قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات التشريعية والمحلية الموريتانية المقررة في شهر سبتمبر/أيلول القادم، دخل نظام محمد ولد عبد العزيز الذي يمسك بزمام الأمور في البلاد في سلسلة لقاءات ونقاشات سرية مع المعارضة سعيًا منهما إلى تقريب وجهات النظر بخصوص هذه الاستحقاقات الانتخابية القادمة، فهل تمثل هذه المشاورات بداية المصالحة بين النظام والمعارضة الموريتانية؟
مشاورات سرية
هذه المشاورات السرية بين الحكومة والأغلبية الداعمة لها ومنتدى المعارضة بموريتانيا (أكبر ائتلاف لأحزاب المعارضة في موريتانيا) خلصت إلى اتفاق سياسي يتعلق بالاستحقاقات الانتخابية القادمة، ووفقًا لوسائل إعلام محلية فإن أغلبية بنود هذا الاتفاق تركزت حول ضمان شفافية الاستحقاقات الانتخابية القادمة، نهاية هذه السنة والسنة المقبلة.
ونصت توطئة الاتفاق، حسب ما نشر، أن الهدف منه “تطبيع العلاقة بين الطرفين، وسعيًا لمزيد من انسيابية الانتخابات والعمل السياسي الوطني، بين أغلبية تحكم بتفويض من الشعب الموريتاني، ومعارضة مسؤولة تلعب دورها بشكل ديمقراطي بحيث تراقب وتقدم النصح والنقد”.
تضمنت المادة الأولى من مشروع الاتفاق السياسي النص على مشاركة منتدى المعارضة “في اقتراح الأعضاء في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات كطرف معارض”، فيما نصت المادة الثانية على تولي لجنة الانتخابات إعداد وتحضير السجل الانتخابي بشكل كامل، وتضمنت المادة الثالثة إلزام اللجنة باكتتاب موظفيها عبر مسابقة شفافة ونزيهة.
استجابت السلطات الموريتانية الحاكمة لمطلب قديم للمعارضة يتعلق بالإعلام العمومي
كما تضمنت المسودة اتفاق الطرفين على “تشكيل لجنة خبراء لوضع معايير من أجل تطبيق قوانين محاربة الرشوة، وتقشيف تمويل الانتخابات، وعلى بحث موضوع تصويت الجيش وقوى الأمن، بحيث لا يكون في يوم ولا دوائر خاصة”، وأكد مشروع الاتفاق المسرب ضرورة “عمل الأطراف على التطبيق الصارم للقانون المطبق للولوج للإعلام العمومي، خاصة التغطيات ونشرات الأخبار”، وعلى تشكيل الطرفين “لجنة من الخبراء لوضع معايير لتطبيق هذا القانون”.
وورد في مشروع الاتفاق السياسي أنه “نظرًا لاستعجال الجدول الزمني لتشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات يستمر التفاوض بشأن بقية نقاط العريضة المقدمة من طرف المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، من أجل الوصول إلى اتفاق حولها”.
واستجابت السلطات الموريتانية الحاكمة لمطلب قديم للمعارضة يتعلق بالإعلام العمومي حيث نصت المادة السادسة على: “تعمل الأطراف على التطبيق الصارم للقانون المطبق للولوج للإعلام العمومي، وبخاصة تغطيات الأحداث ونشرات الأخبار، على أن يشكل الطرفان لجنة من الخبراء لوضع معايير لتطبيق هذا القانون” .
يركز الرئيس الموريتاني على إصلاح حزبه الحاكم
أكدت التوطئة “أن الاتفاق تعبير عن الإرادة القوية بين الطرفين في التلاقي والتوافق، إيمانًا بأن التحاور بين الموريتانيين نهج لا غنى عنه في تسيير قضاياهم، وهو ما يجب أن يكون حالة طبيعية، لا شرط دونها ولا قيود عليها، وإيمانًا من الطرفين بالنظام الديمقراطي كنهج وحيد لممارسة السلطة، وتحقيق التناوب السلمي، وبأن إرادة الناخب الموريتاني المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع فقط، هي السبيل الديمقراطي الوحيد لتحديد مركز كل طرف من أطراف العملية السياسية”.
وأكدت وسائل اعلام موريتانية محسوبة على السلطة أن وفد المعارضة الذي شارك في التفاوض السري مع الحكومة، ضم الرئيس الدوري للمنتدى محمد ولد مولود ومحمد محمود ولد سيدي رئيس حزب “التجمع” ويحيى ولد أحمد الوقف رئيس حزب “عادل”، بينما ضم وفد الغالبية رئيسها الشيخ عثمان ولد الشيخ أبي المعالي رئيس حزب الفضيلة ورئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم سيدي محمد ولد محم.
المعارضة تنفي
تسريب هذه الوثيقة جاء بعد أيام قليلة من نفي المعارضة الموريتانية المنتظمة بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في المنتدى الوطني للديموقراطية، “وجود أي اتصالات سرية أو علنية مع السلطة بخصوص المسار الانتخابي الذي يصر النظام على تسييره بصورة أحادية”، حسب تعبيرها.
رغم نفيه التفاوض مع النظام، أعلن منتدى المعارضة على لسان محمد ولد مولد الرئيس الدوري له، عزمه المشاركة في الانتخابات المحلية والنيابية القادمة، داعيًا الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية المعنية إلى مراقبتها، وسبق أن قاطعت مكونات المنتدى الانتخابات النيابية والمحلية التي جرت عام 2013.
يقود وزراء من الحكومة الحاليّة بعثات “ترويج” أرسلها الحزب الحاكم لعدد من محافظات البلاد، بغرض الدعاية للحزب
وعبّر رئيس الائتلاف في لقاء صحفي عن تخوفه من أن تكون الحكومة تخطط لـ”تزوير” الانتخابات القادمة، لافتًا إلى أن المعارضة لن تقبل بـ”التلاعب” بهذه الانتخابات، وطالب بإشراك المعارضة في جميع مراحل التحضير للاقتراع، بما في ذلك اختيار اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وتأتي هذا التجاذبات بينما حددت الحكومة مستهل شهر سبتمبر/أيلول المقبل موعدًا لأوسع انتخابات تشهدها البلاد وهي انتخابات تشمل النواب وعمد البلديات وأعضاء المجالس الجهوية، كما حددت شهر مارس/آذار من العام المقبل لانتخابات الرئاسة التي سينتخب خلالها رئيس جديد غير الرئيس الحاليّ الذي يمنعه الدستور من الترشح لأكثر من ولايتين.
تحذير من ممارسات النظام
فضلاً عن ذلك، حذر المنتدى من أن انخراط أعضاء الحكومة الحاليّة في عملية “الانتساب” (الانضمام) التي ينظمها حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم منذ أيام، يجعلها غير مؤهلة للإشراف على العملية الانتخابية القادمة.
ويقود وزراء من الحكومة الحاليّة بعثات “ترويج” أرسلها الحزب الحاكم لعدد من محافظات البلاد، بغرض الدعاية للحزب ودعوة مواطنين للانضمام إليه، واتهم “ولد مولود” الحزب الحاكم باستخدام وسائل غير مشروعة في حملة انتسابه الحاليّة، وقال إن من بين تلك الوسائل الرشوة واستخدام وسائل الدولة وإفراغ المصالح الحكومية من الموظفين وإجبارهم على الانخراط في حملة “الانتساب” هذه.
تخشى المعارضة الموريتانية تواصل عدم مبالاة النظام بمشاكل الشعب
وفي شهر فبراير/شباط الماضي بدأ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عملية إصلاح حزبه الحاكم استعدادًا للانتخابات النيابية والبلدية والجهوية المقررة خلال العام الحاليّ وانتخابات الرئاسة المقررة منتصف العام المقبل، ويشرف على هذه اللجنة عدد من الوزراء.
وترى أحزاب المعارضة أن تركيز الرئيس محمد ولد عبد العزيز على إصلاح البيت الداخلي لحزبه الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم وتكليف وزراء في الحكومة بذلك، يؤكد تداخل أجهزة الحزب الحاكم مع أجهزة الدولة في موريتانيا، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع في البلاد.