وما نيل المطالب بالتمني انما تأخذ الدنيا غلابًا، جملة استعارها الإيطالي روبيرتو باجيو في بداية مشواره، ليؤكدها على مدى رحلته الطويلة بجنة كرة القدم. رحلة عرفت العديد من المحطات أثبت خلالها أنه ليس مجرد لاعب عادي بل هو باجيو الحرفي الفنان الصانع الهداف الذي يجمع بين السرعة المراوغة، التمرير والتهديف، الرقم 9.5 كما يوصف في إيطاليا والقادم لرفع التحدي.
البدايات وحب الفيولا
وككل الكبار والأساطير باجيو أيضا انطلق من السفح في رحلة التحدي ليبلغ القمة، فبدأ مع فريق مدينته فيتشنزا الإيطالية في الدرجات الدنيا، حيث ظهرت بوادر موهبته وأرسل رسائله غير المشفرة على أنه كبير قادم قادم في سماء ايطاليا. وبعد ثلاث سنوات بالفريق سجل خلالها 15 هدف ظهرت في طريق باجيو أولى العقبات وأقصاها على الاطلاق لأي لاعب، إصابة في الركبة صاحبتها أزمة مالية خانقة لفريقه الأم أدت إلى انتقاله مجبرًا إلى فلورنسا، هناك حيث احتضنه فريقها البنفسجي فيورنتينا.
5 سنوات قضاها بفلورنسا بين 1985 و 1990 حاملاً للإصابة اللعينة بركبة تملؤها ندوب الجراحة. خاض باجيو 134 مباراة وسجل خلالها 55 هدف مع أنه لم يلعب كمهاجم صريح بل فقط يممر ويساعد المهاجمين من الخلف. وفي عامه الخامس أوصل الفيولا إلى نهائي كأس الاتحاد عام 1990، لتغرس بقلب روبي زهرة الفيولا ويتعلق بحبها وتترسخ بأعينه ألوانها البنفسجية أكثر من لون المستطيل الأخضر الذي يحيا عليه.
بدايته مع يوفنتوس عرفت تسجيله للعديد من الأهداف قدم خلالها لقطات فنية لا تنسى
بنهاية الموسم وجد باجيو نفسه يدافع عن ألوان الأزوري في مونديال 1990 ولأنه كبير لم يكتف بشرف المشاركة فقط بل سجل هدفين في خمس مباريات، أحدها كان الأفضل بالبطولة أمام التشيك، عندما انطلق من نصف الملعب إلى المرمى في لحظة غيب فيها كل اللاعبين ومارس سحره على مرأى الجميع. أما الهدف الثاني منح به ايطاليا المركز الثالث في مباراة الترتيب أمام أسود انجلترا.
باجيو والذهب في يوفنتوس
ولأنك في رحلة التحدي ستفعل أي شيء حتى لو يمكن بإرادتك، فقد أجبر باجيو بعد المونديال على الانتقال إلى يوفنتوس بكلمة من رئيس الفيولا وترك خلفه كل الحب والعشق الذي يجمعه بالفيولا وجمهورها فكان أول تصريح له بعد الوصول إلى تورينو: “أريد أن أشكر الفيولا على ما فعلوه من أجلي وأريد أن أقول لهم أنهم سيظلون دائمًا في قلبي”.
بدايته مع يوفنتوس عرفت تسجيله للعديد من الأهداف قدم خلالها لقطات فنية لا تنسى، لكن اللقطة التي علقت كثيرا بذهن جماهير البيانكونيرو كانت بمباراتهم ضد فيورنتينا، حيث الحكم يعلن ضربة جزاء لليوفي والمفاجئ، أو ربما هو الطبيعي باجيو يرفض التنفيذ، خلال المباراة كان متحفظاً جدا كأنه لا يريد أن يلعب أو هو فقط لا يحب أن يمارس سحره على المدرسة التي تعلمه. تم استبداله ولم يكمل المباراة في ممر خروجه وجد وشاح الفيولا ملقى على الأرض. وللوفاء التقطه واحتفظ به، أراد أن يظهر حبه وولاءه للفيولا لكنه تسبب في خصام كبير وسخط من جانب جماهير فريقه يوفنتوس.
على العموم، سحره بعدها أنسى الجماهير كل ذلك، فقد تألق باجيو، صال وجال في كل ايطاليا برفقة سيدتها العجوز ليحقق سنة 1993 جائزة الأفضل في العالم والكرة الذهبية.
باجيو برفقة الكرة الذهبية عام 1993
كأس العالم الذي تمنى لو لم يشارك به
مرة أخرى بعد التألق الكبير يجد باجيو نفسه في تحد جديد برفقة الأزوري بمونديال 1994، المونديال الذي يتذكره به كل العالم، تحدى عقبته الأولى التي يحملها معه “الإصابة” وقاد إيطاليا للنهائي، فقد سجل بدور الـ 16 أمام نيجيريا ودور ألمانيا ضد إسبانيا، وبدور الأربعة أمام بلغاريا، ليواجه البرازيل في النهائي. حيث انتهت المباراة بالتعادل ولجأ الفريقان لركلات الجزاء. ركلات الكره والحقد بالنسبة لباجيو الذي فشل في تسجيل آخر ركلة للأزوري، ليتحمل وحده مسؤولية ضياع اللقب، لقب لو تحقق كان سيجعل من باجيو الأفضل على الإطلاق في تاريخ إيطاليا.
“في نهائي مونديال 1994.. كان المايسترو البرازيلي كارلوس دونغا مكلفا بمهمة مراقبة باجيو بحكم أنه قضى معه عامين في فيورنتينا ويعرفه جيدًا. يقول كارلوس دونغا: “لو أني اعطيت باجيو ثانية واحدة .. نصف ياردة .. بل لو اني اعطيته 10 سانتميترا لكان قرر مصير المباراة”.
عاد باجيو إلى يوفنتوس بالكثير من الانتقادات التي بدأها ساكي في المنتخب وأكملها مدربه حينها ليبي، وإلى جانب مقدار الحقد الذي تلقاه من الشارع بعد ضياع ركلة المونديال قررت إدارة يوفنتوس التخلي عن ذيل الحصان وأعلنت أنها لم تعد بحاجة لخدمات اللاعب الذي سجل 78 هدف في 141 مباراة مع الفريق وأنها ستعول على أميرها الجديد الصاعد ديل بيرو. ليقرر باجيو رفع التحدي ويتخذ قراره بمعاقبة الجميع في إيطاليا والرد عليهم داخل الملعب.
مجبرًا مرة أخرى انتقل للميلان حيث قدم مستوى جيد بتسجيل 7 أهداف كان أهمها هدف بالديربي وصنع 10 تمريرات حاسمة قاد بها الروسونيري لتحقيق لقب الدوري سنة 1996 ورد بذلك على ليبي وإدارة يوفنتوس وملكهم الجديد ديل بيرو، الذين احتلوا المركز الثاني خلفه.
مارادونا: “باجيو هو باجيو، من اللاعبين الذي لا يمكن مقارنتهم بأحد، لأنه فريد، البعض يحاول مقارنته بي أو ببلاتيني وكرويف، لكن أنا أقول أن باجيو هو باجيو وليس أحداً آخر”
خلال موسمه الثاني مع الميلان لم يكن كما كان في البداية، رجع ساكي لتدريب الفريق ورجعت معه الانتقادات والمعاناة لباجيو بجلوسه على مقاعد البدلاء في موسم للنسيان للفريق المدرب واللاعب، جاء بعده كابيلو خلفا لساكي وكان أول قراراته ابعاد باجيو وأخبره أن لا مكان له بالميلان.
لأنه في رحلة التحدي خرج باجيو لنادي أصغر، تعاقد مع بولونيا ورفع التحدي من جديد ليرد على ساكي كابيلو والميلان بطريقته الخاصة على أرض الملعب، في ذلك الموسم باجيو غير مظهره، قص ذيل الحصان الذي عرف به، خفف شعره لتخف سرعته في تسجيل الأهداف. وبنهاية الموسم سجل روبي 22 هدف في 30 مباراة وأوصل بولونيا الصغير للمركز الثامن والمفاجأة أن ميلان كابيلو ساكي وكل نجوم الروسونيري احتلوا المركز العاشر بعده.
ممر انتر والتحدي الأخير
عن عمر 31 سنة سيرفع باجيو تحد جديد، ويعلن انتقاله لنادي الانتر ميلان، بعد موسمه الخارق وبطلب من الرئيس موراتي الذي صرح قائلاً أن الحياة تبدأ بعد الثلاثين في إيطاليا , حجز روبي مكانه داخل تشكيل من اللاعبين الكبار كان يمتلكهم انتر على رأسهم الظاهرة البرازيلية رونالدو فييري زامورانو بانوتشي. لكن مالم يتوقعه باجيو هو وصول ليبي لتدريب الأفاعي مما يعني بداية صدام جديد وفصل آخر في رحلة التحدي، والسؤال كيف ستربح التحدي من مقاعد البدلاء يا روبي!
انتظر باجيو كثيرا إلى أن جاءت الفرصة ولحظة الرد بنفس الطريقة التي يحبها على أرض الملعب، مباراة فاصلة بين الاتنتر وبارما، لتحديد صاحب المركز الرابع المؤهل لدوري الأبطال، ولأنها نهاية الموسم وعيادة الانتر مليئة بالاصابات كان لزاما على ليبي اشراك باجيو الذي وجدها فرصة لربح التحدي، نزل وسجل هدفين أحدهما أجمل من الآخر قاد بهم النيراتزوري لحسم المركز الرابع فرد على ليبي وأعلن بعدها خروجه لمحطته الأخيرة.
انتقل إلى بريشيا حيث وجد بجانبه المايسترو بيرلو والفيلسوف الإسباني غوارديولا، باجيو استعاد شبابه وأحرز برفقة بريشيا 45 هدفاً في 98 مباراة سجل خلالها أمام اليوفي ميلان الانتر بارما وأحرج الجميع ممن قابلهم في رحلة الخاصة التي تحدى بها الإصابة والكثير من الأعداء ليترك اسمه خالدا في جنة كرة القدم .
يقول مانشيني: “باجيو ثروة وطنيه كان علينا المحافظة عليها وليس الوقوف ضدها”