استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمير دولة قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني في مكتبه البيضاوي بواشنطن، وقدمه على أنه شريك في الحرب على الإرهاب، بعد ان اتهم دولة قطر قبل عام بتمويل الإرهاب ودعم خصومها في المنطقة في نزاع إقليمي مثير للجدل، في موقف جديد يُضاف إلى مواقفه المتبدله تجاه قطر والأزمة الخليجية.
زيارة تُفشل حسابات دول الحصار
تأتي زيارة أمير قطر إلى واشنطن بعد زيارة طويلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان استمرت قرابة 20 يوماً، عقد خلالها الصفقات ودفع المليارات، وقبل زيارة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الذي أجل رحلته إلى واشنطن لتأتي بعد زيارة أمير قطر.
وكان من المقرر أن يستضيف الرئيس الأمريكي زعماء دول الخليج في القمة الأميريكية-الخليجية بكامب ديفيد في مايو/أيار القادم، لكنها تأجلت إلى سبتمبر/أيلول، وفسرت أوساط في إدارة ترامب التأجيل بسبب ازدحام برنامج الإدارة الأميركية في الوقت الحاضر، بيد أن مصادر أخرى قالت إن التأجيل إشارة أيضًا إلى حقيقة أن واشنطن لم تحرز تقدمًا يذكر حتى الآن في إنهاء الخلاف.
تؤكد نتائج زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن، أن أزمة حصار قطر بدأت بالعد العكسي
وعلى عكس الانتقادات التي طالت ابن سلمان، استقبلت واشنطن أمير قطر بحفاوة، وقال الكاتب كيرس ميلث مراسل الشئون الخارجية في مجلة ناشيونال إنترست إن الرئيس ترامب الذي وقف إلى جانب أمير دولة قطر أكد أن علاقات بلاده تشير بشكل ممتاز مع قطر، مُشيرًا إلى أن الطرفين بحثا سبل تعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين بما فيها تعزيز التنسيق القطري الأمريكي في مواجهة الإرهاب والتطرف.
في المقابل، حاول وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات أنور قرقاش التقليل من شأن هذا اللقاء بوصفه “زيارة عادية”، مشيرًلا إلى أن حلّ الأزمة بوابته الرياض وسيتم بجهود خليجية، نافيًا وجود أي “اختراق” بعد زيارة أمير قطر لواشنطن.
تدوينة لأنور قرقاش يقلل فيها من شأن هذا لقاء ترامب والأمير تميم
وتؤكد نتائج زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن، أن أزمة حصار قطر بدأت بالعد العكسي، وهي سائرة نحو التفكك التدريجي على عكس ما كان يطمح إليه الطرفان اللذان قاما بافتعالها، الإمارات والسعودية، يوم 23 مايو/أيار الماضي بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، ونشر خطاب كاذب منسوب لأمير قطر.
وهناك إجماع في أوساط المراقبين الذين تابعوا زيارة أمير قطر على أنها كانت ناجحة بكل المقاييس، وحمل ظهوره إلى جانب الرئيس ترامب عدة رسائل، تظل أبرزها أن مقاربة الإدارة الأميركية لملف الإرهاب مختلفة عن “بروباغندا” السعودية والإمارات من أجل فبركة ملف مخالف للواقع.
لهذا السبب أثار الرئيس الأميركي علاقة السعودية والإمارات بتمويل الإرهاب، الأمر الذي يعني أن الإدارة الأمريكية أعادت الأمور إلى نصابها، فملف السعودية تحديداً في هذا المضمار ثقيل جداً، وهو لا يبدأ ولا ينتهي عند أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهو لا يزال مفتوحاً من خلال “قانون جاستا”.
وبعد مواقف متضاربة من ترامب تجاه قطر، يمكن القول إن زيارة أمير قطر أنهت فصلاً من التوتر مع البيت الأبيض، وفتحت صفحة جديدة، وهذا ينعكس في صورة أوتوماتيكية على وضع حد لحسابات دول الحصار التي كانت تعمل على توجيه الأزمة نحو مسارات تتجاوز حصار قطر إلى ارتكاب حماقات تدخل المنطقة في نزاع مسلح، وهو الأمر الذي تحدث عنه، صراحة، أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، من أمام البيت الأبيض خلال زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
من الناحية الاقتصادية، تزامن مع زيارة الأمير القطري، قيام كبار المسئولين القطريين ورجال الأعمال بجولة في الساحل الشرقي للترويج للعلاقات التجارية في ميامي ورالي ونورث كارولينا وتشارلستون بولاية ساوث كارولينا، حيث بدأت رحلة أمير قطر بولاية فلوريدا لحضور منتدى الأعمال القطري الأمريكي والتقى سموه بقائد القيادة المركزية الجنرال جوزيف فوتيل، الذي يشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الغارات الجوية المضادة للإرهاب التي تنطلق من “قاعدة العديد” الأمريكية في قطر.
تناقض مواقف أمريكا تجاه قطر
لعل اللقطة الشهيرة التي ثظهر سوء فهم في تبادل التحية بين ترامب والأمير تميم خلال لقاء لهما خير دليل على التذبذب في الموقف الأمريكي تجاه قطر، فمع بداية اندلاع الأزمة القطرية الخليجية في 5 يونيو 2017، طالب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك ريكس تليرسون دول الحصار بالتخفيف من الحصار المفروض على قطر لما له من تبعات إنسانية وتأثير على التحالف الأمريكي الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وبعد بضعة ساعات خرج ترامب ليعرض لعب دور الوسيط لحل الأزمة، ليتغير الموقف مجددًا بعد أيام قليلة بتصريح واضح دعا فيه قطر إلى التوقف عن تمويل الإرهاب، وقال إن قطر في ذلك الوقت كانت “ممولة للإرهاب على مستوى عال جدا”، وطالبها بقطع تدفق الأموال، من أجل الانضمام إلى “دائرة الدول المسؤولة“.
تدوينات تبرز تناقض موقف ترامب من قطر والأزمة الخليجية
كان موقف ترامب في حزيران/ يونيو الماضي مناقضًا لإدارته وموافقًا لاتهامات المنافسين الإقليميين لقطر، ما أثار في حينها خلافًا بين ترامب وريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق، وقالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية إن تيلرسون “وجد نفسه في موقف محرج، حيث توجب عليه مرة أخرى الإجابة عن أسئلة الصحفيين حول التصريحات الغريبة التي أطلقها رئيسه في ما يخص أزمة قطع العلاقات مع قطر”.
وبعد مرور شهر وقعت أمريكا إتفاقية مع قطر لمكافحة تمويل الإرهاب في أجواء بدت إيجابية، لكن لم يلبث الأمر حتى خرج الرئيس الأمريكي بعد يومين بتصريح على إحدى القنوات الأمريكية ليجدد إتهامه لقطر بتمويل الإرهاب ويوجه لها تحذيرًا “عُرفَت قطر بتمويل الإرهاب وقلنا لهم يمكنهم فعل ذلك”.
وفي نهاية بناير 2018 تعود واشنطن لتؤكد على أواصر الصداقة مع الدوحة التي وصفتها بالشريك القوي والبلد الصديق، ويُرجع خبراء أكاديميون لمجلة نيوزويك ذلك التحول الذي حدث في موقف ترامب نتيجة حملة دعاية متواصلة سخرت خلالها قطر جيش من جماعات الضغط لإقناع واشنطن بأن قطر حليف يمكن الاعتماد عليه.
هذه المواقف المتسارعة والمتناقضة لترامب تجاه هذه الأزمة التي زلزلت المنطقة، أظهرت- وفق مراقبين- مدى جهله بالعلاقات الأمنية والعسكرية بين بلاده وقطر، حتى إن الصحفي الأمريكي المعروف سيمون ماركس سخر من ترامب بالقول: إنه “ربما لا يعرف أن بلاده تمتلك قاعدة عسكرية في قطر”.
تغريدة للصحفي سيمون ماركسر يسخر فيها من موقف ترامب تجاه قطر
انتصار سياسي جديد
سجلت قطر انتصارًا سياسيًا مهمًا على حساب أطراف الأزمة الخليجية، إذ قام الرئيس الأمريكي بإبلاغ أمير قطر بأنه بات يرى أن الدول المحاصرة لقطر هي التي تعرقل إيجاد حلّ للأزمة الخليجية، وتصدان الجهود نحو حل سياسي ينهي الأزمة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤول في الإدارة الأمريكية أن ترامب يعتقد أن المماطلة في إيجاد حل للأزمة الخليجية تقع على عاتق الإمارات وبالتحديد على عاتق أبوظبي، مضيفًا أن الرئيس الأمريكي يدفع باتجاه التسوية، لأن الأزمة الخليجية باتت تهدد استقرار منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت تعاني من الصراعات.
في ظل تراكم الأزمات الملحة في المنطقة، يتوق ترامب إلى حل الأزمة الخليجية
وأوضحت الصحيفة أن الدوحة تمكنت من كسب الرهان وإفشال حملة دول الحصار لتشويه صورتها أميركياً، وتحقيق اختراق قد ينهي الأزمة المفتعلة”، مشيرة إلى أن هناك تحولاً جديدًا في موقف الإدارة الأمريكية إلى موقف يتعاطف فيه مع قطر في ضوء الحصار الذي تفرضه أربع دول عربية عليها منذ عدة شهور.
ويجسد التحول الجديد في الموقف الأمريكي نجاح الجهود المكثفة والقوية التي بذلتها قطر لتصحيح المغالطات التي روجتها دول الحصار للتأثير على صورتها في واشنطن، وكذا تجديد تأكيد تعاونها القوي مع الولايات المتحدة الأميركية كشريك في الحرب على الإرهاب.
وبحسب صحيفة ليزيكو الفرنسية، تمكنت قطر من الصمود في وجه الحصار الذي فرضه عليها جيرانها، والذي أرجعته الصحيفة إلى رفض دول الحصار رؤيتها تستقل بمواقفها وسياستها، وأن السعودية المهووسة بصراعها مع إيران أرادت تحميل قطر مسئولية الأزمات التي تعيشها المنطقة، لافتة إلى الإجراءات التي إتخذتها الحكومة القطرية فور بدء الحصار.
الكرة في ملعب السعودية والإمارات
في ظل تراكم الأزمات الملحة في المنطقة، يتوق ترامب إلى حل الأزمة الخليجية، لاسيما في الوقت الذي يبحث فيه إمكانية توجيه ضربة للنظام السوري، رداً على هجوم دوما الكيميائي، وبما أن قطر تستضيف قاعدة العديد الجوية، التي تضم ما يقرب من عشرة الآف جندي أمريكي، وهي المقر الخارجي للقيادة المركزية للولايات المتحدة ومنها ستطلق أي ضربة ضد تنظيم الدولة فإن الأزمة تعرقل هذه الجهود.
من جانبها، قالت قناة أي بي سي نيوز في موقعها إن قطر نجحت في تعزيز دورها كشريك موثوق ومقبول في منطقة حيوية واستراتيجية، منوهة بعمليات التحديث في قاعدة العُديد الجوية، حيث يتم بناء منشآت جديدة للقوات الأمريكية لتحسين الخدمات ورفع نجاعة القاعدة.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس الأميركي سيضع الأزمة الخليجية على أجندة القمة الأميركية – الخليجية في كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول المقبل، إذا لم تتمكن قطر وجيرانها من حلّ أزمتهم بحلول هذا الموعد.
منذ بداية الأزمة عملت أبوظبي والرياض على إقامة شرخ كبير في العلاقات القطرية الأميركية، من خلال نسج سلسلة معقدة من الافتراءات لتلطيخ سمعة الدوحة، ووصمها بالإرهاب.
ولفتت الصحيفة إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت الكونغرس، موافقتها على صفقة محتملة بقيمة 300 مليون دولار لبيع برامج صاروخية متطورة لقطر، التي رأى فيها بيان الوزارة “قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في منطقة الخليج”.
وذكرت الصحيفة أن قطر وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة لتبادل المعلومات حول الإرهابيين ومكافحة تمويل الإرهاب، كما أبلغت وزارة الخارجية الكونغرس أنها وافقت على بيع أنظمة صواريخ متطورة لقطر بقيمة300 مليون دولار، والتي وصفها البيان بأنها “قوة مهمة للاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي في منطقة الخليج “.
منذ بداية الأزمة عملت أبوظبي والرياض على إقامة شرخ كبير في العلاقات القطرية الأميركية، من خلال نسج سلسلة معقدة من الافتراءات لتلطيخ سمعة الدوحة، ووصمها بالإرهاب.
وشكلت الإمارات دائرة من المصالح المتشابكة في الولايات المتحدة التي تتقاطع عند عزل قطر، وتمكنت أبوظبي من توظيف علاقاتها الدبلوماسية واللوبي الذي بناه سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة، بالتعاون مع اللوبي الإسرائيلي، من التأثير على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طمعاً في الحصول على تأييدها لزعزعة الوضع في قطر، ولكن إدارة الأزمة من طرف الدوحة بحكمة، ومواجهة الحصار بفتح مسالك جديدة نحو المحيطين الإقليمي والدولي أفشل الخطة وكشف افتراءات دول الحصار وتهافت خطابها.