ترجمة وتحرير: نون بوست
قال القادة الإسرائيليون إنهم لا يريدون حربًا في لبنان، لكن بلادهم مستعدة لأي سيناريو. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال زيارة للحدود اللبنانية الشهر الماضي إن إسرائيل “مستعدة لعملية مكثفة للغاية”، بينما هدد وزير الدفاع يوآف غالانت بإعادة لبنان “إلى العصر الحجري”.
لكن خلف هذه المواقف، هناك مخاوف متزايدة داخل إسرائيل من أن جنودها مرهقون ونضوب مواردها بعد أطول حرب تشهدها البلاد منذ عقود. فتسعة أشهر من الهجمات العقابية ضد حماس في قطاع غزة لم تتمكن من هزيمة الجماعة، كما أن نتنياهو المحاصر سياسيًّا لم يحدد بعد استراتيجية خروج. وفي لبنان، ستواجه إسرائيل عدوًّا أكبر حجمًا وأفضل تسليحًا وأكثر احترافية، كما يحذر الخبراء، فضلاً عن التهديد بمستنقع عسكري أعمق.
وتقاتل إسرائيل على جبهتين منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد يوم من هجوم مسلحين بقيادة حماس على جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة. وفي غضون ساعات، بدأ مقاتلون من حزب الله، الحركة السياسية المدعومة من إيران والجماعة المسلحة المتحالفة مع حماس، في شن هجمات على شمال إسرائيل من لبنان، وهو ما مثل بداية صراع حدودي متبادل تصاعد وانتشر بشكل أعمق في كلا البلدين، مع مرور كل شهر.
وقالت إسرائيل إنها تنتقل إلى مرحلة قتالية أقل كثافة في غزة، وأنها استأنفت المفاوضات في القاهرة بشأن صفقة محتملة لإطلاق سراح الرهائن. لكن حزب الله يصر على أنه لن يلقي أسلحته، أو يفكر في الانسحاب من الحدود الإسرائيلية، حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع.
وقالت كل من إسرائيل وحزب الله إنهما يفضلان حلًا دبلوماسيًّا، لكن لا يبدو أن أيا منهما مستعد لتقديم نوع التنازلات التي يتطلبها مثل هذا الحل. والنتيجة هي ركود متوتر، مع تزايد أعداد القتلى؛ البلدات الحدودية مهجورة، وأشجار الفاكهة ومزارع الألبان مهملة؛ وتزايد الضغط من النازحين الإسرائيليين على الحكومة للتحرك.
ويعكف القادة العسكريون الإسرائيليون على وضع خطط للهجوم على لبنان منذ أشهر. فيوم الأربعاء، بعد يوم من مقتل مدنيين إسرائيليين في هجوم صاروخي لحزب الله، قال عضو مجلس الوزراء الحربي السابق، بيني غانتس، إنه وآخرون طالبوا نتنياهو بالسماح بتوغل إسرائيلي في لبنان في آذار/ مارس، لكن رئيس الوزراء “متردد”، ورفض الالتزام بإعادة السكان الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال بحلول الأول من أيلول/ سبتمبر، وهو بداية السنة الدراسية الجديدة.
وقال غانتس: “لا تستطيع إسرائيل أن تتحمل استمرار الأحداث في الشمال كما هي، وخسارة سنة أخرى. لقد حان الوقت لدفع الثمن في الأهداف العسكرية والبنية التحتية اللبنانية، والتي يعد حزب الله جزءًا منها”.
وقال جايل تالشير، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، إن نتنياهو، الذي تفاخر ذات يوم بقدرته على منع الحروب، “يعلم أن الجمهور الإسرائيلي غير مستعد لاستقبال آلاف الصواريخ على تل أبيب”.
وأضافت أنه بدلاً من وضع إستراتيجية، قام “بعزل” نفسه، وتجنب اتخاذ القرارات الصعبة من أجل كسب الوقت وإحاطة نفسه بموالين يفتقرون إلى الخبرة العسكرية.
وقال محللون إنه منذ حل حكومته الحربية، بعد رحيل غانتس مؤخرًا، نأى نتنياهو بنفسه أكثر عن ضباط الجيش، بما في ذلك غالانت، الذي دفع لأشهر من أجل وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن في غزة للسماح للجيش بالتركيز على لبنان.
وقال غالانت، يوم الأحد الماضي بعد سقوط عشرات الصواريخ على إسرائيل، بما في ذلك قاعدة عسكرية إستراتيجية على جبل ميرون، إن “هذه أيام حاسمة فيما يتعلق بممارسة قوتنا ضد حزب الله، الذي لا يرد إلا بالقوة”.
ولم يتوقع الإسرائيليون القلائل الذين بقوا في شمال إسرائيل بعد الثامن من تشرين الأول/.أكتوبر للدفاع عن الحدود أن يظلوا في طي النسيان لفترة طويلة.
وقال عمر سيمشي، الذي خدم لمدة تسعة أشهر في فرقة الدفاع المحلية في كيبوتس ساسا، وهي بلدة زراعية في الجليل الأعلى تقع على بعد ميل من الحدود اللبنانية إن “العائلات متعبة”.
وكانت زوجة سيمشي وطفلاه الصغيران من بين حوالي 100 ألف إسرائيلي قاموا بإجلاء شمال إسرائيل عندما بدأت صواريخ حزب الله والطائرات المسيرة الانتحارية والصواريخ المضادة للدبابات تنهمر في السنة الماضية، مما حول هذه المنطقة الجبلية الرعوية إلى منطقة صراع. وقد نزحت أعداد مماثلة من اللبنانيين بسبب الهجمات الإسرائيلية في جنوب بلادهم.
وقُتل ما لا يقل عن 94 مدنياً وأكثر من 300 من مقاتلي حزب الله في الغارات الإسرائيلية على لبنان، وأسفرت هجمات حزب الله عن مقتل ما لا يقل عن 20 جنديا و11 مدنيا في إسرائيل.
ويجد سيمشي بديلًا في الفريق عندما تحتاج إليه عائلته، لكن لا يوجد ما يكفي من المتطوعين.
وقال متحدثًذا في قاعة مدرسة الكيبوتس، التي دمرتها صواريخ حزب الله في.كانون الأول/ ديسمبر: “لا أعرف ما إذا كان سيكون هناك اتفاق دبلوماسي أو حرب، لكن ما أعرفه هو أنه لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو”.
وقال رئيس المجلس المحلي موشيه دافيدوفيتش إن مئات المنازل تضررت أو دمرت في شمال إسرائيل.
إنها مجرد لمحة بسيطة عن الدمار الذي من المرجح أن يلحقه حزب الله في حرب واسعة النطاق، فمن المتوقع أن تؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، وإطلاق وابل هائل من الصواريخ والقذائف، ومعارك برية مكثفة ضد مقاتلين مدربين تدريبًا جيدًا ومجهزين تجهيزًا جيدًا يقاتلون على أرض مألوفة. ويُعتقد أن حزب الله لديه أكثر من ضعف عدد المقاتلين الموجودين لدى حماس، وأكثر من أربعة أضعاف عدد الذخائر، بما في ذلك الصواريخ الموجهة، ويتم الآن التعبير علانية عن المخاوف من أن إسرائيل غير مستعدة.
وقال يائير جولان، زعيم حزب العمل الإسرائيلي والنائب السابق لرئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية، لمحطة إذاعية إسرائيلية الشهر الماضي: “لقد تم استنزاف الاحتياطيات ونظام الجيش النظامي حتى العظم”.
وقال يوئيل جوزانسكي، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهو الآن زميل بارز في معهد دراسات الأمن القومي، إن “إسرائيل معتادة على خوض حروب قصيرة. “
ولكن بعد تسعة أشهر، أصبح الجيش الإسرائيلي مرهقًا، ويحتاج إلى العناية بالمعدات، وقد استنفدت الذخائر، وتتأثر كل أسرة في إسرائيل به”.
وحتى الصراع المنخفض الحدة نسبيًّا على طول الحدود تسبب في خسائر فادحة في صفوف جنود الخطوط الأمامية. وتم توزيع جندي احتياطي إسرائيلي يبلغ من العمر 25 سنة، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بما يتماشى مع البروتوكول العسكري، في شمال إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ حيث قال إن “الإرهاق” تراكم تحت إطلاق النار لمدة أربعة أشهر.
وأضاف إنه عندما انتهت جولته، “كان من الصعب العودة إلى حياته الطبيعية”، ولقد طلب بندم استراحة من وظيفته كمدرس حتى يتمكن من التكيف مع الحياة المدنية. وهو الآن يستعد لأن يتم استدعائه مرة أخرى، ويتساءل عما إذا كان قادرًا على ذلك، ويقول إن أصدقائه يتصارعون أيضًا مع القرار.
منذ بدء العملية في غزة، قُتل 326 جنديًا إسرائيليًا، أي أكثر من أربعة أضعاف حصيلة حرب سنة 2014 ضد حماس، وتفاقمت الخسائر بسبب الشعور المتزايد بالفشل الإستراتيجي. وفي أواخر الشتاء؛ أعادت إسرائيل أغلب جنود الاحتياط إلى ديارهم دون تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة: تدمير حماس وإعادة أكثر من مائة رهينة ما زالوا في غزة.
وقُتل أكثر من 38 ألف فلسطيني في غزة، وفقا لوزارة الصحة في غزة، التي لا تميز بين المقاتلين والمدنيين ولكنها تقول إن غالبية القتلى هم من النساء والأطفال. وقال الخبراء إن الحرب بين إسرائيل ولبنان ستكون كارثية لكلا الجانبين.
بعد نشر لقطات بطائرة مسيرة الشهر الماضي لميناء مدينة حيفا الإسرائيلية، حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله من حرب “بلا قواعد وبلا سقف”.
ونشر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس يوم الثلاثاء تغريدة على موقع إكس، قال فيها “نصر الله، إذا لم توقف التهديدات والعنف وتنسحب إلى نهر الليطاني، فسوف تُعتبر مدمر لبنان”.
لكن جوزانسكي قال إن الغزو الإسرائيلي للبنان قد يكون بمثابة “فخ”، يجر إسرائيل إلى حرب مرهقة أخرى ليس لها نهاية.
وقال إن “هناك اعتقاد خاطئ في إسرائيل بأن الحرب هناك يمكن أن تنتهي في غضون أيام أو أسابيع”.
كما أن مشاهد الدمار في لبنان ستؤدي إلى تكثيف الضغوط الدولية على إسرائيل وزيادة التوترات مع واشنطن.
وفي الشهر الماضي؛ قال نتنياهو إنه كان هناك “انخفاض كبير في شحنات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل”، وأنه لم يتم تسليم سوى “كمية قليلة” منذ ذلك الحين، وهو ادعاء نفاه المسؤولون الأمريكيون بشدة. وقال مسؤولون أمريكيون يوم الأربعاء إن بعض القنابل التي تم تعليقها منذ شهر أيار/ مايو الماضي كانت في طريقها إلى إسرائيل.
ولتجنب حرب لبنان، يطالب المسؤولون الإسرائيليون – من خلال دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين – بأن ينسحب حزب الله على بعد حوالي 10 أميال شمال الحدود، إلى ما بعد نهر الليطاني، وهو ترسيم عسكري تم الاتفاق عليه في نهاية حرب سنة 2006.
كانت دارينا كالابرينو؛ وهي من سكان كيبوتس ساسا، تعيش في مدينة كريات شمونة القريبة في سنة 2006 واختبأت في الملجأ عندما أصيب منزلها بصاروخ من حزب الله. وفي سنة 2018، قال الجيش الإسرائيلي إنه كشف خطط حزب الله “لاحتلال” الجليل. وعثر على العديد من الأنفاق العابرة للحدود، رغم أن السكان يعتقدون أن هناك الكثير من الأنفاق الأخرى.
وقالت كالابرينو إن أكبر مخاوفها تتجلى في نوع التسلل الجماعي والمذابح التي تحدث في الكيبوتسات الجنوبية، وأضافت: “نحن لا نريد أن نعيش أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر. لقد رأينا ما يمكن أن يحدث بأعيننا”.
المصدر: واشنطن بوست