هل ينجح اليمين الإيطالي في تشكيل حكومة؟

600

يبدأ الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا اليوم الخميس جولة جديدة من المشاورات السياسية مع زعماء القوى السياسية في البلاد، لمحاولة كسر الجمود وتكليف أنسب تحالف سياسي يضمن تحقيق الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة المقبلة، بعد شهر من انتخابات تشريعية لم ينجح خلالها أي حزب في الحصول على أغلبية واضحة في البرلمان.

جبهة موحدة

في هذه الجولة من المنتظر أن تتفاوض الأحزاب اليمينية الرئيسة الثلاث في إيطاليا مع الرئيس في إطار جبهة موحدة، في تحد لمحاولات حركة “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات بتقسيمها هذه الأحزاب في مفاوضات تشكيل ائتلاف.

ويتكون تحالف “اليمين واليمين المتطرف” من 3 أحزاب سياسية هي “إيطاليا إلى الأمام” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني و”رابطة الشمال” اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة التي يقودها ماتيو سالفيني وحزب “أخوة إيطاليا” بقيادة الصحافية والوزيرة السابقة في حكومة بيرلسكوني جورجيا ميلوني.

وقال قصر كويرينالى الجمهوري في بيان إن الرئيس قرر دعوة القوى السياسية الممثلة في مجلسي البرلمان في 12 من أبريل الحاليّ إلى جولة ثانية من المشاورات، يختتمها اليوم التالي بلقاء رئيسي مجلس الشيوخ إليزابيتا كازيللاتي ومجلس النواب روبيرتو فيكو ورئيس الجمهورية السابق جورجو نابوليتانو.

أفرزت الانتخابات التشريعية التي أقيمت في إيطاليا مؤخرًا تغييرات كبيرة في توازن القوى على الساحة السياسية

وأفاد البيان بأن المشاورات مع ممثلي الكتل البرلمانية ستتركز كلها في اليوم الأول على مرحلتين تبدأ بوفود الكتل الأصغر ثم الأكبر انتهاءً بوفد كتلة حزب “خمس نجوم” لافتًا إلى أن ممثلي كتل تحالف اليمين لأحزاب “رابطة الشمال” و”إيطاليا إلى الأمام” و”أخوة إيطاليا” ستلتقي الرئيس في وفد موحد خلافًا للجولة السابقة.

وفي أعقاب الانتخابات غير الحاسمة التي جرت الشهر الماضي، اختتم الرئيس سيرجيو ماتاريلا جولة مشاورات أولية الخميس الماضي، إلا أنها لم تفض إلى حل للأزمة السياسية الناجمة عن عدم انبثاق أكثرية برلمانية واضحة من الانتخابات التشريعية التي جرت مطلع مارس/آذار.

وأفرزت الانتخابات التشريعية التي أقيمت في إيطاليا مؤخرًا تغييرات كبيرة في توازن القوى على الساحة السياسية، حيث تصدرت أحزاب اليمين الشعبوي واليمين المتطرف النتائج وفازت بأغلبية الأصوات، فحصل تحالف “اليمين واليمين المتطرف” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو بيرلسكوني على 37.3% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية في إيطاليا وانتخابات مقاعد مجلس الشيوخ الإيطالي.

الأحزاب اليمينية الرئيسة الثلاث في إيطاليا

بالتدقيق في توزيع الأصوات داخل هذا التحالف، يتبين أن حزب سالفيني – المشكك في الاتحاد الأوروبي والمعادي للهجرة والقريب من حزب “الجبهة الوطنية” الفرنسي – يتقدم على حزب برلوسكوني، مما دفع سالفيني إلى المطالبة بتولي رئاسة الحكومة، حيث قال عقب إعلان النتائج: “أنا شخص يحترم كلمته والالتزام الذي اتخذ داخل التحالف هو: من يتصدر يحكم”.

وقبل بدء المشاورات اجتمع زعماء الأحزاب اليمينية الثلاث للاتفاق على توجيه رسالة مشتركة للرئيس ماتاريلا، وقال الثلاثة في بيان مشترك في أعقاب اجتماع بمقر إقامة برلسكوني في أركور قرب ميلان: “40% تقريبًا من الإيطاليين اختاروا إعطاء ثقتهم لأحزاب يمين الوسط التي لديها اليوم من دون شك مهمة تشكيل حكومة”.

ووفقًا لتقارير إعلامية، من المنتظر أن يتشبث تحالف يمين الوسط بأحقيته في اختيار رئيس الوزراء القادم، وتؤيد الأحزاب الثلاث فرض ضريبة ثابتة على العائدات ووقف حركة وصول المهاجرين وإبعاد مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين وإصلاح نظام التقاعد.

“خمس نجوم” وأحقيتها في رئاسة الحكومة

في مقابل ذلك، ترى حركة “خمس نجوم” أنه يمكن لها تشكيل حكومة مع رابطة الشمال التي حصلت على 17% من الأصوات، أو مع الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) الذي حصل على 7.‏18% من أصوات الناخبين.

يذكر أن حركة “خمس نجوم” قد حصدت 32.54% من الأصوات منفردة ودون أي تحالف مع تيارات وقوى سياسية، ما يضعها في صدارة نتائج الاقتراع وفي مقدمة أحزاب البرلمان، وترشّح هذه الحركة لويجي دي مايو لمنصب رئاسة الحكومة، وهو الشخص المناهض للحكومة وللنظام.

وسبق أن أشار دي مايو في برنامجه الانتخابي إلى أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي تمكين الناس من تقديم طلبات للمجيء إليه من الدول التي يعيشون فيها، وبهذه الطريقة “يمكننا غربلة الطلبات من نقاط الانطلاق لمعرفة من لديهم الحق كلاجئين سياسيين، وأولئك الذين لا يملكون هذا الحق كونهم مهاجرين اقتصاديين”.

أطلقت الحركة وصف “خمس نجوم” عليها لاهتمامها الأساسي بـ5 محاور تهم بالأساس الحياة البيئية للمواطن

ويدعو دي مايو لشن حملة على الفساد والبيروقراطية وتخفيض الضرائب على الشركات، وتحديد 780 يورو شهريًا كحد أدنى للدخل للإيطاليين، وخفض تكلفة الإدارة السياسية بإلغاء مجلس الشيوخ وخفض عدد مقاعد مجلس النواب ورواتب البرلمانيين وإلغاء رواتبهم التقاعدية مدى الحياة.

وتأسست هذه الحركة في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2009، على يد الممثل الكوميدي بيبي غريلّو كحركة مدنية تتفاعل وتتواصل حصرًا على الإنترنت، بمساعدة رجل الأعمال الحركي الراحل جيانروبرتو كازاليجو (توفي عام 2016)، في سياق بزوغ نجم العديد من الحركات المتمردة على الوضع السياسي العام والرافضة للسياسات المحلية التي تعادي أيضًا الطبقة السياسية التقليدية ولا تتردد في وصفها بـ”الفاسدة”.

وأطلقت الحركة وصف “خمس نجوم” عليها لاهتمامها الأساسي بـ5 محاور تهم بالأساس الحياة البيئية للمواطن، جعلتها أكثر قربًا من المشاكل اليومية للإيطاليين، ما أكسبها شعبية كبيرة كانت نتائجها واضحة في الانتخابات البلدية الماضية سنة 2016 باكتساحها لصناديق الاقتراع.

ائتلاف الحكومي يستبعد بيرلسكوني

ليس من شك أن الرئيس الإيطالي سيواجه جملة من العراقيل في هذه الجولة من المشاورات أيضًا، حيث يسعى كلّ طرف إلى إقناع رئيس الجمهورية بتكليفه لتشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، غير أن كل السيناريوهات ما زالت واردة من بينها تشكيل حكومة تجمع حركة “خمس نجوم” و”الرابطة” اللتين تشكلان معًا أغلبية في البرلمان سمحت بانتخاب رئيسي مجلس الشيوخ والنواب في نهاية مارس/آذار.

يمثل برلسكوني حجر عثرة أمام أي اتفاق قادم

وأعرب سالفيني في وقت سابق عن استعداده لتشكيل حكومة مع حركة “خمس نجوم”، غير أنه شدد على أن تحالفه مع “إيطاليا إلى الأمام” بزعامة بيرلوسكوني يجب أن يبقى “نقطة انطلاق” لهذه الحكومة الجديدة، ولكن هذا السيناريو لا يزال موضع رفض بالنسبة إلى دي مايو الذي استبعد “إيطاليا إلى الأمام” من اتفاق محتمل، مؤكدًا أنه لا يعترف بوجود ائتلاف يميني.

وقال دي مايو إن أحزاب هذا الائتلاف تقدمت منقسمة إلى المشاورات مع الرئيس ماتاريلا، “لقد تبنت مواقف مختلفة بخصوص مسائل عدة وكان لديهم 3 مرشحين مختلفين لمنصب رئيس الحكومة”، كما اقترح على الرابطة والحزب الديمقراطي في الحكومة المنتهية ولايتها من يسار الوسط عقدًا لتشكيل حكومة على الطريقة الألمانية، مستبعدًا الأحزاب السياسية الأخرى من هذه المعادلة.