من التحكم في قراراته وتعييناته مرورًا بمنعه من البقاء في عدن وإعادة طائراته من سماء العاصمة اليمنية المؤقتة إلى الرياض، ومن ثم حجزه في المملكة العربية السعودية وصولًا إلى التنسيق الكامل لإقصائه من منصبه، يمر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وشرعيته المعترف بها دوليًا بأصعب فتراتها، لعدة عوامل أبرزها، التأخير في عملية الحسم العسكري وعدم استغلاله مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وضعف قدرته على احتواء أقرباء صالح وقيادات الجيش اليمني الموالي له، والإمساك بزمام حزب المؤتمر الشعبي العام أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
وفي خضم ذلك تسربت معلومات عن بدء مرحلة رسم خريطة جديدة وربما أنهتها الإمارات العربية المتحدة لإقصاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من رئاسة اليمن، وأن هناك تفاهمات تعلمها وتتجاهلها المملكة العربية السعودية بضرورة البدء بمرحلة جديدة من الحرب عبر محورين سياسي وعسكري.
المحور السياسي
المحور السياسي، دأبت المملكة العربية السعودية على التواصل مع الحوثيين بوساطة عمانية، من أجل التفاهم معهم على وقف الهجمات الصاروخية التي زادت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، والوصول إلى حلول مرضية للطرفين تكون سببًا في خفض الطلعات الجوية على العاصمة صنعاء ومناطق عسكرية أخرى، وفتح بعض المطارات كتخفيف للحصار المفروض على المليشيا الحوثية المدعومة من إيران.
ووفقًا للتفاهم التي جرى بين الطرفين خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، وبوساطة عمانية بعيدًا عن الشرعية، فقد أجريت اتصالات مكثفة مع الحوثيين للتفاوض، تركزت على ضرورة توقف متبادل للقصف ووقف المواجهات على الحدود، لكن لم يكلل ذلك بالنجاح بسبب إصرار الحوثيين على موقفهم وشروطهم، وهو وقف الطلعات الجوية بشكل كامل والتوقف عن دعم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإعلان انتهاء المبادرة الخليجية وترتيب المؤسسة الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والعودة إلى الحوار بين المكونات السياسية من دون هادي ومسؤولي حكومته.
التسريبات الإعلامية الأخيرة التي أوضحت أن الإمارات العربية المتحدة تتوافق مع الحوثيين بالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس اليمني، من خلال الانتهاء من رسم خريطة جيوسياسية للأزمة السياسية في اليمن من دون الرئيس عبد ربه منصور هادي
إجمالاً ورغم التوافق على بعض النقاط، فإن هذه الاتصالات لم تسفر عن نتائج ترضي الطرفين، وكانت النقاط الخلافية هي إصرار الحوثيين على عدم إعطاء أي دور للرئيس هادي، في الوقت الذي ترفض المملكة العربية السعودية أن تسلم اليمن كله للحوثيين، وإقصاء الرئيس هادي عن أي تسوية مستقبلية ستطرح إشكالات قانونية وأخلاقية بالنسبة للجميع، فهادي يمثل الشرعية التي تعترف بها الأمم المتحدة وباسمها أعلن التحالف العربي حربه في اليمن.
وهنا يمكن أن تكون عملية إطلاق الصواريخ الحوثية خلال الفترة الأخيرة وسيلة للدفع لتحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات، ولن تفضي النتائج إلى رضاء الطرفين.
لكن ربما مع الزمن وفي ظل هذا التراخي من التحالف والحكومة والرئيس هادي والقوات الموالية لهم على الأرض قد تكون شروط الحوثي التفاوضية هي من ستفرض نفسها على الأرض، وقد تخسر المملكة العربية السعودية هذه الحرب، ويعلن الحوثيون الانتصار، وهذا ما سنناقشه في موضوع مستقل.
إقصاء هادي
وما يشير إلى ذلك، التسريبات الإعلامية الأخيرة التي أوضحت أن الإمارات العربية المتحدة، تتوافق مع الحوثيين بالنسبة للمستقبل السياسي للرئيس اليمني، من خلال الانتهاء من رسم خريطة جيوسياسية للأزمة السياسية في اليمن من دون الرئيس عبد ربه منصور هادي، وقد تم ذلك بعلم المملكة العربية السعودية التي لا تريد أن تدخل في احتكاك مع قيادات أبو ظبي.
وفي 10 من أبريل 2018، أصدر كل من الحزب الاشتراكي اليمني (ثالث أكبر حزب في اليمن) والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري (الرابع) بلاغًا صحفيًا مشتركًا من القاهرة، بعد اجتماع أمينا عموم الحزبين: عبد الرحمن عمر السقاف الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني وعبد الله نعمان الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.
اكتفى البلاغ في آخر فقرة منه بإدانة الإرهاب وممارسة العنف السياسي
من أبرز ما ورد في البلاغ تأكيد الحزبين أن الشرعية في هذه المرحلة هي شرعية الأسس والمبادئ التي تأسست عليها عملية الحكم وإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية كما عبرت عنها المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني لا سيما وثيقة تنفيذ ضمانات المخرجات وأن الأشخاص مجرد رموز للتعبير عن تلك الشرعية.
هذا التأكيد بأن الشرعية ليست أشخاص في معناه العام يبدو مقبولاً، لكن في مدلولاته فهو إعلان موقف واضح للحزبين تجاه الرئيس هادي، وهو حديث ربما يستبق تفاصيل قادمة.
واكتفى البلاغ في آخر فقرة منه بإدانة الإرهاب وممارسة العنف السياسي الذي قال إن البلد تشهده حاليًّا، وأشار إلى أهمية وضع حد للتطرف ودعاوى التكفير والتحريض المناطقي والمذهبي وخطاب الكراهية بأشكاله وأنواعه كافة.
الحديث عن الإرهاب كما جاء في البلاغ هو توصيف فضفاض، لم يشر فيه لأي جماعة أو طرف يمثل هذا الإرهاب، واكتفى بنعت ما يجري بأنه عنف سياسي، وهذا التوصيف أيضًا ليس له ما يطابقه على أرض الواقع، فالبلاد برمتها لا تشهد عنفًا سياسيًا بل فوضى مفتوحة متعددة الأقطاب والمسميات والأطراف.
وفي البلاغ نقاط مشتركة مع الموقف الحكومي والأحزاب كإعداد عدن لتكون عاصمة مؤقتة للبلاد، وبناء جيش وطني مؤهل، وتطوير العلاقات مع التحالف العربي على أساس الشراكة.
واتساقًا مع ما كان يجري من مفاوضات سرية ورسم خريطة جيوسياسية، يتحرك المبعوث الأممي الجديد في جولاته لإيجاد تقارب سياسي أو لفهم التوجهات السياسية ورغبة كل طرف من الأطراف التي يلتقي بها وهم الحوثيون والشرعية والحراك الجنوبي والمؤتمر الشعبي العام ونجل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في الإمارات، التي تزامنت مع عودة حكومة أحمد عبيد بن دغر إلى عدن، وهذا يشير للدور المستقبلي لعائلة صالح.
قال السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر، في حديث إلى الصحافيين، بداية نسيان/ إبريل الحاليّ في القاهرة، إن المبعوث الأممي لم يطرح أي أفكار جديدة للحل السياسي في اليمن
التحركات الجديدة للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، تبدو أنها عقلانية، فهو يتحرك على الأصعدة كافة، ويلتقي كل الأطراف التي لها علاقة بالأزمة السياسية في اليمن على عكس المبعوثين السابقين جمال بن عمر الذي كان يعمل مع الحوثيين والإخوان المسلمين في نفس الوقت، وإسماعيل ولد الشيخ الذي كان يعمل لصالح المملكة العربية السعودية ويروج لوجهة نظرها.
فرصة المبعوث الجديد أفضل من غيره ربما لخلفيته، ومن يقفون وراءه داعمين حواراته مع مختلف الأطراف ومنها جماعة الانتقالي تؤكد حرصه على الاستماع للجميع مع عدم تجاوز ما يسميه بالمرجعيات ومنها القرار 2216.
غريفيث يضغط بالمجتمع الدولي لإنجاح مهمته، وتبدو فرصته لتحقيق السلام أفضل من غيره، لكن ذلك لن يكون قبل إنهاك الحوثي في ميدان المعارك، ويبدو أن هناك توجهات للتصعيد وإسقاط بعض المناطق.
وكتأكيد أن الأوضاع السياسية في اليمن قد تتغير خلال الفترة القادمة، ليس لصالح الحكومة اليمنية، قال السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر، في حديث إلى الصحافيين، بداية نيسان/إبريل الحاليّ في القاهرة، إن المبعوث الأممي لم يطرح أي أفكار جديدة للحل السياسي في اليمن، مشيرًا إلى أن لقاءاته وجولاته ومقابلاته مكرسة للاستماع للأطراف اليمنية لمعرفة رؤاهم وتوجهاتهم لتحقيق السلام قبل أن يفرض رؤية معينة.
وقال إن المبعوث الأممي لن يبدأ من الصفر وهو يدرك أهمية التقدم الذي تم إحرازه في الماضي في مشاورات جنيف والكويت، وسنبني على ما سبق وسنمضي للأمام. ولأول مرة يهاجم تولر قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ورئيس حكومته أحمد عبيد بن دغر، عندما قال إنهم أثبتو فشلهم الذريع لعدم استغلالهم لكل الفرص التي أتيحت أمامهم.
بعد مقتل علي صالح، كان لا بد أن يتحرك الرئيس عبدربه منصور هادي سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، حتى لا تصل الأمور إلى هذه المرحلة من التعقيد، لكنه فضل أن تكون كذلك دون أن يعلم عواقبها
فيما يخص موقف الإدارة الأمريكية من الحوثيين، قال تولر إن أمريكا أرسلت رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى المليشيا، أنهم سيكونون جزءًا من الحل القادم، فهم جزء من اليمن، وبالتالي حتى تكون البلد مستقرة لا بد أن يكون هناك أنظمة وقوانين لا تفرق بين المواطنين على أساس المذهب والمعتقد والقبيلة.
وحديث السفير الأمريكي، كما يبدو يمثل ما وصل إليه حال اليأس لدى المجتمع الدولي من عدم قدرة المملكة العربية السعودية والقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من حسم المعركة سريعًا كما خطط له، وكذلك يشير إلى الفرص التي لم يستغلها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ربما يشير السفير الأمريكي إلى تلك الفرص المتمثلة بمقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وعدم استغلاها بطريقة مثلى.
المحور العسكري
في موضوع سابق كشف “نون بوست” ملامح تحالفات جديدة بعيدًا عن الشرعية في اليمن، وهو ما بدأ يتحقق بالفعل، من خلال التفاهمات الجديدة التي أبرمت بين العميد طارق محمد عبد الله صالح والإمارات العربية السعودية والقوات التي دربت من أجل قيادة معركة مستقلة ليست تابعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أو حكومته.
فبعد مقتل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، كان لا بد أن يتحرك الرئيس عبد ربه منصور هادي سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، حتى لا تصل الأمور إلى هذه المرحلة من التعقيد، لكنه فضل أن تكون كذلك دون أن يعلم عواقبها.
ونتيجة لذلك فقد ظلم نفسه وشعبه، وتمت التفاهمات من دونه وستبدأ المعركة النهائية ضد الحوثيين بقيادة العميد طارق محمد عبد الله صالح من الحديدة وتزحف نحو العاصمة اليمنية صنعاء.
رغم العداء الذي تكنه الإمارات العربية المتحدة لحزب الإصلاح (إخوان اليمن) فإنها تركت له مجالًا لأن يكون شريكًا في هذه الحرب
الرئيس هادي أضاع فرص وصلته على طبق من ذهب، وقد يدفع الثمن نتيجة إصراره أن يكون الواحد الأوحد في اليمن، ورفض التصالح مع أولاد وأقرباء علي عبد الله صالح وقياده حزب المؤتمر الشعبي العام، ذلك كان مدخلاً كبيرًا عن طريقه وصلت الإمارات العربية المتحدة إلى حيث ما تشتهي، وسعت إلى الاستعانة بقيادات في الحرس الجمهوري (هيكله الرئيس هادي في 2013)، من أجل إحيائه وتكليف طارق صالح نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، ليكون قائدًا لهذه القوات، وهذه قد تكون بداية إقصاء الرئيس اليمني عسكريًا.
تلك القوات دربتها الإمارات العربية المتحدة ودول في التحالف العربي، ويقودها طارق صالح ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وقد تم تكليفهم ببدء مرحلة عسكرية في الساحل الغربي لليمن.
في خضم تلك الأحداث، فإن القوات التي سيعتمد عليها خلال المرحلة القادمة خاضت تدريبات قتالية مكثفة لمدة 65 يومًا، لن تكون كافية لدحر الملشيا، ولكي تحقق تلك القوات الأهداف المرجوة، فإنها تحتاج إلى التفاف شعبي ومساندة التحالف العربي لقطع طرق الإمداد ومراقبة إطلاق الصواريخ البالستية وتغطية الطيران، وهذا ما يبدو أن هناك تنسيقًا كاملًا لبدء هذه المعركة مع التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
ورغم العداء الذي تكنه الإمارات العربية المتحدة لحزب الإصلاح (إخوان اليمن) فإنها تركت له مجالًا لأن يكون شريكًا في هذه الحرب، فبحسب التفاهمات والاتفاقيات المبرمة، سيكون هناك فرصة “أخيرة للإصلاحيين” بالعودة إلى “وطنيتهم” والإخلاص لها والقتال ضد المليشيات الإيرانية، وإلا سيكون هناك رأي آخر في نهاية الحرب، وهذا يشير إلى أمرين.
الرئيس المعترف به دوليًا، مستقبله السياسي مهدد، سواء انتهت الحرب في اليمن سياسيًا أو عسكريًا
في حال انتصرت القوات التي يقودها العميد طارق، ربما قد تتسامح الإمارات العربية المتحدة جزئيًا مع حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، وتفرض عليهم شروط التخلي عن الإسلام السياسي وحركة الإخوان المسلمين، مقابل الدعم والعمل معهم، وهذا قد يظن الإماراتيون أنه عرض مغر للإصلاحيين في اليمن. الأمر الثاني، إذا رفض حزب الإصلاح العرض الإماراتي، ربما قد يكون المرحلة التالية في قائمة الاستهداف الإماراتية.
الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ما كان ليصل إلى هذا المستوى من الذل لولا تساهله بالأحداث السياسية واعتقاده أن مقتل الرئيس صالح سيجعل أولاده وقادة حزبه يلجأون إليه لكونه يمثل الشرعية، لكنه أخطأ في هذا التقدير، وهذا ما قد يتسبب في خسارة مستقبله السياسي.
الرئيس المعترف به دوليًا، مستقبله السياسي مهدد، سواء انتهت الحرب في اليمن سياسيًا أو عسكريًا، فالحل السياسي، هناك توافق شبه كلي بأن لا يكون له دور سياسي قادم من خلال تكوين مجلس رئاسي هو بعيدًا عنه، لكن ذلك يمثل إحراجًا للسعودية، ولذا لجأت الإمارات إلى إنشاء تحالف عسكري جديد سيقاتل تحت راية التحالف العربي، ليذهب الدعم المادي والعسكري له بعيدًا عن الشرعية لفرض واقع عسكري جديد بعيدًا عن الشرعية، وستبقى الشرعية فقط كشماعة لاستمرار الحرب في اليمن حتى تتحقق الأهداف للجميع!