استبقت السلطات العراقية بدء مراسم إحياء عاشوراء الذي يحل في 10 محرم 1446 هجرية، ويصادف يوم 16 يوليو/تموز، حملة أمنية واسعة النطاق تستهدف حركة “العلي إلهية”، المعروفة أيضًا باسم “القربانيون”، والتي توسع انتشارها بشكل لافت جنوب العراق منذ عام 2020 وسط رفض شعبي لهذه الفئة المثيرة للجدل.
حملة أمنية كبيرة
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر أمني بمحافظة ذي قار، في 5 يوليو/تموز الجاري، عن انطلاق عملية كبيرة ضد أنصار جماعة القربان جنوب مدينة الناصرية مركز المحافظة، ونقلت وكالة شفق نيوز، عن مصدر أمني أن “القوات الأمنية شنت حملة كبيرة ضد أنصار جماعة القربان (العلاهية) في مناطق جنوبي ذي قار، وتحديدًا في قضاء سوق الشيوخ، واعتقلت أكثر من 10 أشخاص بينهم 5 من أصحاب المواكب الحسينية”.
وبحسب المصادر فإن حملة المداهمة والاعتقال جاءت وفق أوامر قضائية استندت إلى اعترافات أدلى بها رئيس الجماعة، والذي اعتقل بمحافظة الديوانية منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي.
وفيما يخضع المعتقلون إلى تحقيقات معمقة في أحد المراكز الأمنية المختصة، يرجح مراقبون أن تشهد الأيام المقبلة اعتقال المزيد من المنتمين لهذه الجماعة المتشددة.
وفي السياق ذاته أعلن الناطق الرسمي باسم جهاز الأمن الوطني، أرشد الحاكم، خلال إيجازه النصف سنوي في 29 يونيو/حزيران الماضي، عن أهم العمليات النوعية التي نفذها الجهاز خلال النصف الأول من 2024، بأنهم نجحوا في الكشف عن خلايا الجماعة وملاحقتها.
ونقلت كالة الأنباء العراقية (واع) عن الحاكم قوله: “جهاز الأمن الوطني تمكن من اختراق إحدى الحركات السلوكية المنحرفة التي تطلق على نفسها (القربانيين)، (أو العليُ اللهية) التي يقوم أفرادها بالترويج لأفكار منحرفة تتلخص بقيامهم بإجراء قرعة، ومن يقع عليه الاختيار يقوم بالانتحار شنقًا”.
وأوضح الناطق باسم جهاز الأمن الوطني أنه وبعد جهد استخباري وميداني جرى القبض على 31 متهمًا من أعضاء هذه الحركة، بعدما سُجلت أكثر من 5 حالات انتحار في محافظات البصرة وواسط والناصرية، ولا تزال التحقيقات جارية لمعرفة دوافع وخلفيات هذه القضية.
كانت وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية العراقية أعلنت في 24 مايو/أيار الماضي عن توقيف 4 أشخاص متهمين بالانضمام إلى ما تسمى “جماعة القربان” في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار.
وأوضحت وكالة الاستخبارات في بيان لها أنها ألقت القبض عليهم من خلال عملية استندت فيها إلى معلومات دقيقة، وفقًا لتوجيهات وزير الداخلية في متابعة الحركات والجماعات “المنحرفة”.
بدايات ظهورها
تعود بدايات ظهور هذه الجماعة إلى عام 2020 في موكب أطلقوا عليه اسم “عشق علي”، خلال الأيام العشر الأولى من شهر محرم، ورددوا شعارات منحرفة، منها “منو گال لعلي الله… علي خالق ألف الله”.
ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف إن ما يطلق عليهم “القربانيون” هم بطن من بطون “العلي إلهية” وهي حركة ليست بالجديدة والمستحدثة، بيد أن هناك حركات راديكالية متطرفة قامت بتأليه علي بن أبي طالب ومنحه صفة الربوبية، وهذا بالطبع خارج عن ملة الدين.
ويبيّن أبو رغف في حديثه لموقع “نون بوست” أن “طقوس هذه تختلف عن تلك التي ظهرت في حقبة تسعينيات القرن المنقضي، ومن أبرز طقوسهم الاقتراع على الموت، محبّة بالإمام علي، مستدلّين بذلك على السفينة التي كان يستقلها نبي الله يونس عليه السلام”.
ويشير إلى أن الظروف التي صنعت هؤلاء ترتبط بعوامل عديدة من بينها الفقر والجهل والتطرف في التعلق والاتّباع، فضلًا عن وجود بعض الأشخاص ممن يقومون بعمليات غسيل الدماغ، وهذا ما قام به شخص يسمى المولى وهو ساكن عند تخوم مدينة الإمام الرضا في إيران.
ويلفت الخبير الأمني إلى أن هذه الجماعة تستهدف الفئات في سنّ المراهقة ممن تقل أعمارهم عن 20 سنة، ونادرًا ما تكون أعمارهم فوق هذا السنّ، لسهولة استقطاب هذه الأعمار التي تتقبل الأساطير والأكاذيب والمبالغات.
ويحذّر أبو رغيف من مخاطر هذه الجماعات لدورها في بناء عقائد فاسدة واستقطاب العاطلين عن العمل والجهلة وتحويل بعض الشباب الذين لا يجدون مأوى دراسي ولا كفاءة علمية إلى الانخراط بأعمالهم، معربًا عن اعتقاده بأن الحملة الأمنية نجحت في الحد من خطورة تزايد هذه الجماعة، وتم وأدها ولم تعد مستشرية على نطاق واسع، وبقيت محصورة في مناطق قليلة.
وعن ازدياد نشاط هذه الجماعة مع إحياء مراسم عاشوراء، يبيّن أبو رغيف بأن القربانيين يستغلون المناسبات الدينية لتمرير معتقداتهم الفاسدة، وقد يقومون ببعض عمليات التثقيف المحدودة، وهم امتداد طبيعي للأبطحية والإسماعيلية والحرورية والكيسانية وغيرهم، لكن وجودهم إلى زوال بسبب تكفير سلوكهم، وملاحقتهم.
ويكشف الخبير الأمني عن وجود الآن ثلاث مجاميع في السجن تحت قبضة جهاز الأمن الوطني وبإشراف القضاء.
وبحسب تحقيق أعدّته شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية، فإن هذه الجماعة أسسها شخص مُقيم في إيران يُدعى المولى، وباتت تعرف اليوم بالعلاهية، ويتوزع أتباعها المقدرة أعدادهم بنحو 2500 شخص في محافظات بجنوب العراق، أبرزها ذي قار والبصرة.
ونقلت الشبكة عن أحد الشباب المنشقين عن الجماعة قوله إن في قضاء سوق الشيوخ في ذي قار يوجد أكثر من 100 شاب التقوا للمرة الأولى بمرجع الحركة الديني المولى، في مدينة مشهد الإيرانية عام 2022، وذلك بالتنسيق مع زعيم الجماعة في البصرة علاء المهداوي.
وبحسب هذا الشاب فإن المولى حثّ أتباعه على “ضرورة الإسراع بتقديم القرابين، أي المنتحرين، والالتحاق بالرب – الإمام علي – والتقرب منه، ويدعو إلى إثارة القضايا الطائفية الخلافية مع السنة وسب صحابة الرسول محمد”. على حد قوله.
ويلفت إلى أن معظم أتباع الجماعة من متعاطي المخدرات، وهناك شروط للانضمام منها الالتزام بلبس الأسود وعدم حلق الذقن والخضوع لدورات عقائدية في كتاب “الكفر المقدس” لمؤلفه علاء المهداوي.
انعكاسات خطيرة
رغم أن شعارات الجماعة المنحرفة لم تثر حفيظة المجتمع والأجهزة الحكومية بشكل كبير في البداية، فإن تطور ممارساتها الخطيرة دفع الجهات المختصة إلى ملاحقتها.
وتنبهت الأجهزة الأمنية إلى خطر هذه الجماعة عندما عثرت على جثة صبي منتحرٍ يبلغ من العمر 16 سنة في منطقة الحي العسكري غرب قضاء سوق الشيوخ منتصف عام 2022، وفي أواخر العام ذاته انتحر شاب آخر يبلغ من العمر 19 سنة، في منطقة حي الشموع شمال القضاء.
وعلى سطح أحد المحلات التجارية عثرت الشرطة في 4 فبراير/شباط 2023، على جثة شاب عمره 23 سنة، انتحر شنقًا، وفي 15 مايو/أيار 2023 وجدت جثة أخرى معلقة في سقف أحد حمامات موكب (أنصار زهير بن القين) في منطقة البروتين وسط القضاء.
وحذر رجال الدين من خطورة هذه الجماعة التي تسهم في تمزيق الوحدة والنسيج الاجتماعي، وتسببت بانتحار الكثير من أعضائها، مقدمين أنفسهم قرابين للإله المزعوم (علي)، وفق معتقدهم.
وإلى جانب هذه الجماعة شهد العراق ظهور العديد من الجماعات المنحرفة التي حاولت استغلال مواكب عاشوراء لنشر أفكارها، ومنها حركة “أنصار المهدي” التي ظهرت عام 2004 في منطقة جامع السهلة في الكوفة، وحركة “جند السماء” عام 2005 التي ادعى مؤسسها أنه المهدي المنتظر.
وكذلك حركة “الموطئون” التي ظهرت عام 2007 وادعى قائدها أنه الإمام المهدي الموعود، وآخرها جماعة “أهل القضية” التي تعتقد أن مقتدى الصدر هو الإمام المهدي.
وتصل عقوبة تأسيس هذه الجماعات أو الانتماء لها إلى المؤبد أو الإعدام، وفقًا لأحكام المادة رقم 372 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
وتنص المادة السابعة من الدستور على حظر كل كيان أو نهج يتبنى “العنصرية” أو “الإرهاب” أو “التكفير” أو “التطهير الطائفي” أو يحرّض أو يمهّد أو يمجد أو يروج أو يبرر لها.