في تحول وصفه البعض بـ”الانتصار الدبلوماسي” للدوحة، قال مسؤولان أمريكيان مطلعان إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طالب في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان هذا الشهر، بأن تنهي المملكة وفريقها من دول الحصار سريعًا الأزمة الخليجية المستمرة منذ يونيو/حزيران الماضي.
نبرة الاتصال الذي جرى في الـ2 من أبريل/نيسان الحاليّ، وصفها أحد المسؤولين بأنها كانت “قوية”، ولم يتضح كيف رد العاهل السعودي عليها غير أن نص الحديث تعلق في المقام الأول بضرورة إسدال الستار قريبًا على تلك الأزمة التي تهدد حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط.
تحول موقف الرئيس الأمريكي حيال الأزمة الخليجية جاء بالتزامن مع زيارة أمير قطر تميم بن حمد، لواشنطن، ولقاءهما الذي وصفه مقربون بـ”الناجح” وذلك بعد أن وصف ترامب نظيره القطري بأنه “مناصر كبير” لمكافحة تمويل الإرهاب.. فهل تنجح واشنطن في الضغط على طرفي الأزمة لحلحتها في القريب العاجل؟
التوحد ضد إيران
يمثل الملف الإيراني أحد أبرز الملفات التي تؤرق مضاجع حكومة ترامب منذ دخوله البيت الأبيض، حيث كان الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في 2015 على قائمة الوعود التي قطعها الرئيس على نفسه حال فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
القرار الأحادي الذي يلوح ترامب باتخاذه بين الحين والآخر بمعزل عن الدول الخمسة الأخرى الموقعة على الاتفاق، ساهم بشكل كبير في توتر العلاقات مع زعماء أوروبا فضلاً عن بكين وموسكو، وهو ما أقلق بعض الجهات السيادية الأمريكية بشأن تعرض بلادها للعزلة خاصة بعد إعلان قادة الدول الموقعة على الاتفاق تمسكها به محذرين من أي خطوة قد يقدم عليها الرئيس الأمريكي وربما تقلب الطاولة على الجميع.
فشل ترامب في فسخ الاتفاق النووي دفعه إلى فرض المزيد من العقوبات على طهران، اقتصادية كانت أو سياسية، غير أن عدم تجاوب دول أوروبا معه في الاصطفاف ضدها دفعه إلى البحث عن حلفاء آخرين قادرين على دعم توجهاته في إجهاض محاولات التمدد الإيراني في المنطقة، وليس هناك أفضل من حلفاء الخليج في الشرق الأوسط، إلا أن الأزمة الخليجية الأخيرة فتتت وبقوة هذا الحلف، ومن ثم كان لا بد من توحيدها مرة أخرى للتصدي لطهران.
الرئيس الأمريكي سيضع الأزمة الخليجية على أجندة قمة كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول المقبل، إذا لم تتمكن قطر وجيرانها من حلّ أزمتهم بحلول هذا الموعد
من هنا تمحور الاتصال مع العاهل السعودي حول الرغبة في تسوية الخلاف من أجل استعادة الوحدة بين دول الخليج العربية، وتوحيد الجبهة أمام إيران، حسبما نقلت “رويترز” عن أحد المسؤولين الذي أشار إلى أن تركيز ترامب ينصبّ دومًا على إيران وبرامجها النووية والصاروخية التي تهدد دول الخليج جميعًا، وكذلك “إسرائيل”، مؤكدًا أن “خصومة السعوديين والإماراتيين مع قطر لا منطق لها”.
بدوره أشار المسؤول الآخر إلى أن “ترامب أصرّ على حل الخلاف بين دول مجلس التعاون خلال ثلاثة أسابيع، لأسباب عدة من بينهما قرار وشيك بشأن إيران”.
وبحسب النص المكتوب للمكالمة الذي نشره البيت الأبيض فإن الرئيس الأمريكي أكد أهمية حل النزاع الخليجي واستعادة وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، للتصدي لنفوذ إيران الخبيث وهزيمة الإرهابيين والمتطرفين، هذا بخلاف الاتصال الهاتفي الذي أجراه في الـ6 من أبريل/ نيسان مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي دار حول ذات المسألة.
ضغوط أمريكية ضد السعودية لحلحلة الأزمة
ترامب يغير موقفه من الدوحة
من دعم موقف دول الحصار بداية الأزمة وإدانة الدوحة بتمويل الجماعات الإرهابية، إلى الترحيب بالشراكة القطرية واعتبارها حليفًا مهمًا في تجفيف منابع الإرهاب، هكذا تحول موقف ترامب من قطر على مدار الأشهر العشرة الأخيرة منذ بداية الأزمة الخليجية يونيو/حزيران الماضي.
ترامب وخلال لقائه تميم، الثلاثاء الماضي، أثنى وبصورة غير مسبوقة على أمير قطر، ووصفه بأنه “مناصر كبير” لمكافحة تمويل الإرهاب، وأنه “رجل عظيم” و”صديق لي”.
أمير قطر وتماشيًا مع هذا التحول في الموقف الأمريكي أعلن مجددًا تأكيده أن سلطات بلاده لم ولن تتسامح مع “الأشخاص الذين يمولون الإرهاب” وأن ترامب “قدم الكثير من العون” في دعم قطر في أثناء “الحصار” الجزئي الذي ما زال مفروضًا حتى الآن، وهو ما فسره مراقبون بنصر دبلوماسي يحسب للدوحة.
الرئيس الأمريكي أوضح لنظيره القطري تأكده من توقف تمويل الإرهاب في الدول التي “لنا علاقات وثيقة بها”، مضيفًا “ولكن هذه الدول توقف تمويل الإرهاب ومن بينها الإمارات والسعودية وقطر وغيرها، الكثير من الدول كانت تمول الإرهاب ونحن نوقف ذلك”، ثم التفت لتميم قائلاً “أصبحت الآن نصيرًا كبيرًا ونحن ممتنون لذلك”، منوها إلى أن قطر “تشتري الكثير من المعدات منا، الكثير من المشتريات في الولايات المتحدة والكثير من الطائرات الحربية والصواريخ”.
“ترامب أصرّ على حل الخلاف بين دول مجلس التعاون خلال ثلاثة أسابيع، لأسباب عدة من بينهما قرار وشيك بشأن إيران.
يبدو أن قطر تتجه، على ما يبدو، إلى تحقيق “نصر مهم” في سياق الأزمة الخليجية، هكذا أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” التي نقلت على لسان مسؤول رفيع في إدارة الرئيس الأمريكي أن اللقاء الذي جمعه وأمير قطر “شهد تحولًا في موقف ترامب، من اتهامه قطر بتمويل الإرهاب إلى التعاطف معها جراء الحصار الرباعي بقيادة السعودية والإمارات”.
الصحيفة توقفت عند التحول الذي طرأ في موقف الرئيس الأمريكي من الأزمة الخليجية وحصار قطر، موضحة أن “الدوحة تمكنت من كسب الرهان وتحقيق اختراق قد ينهي الأزمة المفتعلة”، لافتة إلى أن ترامب الآن بات يعتبر الدوحة شريكًا في مواجهة الإرهاب، مضيفة أن “الزيارة الودية التي قام بها أمير قطر إلى واشنطن مثلت تحولًا لافتًا في موقف ترامب”.
ومن ثم يمكن القول إن هذا التحول يجسد نجاح الجهود المكثفة والقوية التي بذلتها قطر لتصحيح المغالطات التي روجتها دول الحصار (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) للتأثير على صورتها في واشنطن، وكذا تجديد تأكيد تعاونها القوي مع الولايات المتحدة الأميركية كشريك في الحرب على الإرهاب، هكذا قالت “نيويورك تايمز”.
البعض اعتبر تحول موقف ترامب من الأزمة انتصارًا دبلوماسيًا للدوحة
هل بات الحل وشيكًا؟
بينما ذهب البعض إلى فشل جهود الوساطة الأمريكية في حلحلة الأزمة الخليجية وهو ما دفع إلى تأجيل عقد القمة الأمريكية الخليجية التي كان مقررًا لها مايو القادم، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين قولهم إن ترامب يدفع باتجاه حل الأزمة الخليجية، لأنها “أصبحت عنصر تشتيت للتركيز على النزاعات، كما أنه بات مقتنعًا بأن الإمارات والسعودية تعرقلان هذا الحل”.
الصحيفة في تقرير لها، الثلاثاء الماضي، أوضحت أن الرئيس الأمريكي سيضع الأزمة الخليجية على أجندة قمة كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول المقبل، إذا لم تتمكن قطر وجيرانها من حلّ أزمتهم بحلول هذا الموعد، حيث رأت أن الإدارة الأمريكية باتت اليوم أكثر قناعة من الأمس بضرورة حل الأزمة خاصة في ظل ضبابية المشهد وكثرة الغيوم التي تحيط بسماء الشرق الأوسط ما يهدد مصالح أمريكا هناك.
عزم واشنطن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، ومناهضتها للنفوذ الروسي في المنطقة، ومساعيها لتحجيم التمدد الإيراني والتصدي لأطماع الصين وتهديدات كوريا الشمالية، كل هذه الملفات تمثل ضغوطًا قوية على إدارة ترامب لتقوية جبهة حلفائه المفتتة بسبب الأزمة الخليجية، ومن ثم كان الدفع بحلها هو الخيار الأكثر دبلوماسية للحفاظ على الدور الأمريكي إقليميًا ودوليًا على حد سواء، هكذا يعتقد محللون أمريكيون مقربون من البيت الأبيض.
ترامب خلال لقائه تميم، الثلاثاء الماضي، أثنى بصورة غير مسبوقة على أمير قطر، ووصفه بأنه “مناصر كبير” لمكافحة تمويل الإرهاب، وأنه “رجل عظيم” و”صديق لي”
في سياق متصل جاء موضوع التسريبات بشأن تورط رجل الأعمال الأمريكي الجنسية جورج نادر الذي يعرف نفسه بأنه مستشار ابن زايد، في إطار التحقيق الخاص عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، واتهام الإمارات بتمويل الحملة الانتخابية لترامب، ليضع الرئيس الأمريكي في موقف حرج، حيث أضرّ هذا الاتهام بادعاءات الرياض وأبو ظبي ضد الدوحة، ولعل هذا سببًا آخر لتراجع إدارة ترامب عن موقفها السابق من قطر بداية الأزمة.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” تعليقًا على تأجيل القمة الأمريكية الخليجية، أشار إلى أن أمريكا تملك العديد من أوراق الضغط على طرفي النزاع سواء السعودية وفريق دول الحصار من جانب، أو قطر من جانب آخر، تمكنها من حل الأزمة بين ليلة وضحاها، لكن اقتراب الأزمة من إتمام عامها الأول يرجع لكون واشنطن لا ترغب في تصفيتها من الأساس، ولِمّ لا والطرفان المتنازعان يلهثان وراء كسب ودها وتأييدها، سواء من خلال الصفقات العسكرية التي تستولى فيها الولايات المتحدة على مليارات الدولارات من الخزائن الخليجية، أو من خلال الدعم السياسي والدبلوماسي وتطويع المنطقة الخليجية بأكملها لتنفيذ مخططات وأوامر أمريكا، غير أن المستجدات الأخيرة والموقف الحرج الذي باتت فيه واشنطن ربما يعجل بخطوات الحل لتوحيد جبهة حلفائها حفاظًا على مصالحها في الشرق الأوسط، هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.