بعد شهر مما عرف بـ”الأربعاء الأسود” الذي شهد مواجهات اندلعت بين محتجين في مدينة “جرادة” شرق المملكة وقوات الأمن في 14 من مارس/آذار الماضي، وخلفت مصابين في الجانبين، نتيجة منع السلطات الاحتجاجات، عادت سلطات المغرب مجددًا إلى المدينة تحت راية “الحوار”.
أوضاع المدينة
جلسة الحوار المبرمجة لليوم في مقر المحافظة بين السلطات المحلية وعدد من نشطاء الحراك، من المنتظر أن تتطرق إلى الوضع العام في المدينة وملف المعتقلين الذين أوقفهم الأمن على خلفية الاحتجاجات، إضافة إلى مطالب السكان الاجتماعية والاقتصادية.
وبدأت احتجاجات ساكني “جرادة” نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عقب مصرع اثنين من العاملين في المناجم غير القانونية إثر حادث في أثناء عملهم، إذ خرج الآلاف إلى الشوارع في مظاهرات تندد بما وصفوه بـ”التهميش” الذي تعاني منه منطقتهم.
ويطالب ساكنو المدينة بالتنمية الاقتصادية لمنطقتهم وبتحقيق مطالب العدالة الاجتماعية، إضافة إلى توفير بدائل حقيقية تمكنهم من شغل مناصب تضمن لهم الحد الأدنى من الكرامة، وأيضًا إعفائهم من أداء فواتير الماء والكهرباء كنوع من جبر الضرر الذي تتسبب فيه المحطات الحرارية الثلاثة الموجودة داخل المدينة (الرابعة قيد الإنشاء)، وتحسين ظروف التعليم والصحة بمدينة جرادة والقرى المجاورة لها.
يطالب المحتجون بجدولة زمنية واضحة لتنفيذ المشاريع المقترحة حتى لا تكون تلك الوعود مجرد كلام عام
أحد النشطاء الذين سيشاركون في جلسة الحوار يدعى محمد الفازيقي، قال للأناضول إن الساكنة (سكان جرادة) شكلت لجانًا على مستوى الأحياء، تضم 4 أشخاص من كل حي، وأضاف أن نشطاء اقترحوا قبل أيام مبادرة للوساطة بين السلطات والمحتجين، والسلطات تطالب بوقف الاحتجاجات مقابل تراجع رجال الأمن من الشوارع.
ورفض ممثلو حراك جرادة في الـ10 من شهر فبراير/شباط الماضي حضور لقاء مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في أثناء زيارته لمدينة وجدة القريبة من جرادة، مطالبين بزيارة وفد حكومي إلى المدينة التي قالوا إنها منكوبة.
وقبل ذلك زارت لجنة وزارية المنطقة في يناير/كانون الثاني الماضي، وعقدت لقاءات مع نشطاء الحراك مع تقديم وعود بإنقاذ المدينة من وضعية الهشاشة، وقدم مسؤول حكومي في لقاء مع نشطاء الحراك في فبراير/شباط الماضي ما وصفه بالبرنامج التنموي الاستعجالي ما بين 2018 و2020.
يضم هذا البرنامج، مجموعة من التدابير الآنية المتخذة والرامية إلى خلق نحو 1000 منصب شغل منها، 300 لفائدة عمال استخراج الفحم الحجري بطرق عشوائية مع إعطاء الأولوية لشباب الإقليم من حاملي الشواهد المهنية، فضلاً عن انطلاق أشغال توسعة المنطقة الاقتصادية لاحتضان بعض الوحدات الإنتاجية التي ستوفر نحو 1500 منصب شغل إضافي.
يطالب سكان المدينة ببديل اقتصادي
فضلاً عن ذلك، سطرت الحكومة برنامجًا يهدفخلق نحو 5000 منصب شغل مباشر يرتكز على القطاع الفلاحي، بتعبئة نحو 3000 هكتار من الأراضي السلالية وتخصيص 1000 هكتار منها لفائدة ذوي الحقوق و2000 هكتار لشباب الإقليم، مع إعادة تهيئة المدارات السقوية الحاليّة لفائدة مستغليها، بالإضافة إلى برمجة عدة تدخلات تهم 108 مشروعات في مجالات الطرق والتعليم والصحة والماء والكهرباء، وذلك في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالوسط القروي بغلاف مادي يناهز الـ500 مليون درهم ما بين 2018 و2023.
ويطالب المحتجون بجدولة زمنية واضحة لتنفيذ المشاريع المقترحة حتى لا تكون تلك الوعود “مجرد كلام عام”، فقد سبق أن فتحت السلطات الحكومية باب الحوار مع نشطاء الحراك الاجتماعي في باقي المدن والأقاليم المغربية التي تعاني التهميش، غير أن الحكومة لم تنفذ شيئًا.
أحكام بالسجن
تأتي جلسة الحوار اليوم بعد ساعات من إصدار المحكمة الابتدائية في مدينة “وجدة” أحكام بالسجن النافذ تراوحت بين 10 و18 شهرًا بحق ثلاثة نشطاء شاركوا في احتجاجات جرادة، وقضت المحكمة على الناشط أمين أمقلش بالسجن النافذ مدة عام ونصف العام، ومصطفى أدعنين 10 أشهر سجنًا نافذًا و500 درهم غرامة، وعزيز بودشيش عامًا واحدًا، وطارق العامري 6 أشهر نافذة.
وحُوكم النشطاء الأربع، بتهم مختلفة من ضمنها “إهانة موظفين عموميين في أثناء قيامهم بمهامهم والمشاركة في ارتكاب العنف في حقهم والعصيان ومقاومة أشغال أمرت بها السلطة العامة والاعتراض عليها بواسطة التجمهر والتهديد، والمشاركة في ذلك، ومحاولة تهريب شخص ومساعدته على الاختفاء والهروب، والقيادة تحت تأثير الكحول.
بداية شهر أبريل/نيسان الحاليّ، وجّه وزير الداخلية المغربي اتهامات مباشرة إلى ثلاث أطراف بالوقوف وراء إشعال الاحتجاجات وتأجيج الأوضاع في المدينة
وكان الناشطون قد أوقفوا منتصف مارس/آذار الماضي، مما حرك مجددًا المظاهرات الاحتجاجية بجرادة، ووصف حقوقيون ومحامون هذه الأحكام بأنها قاسية وقالوا إن السبب الحقيقي في اعتقالهم مشاركتهم في احتجاجات “حراك جرادة”، فيما ادعت السلطات من جانبها أن توقيف الأربعة لا علاقة له بحركة الاحتجاجات التي شهدتها المدينة.
وقال عبد الحق بنقادي المحامي بوجدة في شرق المغرب لرويترز “الأربعة تم اعتقالهم ظاهريًا بتهم قيادة سيارة في حالة سكر وإهانة موظفين واستعمال العنف والعصيان ومحاولة تهريب شخص مطلوب ومساعدته على الاختفاء، لكن في الحقيقة هم متابعون من أجل حراك جرادة واعتقلوهم من وسط مظاهرة في 10 مارس/آذار الماضي”.
وتابع قائلاً “الأحكام قاسية وغير منسجمة نهائيًا مع المتابعات،الحادثة لم يقع فيها خسائر، وعندنا حوادث سير مميتة لم يقع فيها اعتقال أشخاص”، وأضاف “المتابعة بقانون السير يكون فيها غرامات مالية وسجن موقوف التنفيذ وليست أحكامًا بالسجن النافذ”.
وفي بداية شهر أبريل/نيسان الحاليّ، وجّه وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت اتهامات مباشرة إلى كل من جماعة العدل والإحسان الإسلامية شبه المحظورة، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحزب النهج الديمقراطي، بالوقوف وراء إشعال الاحتجاجات وتأجيج الأوضاع في مدينة جرادة.
تهميش بعد ازدهار
منذ قرابة العقدين، مباشرة مع غلق المنجم الرئيسي للفحم التابع لشركة مفاحم المغرب سنة 2000، عرفت المدينة أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، شملت جميع القطاعات الخدماتية، سواء على مستوى التعليم أو الماء والكهرباء والصحة، ويعيش الناس وسط ظروف لا تخلو من البؤس والخصاصة، إذ لا موارد رزق لديهم، بعد أن كانت أغنى مدن المملكة في الجهة الشرقية، باعتبارها المنتج الأول لمادة الفحم الحجري، وهو ما جعلها تساهم في إنعاش الاقتصاد المغربي بنسبة كبيرة، قبل أن يتراجع دورها.
منجم فحم منهار
تمّ اكتشاف العلامات الأولى لوجود الفحم الحجري بهذه المنطقة سنة 1908 من قبل جيولوجي فرنسي يدعى لويس جونتيل، وفي سنة 1927 تمّ تحديد مكان حوض الفحم بالمدينة عقب دراسة علمية أعدّت في الغرض، وفي سنة 1936 بدأ استغلال المنجم بعد الانتهاء من الحفر، وبدأت المدينة عصرها الذهبي.
وحسب إحصاءات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن منطقة جرادة تتذيل الترتيب على مستوى جهة الشرق وأيضًا على المستوى الوطني في كل المجالات، من ذلك أن أفقر جماعة في المغرب موجودة بإقليم جرادة وهي جماعة الدغمانية، وبها أكبر عدد من الأرامل، وذلك يعود بالأساس إلى كون عمال المناجم يموتون في سن مبكرة بين الـ40 والـ45 سنة؛ بسبب الأمراض الناتجة عن الاشتغال داخل المناجم.