فرضت أحداث غزة فصلًا جديدًا في السياسة اللبنانية، حيث عكست تحولات دراماتيكية واستراتيجية في العلاقات الداخلية والتحالفات بين فريقين أصبحا متعاونين بعدما كانا في طرفين متناقضين. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تقاربًا غير مسبوق بين “حزب الله” والجماعة الإسلامية، بعد سنوات من الخصومة والخلافات العقائدية والسياسية.
هذا التقارب والمنعطف في التفاعل بين الطرفين أثار تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التحول، خاصة مع توجّههما نحو مزيد من التواصل والتعاون في المرحلة المقبلة، متجاوزَين العديد من الإشكالات والخلافات.
وبينما تعد الجماعة الإسلامية أن التحالف مع “حزب الله” يأتي في سياق “مشروع إنساني إسلامي مشترك لنصرة المظلوم ومساندة أهالي غزة”، يرى آخرون أن هذا التحالف يمثل محاولة استراتيجية من “حزب الله” لاختراق المجتمع السنّي والحصول على غطاء غير شيعي، مما يعزز من نفوذه في الساحة اللبنانية المتغيرة مع تراجع تحالفه مع الطرف المسيحي.
في هذا الملف، نحاول توصيف العلاقة بين الجماعة الإسلامية و”حزب الله” من خلال تقسيمها إلى مرحلتَين: مرحلة القطيعة ومرحلة التعاون، إلى جانب استعراض أهداف كل طرف من هذا التقارب ودور حركة “حماس” الفلسطينية في الوساطة وتعزيز هذه العلاقات.
نشأة الجماعة
تعود نشأة الجماعة الإسلامية في لبنان إلى بدايات خمسينيات القرن الماضي، عندما نمت الحركة الإسلامية في العالم العربي وأصبحت تشكّل تيارًا فكريًا وسياسيًا واضحًا، مما انعكس على المشهد السياسي في لبنان.
وكجزء من هذا التيار الإسلامي الأوسع، المتأثر بكتابات وأفكار قادة إسلاميين مثل مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، والمراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي، تأسست جماعة عباد الرحمن في بيروت عام 1950 على يد محمد عمر الداعوق ومجموعة من الشباب في طرابلس، كان أبرزهم الداعية فتحي يكن الذي ينحدر من أصول تركية.
في عام 1956، تأسس أول مركز لجماعة عباد الرحمن في طرابلس، والذي تميز بإصدار مواقف سياسية من القضايا اللبنانية والإقليمية والدولية، بينما اكتفت الجماعة في بيروت بدور اجتماعي. أدى هذا التباين إلى استقلال العمل الإسلامي في الشمال عن جماعة عباد الرحمن في بداية الستينيات، وتشكيل جماعة جديدة.
في عام 1964، تأسست الجماعة الإسلامية بشكل رسمي على يد الشيخَين فيصل مولوي وفتحي يكن، وافتتحت مركزها في بيروت، وحصلت على موافقة وزارة الداخلية ليصبح يكن أول أمين عام لها. تلا ذلك إصدار الجماعة لمجلة “الشهاب” الإسلامية في العام نفسه، والتي كانت منبرًا لنشر الفكر الإسلامي والترويج لأهداف الجماعة.
بدأت الجماعة بالعمل على تحقيق أهدافها، والتي تمثلت في “تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس نقية صافية متصلة بالعصر ومشكلاته”، و”تنظيم الذين استجابوا للدعوة إلى الإسلام وتثقيفهم به وتأهيلهم ليكونوا الطليعة”، و”مواجهة تحدي الحضارة الغربية”، و”السعي إلى بناء مجتمع جديد يكون الإسلام فيه هو الميزان بتصرفات الأفراد”، و”السعي لجمع شمل المذاهب الإسلامية بالرجوع إلى الأصول الإسلامية”.
مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، شكلت الجماعة تنظيم “المجاهدون” للدفاع عن المناطق السنّية في طرابلس والشمال وبيروت وصيدا، وبعد انتهاء الحرب سلّمت الجماعة مراكزها وأسلحتها الثقيلة لقوات الردع العربية.
خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، برزت “قوات الفجر” كجناح عسكري للجماعة الإسلامية، أسّسها جمال حبال مع مجموعة من الشباب في صيدا، قبل مقتله مع زملائه بعد مواجهة كبيرة مع وحدة من لواء غولاني الإسرائيلي عام 1983 في صيدا، ولعبت دورًا في تحرير القسم الأكبر من لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، وفق تصريح لأمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ محمد طقوش.
سياسيًا، حققت الجماعة انتصارًا كبيرًا في انتخابات 1992 النيابية بفوز 3 نواب: أمينها فتحي يكن في طرابلس، وزهير العبيدي في بيروت، وأسعد هرموش في قضاء الضنية. لكن مع بروز تيار رفيق الحريري على الساحة السنّية في لبنان، تراجع تمثيل الجماعة في مجلس النواب، حيث حصلت على مقعد واحد في انتخابات 1996، قبل أن ينتهي دورها النيابي في انتخابات 2000، لتعود بنائب واحد في انتخابات 2009 هو عماد الحوت.
مرحلة القطيعة
في 28 يونيو/ حزيران الماضي، التقى أمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان، محمد طقوش، مع الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في لقاء وُصف بأنه “استراتيجي” بين الطرفين، وأنه “يؤسس لعلاقة جديدة أبعد من التنسيق الميداني والعمل المقاوم الذي يجمعهما في جنوب لبنان”، حسبما أفاد مصدر مقرب جدًّا من الحزب لصحيفة “الشرق الأوسط“، مؤكدًا أن “أهم ما في العلاقة المستجدّة أنها أزالت التباين الذي كان قائمًا بين الطرفين إبّان الحرب السورية”.
فتح لقاء طقوش-نصر الله باب التحليلات حول أهداف كل طرف من التقارب، خاصة في ظل الخلافات السابقة التي وصلت في بعض الأحيان إلى حدّ القطيعة السياسية.
ويمكن تقسيم العلاقة بين الجماعة والحزب إلى مرحلتين: المرحلة الأولى شهدت مدًّا وجزرًا، تجسدت في توترات وتحالفات متباينة على مدار السنوات الماضية، ومرحلة التعاون والتقارب بعد انتخابات الجماعة في عام 2022.
تعود المرحلة الأولى إلى اغتيال الزعيم السنّي رفيق الحريري عام 2005 واتهام “حزب الله” بالوقوف وراء العملية، ونتيجة لذلك أصبحت الجماعة في صلب المعسكر السياسي المناهض للحزب، رغم وقوفها موقف المحايد من تحالفي 8 آذار و14 آذار المعارضَين.
وصف الأمين العام السابق للجماعة، عزام الأيوبي، العلاقة مع الحزب في مقابلة مع “الجزيرة” عام 2014، قائلًا: “جمعتنا مع الحزب مواجهة الكيان الإسرائيلي، لكن للأسف الشديد الأمور تراجعت بشكل كبير عندما تغيرت الأمور على مستوى السياسة الداخلية، وعندما بدأ الحزب استثمار القوى التي نمت من أجل مواجهة العدو الإسرائيلي سياسيًا في الساحة اللبنانية، وحاول من خلالها أن يفرض وجهة نظر محددة على جميع الفرقاء في الساحة اللبنانية”.
بدأت وجهات النظر بين “حزب الله” والجماعة الإسلامية تتباعد تدريجيًا، بعد أن قدّم الأمين العام الأسبق للجماعة، فيصل المولوي، رؤية استراتيجية بعد حرب تموز عام 2006، تضمنت “تشريع المقاومة لتضم كل الطوائف اللبنانية وترعاها الدولة اللبنانية”.
واقترح اعتماد النموذج السويسري في الاستراتيجية الدفاعية، من خلال تسليم سلاح فردي لكل المواطنين بعد أدائهم الخدمة الإلزامية وتأهيلهم سنويًا، مشيرًا إلى أنه “يمكن حصر ذلك في الجنوب اللبناني على الأقل ليشكّلوا قوة مقاومة يشرف عليها الجيش اللبناني، وتكون مهمتها دفاعية إذا تعرضت المنطقة لأي عدوان”.
زادت العلاقات توترًا مع أحداث 7 أيار/ مايو 2008 وهجوم “حزب الله” على بيروت، حينها أدركت الجماعة الإسلامية أن “المقاومة طُعنت من داخل بيتها، وأن سلاح المقاومة أصبح سلاح اختلاف وانقسام في الساحة اللبنانية، ولم يعد سلاح إجماع بين كل المكونات اللبنانية”، حسبما ذكر عزام الأيوبي، الذي أكد أن العلاقة ازدادت سوءًا بعد دخول “حزب الله” بشكل مباشر في الحرب إلى جانب نظام الأسد.
ورغم توتر العلاقة في بعض الأوقات، فإن “العلاقة مع الحزب لم تنقطع في يوم من الأيام وبقيت بعض القنوات واللقاءات”، حسب ما قاله المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الشمال، سعيد العويك، لـ”نون بوست”.
واسطة حماس
في عام 2021 بدأت مرحلة مختلفة في العلاقة، بعد تولي حركة حماس مهمة التوسط في الصلح بين الطرفين، حيث تدخل رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، لكسر الجمود وبناء جسور التواصل، وتمكّن من عقد لقاء بين نصر الله وعزام الأيوبي، في محاولة لإعادة الثقة والتفاهم بين الجانبين.
وأسهم هنية في “تزخيم وتيرة اللقاءات بين الجانبين، ورفع مستوى التمثيل القيادي في هذه الاجتماعات، لاقتناعه بأن المرحلة تقتضي رصّ الصفوف”، حسب ما كشف مصدر لصحيفة “الأخبار” المقربة من “حزب الله”.
من جانبه، أكد سعيد العويك الدور الذي لعبته حركة “حماس” بين الجماعة و”حزب الله”، في عقد بعض اللقاءات بين الأمين العام السابق للجماعة ونصر الله أكثر من مرة، مشيرًا إلى أن الأجواء كانت تسير نحو التفاهم من قبل الطرفين.
هذا التفاهم والتصالح بين الأطراف الثلاثة، أثمر عن صعود التيار المحسوب على حماس و”حزب الله” في انتخابات مجلس شورى الجماعة الإسلامية عام 2022، وفوز الشيخ محمد طقوش بمنصب الأمانة العامة خلفًا للأيوبي، حسب ما كشفته صحيفة “المدن“.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من الجماعة الإسلامية أن “محمد طقوش، الذي يعتبر من الجيل الرابع داخل التنظيم اللبناني، يعمل موظفًا متفرغًا في أحد أجهزة حركة حماس، وجرى طرحه بمشاورات مشتركة بين حزب الله وحماس”، كما أن اختياره أتى بتنسيق كامل بين أجهزة أمن الأطراف الثلاثة.
وحسب المصدر، فإن “طقوش، والذي عمل لسنوات أستاذًا للتربية الدينية في مدارس الجماعة في بيروت، بالإضافة للإمامة في بعض المساجد، كان قد تولى في المرحلة التنظيمية 2012-2015 مسؤولية رئاسة مكتب بيروت في الجماعة، وشهد عهده استقالات جماعية لمجموعة شبابية، على خلفية عدم اندفاعه للعمل لصالح الثورة السورية بكونه مقربًا من خط حزب الله”.
وفي أول إطلالة لطقوش، اعتبر أن العلاقة مع “حزب الله” شابها مدّ وجزر لكنها لم تنقطع يومًا وإن انخفض منسوبها، مؤكدًا أن الجماعة تتفق مع “حزب الله في كثير من الملفات من بينها محاربة العدو الإسرائيلي، ونختلف معه في أمور أخرى. نحن وحزب الله نشبه بعضنا في كثير من الأمور. ورغم فائض القوة الذي يملكه، هناك ما يؤرقه كما يؤرقنا وهي الفتنة السنّية-الشيعية”.
وقال طقوش إن “البعض يصوّر أن الجماعة انتقلت من الضفة التركية التي يمثلها الأمين العام السابق الشيخ عزام الأيوبي، إلى الضفة الإيرانية التي أمثّلها أنا”.
وأضاف: “أنا والأيوبي واحد. لسنا مع تركيا ولا مع إيران ولا مع قطر، نحن حزب لبناني مستقل يتّخذ قراراته بحسب المصلحة الداخلية، وفي الوقت عينه ننتمي فكريًا إلى جماعة الإخوان التي ينتمي إليها ملايين المسلمين، ولكن لا دولة أو تنظيم أو حزب يُمكن أن يُملي علينا قراراتنا”.
غزة.. نقطة التحول
نقطة التحول في العلاقة كانت عملية “طوفان الأقصى” في غزة التي قرّبت المسافة بينهما وسرّعت من وتيرة التنسيق بين الجماعة و”حزب الله”، بعد انخراط “قوات الفجر”، التي تعتبر الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، في العمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي.
وبعد سنوات من الانقطاع عاد اسم “قوات الفجر” إلى التداول في الإعلام اللبناني خلال الأشهر الماضية، عبر تنفيذها عمليات عسكرية وتوجيه ضربات صاروخية ضد المواقع الإسرائيلية على الحدود اللبنانية، قابله استهداف “إسرائيل” لعدد من قادة وعناصر الجماعة ما أدى إلى مقتل بعضهم.
وحسب ما صرح به قيادي في الجماعة لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، فإن “الجماعة تنسق ميدانيًا مع حماس وحزب الله في جنوب لبنان”، معتبرًا أنهما “أصبحا اليوم في الخندق نفسه على صعيد الملف الفلسطيني”.
إلا أن الأمين العام للجماعة محمد طقوش نفى تنسيق العمليات مع الحزب، وقال إن “العمليات التي نفّذتها قوات الفجر في الجنوب كانت من دون تنسيق مع حزب الله، لكن التواصل على مستوى المسؤولين والعناصر في الساحة الجنوبية موجود ويرتفع منسوبه شيئًا فشيئًا، ومهمته تحديد الأهداف وإيلام العدو”، مؤكدًا أن قادة حماس “ينسقون مع حزب الله، كما ينسقون معنا، على مستوى المعلومات وتقاطعها”.
ويقدّر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى عدد “قوات الفجر” بحوالي 500 مقاتل فقط، في حين يؤكد المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في الشمال، سعيد العويك، لـ”نون بوست” أن “الجماعة لا تمتلك القدرات ولا الإمكانات الضاغطة، لكن تستطيع أن تقول كلمة وتقف موقفًا تجاه ما يجري في غزة”.
ويرى محللون أن “قوات الفجر” غير قادرة على القتال في الجنوب اللبناني أو إطلاق الصواريخ دون موافقة “حزب الله”، وحسب ما قاله المحلل السياسي أمين بشير لـ”نون بوست”، فإن “حزب الله هو من وفّر الدعم اللوجستي والعسكري لقوات الفجر التي استفاقت من الموت السريري وزودها بالصواريخ، كون الجماعة ليس لديها هذه الإمكانات في الحصول على الأسلحة”.
استعادة الشعبية
أثار التقارب بين “حزب الله” والجماعة الإسلامية العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التحالف الجديد، خاصة أن التقارب مع الحزب يعني التقارب مع ما يُسمّى “محور الممانعة” الذي تقوده طهران.
وبينما يرى البعض أن “حزب الله” يسعى من خلال هذا التقارب إلى تحقيق اختراق استراتيجي في المجتمع السنّي اللبناني، في وقت يعاني فيه الحزب من تراجع الدعم من بعض حلفائه التقليديين، ما يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة تعزز موقفه الداخلي والإقليمي، يعتبر البعض الآخر أن هذا التقارب هو جزء من مشروع إسلامي مشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والداخلية.
وفي ظل وجود أجندة خاصة يسعى كل طرف إلى تحقيقها من خلال هذا التقارب، يرى المحلل السياسي أمين بشير أن “العنوان العريض لتحركات الجماعة الإسلامية هو البقاء مع الطرف القوي لتحقيق أهدافها. فمنذ التواجد السوري في لبنان، تحالفت الجماعة مع السوريين، ثم انحازت إلى تيار المستقبل الذي كان القوة المؤثرة التي مكّنتهم من الوصول إلى السلطة”.
بحسب بشير، فإنه بعد انسحاب تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري من الساحة السياسية، أصبح “حزب الله” القوة الرئيسية فيها، فعادت الجماعة للالتحاق به، متماشية مع التحولات في ميزان القوى لضمان تحقيق مصالحها وأهدافها السياسية.
وأشار إلى أنه رغم التقارب بين الطرفين خلال السنوات الماضية، إلا أن الجماعة حاولت عدم إظهار هذا التعاون بشكل مباشر بسبب حساسيات الشارع السنّي تجاه “حزب الله”، ولتجنب خسارة تأييده. لكن بعد حرب غزة، بدأت الجماعة الإسلامية تظهر تعاونها بشكل أكثر علانية، وتفتخر بقضيتها الإسلامية وقضية فلسطين التي تحمل لواءها بالتعاون مع “حزب الله”، وفقًا لتصريحاتها.
وتسعى الجماعة الإسلامية إلى استعادة شعبيتها وجمهورها في المناطق السنّية، خاصة في ظل الفراغ الذي تركه غياب تيار المستقبل، وفقًا لبشير، الذي اعتبر أن حرب غزة أدت إلى تعاطف كبير مع الجماعة في الشارع السنّي، مع وجود نظرة جديدة تجاهها بأن لديها بنية تنظيمية ومؤسساتية قوية وكوادر فعّالة، ما عزز من موقفها أمام الرأي العام.
بدوره أكد المسؤول السياسي في الشمال، سعيد العويك، أن الجماعة الإسلامية منتشرة في كل المناطق السنّية من الشمال إلى الجنوب، لكن تأثيرها ضئيل وليس بالفاعلية المطلوبة، والسبب يعود إلى عدم رغبة الدول المحيطة، الإقليمية والعربية، وربما الإسلامية أيضًا، في تصدير الموقف الإسلامي.
وقال العويك إن “الإسلام السياسي في الدول محل حذر وملاحقة وتخوف”، مضيفًا أن الجماعة الإسلامية تواجه تضييقًا كبيرًا سواء من حيث الموارد أو المواقف أو تحقيق بعض المناصب، سواء كانت سياسية أو إدارية في لبنان.
اختراق المجتمع السنّي؟
وإلى جانب أهداف الجماعة الإسلامية، يسعى “حزب الله” إلى تحقيق عدة أهداف من خلال هذا التقارب، خاصة في ظل محاولاته المتكررة بالتغلغل داخل المجتمع السنّي اللبناني على مدى السنوات الماضية، أبرزها كانت في إنشاء ما يسمّى “سرايا المقاومة” في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بهدف استقطاب مقاتلين من طوائف أخرى غير شيعية.
لكن هذه الخطوة فشلت، حسب المحلل العسكري والاستراتيجي ناجي ملاعب، الذي أكّد أن الخطوة لم تحظَ بعناصر من النخبة أو العائلات السنّية، وكانت منفعة ذاتية ليس أكثر.
ويرى ملاعب في حديثه لـ”نون بوست” أن الحزب يحاول تجنيد الشارع السنّي لصالحه، حتى لا يقال إن المقاومة الإسلامية في لبنان هي فقط شيعية، معتبرًا أن الجماعة الإسلامية عندما فقدت الدعم من دول الخليج بدأ “حزب الله” بالاستثمار بها مستفيدًا من التشرذم السنّي.
كما يسعى الحزب إلى الحصول على غطاء سنّي يحرره من الغطاء المسيحي. ووفقًا للمحل أمين بشير، فإن “حزب الله” سعى إلى الحصول على غطاء مسيحي، ودفع الكثير لتحقيق هذا الغطاء من خلال تحالفه مع التيار الوطني الحر ومنح النفوذ والسلطة لرئيس الجمهورية ميشال عون، لتحقيق الغطاء الشرعي من طرف مسيحي.
لكن التباعد والخلافات المتكررة بدأت بينه وبين التيار الوطني الحر ووصلت إلى حد القطيعة بسبب وجود البديل السنّي، حسب بشير، الذي اعتبر أن الحزب بحاجة إلى حليف في لبنان والحصول على شرعية من طرف سنّي يعتبر أكثر فاعلية من الحصول على شرعية مسيحية، وأفضل وأقرب له من الحليف المسيحي.
وحسب معهد واشنطن، فإن “الشارع السنّي في لبنان مكشوف جدًّا في الوقت الراهن، خاصةً في الشمال الفقير”، وأن “حزب الله يحرص الآن على استغلال ضعف الشارع السنّي من أجل الحصول على غطاء غير شيعي، بعد ضعف حليفه المسيحي جبران باسيل في انتخابات 2022”.
بدوره، نفى المسؤول السياسي سليم العويك أن تكون الجماعة الإسلامية ضمن محور المقاومة أو الممانعة، مؤكدًا أن “العلاقة مع كل الفرقاء في لبنان علاقة أخذ وردّ وتجاذب، نلتقي على بعض القضايا ونختلف على قضايا أخرى وهذا الأمر طبيعي في السياسة اللبنانية”، مشيرًا إلى أن “حزب الله” يعد اليوم الفريق الأقوى في لبنان من حيث العدد والحضور السياسي.
وأكّد العويك أن هدف الجماعة تكوين صداقات مع كل الفرقاء في لبنان، لكن ضمن الاحتفاظ بخصوصيتها وعدم التعدي على حرماتها وعلى المسلمين.
وفيما يتعلق باتخاذ “حزب الله” الجماعة الإسلامية مطية لاختراق المجتمع السنّي، قال العويك إن تطلع “حزب الله للحصول على شركاء في الوطن، سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، وأن يشد عضده بطوائف أخرى، هو تطلع مشروع يجعله مقبولًا على الساحة، مثلما هو تطلع مشروع بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى أي فصيل أن يكون له أصدقاء ويكون له معاونون”.
وأضاف أن “القوة والجرأة تكمن في عدم تحقيق هذا الهدف لحزب الله، فإذا كان الحزب يريد أن يتخذ الجماعة مطية لتحقيق أهدافه السياسية والتوسعية أو الهيمنة على الساحة اللبنانية، هنا الشجاعة تكمن ألا نساعده على هذا الموضوع”.
وأشار العويك إلى أن “سعي حزب الله لتحقيق هذه الأهداف طبيعي جدًّا وهذا حقه، كما أنه من حقنا الطبيعي أن نسعى للتوسع وتكوين أصدقاء في كل مكان”، لافتًا إلى أن “الجماعة تحافظ على علاقاتها مع جميع الأطراف اللبنانية، وتقول للحزب حين يحسن أحسنت، وحين يسيء نقول له أسأت، فلا نتخوف من هذا الأمر ولا نتردد”.
من جانبه، يؤكد الأمين العام محمد طقوش أن “العلاقة والتنسيق مع أي طرف من الأطراف اللبنانية السياسية، بما فيها حزب الله، محكومة بمقدار اقتراب وانسجام موقفنا من مواقفهم في الملفات المطروحة”.
كما يشدد أن الجماعة ليست في محور المقاومة، فهي منذ تأسيسها “لا تقبل بأن تضع نفسها في محور من المحاور، بل هي حرة مستقلة. تتفق مع بعض الأطراف في عناوين محددة وتختلف معهم في عناوين أخرى. ولذلك، هي تتفق مع إيران في عنوان المقاومة، لكنها قد تختلف معها في عناوين أخرى، وهذا لا يضرّ بالعلاقة معها”.
وتظل هذه العلاقات محط اهتمام وتحليل المراقبين السياسيين، إذ إن هذا التقارب يمكن أن يعيد تشكيل التوازنات السياسية في لبنان، ويؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي المستقبلي.
وفي خضم التقارب المتزايد بين “حزب الله” والجماعة الإسلامية، يظل السؤال المطروح: من يستغل من؟ هل يسعى “حزب الله” لاختراق المجتمع السنّي وتعزيز نفوذه عبر استخدام الجماعة كوسيلة لتحقيق أهدافه السياسية؟ أم أن الجماعة الإسلامية تستفيد من قوة “حزب الله” لتعزيز مكانتها واستعادة شعبيتها في ظل التغيرات السياسية في البلاد؟