ترجمة حفصة جودة
في تقرير نشرته الأمم المتحدة يوم الثلاثاء قالت فيه إن الجماعات المسلحة في ليبيا تحتجز آلاف المدنيين من خلال الاعتقال التعسفي والعديد منهم يتعرضون للتعذيب، وأضاف التقرير الذي نشره مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الحكومة الليبية فشلت في التصدي بفاعلية لأشكال الإساءة المختلفة في المعتقلات، رغم الحديث المستمر عن تلك القضية بواسطة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا “UNSMIL”.
يقول أحمد جاتناش المؤسس المشارك لمؤسسة الكواكبي – وهي مؤسسة فكرية تعمل على تعزيز قيم الليبرالية في العالم الإسلامي -: “انتشار التعذيب دلالة على ثقافة عدم احترام الحقوق الأساسية التي ترسخت خلال عقود طويلة للحكام السلطويين”.
كان رئيس المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين قد أدان الانتهاكات المروعة التي يتعرض لها المعتقلون، وكان العديد من المعتقلين قد تعرضوا للاعتقال في أثناء الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 وما أعقب ذلك من احتجاجات واسعة، وما زال الكثير منهم محتجزون حتى اليوم دون توجيه تهم أو محاكمة.
#Libya: Urgent action needed to end the “widespread, prolonged, arbitrary & unlawful detention and endemic human rights abuses in custody”. Failure to act will be detrimental to any stabilization, peacebuilding & reconciliation efforts https://t.co/I1tffwezXF pic.twitter.com/YNc5qQtxTy
— UN Human Rights (@UNHumanRights) April 10, 2018
يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء الاعتقال التعسفي وانتهاك حقوق الإنسان
قدرت السجون الرسمية المدعومة من الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي أنها تحتجز نحو 6500 معتقل، مع وجود آلاف آخرين في منشآت أخرى بعضها يخضع لسلطة وزارة الداخلية وبعضها يُدار كاملاً بواسطة الميليشيات.
تشكلت حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة عام 2016 بموجب الاتفاق السياسي الليبي وكانت تسيطر على الجزء الشمالي الغربي من البلاد في ذلك الوقت، وبينما اعترف المجتمع الدولي بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني كممثل شرعي للبلاد، إلا أن حكومة الوفاق الوطني تحالفت مع الميليشيات المسلحة التي تشكلت بعد سقوط القذافي.
هناك مركز احتجاز في طرابلس يقع في قاعدة المعيتيقة الجوية التي تعد المطار المدني الوحيد في العاصمة، وتدير قوات الردع الخاصة “رادا” هذا المكان، وهي جماعة مسلحة موالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وتعد المنشأة من أكبر الأماكن في طرابلس ويُحتجز داخلها نحو 2600 معتقل حسبما أعلن مكتب النائب العام في نوفمبر الماضي.
كانت شعبة سلطة القانون والعدالة الانتقالية التابعة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد وجدت أن المعتقلين في المعيتيقة ينقسمون إلى 3 فئات: هناك من هم متهمون بجرائم عادية مثل السرقة والمخدرات والدعارة، وهناك متهمون في جرائم تتعلق بالإرهاب، وأخيرًا هناك الشباب والأحداث الذين أرسلهم أولياء أمورهم لأغراض تأديبية.
ما تفعله الميليشيات لا يختلف كثيرًا عن تصرفات القذافي قبلهم
تتبع “رادا” اسميًا وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة، ويقول جانتاش إن رادا تستخدم نفس أساليب التعذيب التي كانت موجودة في عصر القذافي، ويضيف: “في هذا الشأن ما تفعله الميليشيات لا يختلف كثيرًا عن تصرفات القذافي قبلهم، والفرق أنهم أقل قدرة على إخفاء الأمر عن الوعي العام”.
كانت الاشتباكات قد اندلعت في بداية العام في مطار المعيتيقة فيما عُرف بمحاولة إطلاق سراح المعتقلين، وقال شعبان عمراني – باحث حكومي سابق تحدث مع المسلحين الذين استهدفوا المطار -: “هؤلاء المسلحون يرغبون في إطلاق سراح المعتقلين الذي تحتجزهم “رادا”، فرادا تختطف الناس وتحتجز مديري البنوك، وهؤلاء الناس سيموتون نتيجة التعذيب الذي سيواجهونه”.
تتشكل جماعة “رادا” بشكل كبير من المداخلة – نسبة إلى الشيخ السعودي المتعصب ربيع المدخلي – ويقول المحللون إن المداخلة ينقسمون إلى جزئين؛ بعضهم موالي للحكومة الرسمية مثل “رادا” وبعضهم موالٍ للجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
يرأس حفتر الجيش الوطني الليبي ويتحالف مع مجلس النواب الليبي في شرق ليبيا، عندما أطلق حفتر حملته بعنوان “يوم الكرامة” عام 2014 من أجل قمع المسلحين في بنغازي؛ أصدر المداخلة فتوى بدعم حملته، ومنذ ذلك الحين اتُهم حفتر بارتكاب جرائم حرب، وكان المداخلة مسموح لهم بالعمل تحت حكم القذافي نظرًا لدعوتهم بوجوب إطاعة الحاكم والسلطة.
النساء في السجون الليبية
قال تقرير الأمم المتحدة إن النساء في سجون ليبيا أكثر عرضة للعنف والانتهاكات الجنسية، ويخضعن للاحتجاز دون حارسات من النساء ولأسباب تعسفية، وغالبًا ما يتم احتجاز النساء وحرمانهن من حقوقهن بشكل غير قانوني بسبب الانتماء العائلي أو كجزء من عملية لتبادل السجناء، وقال تقرير الأمم المتحدة: “وثقت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حالات تعذيب وإساءة معاملة للنساء تتضمن الضرب والجلد وسحب الشعر والإهانات والتهديدات الجنسية في المعيتيقة وفي مراكز احتجاز أخرى تابعة لسيطرة وزارة الداخلية”.
يتم احتجاز الأطفال مع البالغين في تلك الظروف المزرية للغاية
وأضاف التقرير أن النساء في بعض مراكز الاحتجاز يُجبرن على التجرد من ملابسهن من أجل التفتيش الذاتي الذي قد يجريه الحراس الذكور أو حارسات من النساء تحت إشراف مسؤولين من الذكور، وقالت إحدى النساء التي تعرضت للاحتجاز في المعيتيقة لعدة أيام إنها خضعت للتفتيش العاري بواسطة معتقلة أخرى تحت مراقبة الحراس الذكور، وعندما احتجت على ذلك تعرضت للضرب والتحرش الجنسي، وتعرضت بعض المهاجرات أيضًا للاعتقال في أثناء غارات قامت بها قوات “رادا” في طرابلس، وقد أكدن جميعًا حدوث تلك الانتهاكات في المعيتيقة.
التعذيب حتى الموت
أثار التقرير مخاوف بشأن المعايير في أماكن الاحتجاز وقال إنها لا ترقى حتى للحد الأدني من المعايير الدولية لمعاملة السجناء، وقال إن المعتقلين بواسطة الجماعات المسلحة وحتى تلك الخاضعة لرقابة الدولة لا يتم إبلاغهم بحقوهم فضلًا عن حصولهم عليها.
وأضاف التقرير أن سوء المعاملة يتضمن حشر المعتقلين في زنازين صغيرة ضعيفة الإضاءة، والحبس الانفرادي لفترات طويلة في زنازين صغيرة للغاية لا تسمح حتى للمعتقل بفرد رجليه، وبالإضافة إلى تلك المعايير المخالفة للقانون الدولي، يتم احتجاز الأطفال مع البالغين في تلك الظروف المزرية للغاية.
تشمل أساليب التعذيب الضرب بأدوات مختلفة مثل القضبان المعدنية وخراطيم المياه والجلد على باطن القدمين، والتعليق كالذبيحة والحرق بالسجائر والقضبان الساخنة والتعرض لصدمات كهربائية، ووثق التقرير بعض الحالات التي تعرضت للتعذيب حتى الموت؛ فقد استدعت إحدى الجماعات المسلحة رجلًا في الخمسينيات من عمره من أجل الاستجواب ووُجد مقتولاً بعد 4 أيام.
من المتوقع أن تجري ليبيا انتخابات هذا العام، لكن الخبراء أعربوا عن شكوكهم بشأن استعداد البلاد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في تلك الظروف غير المستقرة، وفي مارس قالت هيومن رايتس ووتش إنه من الأفضل أن تؤجل ليبيا إجراء الانتخابات هذا العام لشدة العنف في البلاد ولن تتمكن السلطات من ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
المصدر: ميدل إيست آي