعل النووي السعودي الذي تخطط السعودية لإنشائه، وسيكون محيط المفاعل النووي الإماراتي ومدفنه في أقصى نقطة على الحدود الإماراتية القريبة من قطر.
وبحسب ما أدلت به مصادر مطلعة للصحيفة فإنه من المقرر أن يكون تمويل مشروع القناة بالكامل من جهات سعودية وإماراتية استثمارية من القطاع الخاص، على أن تكون السيادة سعودية بالكامل، فيما ستتولى شركات مصرية رائدة في مجال الحفر مهام شق القناة المائية.
ضغوط جديدة ضد قطر للرضوخ لمطالب دول الحصار
صمت قطري
في الوقت الذي انبرت فيه صحف وقنوات دول المنطقة بمتابعة القناة الجديدة التي تأتي في إطار الخطة السعودية الإماراتية المصرية لتركيع الجارة الخليجية، تجاهلت السلطات القطرية التعليق عليها بصورة كاملة، فيما اكتفت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الدوحة بتناول المعلومات الواردة في الصحيفة السعودية فقط.
الصمت القطري حيال التلويح بمثل هذا المشروع الذي ربما يهددها بعزلة جغرافية كاملة عن محيطها الخليجي أثار حفيظة دول الحصار بصورة كبيرة، خاصة بعدما أبدته الدوحة من عناد للخضوع لمطالب تلك الدول طيلة الأشهر الماضية.
تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة أنور بن محمد قرقاش، كشفت حالة القلق من صمت الدوحة الذي وصفه بأنه “دليل خوف وارتباك” مشددًا في تغريدات له على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” على أن الحل لا يكمن في مزايدة ومكابرة لا تتحملها قطر، بل في حسن التدبير والتحلي بالعقل والحكمة ومراجعة سياسة كارثية عزلت قطر وجعلتها في موقف لا تحسد عليه، مشيرًا إلى أن موضوع قناة سلوى يُعد دليلًا على فشل قطر في إدارة أزمتها وحلّها، مؤكدًا في ذات الوقت أن أوان التراجع والرجوع إلى العقل قد حان، محذرًا قطر من عزلة جغرافية حقيقية.
المشروع المزمع تدشينه لن يزيد من الحصار المفروض على قطر طيلة الأشهر العشر الماضية، خاصة بعد نجاح الدوحة في تنويع مصادر علاقاتها الخارجية
تناقض ودبلوماسية
بينما تخطط دول الحصار لفرض المزيد من الضغوط على الدوحة وعزلها جغرافيًا، إذ بالأخيرة تسعى لطرق أبواب الحوار ومغازلة جيرانها في محاولة لتقديم بادرة حسن نية، وذلك بعد الأنباء التي ترددت بشأن ترؤس أمير قطر تميم بن حمد وفد بلاده إلى القمة العربية المقررة في السعودية الأسبوع القادم.
الناطقة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر أفادت في تعليقها على مشاركة بلادها في القمة بأن ملف الأزمة الخليجية لن يكون مطروحًا على أجندة القمة العربية، مشيرة إلى التزام بلادها بالحوار لحل الأزمة الخليجية، وتابعت: “في حال طرح المسألة، كما أكدنا مرارًا، نحن ملتزمون بالحوار في سبيل حل الأزمة، طالما أن ذلك في حدود المحافظة على السيادة والمصالح الوطنية لدولة قطر وشعبها”.
البعض فسر مشاركة الدوحة في تلك القمة بوفد على رأسه أمير البلاد بأنه رسالة مباشرة من قطر لإسقاط نظرية عزلها سياسيًا، هذا بخلاف أن القمة ربما تكون فرصة لتجديد دعوتها من قلب المملكة إلى الحوار، فيما أشار آخرون إلى أن هناك ضغوطًا أمريكية على طرفي الأزمة لفتح نافذة للنقاش والحوار، وذلك خلال اللقاءات التي عقدها الرئيس ترامب مع زعماء كل من السعودية وقطر والإمارات.
الخاطر تؤكد عدم إدراج ملف الأزمة الخليجية على أجندة القمة العربية بالسعودية
تصعيد غير منطقي
ردود فعل متباينة صاحبت إعلان المشروع المائي الجديد، منها ما أشارت إليه مجلة “فوربس” الأمريكية التي قالت في تقرير لها إن قطر صمدت بوجه عاصفة الحصار التي قررت محاصرتها لدفعها إلى الاستسلام، واصفة مشروع قناة سلوى المائية بأنه “غير منطقي”.
المجلة وصفت إعلان حفر القناة الجديدة بأنه تطور مفاجئ على صعيد الأزمة الدبلوماسية بين قطر والسعودية، فيما تشير التقارير الأولية إلى أن المشروع يقوم في الأساس على مبدأ تطوير منتجعات سياحية، تساءلت: “كم ستكون نسبة الطلب على هذه المرافق السياحية والتجارية”؟
وتابعت: “المنطقة مأهولة بالسكان وبعيدة عن أي مراكز صناعية رئيسية، وعلى فرض أن الحدود مع قطر ستبقى مغلقة، فإن ذلك سيعني استمرار إغلاق أحد الأسواق الرئيسية المستهدفة لأي نشاط تجاري أو سياحي، كما أنه من غير المنطقي نقل حركة مرور السفن من الشمال أو الجنوب، وتحويل مسارها إلى قناة مائية ضيقة وبعيدًا عن الخليج نفسه”.
المشروع وفق ما نشرت الصحيفة سينفذ عبر تحالف استثماري سعودي إماراتي مصري من 9 شركات في هذا الحقل، وتقدر التكلفة مبدئيًا بـ2.8 مليار ريال تقريبًا
آخرون ذهبوا إلى أن المشروع المزمع تدشينه لن يزيد من الحصار المفروض على قطر طيلة الأشهر العشر الماضية، خاصة بعد نجاح الدوحة في تنويع مصادر علاقاتها الخارجية، ذاهبين إلى أن الهدف الرئيسي منه وضع قطر تحت ضغوط إضافية لإجبارها على الرضوخ للمطالب الـ13 التي تحولت إلى جزء من التاريخ، حسبما قال المحلل السياسي القطري الدكتور علي الهيل في تصريحات لـ”عربي21” إن قطر تحولت إلى جزيرة منذ الـ5 من يونيو/حزيران 2017 بعد إعلان الحصار من السعودية والإمارات والبحرين ولن يزيد هذا المشروع من الحصار المفروض عليها.
الهيل كشف أن السعودية تهدف لإعادة إدخال قطر تحت عباءتها مرة أخرى عبر إعادتها لما قبل عام 1995 لتصبح جزءًا من خيوط عباءة النظام في الرياض، مؤكدًا أن الترويج للمشروع يأتي بهدف لفت أنظار الشعب السعودي عن المليارات التي تُنهب صباحًا ومساءً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتجفيف منابع الخزينة السعودية بحجج شتى في ظل تدني الرواتب وضياع الثروات الأخرى، واصفًا المشروع بـ”الجريمة” في القانون الدولي، قائلاً: “قطر ليس لها منفذ بري مع العالم إلا عبر الأراضي السعودية ومن حقنا رفع دعوى دولية ضد خطوة ستلحق الضرر بنا”.