في التاسع من أبريل، أطلقت طائرتان إسرائيليتان من طراز “إف-15” من الأراضي اللبنانية، ما بين الساعة الفترة ما بين 03:25-03:53 بتوقيت موسكو، 8 صواريخ موجهة على مطار التيفور دون دخول المجال الجوي السوري، وتمكنت وحدات الدفاع الجوي التابعة للقوات السورية من اعتراض 5 صواريخ موجهة.
جاء ذلك في بيان وزارة الدفاع الروسية ردًا على قصف مطار الديفور السوري، بينما كان التجاهل الإسرائيلي الشعار الذي رفعه قادتها في مواجهة اتهام روسيا.
تعددت الأسباب والفاعل واحد
سيطرت حالة من الغموض على المشهد، إذ تبع الضربة المفاجئة التي وجهت إليه اتهامات إلى العديد من الأطراف، على رأسها الولايات المتحدة التي برأت نفسها في بيانات رسمية من الغارة، وتبعها فرنسا في نفي ضلوعها في العملية، قبل أن تكشف روسيا والإعلام المجلي بدمشق، أن “إسرائيل” هي من نفذت العملية.
يحدث ذلك في توقيت بالغ الرمزية بعد عام كامل على قصف أمريكي لمطار الشعيرات أعقب هجومًا أمريكيًا لقوات الأسد على بلدة خان شيخون، وقتها كانت الأسباب الأمريكية معلنة، لكن مع “إسرائيل” حليفة الأسد وعدوته في نفس الوقت تبدو الأسباب خفية.
الأهمية الإستراتيجية للتيفور العسكري
قاعدة التيفور “T4” العسكرية، أو المعروفة محليًا بمطار “التياس”، واحد من أهم المطارات العسكرية أمنيًا واستراتيجيًا لحدوده مع العراق وإحداثياته المتطورة، كما يمثل نقطة ارتكاز وقاعدة أساسية للقوات السورية والقوات الحليفة لها (إيران وسوريا)، إذ يقوم بدور الإسناد وتقديم الدعم والعِتاد لقوات النظام وحلفائها التي تقاتل في محافظات دير الزور وريف حماة وحلب.
وسبق أن شار تعرض المطار لقصف من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في شهر فبراير/شباط الماضي، ردًا على اختراق طائرة إيرانية بلا طيار الأجواء الإسرائيلية، أطلقت من القاعدة ذاتها حسبما أعلن الجيش الإسرائيلي وقتها، كما سبق أن شنت “إسرائيل” سلسلة استهدافات لمقرات قوات النظام وميليشيا “حزب الله”.
ويضم المطار بداخله خبراء من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، بينهم ضباط وصف ضباط وعساكر، ما يعطي لـ”إسرائيل” الدافع هذه المرة للرد على التأثير الروسي الإيراني المتنامي في سوريا.
استغلال الهجوم الكيماوي على دوما
خلق استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي على دوما حالة عالمية من الاستنكار، ما هيأ “لإسرائيل” أن تستفيد من هذه الأجواء العالمية وتقوم بهذ الضربات.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أنه لا يجب عزل ضربة ليلة الأحد عن التطورات الإضافية التي حدثت جراء هجوم الأسد الكيماوي على دوما، مضيفة أنه من البديهي ألا تعترف “إسرائيل” بأنها هي من يقف وراء الضربة العسكرية، إلا أنها ضربت المطار في مرات سابقاً وأعلنت مسؤوليتها عن العملية.
في المقابل، تريد “إسرائيل” أن تغطي على الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وهي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، تريد أن تبدو في دور المنقذ من كيماوي الأسد.
قال المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية، روني دانيال، إن القصف الإسرائيلي لقاعدة “التيفور” الجوية السورية، جاء بسبب سيطرة الإيرانيين عليها
تحييد إيران
تستخدم طهران القاعدة السورية لتخزين وصنع الأسلحة التي يتم توزيعها على قوات النظام السوري ومستودعات “حزب الله” في سوريا ولبنان، بينما تعارض “إسرائيل” بشدة تأسيس موطئ قدم لإيران لها في سوريا، ما يدفعها لإتخاذ كل التدابير اللازمة للعمل ضده.
وكانت “إسرائيل” قد حددت بالفعل خطوطاً حمراء عندما بدأت الحرب في سوريا، حيث أعلنت أنها ستعمل على إحباط تهريب أسلحة متطورة من سوريا إلى “حزب الله” في لبنان، ومنذ ذلك الحين نسب الإعلام إلى قيام “إسرائيل” بتنفيذ عشرات الغارات الجوية ضد قوافل ومستودعات الأسلحة في سوريا. وفي العام الماضي، رسمت خط أحمر آخر في سوريا: منع التواجد الإيراني في سوريا.
وقال المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية، روني دانيال، إن القصف الإسرائيلي لقاعدة “التيفور” الجوية السورية، جاء بسبب سيطرة الإيرانيين عليها، بينما قال مصدر عسكرى سورى، لـ”روسيا اليوم”، إن الكلام الإسرائيلى المتكرر عن استهداف مطار “التيفور” الحربى بحجة تواجد الإيرانيين فيه هو محض كذب.
هجوم بضوء أمريكي أخضر
عكس الإعلام الأميركي تحريضاً أميريكياً على شنّ هجوم على سوريا تحت ذريعة الكيميائي، لكن قيام “إسرائيل” بهذه الضربة أعطي الانطباع للمجتمع الأمريكي أن حلفاء أمريكا قاموا بهذه الضربة.
وحسب محللين، تأتي هذه الضربة بالنيابة عن أمريكا، بالتالي تلبي رغبة ترامب في توجيه ضربة للأسد، لاسيما أنه وصفه بالحيوان، وخصوصا بعد ساعات من تحذير ترمب لـ “الحيوان الأسد” وحليفه بوتين، وقال إنه سيكون هناك “ثمن يدفع” بعد هجوم بالغاز أسفر عن مقتل العشرات من الأطفال.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن البيت الأبيض قوله إن “إسرائيل” أبلغت الأخير مسبقاً بأنها سوف تقصف مطار التيفور العسكري السوري في ريف حمص، فيما بدا أن “إسرائيل” تبحث عن دور أكبر بعد تلويح ترامب بخروج قواته من سوريا قريبًا.
ووفق خبراء روس يبدو الهجوم الإسرائيلي منسّقاً مع واشنطن، إذ تصرفت “إسرائيل” كهراوة أمريكية حتى لا تدخل في مواجهة مع روسيا في حال تنفيذها العدوان، فيما يتواصل الحديث عن كون هذه الضربة مقدمة لضربات جوية أميركية وغربية.
مع شعور “إسرائيل” باقتراب نهاية حالة الفوضى وخروج سوريا من عين العاصفة، تحاول قدر الإمكان تدمير ما يمكن تدميره، لترسيخ قناعتها ومكاسبها فى إضعاف القدرات السورية بكافة الوسائل.
المخاوف من تقدم جيش النظام
تحاول “إسرائيل” التعمية عن انتصارات حققها جيش النظام السوري وحلفاؤة بإخراج عناصر داعش والقاعدة من خاصرة العاصمة دمشق، والتوصل إلى إتفاق نهائي على خروج جيش الإسلام الغوطة الشرقية، ما يضعها بأكملها تحت سيطرة النظام.
ومع تقدم جيش النظام تجاه الجنوب وتحقيق انتصارات على أطراف تدعمها “إسرائيل”، انتقلت المعركة من الوسط السوري إلى الأطراف لتطهير الحدود؛ ما يلقي على الكيان الصهيوني أزمة كبرى نتيجة دعمه للفصائل الإرهابية.
ومع شعور “إسرائيل” باقتراب نهاية حالة الفوضى وخروج سوريا من عين العاصفة، تحاول قدر الإمكان تدمير ما يمكن تدميره، لترسيخ قناعتها ومكاسبها فى إضعاف القدرات السورية بكافة الوسائل.
وبدا ذلك في أول تعليق لوزير الدفاع الإسرائيلي بعد قصف مطار التيفور، وقال إن “إسرائيل” ستدخل إلى سوريا مرة أخرى، ما يعني أنها تولي اهتمامًا بالجنوب السوري، الذي تتوجه إليه الأنظار بعد الغوظة بأن يتم نشر جيش النظام السوري على الحدود هناك، ما يقلق “إسرائيل” ويدفعها إلى إعادة الغارات إلى المنطقة ليكون لها دور.
دعم الجماعات المتطرفة
اعتبر الخبير العسكري اللبناني، العميد الياس فرحات، أنه من بين الأسباب الحقيقية وراء الهجوم الأخير على مطار تيفور العسكري، عدم قبول تل أبيب بهزيمة تنظيم القاعدة وجبهة النصرة في سوريا وانتصار جيش النظام السوري، ومحاولة “إسرائيل” منع عودة الجيش السوري إلى جميع أراضي البلاد.
وتبدو “إسرائيل” متماهية بشكل كامل مع التنظيمات الإرهابية من “داعش” و”القاعدة” في سوريا، وإينما يقصروا في ضرب سوريا والمدنيين تأتي لقصف مواقع لجيش النظام والحلفاء بغية تمهيد الأرض لتقدم العناصر الإرهابية مرة أخرى، ومنع النظام سلطة السوري من العودة إلى السيطرةعلى كافة أراضي الدولة.
وهناك اتصالات عسكرية إسرائيلية مع القيادات في “داعش” و”القاعدة” في تلك المناطق، فقد سبق لها علاج أكثر من 2000 جريح في مستشفياتها من تنظيم القاعدة، هذا يعني أن هناك اتصالاً علنياً بين قيادة لتنظيم القاعدة وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، ولا يعتبر الموضوع سرياً.
أن الإقرار الروسي بالتواجد العسكري الإيراني في سوريا عجل من الجهود الإسرائيلية لمواجهة الوجود الإيراني
المخاوف من نتائج اجتماع أنقرة
يأتي العدوان الإسرائيلي على سوريا بعد اتفاقات الدول الثلاث (تركيا وروسيا وإيران) الضامنة في أنقرة” في قمة تناولت ترتيبات تقاسم السلطة والنفوذ في سوريا.
وبدا هناك خيبة أمل إسرائيلية من نتائج الاجتماع؛ لأن طهران تلقت دعماً لاستمرار جهودها في سوريا، بما في ذلك استمرار العمل على المواقع القريبة من الحدود الإسرائيلية.
يضاف إلى ذلك أن الإقرار الروسي بالتواجد العسكري الإيراني في سوريا عجل من الجهود الإسرائيلية لمواجهة الوجود الإيراني، الأمر الذي أكده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، بدعم من رئيس أجهزة الأمن الإسرائيلية.
بين المرّ والأمرّ منه.. الأسد رجل تل أبيب في دمشق
رغم الهجمات المتكررة التي تشنها “إسرائيل” ثمة اتفاق بين عدد من الباحثين والمراقبين في “إسرائيل” على أن تل أبيب تفضل بقاء نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا لاعتبارات جيوستراتيجية، تتعلق بالبدائل الإسلامية المطروحة.
وفي حين تبدو “إسرائيل” مستاءة من تحالف سوريا مع إيران ومن دعمها لحزب الله في لبنان، لكنها تخشى من حصول تطورات إستراتيجية في غير صالحها جراء رحيل الأسد، أبرزها سطوة المنظمات الجهادية.
ويبدو التناقض جليًا حين ترى النخبة السياسية في تل أبيب في نظام الأسد جزءًا من “محور الشرّ”، فيما تخشى المؤسسة الأمنية من حالة فوضى أمنية قد تحدث نتيجة سقوطه وما سيتبع ذلك من تولي جهات إسلامية راديكالية سدة الحكم مكانه.
منذ أربعين عامًا تعني “إسرائيل” باستمرار حالة الاستقرار السائدة على حدودها مع سوريا بفضل سياسات عائلة الأسد الحاكمة، فهي “تحالف ذيلي وظيفي” منذ عهد الرئيس حافظ الأسد ووريثه ابنه بشار.
يؤكد ذلك ما قاله رئيس الجناح السياسي الأمني في وزارة الدفاع، عاموس جلعاد، في مؤتمر هرتزليا الأمني العام الماضي، إن سقوط الأسد سيفضي لكارثة على “إسرائيل” نتيجة تشكّل “إمبراطورية إسلامية” في الشرق الأوسط يقودها الإخوان المسلمون في مصر والأردن وسوريا.
ومع زيادة عدد المنظمات الجهادية وكثرة أتباعها وتنامي طموحاتها ووسائل القتال التي بحوزتها، تمثل تحدياً كبيراً للمؤسسة الأمنية في “إسرائيل” ويدفعها لتفضيل بقاء الأسد في الحكم، لا سيما أنه معروف لديها.
ومنذ أربعين عامًا تعني “إسرائيل” باستمرار حالة الاستقرار السائدة على حدودها مع سوريا بفضل سياسات عائلة الأسد الحاكمة، فهي “تحالف ذيلي وظيفي” منذ عهد الرئيس حافظ الأسد ووريثه ابنه بشار.
وسبق أن قال الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي أفرايم هاليفي إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وإن “إسرائيل” تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أن هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في عام 1974.