عرفت بلاد المغرب الأقصى، نشأة عديد الدول الدينية المستقلة فوق أراضيها، منها الدولة السعدية التي دام حكمها أكثر من قرن، وكان أشهر حكامها السلطان المعتصم بالله السعدي والسلطان أحمد المنصور الذهبي، وقد تمكنت هذه الدولة من فرض نفسها في غياب سلطة مركزية قوية قادرة على توحيد البلاد ودرء الاحتلال الاسباني والبرتغالي. دعونا في هذا التقرير أن نتعرف أكثر على الدولة السعدية في المغرب العربي.
الدولة السعدية .. نسبهم
مطلع القرن الـ 14 ميلادي، نزح أجداد السعديين من ينبع النخل من أرض الحجاز في الجزيرة العربية نحو منطقة وادي نهر درعة بلاد السوس جنوب المغرب، حيث بدأوا في نشر دعوتهم عن طريق الفرق الصوفية في تلك المنطقة من البلاد، حسب ما تؤرّخ له كتب التاريخ.
وتقول بعض المصادر التاريخية، إن هناك خلافًا في نسب السعديين، ذلك أن البعض يرجعهم إلى بني سعد بن بكر من هوازن، الذين منهم حليمة السعدية ظئر رسول الله صل الله عليه وسلم، ولذلك يعرفون بالسعديين، مع أنهم لم يتخذوا هذه النسبة، ولم تكن لهم في سجلاتهم وصدور رسائلهم ونقودهم، ولكنهم اشتهروا بها لدى العامة والخاصة فصارت كالعلم ودخلت كتب التاريخ.
سنة 931 هجري، استولى السعديون على مدينة مراكش، وبعدها بـ 16 عام استولوا على أغادير بعد طرد البرتغاليين منها
فيما يرجع آخرون نسبهم إلى بيت الرسول، وفي ذكره لنسب محمد القائم السعدي مؤسس الأسرة السعدية قال عبد الفتاح الغنيمي، صاحب “موسوعة المغرب”: “هو محمد بن عبد الرحمن بن علي بن مخلوف بن زيدان بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عرفة بن الحسن بن أبي بكر بن علي بن حسن بن أحمد بن اسماعيل بن قاسم بن محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن حسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم”.
القضاء على الدولة الوطاسية
تقول كتب التاريخ أن المغاربة وجدوا في “محمد القائم السعدي ” الذي كان صاحب علم وصلاح، الشخص الذي يمكن أن يقودهم في حركة الجهاد ضد المحتلين النصارى من الإسبان والبرتغال، فأرسلوا في طلبه من “درعة”، فجاء إليهم، واجتمع فقهاء المصامدة وشيوخ القبائل وبايعه أهلها سنة 916 هجري الموافق لـ 1510 ميلادي، وتلقب بالقائم بأمر الله، فبدأ بذلك حكم السعديين.
انهيار المملكة البرتغالية في معركة “وادي المخازن”
بداية حكم السعدي كانت بالسيطرة على مدينة تارودنت وحصنها، ومعها انطلق الجهاد ضد الصليبيين الذين تطاولوا على بلاد السوس مستغلين ضعف الدولة الوطاسية، فيما ذهب أولاده الثلاثة للطواف في أنحاء البلاد لدعوة الناس وتعريفهم بالدولة الوليدة، وما فتؤوا يتحولون إلى قوة عسكرية وسياسية.
سنة 931 هجري، استولى السعديّون على مدينة مراكش، وبعدها بـ 16 سنة استولوا على أغادير بعد طرد البرتغاليين منها، فيما دخلوا فاس سنة951 هجري، والقضاء نهائيا على الوطاسيين، ليتوجهوا بعدها إلى توطيد دعائم المُلك، وفرض الأمن في البلاد.
القضاء على البرتغاليين
بعد القضاء على الدولة الوطاسية، توجّه السعديون نحو القضاء على التواجد البرتغالي فوق أراضيهم، وكان لهم ذلك سنة 985 هجري الموافق لسنة 1578 ميلادي، بعد انتصارهم في معركة وادي المخازن “القصر الكبير” سنة 986هـ / 1578م.
في هذه المعركة التي بدأها ملك البرتغال سبستيان ابن يوحنا الذي حاول القيام بحملة صليبية للسيطرة على جميع شواطئ المغرب (بعد ضربات المغاربة التي جعلتهم ينسحبون من أسفى وأزمور وأصيلا وغيرها في زمن يوحنا الثالث)، انتصر السعديون، وأثبتوا قوتهم السياسية والعسكرية في منطقة الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.
عرفت هذه المعركة باسم “معركة الملوك الثلاثة”، حيث لقي خلالها ثلاث ملوك مصرعهم
فيما فقدت الإمبراطورية البرتغالية في هذه المعركة سيادتها وملكها وجيشها والعديد من رجال الدولة، وانهارت المملكة عسكريا، سياسيا واقتصاديا، حيث لم يبق من العائلة المالكة إلا شخص واحد، واستغلّ فيليب الثاني ملك إسبانيا ذلك وضمّ المملكة إلى ملكه بعد انهزام بقايا السلالة البرتغالية الحاكمة في معركة القنطارة قرب لشبون، وبدأ البرتغاليون يقولون إن سبستيان لم يمت وسيعود للحكم وستستقل البرتغال، وتحول أمل عودته لظاهرة مرضية (السبستيانيزم).
عرفت هذه المعركة باسم “معركة الملوك الثلاثة”، حيث لقي خلالها ثلاث ملوك مصرعهم وهم الملك المخلوع محمد المتوكل والملك أبو مروان عبد الملك (المغرب)، وملك البرتغال سبستيان، وورث أحمد المنصور العرش السعدي في فاس.
انهيار مدو
كما كان صعودها بقوة، كان انهيارها بطريقة أشد قوة، فأثناء تولي أبو معالي زيدان السلطنة خلفا لوالده أحمد المنصور الذهبي، اشتدّ الخلاف داخل الأسرة الحاكمة، فقد زاحم أبو معالي زيدان، أخواه وحاولا الانقضاض على حكمه. وبعد وفاته سنة 1037هجري اشتد النزاع بين أولاده، وورث الملك عنه ابنه عبد الملك، الذي حاول أن يضبط الأمور فقتله بعض أهل مراكش بإغراء من أخيه الوليد الذي خلفه على الحكم.
الصراع على السلطة عجّل بانهيار الدولة
نتيجة ذلك، تفككت أواصر الدولة وقامت الثورات والحركات الانفصالية والإمارات المستقلة عن الحكومة المركزية في المغرب الاقصى، فلم يتجاوز سلطان الوليد مراكش وأعمالها، في حين عصفت الفتن في فاس وبقية المغرب، وبقي السعدييون في مراكش إلى أن انقرضت دولتهم عام 1069هجري بمقتل أحمد بن محمد الشيخ بن زيدان واستيلاء أخواله آل الشبانات على الدولة.