ترجمة: محمد موسى
بُعيد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المصري محمد مرسى، أعلنت تضامني مع المظاهرات المؤيدة لمرسى في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة. ورغم ان بيتي هو في صنعاء، اليمن، الا انني وكغيري من الذين آمنوا بالربيع العربي لديها نصيبنا في ما يحدث في مصر ولذا قررت الاحتجاج على القتل والاختطاف، وسجن المعارضين للانقلاب – هذه الجرائم وغيرها لم تنل الا الصمت الرهيب من قبل منظمات حقوق الإنسان والنخب السياسية، لم تقم هذه الشخصيات بالسكوت عما يحدث من تجاوزات فحسب بل رفضت التنديد بها واعطت مباركتها لهذه الانتهاكات وقامت بتبريرها.
أعلنت على الملأ نيتي في الذهاب الى رابعة العدوية للدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير 2011، حرية التعبير، والتجمع السلمي، والحق للشعب لاختيار حكامه. ولنشاطي هذا، اصبحت هدفا لحملة تحريض واسعة النطاق من قبل وسائل الإعلام الموالية للانقلاب العسكري وأنصار النظام وتم تهديدي بالقتل، حتى وصل الامر الى تهديدي بان اقدم الى المحاكمة بتهمة التجسس والتدخل في الشؤون المصرية.
في يوم 4 من اغسطس، وصلت إلى مطار القاهرة مع صديقتي بشرى السريبي، المديرة التنفيذية لمنظمة صحفيات بلا قيود، للوفاء تعهدي. كانت كل السيناريوهات المحتملة تدور في ذهني، كنت اتوقع ان تسمح لي السلطات المصرية بالدخول الى الاراضي المصرية ومن ثم تقوم بمهاجمتي في وقت لاحق في الشارع، أو الوفاء بتهديداتها باعتقالي وقتلي، أو مقاضاتي.
لقد كانت رحلة مثيرة، وعلى الرغم من أنه لم تنته أو البدء كما تمنيت. لدى وصوله الى المطار، وقفت في الطابور لاستكمال عملية الحصول على التأشيرة المعتادة. وبعد بضع دقائق، احد ضابط لمطار عترف علي وطلب مني أن الذهاب إلى نافذة خاص لإكمال إجراءات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية.
في تلك اللحظة، بدأت حالة من الهياجان الغير طبيعي تسيطر على المكان حيث كانت هواتف الضباط ترن باستمرار، وسمعت احدهم يهمس على الهاتف قائلاً: “لقد وصلت توكل!، لقد وصلت توكل! لن نسمح لها بالدخول”، هكذا قال، وكانني شخص خطير جدا.
أبلغني الضباط المصريون انهم سيمنعونني من الدخول، وانه سيتم ترحيلي قريبا إلى اليمن على متن نفس الطائرة التي كنت قد وصلت عليها، لم تقدم لي السلطات أي إجابة واضحة لسبب هذا المنع، ولكنهم قالوا أني أعرف السبب أفضل منهم، وأنه تم وضع اسمي في القائمة السوداء بناء على طلب من هيئة الأمن.
لسوء الحظ، فإنه من المستحيل بالنسبة لي أن أقف شخصاً مع المحتجين في ميدان رابعة العدوية لاساندهم في مطالبهم المشروعة. لا ينبغي علينا أن نخجل من أن نقف بجانب أولئك الذين يحلمون بالديمقراطية، والعدالة، والحياة الكرامة، وهذا هو واجبنا. أطاح النظام الحالي في مصر بأول رئيس منتخب في تاريخ البلاد، تم تعطيل الدستور الذي حظي بدعم 60 في المئة في استفتاء، واستبعاد حزب الحرية العدالة التابع لجماعة الإخوان مسلمين تماما من الحياة السياسية. هناك خيارات محدودة لأولئك الذين يهتمون بمستقبل مصر، إما ان نقف مع القيم المدنية والديمقراطية، أو مع الحكم العسكري والاستبداد والإكراه.
مرسي ليس فقط الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا، هو الآن يظهر في العالم العربي كنيلسون مانديلا. زعيم جنوب أفريقيا الذي جلب الى بلاده السلام والديمقراطية، فخلال عهد مرسي والذي دام سنة واحدة، تمتعت مصر بحرية التعبير وحق التظاهر السلمي، لم يسجن ولا واحداً من خصومه السياسيين . وحتى عندما أطيح به بالقوة، لم يقتل احداً، ولم يسجن أحداً، ولم يلجأ أبداً إلى المقاومة العنيفة. هذا لا مثيل له في المنطقة.
من خلال الحفاظ على هذا النهج السلمي، سيكون لمرسي وأتباعه دور لا يقل عن دور حزب منديلا؛ المؤتمر الوطني الأفريقي. على الرغم من التعرض للقتل والاعتقال والقمع، مازال أنصار مرسي متمسكين بالعملية الديمقراطية، الامر الذي يمنع مصر من الانزلاق نحو حرب أهلية. على العالم الحر أن تعترف بدورهم الإيجابي من خلال دعمهم لهم ورفض الجرائم المرتكبة ضد مرسى وحزبه، والشخصيات المؤيدة للديمقراطية.
أنا لست عمياء لاتغاضى عن القصور في الحكومة السابقة: قبل الانقلاب، فلقد أيدت تظاهرات 30 يونيو وضد مرسى. ولكن وضعت نصب عيني هدفاً واحداً وهو: انهاء الخلاف داخل المجتمع المصري، وبناء دولة بقيادة مشتركة بدلا من حكم الأغلبية الضيقة.
استيلاء الجيش على السلطة يهدف الى اقتلاع جماعة الإخوان مسلمين وشركائها، والاستعاضة عنهم من خلال القوة الغاشمة مع الخاسرين في الاقتراع الديمقراطي، أعني محمد البرادعي وجبهة الإنقاذ الوطني.
الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر في ظل الحكم العسكري، التاريخ واضح تماما بشأن هذه النقطة. في مصر، هذا واضح من خلال الانتهاكات الفظيعة ضد الحقوق والحريات منذ الانقلاب. لقد عادت الدولة البوليسية بشكل أسوأ مما كانت عليه في عهد حسني مبارك.
ما يحدث في مصر اليوم مخيف للغاية، الانقلاب يمكن أن يؤدي إلى فقدان المجتمع الثقة في الديمقراطية، والتي سوف تعطي الجماعات الإرهابية فرصة للتنفس مرة أخرى. كما قال زعيم القاعدة أيمن الظواهري في آخر رسالة صوتية له، حيث قال ان الإخوان فازو في الانتخابات ومع هذا تمت الاطاحة بمرسى. وختم بأن الديمقراطية طريق مسدود، وانه حق حصري للغرب، ولكن مرفوض للإسلاميين. وفي الوقت نفسه، تهكم مجموعات أخرى تابعة لهذا التنظيم في سوريا والعراق الإخوان مسلمين وقالت ان صناديق الاقتراع ليست الحل بالحل في التفجيرات. من خلال منع التغيير السلمي للسلطة وإضعاف الجماعات الإسلامية التي تشارك في العملية السياسية، فإن قادة الانقلاب العسكري يدعمون هذه الافكار ويقومون بعمل في صالح الإرهابيين.
ما يحدث في مصر لن يبقى في مصر – فإن الآثار المترتبة على هذا الانقلاب سيكون له صدى يصل الى أكثر من 1،000 كيلومتر، ليصل الى بلدي اليمن. فمن الخطأ أن ننظر إلى الربيع العربي باعتباره مجموعة من الأحداث لا علاقة لها ببعضها البعض، شعوب الشرق الأوسط انتفضت ضد الطغيان والظلم، ولها نفس حلم الحرية والكرامة والديمقراطية.
جميع الأنظمة المخلوعة، فضلا عن الأنظمة القمعية التي نجت خلال الربيع العربي، باركت الآن انقلاب في مصر. لكنه لم يفت الأوان لعكس هذا الاتجاه، تماما كما ان بإمكان سياسات القمع أن تبدأ في مصر وتنتشر إلى دول عربية أخرى، فإنه من الممكن ايضاً للديمقراطية ان تزدهر في القاهرة ثم تنتشر بسهولة الى جميع أنحاء العالم العربي. قد يكون هذا هو سبب اصطفاف العديد من القوى الإقليمية والدولية ضد مصر الديمقراطية. وعليه فإن على أولئك الذين يدعمون الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط ان يمقاوموا الاستبداد الجديد في القاهرة بكل قوتهم.