تعيش الجزائر حالة حزن عمت جميع ولايات البلاد بعد وفاة 257 شخصًا إثر تحطم الطائرة العسكرية التي تقلهم، لحظات فقط بعد إقلاعها من مطار بوفاريك العسكري بولاية البليدة جنوب غرب العاصمة الجزائر، مما جعل رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة يعلن الحداد 3 أيام.
ولم تعش الجزائر حادثًا مؤلمًا كالذي عاشته في الأربعاء الأسود، بالنظر لعدد الضحايا الذي قد يكون أكبر حصيلة لقتلى حوادث الطائرات في العالم التي صارت تتكرر في السنوات الأخيرة في عدة دول.
هكذا وقعت الفاجعة
حسب بيان وزارة الدفاع الجزائرية الذي بحوزة “نون بوست”، فإن حادث تحطم الطائرة وقع الساعة السابعة و50 دقيقة ببوفاريك.
وقال البيان “بلغ عدد الشهداء 247 مسافرًا وعشرة أفراد من طقم الطائرة، فيما يُعد أغلب الشهداء من الأفراد العسكريين إضافة إلى بعض عائلاتهم”.
ونقل شهود عيان أن الطائرة اشتعلت فيها النيران قبل سقوطها في مزرعة لأشجار الليمون بمنطقة بني مراد القريبة من المطار العسكري بوفاريك الذي تستعمله طائرات الجيش لنقل أفرادها وعائلاتها إلى مكان عملهم ومقار إقامتهم، خاصة نحو ولايات الجنوب التي قد لا يتوفر بعضها على مطارات مدنية.
لم تتمكن مصالح الحماية المدنية التي سخرت 30 شاحنة إطفاء و350 عونًا من إخماد الحريق إلا بعد مرور ساعتين
ووفق تحاليل مختصين في الطيران، فقد نجت البلاد من كارثة كبيرة، كون قائد الطائرة الذي لقي مصرعه هو الآخر تمكن من جعل الطائرة تسقط في حقل زراعي خالٍ من السكان، إلا أن الحادث تسبب في إصابة حارس المزرعة، لكن حالته ليست بالخطيرة حسب تصريحات الأطباء الأولية.
وقال شهود عيان إن بعض المسافرين كانوا أحياءً عند ارتطام الطائرة بالأرض، فقد سمعوا صراخهم كما لاحظ البعض النيران مشتعلة في أجساد بعض المسافرين وهم يجرون، لكن حجم الحادث والرياح التي ميزت البلاد تلك الصبيحة حالت دون نجاة أرواحهم.
ولم تتمكن مصالح الحماية المدنية التي سخرت 30 شاحنة إطفاء و350 عونًا من إخماد الحريق إلا بعد مرور ساعتين.
وقال الملازم عادل زغايمي المكلف بالاتصال بمديرية الحماية المدنية لولاية البليدة: “تم إخماد في حدود الساعة العاشرة وعشر دقائق ألسنة النيران المتصاعدة من الطائرة المحطمة صباح الأربعاء، وذلك بعد ساعتين من الزمن؛ حيث صعبت الرياح التي تهب على الولاية من عملية الإخماد”.
وبسبب هول الحادث، تم غلق الطريق الوطني رقم 4 الرابط بين مدينة واد العلايق وبوفاريك في ولاية البليدة، بغية تسهيل تدخل 60 سيارة إسعاف لإجلاء الضحايا الذين نقل أغلبهم إلى المستشفى العسكري بعين النعجة وسط العاصمة الجزائر.
حداد وإلغاء للنشاطات الرسمية
أمر الرئيس بوتفليقة بإقامة الحداد في البلاد 3 أيام على أراوح ضحايا تحطم الطائرة العسكرية، وقدم تعازيه لعائلات الضحايا وللشعب الجزائري.
يتصدر وسم #بوفاريك و#شهداء و#الطائرة_العسكرية قائمة الترند في الجزائر منذ وقوع الحادث
وقال بيان لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف: “بوتفليقة أسدى توجيهًا بإقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء الذين قضوا في حادثة سقوط الطائرة العسكرية، وسوف تستجيب المساجد لهذا التوجيه بإقامة صلاة الغائب عقب صلاة الجمعة الموافق لـ13 أبريل/نيسان الحاليّ في مساجد الجمهورية كافة”.
وتسبب الحادث في قطع معظم المسؤولين لنشاطاتهم، وفي مقدمتهم قطع الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الذي “قطع زيارته التفقدية بالناحية العسكرية الثانية بوهران غرب البلاد، وانتقل فورًا إلى مكان الحادث للوقوف على حجم الخسائر واتخاذ الإجراءات اللازمة التي يتطلبها الموقف؛ حيث أمر بتشكيل لجنة تحقيق فوري للوقوف على ملابسات الحادث”، حسب بيان لوزارة الدفاع.
وألغى وزير الداخلية نور الدين بدوي زيارة تفقدية تدوم يومين كان سيقوم بها الأربعاء إلى ولاية باتنة شرق البلاد.
وإضافة للتعازي التي تلقتها عائلات الضحايا من طرف أعضاء الحكومة والأحزاب الجزائرية، أعلن عدة قادة تضامنهم مع الجزائر، فقد عبر مختلف المسؤولين العرب عن تعازيهم في برقيات موجهة إلى الرئيس بوتفليقة الذي وصلته رسائل تعزية أيضًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيطالي سيرجيو متاريلا والأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش ومن الحكومة الإسبانية والولايات المتحدة الأمريكية عن طريق سفارتها بالجزائر.
وعبر مختلف لاعبو المنتخب الجزائري لكرة القدم عن تضامنهم مع عائلات الضحايا في هذا الظرف الأليم.
توشحت الصحف الجزائرية الصادرة الخميس في صفحاتها الأولى بالأسود، التي حملت في أغلبها عنوانًا واحدًا هو “الفاجعة”
وقال اللاعب المصري محمد أبو تريكة الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجزائر في تغريدة على حسابه في تويتر “تعازينا الخالصة لأسر ضحايا الطائرة العسكرية التي سقطت صباح اليوم في الجزائر وأيضًا للشعب الجزائري الشقيق وحفظ الله الجميع من كل سوء”.
ويتصدر هاشتاج #بوفاريك و#شهداء و#الطائرة_العسكرية قائمة الترند في الجزائر منذ وقوع الحادث، حيث تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع هذه الفاجعة التي أصابت البلاد، معبرين عن تضامنهم الكامل مع عائلات الضحايا.
وتوشحت الصحف الجزائرية الصادرة الخميس في صفحاتها الأولى بالأسود، التي حملت في أغلبها عنوانًا واحدًا هو “الفاجعة”، وفي مقدمتها صحيفتا “الشروق” و”الخبر” ذاتا الانتشار الواسع في البلاد.
ليس الأول
وقبل مأساة الأربعاء، عرف قطاع الطيران العسكري والمدني بالجزائر حوادث مماثلة على غرار اصطدام طائرة بوينغ (737-200) تابعة للخطوط الجوية الجزائرية بتاريخ 6 من مارس/آذار 2003 بعد إقلاعها من مطار تمنراست أغنار أقصى جنوب البلاد، وهو ما كان قد خلف 102 قتيل.
يوم 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، سقطت طائرة جزائرية تابعة للقوات الجوية الجزائرية من نوع “كاسا سي-295” بمنطقة لوزار غير بعيد عن الحدود الإسبانية الفرنسية
وفي 30 من يونيو/حزيران 2003، تحطمت طائرة عسكرية تابعة للقوات الجوية الجزائرية من نوع “هرقل سي 130” إثر سقوطها على حي سكني ببني مراد قرب مدينة بوفاريك بولاية البليدة مما خلف مقتل 20 شخصًا من سكان الحي، من بينهم أربعة من أفراد الطاقم وتسجيل نحو 30 جريحًا، إثر خلل تقني في المحرك لدى تحليقها بالقرب من القاعدة الجوية العسكرية لبوفاريك.
وفي 13 أغسطس/آب 2006 تحطمت طائرة تابعة للقوات الجوية الجزائرية من نوع “لوكهيد إل 100” هرقل قرب مدينة بياتشنزا الإيطالية أدى إلى مقتل طاقمها المتكون من 3 أفراد، بسبب عطل في الطيار الآلي تسبب في فقدان السيطرة عليها.
وفي 9 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، سقطت طائرة جزائرية تابعة للقوات الجوية الجزائرية من نوع “كاسا سي-295” بمنطقة لوزار غير بعيد عن الحدود الإسبانية الفرنسية في أثناء مهمة نقل شحنة أوراق العملات من فرنسا إلى الجزائر، لصالح بنك الجزائر، مما أدى إلى مقتل طاقم الطائرة المكون من خمسة عسكريين وممثل عن بنك الجزائر.
وبعد شهر من ذلك في 9 من ديسمبر/كانون الأول 2012، حدث اصطدام عنيف بين طائرتين عسكريتين من نوع “ميغ” بمنطقة عين كروف ببلدية عين النحالة بولاية تلمسان أقصى غرب البلاد أدى إلى مقتل 4 طيارين كانوا على متنهما.
وفي 11 من فبراير/شباط 2014، سقطت طائرة نقل عسكرية من نوع “هرقل س 130” بقمة جبل فرطاس بولاية أم البواقي شرق البلاد، وقتل 77 من ركابها ونجا واحد منهم فقط.
على غرار معظم طائرات الجيش الجزائري، فإن طائرة الأربعاء الأسود من صنع روسي وهي من طراز “إليوشين أي أل ـ76” التي تصنف على أنها طائرة نقل وشحن إستراتيجية
وفي 24 من يوليو 2014 سقطت طائرة للخطوط الجوية الجزائرية في شمال مالي أدى إلى مقتل 116 شخصًا من جنسيات مختلفة، وأرجع المحققون السبب إلى عدم تفعيل نظام مكافحة الصقيع، وفي 13 من أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه تم تسجيل سقوط طائرة مقاتلة من نوع “سوخوي 24” ومقتل قائدها قرب قاعدة حاسي بحبح العسكرية جنوب البلاد، وغير بعيد عن هذه الأخيرة، سقطت في 11 من نوفمبر من العام ذاته طائرة عسكرية من نوع “ميغ 29” لكن نجا قائدها.
وفي 27 من مارس 2016 تحطمت مروحية عسكرية في منطقة رقان جنوب البلاد، وأسفر الحادث عن مقتل 12 عسكريًا وجرح اثنين.
وفي 10 من أغسطس/آب 2017، تحطمت طائرة عمودية تابعة لشركة طاسيلي للطيران من نوع “بيل 206” بضواحي الدويرة غرب العاصمة الجزائر، وتسبب الحادث في مقتل 4 أشخاص.
خصائص طائرة الأربعاء الأسود
على غرار معظم طائرات الجيش الجزائري، فإن طائرة الأربعاء الأسود من صنع روسي وهي من طراز “إليوشين أي أل ـ76” التي تصنف على أنها طائرة نقل وشحن إستراتيجية، بها أربعة محركات، وهي من تصميم مكتب اليوشن للتصميم الروسي.
ويعرف عن هذا النوع من الطائرات أنه قادر على تحمل الظروف الجوية القاسية في سيبريا والمناطق القطبية، وعلى حمل 40 طنًا على مسافة 5000 كيلومتر في 6 ساعات.
و”إليوشين أي أل ـ 76″ هي أول طائرة سلمت إلى القوة الجوية السوفياتية عام 1974 لتصبح الناقلة الإستراتيجية الرئيسية للاتحاد السوفياتي.
واستخدمت هذه الطائرة وسيلة لعمليات الإجلاء المدني في حالات الطوارئ والمساعدات الإنسانية والإغاثة من الكوارث في جميع أنحاء العالم، لامتلاكها خاصية العمل من مدارج غير ممهدة حتى في المناطق غير المطورة والنائية.
وابتداءً من عام 2004، تمت ترقية عدد من الطائرات التجارية Il-76TD-90VD) لتدخل نسخة حديثة أخرى، Il-76MD-90A، الإنتاج في عام 2010.
وتستخدم قرابة 900 وحدة من هذا الجهاز العسكري في 38 دولة حول العالم، ويشغل سلاح الجو الجزائري 18 طائرة من طراز Il-76، من بينها 3 طائرات من طراز Il-76MDs وتسع طائرات طراز Il-76TDs وستة من طراز Il-78 Midas.