إن كنا سنختار مفردة واحدة لوصف وجود الخيال العلمي العربي والمترجم في المكتبة العربية ستكون تلك المفردة هي “شحيح”، خاصة لو قررنا البحث عن الإنتاج العربي القليل لكتاب ومؤسسي الخيال العلمي العربي كأعمال نهاد شريف والدكتور طالب عمران، سيقابلنا جدار آخر عملاق، وهو عدم إعادة طبع وتوفير أعمالهم للأجيال المعاصرة، وبالتالي ستكون المحصلة النهائية: نحن نعرف أن هناك خيالاً علميًا عربيًا، ولكن ليس بوسعنا قراءته، لأنه لم يعد يطبع!
بالطبع لا شك أن هناك تجارب ومحاولات شبابية جديدة في أدب قصة الخيال العلمي القصيرة في مكان ما في العالم العربي، كل ما علينا فعله هو الانتظار إلى أن نتعثر في إحداها مصادفة.
في القائمة التالية نستعرض 3 مجموعات قصصية من الخيال العلمي ترجمت إلى العربية حديثًا
القصص القصيرة الكاملة.. هـ. ج. ويلز
احتل هربرت جورج ويلز (1866-1946) مكانة لا يمكن إنكارها في قلب أدب الخيال العلمي؛ إذ إن إسهاماته القصصية والروائية المتنوعة جعلته أحد الأباء المؤسسين للنوع الأدبي، فقد كتب عنه الكاتب والمحرر جيمس إي جن: “أدب الخيال العلمي قامت أركانه على البدايات الرائعة لقصص ويلز الخيالية والمتقدمة زمنيًّا، فقد انبثقت خصائصه الجوهرية وحدها وببطء من الأشكال العديدة التي كان يعبر فيها عنه”.
بالإضافة إلى رواياته ذائعة الصيت كحرب العوالم والرجل الخفي وجزيرة الدكتور مورو، كتب ويلز العديد من قصص الخيال العلمي في السنوات العشرة الأولى من حياته، ووصفها الكاتب والمترجم رؤوف وصفي بأنه قدم خلالها عجائب العلم في إطار من الأحداث المسلية والممتعة.
صدرت الترجمة العربية للأعمال القصصية الكاملة لويلز عام 2011 عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، في 4 مجلدات يزيد عدد صفحاتها على 1600، واحتوت قصص ويلز على العديد من التيمات الخيالية، كقصص الكوارث ونهاية العالم كما في قصة النجم، وقصة فوق جبال الأرض، وقصص الخوارق الطبيعية والظواهر الغريبة كما في قصتي المتجر المسحور والشبح قليل الخبرة.
ومن ضمن القصص الطويلة التي احتوتها المجلدات: أرض العميان وإمبراطورية النمل ووادي العناكب وقصة العصر الحجري وآلة الزمن وقصة الأيام القادمة.
أنا روبوت.. إسحاق أزيموف
قوانين الروبوتات الثلاث:
– على الروبوت ألا يؤذي إنسانًا أو يتسبب في أذى إنسان عن طريق الإهمال.
– على الروبوت أن ينفذ أوامر الإنسان طالما لم يتعارض هذا مع القانون الأول.
– على الروبوت أن يحمي وجوده طالما لا تتعارض هذه الحماية مع القانونين الأول والثاني.
يعرف إسحاق أزيموف (1920-1992) بغزارة إنتاجه، فقد كتب ما يربو عن 500 رواية وكتاب خلال حياته، وتعد سلسلة الأساس Foundation أهم أعماله وأشهرها على الإطلاق، ولكن إن كنا سنختار عمل آخر يماثلها أهمية ويبرز بصمته الواضحة في أدب الخيال العلمي، فلن يكون ذلك العمل سوى المجموعة القصصية “أنا روبوت”.
نشر أزيموف العديد من القصص التي تناولت موضوع الروبوتات خلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات، لينتقي منها أفضل 9 قصص ليجمعها في مجلد واحد، ويقدم خلالها أحد أهم إسهاماته وأكثرها تأثيرًا في أدب الخيال العلمي وهي “قوانين الروبوتات الثلاث”.
صدرت الترجمة العربية للمجموعة القصصية لأول مرة عن دار نهضة مصر عام 2012
تبدأ أحداث المجموعة القصصية بصحفي يجمعه لقاء مع دكتورة سوزان كالفن التي تعد عالمة مشهورة في سلوكيات الروبوتات، وتعمل اختصاصية نفسية للروبوتات في شركة يو إس روبوتس إلا أنها على وشك التقاعد.
يعمل الصحفي على مجموعة من التحقيقات الصحفية، ويحاول خلال حواراته مع الدكتورة سوزان كالفن استدراجها للحديث عن آرائها في الروبوتات، لنصحبها في رحلة استعادتها لذكرياتها القديمة لتحكي عددًا من القصص يظهر في أغلبها مختبرين ميدانيين هما جريجروي باول ومايكل دونوفان إذ يقوما بتجربة الروبوتات المتطورة في اختبارات ميدانية كما في قصة “امسك هذا الأرنب” حيث يختبرا نوعًا جديدًا في إحدى محطات التعدين على أحد الكويكبات، وقصة “هروب” التي لحظهما العاثر تنطلق بهما نموذج سفينة فضائية وهما بداخلها بناءً على أمر أحد الروبوتات.
الجدير بالذكر أنه تم استلهام العالم القصصي لتلك المجموعة وبعض أفكارها في الفيلم الهوليوودي “أنا روبوت”.
صدرت الترجمة العربية للمجموعة القصصية لأول مرة عن دار نهضة مصر عام 2012.
القصص القصيرة.. راي برادبوري
“عش للأبد”، كانت لتلك الجملة التي قالها السيد إليكترو لراي الصغير بالغ الأثر على حياته، وحسبها فكرة رائعة، لذلك عندما حصل على آلة كاتبة في عيد ميلاده قرر أن يصبح كاتبًا بدلًا من أن يكون ساحرًا، ومنذ تلك اللحظة استمر برادبري في فعل الشيء الوحيد الذي يعرفه ويشغف به، الكتابة، ليقدم العشرات من القصص خلال حياته الأدبية الطويلة.
نُشرت القصص القصيرة لأول مرة عام 1980، وهي مجموعة احتوت على 100 قصة قصيرة اختارها برادبري بنفسه لتغطي فترة إنتاجه الأدبي في الفترة بين عامي 1943 و1980، والتي أتبعها لاحقًا في عام 2003 بمجموعة منتخبات أخرى احتوت على 100 قصة قصيرة تغطي نشاطه الإبداعي في أواخر حياته.
الخيال العلمي هو وصف كل ما هو واقعي
صدرت الترجمة العربية بعنوان “راي برادبوري.. القصص القصيرة”، في مجلدين بين عامي 2014 و2018 عن المركز القومي للترجمة، ومن ترجمة وتقديم رؤوف وصفي، وواجه النقاد حيرة في تصنيف أدب برادبوري، فهو لا يتسم برصانة أعمال الخيال العلمي الجاد كستانسلاف ليم وأزيموف، بالإضافة إلى غياب احتمالية صواب بعضها، ويراه بعض المتخصصين بإنه ليس كاتب أصيل للخيال العلمي.
وهو أمر لم يزعج برادبري كثيرًا، لأنه يرى نفسه كذلك بالفعل، إذ قال من قبل: “أولًا وقبل كل شيء، أنا لا أكتب الخيال العلمي، لقد كتبت عملاً واحدًا يعتبر خيالاً علميًا وهو فهرنهايت 451 الذي كان مبنيًا على الواقع، فالخيال العلمي هو وصف كل ما هو واقعي، أما الفانتازيا فهي وصف كل ما هو غير واقعي، ولهذا لا يمكن وصف سجلات المريخ بأنها خيال علمي بل فانتازيا لأنه لا يمكن حدوثها، ولهذا السبب فإنها ستظل منتشرة لمدة طويلة لأنها أشبه بالأساطير اليونانية، والقصص الأسطورية لديها قوة البقاء والاستمرارية”.
كتب رؤوف وصفي في مقدمته: “تطرح وتتناول أعمال برادبري قضايا وموضوعات مهمة مثل التمييز العنصري والرقابة على المؤلفات الأدبية والتقنيات العلمية والحرب النووية والقيم الإنسانية، وأيضًا نرى في كل واحدة من قصص وروايات برادبري أفكارًا ومفاهيم سائدة للموت وعدم الرضا بالذات وحقيقة الشر وكيف يمكن مواجهته، وأخيرًا الوصول إلى الفهم الكامل للذات”.