ترجمة وتحرير: نون بوست
هل يعتبر ترامب مصدر كل الأشياء السيئة؟ في الحقيقة، لا يعد الرئيس الأمريكي المصدر الوحيد لكل الشرور، فقد كان أوباما الشجاع أيضا محاربا تجاريا. في بداية ولايته الثانية، صرح الرئيس الأمريكي الأسبق أن “أكثر من ألف مواطن أمريكي تمكنوا من العثور على عمل نتيجة نجاحنا في الحد من واردات الإطارات المطاطية الصينية، التي اكتسحت أسواقنا“. ويعتبر أوباما محقا في عدد مواطن الشغل في بلاده، إلا أن نهاية حملة الحد من الواردات كانت مأساوية. ومن هذا المنطلق، يجب على ترامب أن يدرك أن الحرب الجمركية قد تساعد اللولبيات القوية على غرار المزارعين والنقابات، لكنها قد تضر البلد بأسره.
في الواقع، يمكن أن نستقي من ملحمة الإطارات المطاطية، التي جدت في عهد أوباما، العديد من الدروس. ففي الوقت الراهن، بتنا نعيش على وقع أزمة شبيهة بأزمة الإطارات المطاطية، التي حدثت سنة 2009. وقد تكون عواقب هذه الأزمة كارثية بشكل أكبر.
في شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2009، انطلقت مأساة أوباما. في البداية، تم تشكيل نقابة تمثل العمال في قطاعي صناعة المطاط وصناعة الفولاذ الصلب. وفي ذلك الوقت، فرض البيت الأبيض عقوبات جمركية بنسبة 35 بالمائة على واردات الإطارات المطاطية الصينية، ما أدى إلى تقلص واردات الإطارات الصينية من 11 مليون إطار مطاطي إلى خمسة ملايين إطار مطاطي.
في خضم معركة الإطارات المطاطية، انخفضت الواردات الأمريكية من الإطارات المطاطية الصينية إلى حدود النصف، مقابل تضاعف الواردات الأمريكية من الإطارات المطاطية الوافدة من تايلاند وإندونيسيا والمكسيك بثلاث مرات
على خلفية هذا الإجراء، اندلعت حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أقدم الصينيون على فرض أداءات مرتفعة على واردات الدواجن الأمريكية. ونتيجة لذلك، انهارت الصادرات الأمريكية من الدواجن نحو الصين، مقابل تقلص استهلاك الصينيين للدجاج المشوي بحوالي العشر. أما صناعة الدواجن الأمريكية، فقد شهدت خسائر مالية بقيمة مليار دولار. وعموما، لم يشكل تراجع قطاع صناعة الدواجن ضربة قاصمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل أصبح مستقبل شركات الدواجن الأمريكية مهددا على خلفية أزمة هذا القطاع.
الهدف الأول: فازت النقابة على حساب مصدري الدواجن المحليين، وذلك وفقا لقانون استفادة القطاع الصناعي الذي يحظى بالأفضلية من الإجراءات الحمائية، وكان ذلك على حساب بقية القطاعات التي تدفع الثمن. ويمكن القول إن الهدف تحقق، لكن اللعبة لم تنته بعد.
الهدف الثاني: خلال المواجهة، التي تجمع بين الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره الصيني، شي جين بينغ، لم تنقذ الإجراءات الحمائية قطاعا معينا فحسب، بل ساهمت في الحد من العجز التجاري الأمريكي، الذي بلغ ذروته منذ عشر سنوات. ويعتبر فرض عقوبة جمركية على قطاع معين مفيدا لبعض القطاعات على حساب أخرى.
في خضم معركة الإطارات المطاطية، انخفضت الواردات الأمريكية من الإطارات المطاطية الصينية إلى حدود النصف، مقابل تضاعف الواردات الأمريكية من الإطارات المطاطية الوافدة من تايلاند وإندونيسيا والمكسيك بثلاث مرات. منطقيا، لا يمكن أن يؤثر العجز التجاري الأمريكي على بقية دول العالم بشكل كبير. ففي حين تراجعت الواردات الأمريكية من الإطارات المطاطية الصينية، اكتسحت الإطارات المطاطية الوافدة من دول أخرى الأسواق الأمريكية.
الهدف الثالث: كان لا بد من حماية سوق الشغل الأمريكية، ويبدو أن جدار الصد الأمريكي ضد الصين قد أنقذ العديد من مواطن الشغل. فعند فرض العقوبات الجمركية على الإطارات المطاطية الصينية، كان قطاع صناعة الإطارات المطاطية الأمريكية يضم 50.800 عاملا. وبعد سنتين، ارتفع هذا العدد بنحو 1200 عامل، مسجلا زيادة بنسبة اثنان بالمائة. ولعل الأمر المثير للاستغراب أن العمال الأمريكيين لم ينتفعوا من هذه الزيادة على العمال الأمريكيين، بل استفاد منها العمال في المكسيك وجنوب آسيا.
في عهد أوباما، لم يكن الهدف من العقوبات الجمركية إهدار الموارد المالية الضئيلة مثلما يحدث في عهد ترامب
منطق القوة تغلب على منطق الحساب
تؤدي الحواجز التجارية بصفة دائمة إلى ارتفاع الأسعار المحلية. في الأثناء، كان حاجز الصد ضد الصين هدية بالنسبة لمصنعي الإطارات المحليين والأجانب، الذين أقدموا على ترفيع الأسعار ليتمكنوا من زيادة أرباحهم بحوالي 1.1 مليار دولار في السنة.
الهدف الرابع: في حال دفع المستهلك الكثير من الأموال من أجل اقتناء الإطارات المطاطية، فلن يتمكن من شراء الملابس والثلاجات. ووفقا لدراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، تسبب تغير القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي في فقدان 3700 موطن شغل في قطاع تجارة التجزئة.
في هذه الحالة، تم خصم 1200 موطن شغل التي خلقها أوباما خلال ولايته الثانية. وعلى ضوء هذه المعطيات، تبين أن العقوبات الجمركية تسببت في فقدان 2500 موطن شغل باحتساب خسائر المبيعات ومواطن الشغل الناتجة عن حرب الدواجن. كما قدم معهد بيترسون للاقتصاد الدولي إحصائيات أخرى صادمة؛ فلئن ساهم هجوم أوباما في إنقاذ 1200 موطن شغل، إلا أنه أدى في الوقت نفسه إلى خسارة 900 ألف دولار عن كل موطن شغل جديد في سنة واحدة، مع العلم أن متوسط الأجر السنوي للعامل الصناعي كان في حدود 45 ألف دولار.
في عهد أوباما، لم يكن الهدف من العقوبات الجمركية إهدار الموارد المالية الضئيلة مثلما يحدث في عهد ترامب. من جهته، لم يكن ترامب ينوي هبوط مؤشر داو جونز بنسبة ثمانية بالمائة عندما فرض عقوبات جمركية على الصين. ونتيجة لذلك، أصبح التجار مستائين من البيت الأبيض ولسان حالهم يقول: ما هي العقوبات الأخرى التي سيفرضها ترامب على الصين؟
على الرغم من أنه(ترامب) أن فرض عقوبات مضاعفة على الصين، إلا أنه يهدد بفرض عقوبات إضافية على الواردات الصينية بقيمة 100 مليار دولار، مما سيؤدي إلى خسائر في حدود 150 مليار دولار.
بالنظر إلى الوضع الراهن، تعتبر حملة الإطارات المطاطية بمثابة لعبة أطفال. ففي السابق، تمحور الصراع حول العجلات والدواجن، أما الآن فرض ترامب في مرحلة أولى عقوبات جمركية على 1300 منتوج بقيمة 50 مليار دولار. ولا يمكن ترهيب القوى العظمى، التي تنتقم من الدول الأخرى بهدف كسب الاحترام وردع الهجمات المرتقبة عملا بمبدأ العين بالعين والسن بالسن. ومن هذا المنطلق، كان بإمكان أوباما أن يحول دون أي تصعيد عن طريق إجراء اتصال هاتفي.
كان ترامب سيظهر في صورة أخرى في حال ثاب إلى رشده بعد أن تبادل العقوبات الجمركية مع الصين. وعلى الرغم من أنه أن فرض عقوبات مضاعفة على الصين، إلا أنه يهدد بفرض عقوبات إضافية على الواردات الصينية بقيمة 100 مليار دولار، مما سيؤدي إلى خسائر في حدود 150 مليار دولار. ومع ذلك، لم ترم بكين المنديل وتعهدت بمضاعفة وارداتها. وهنا يبدو أن منطق القوة تغلب على منطق الحساب.
الحفاظ على السلطة على حساب رفاهية الشعب
في مطلع هذا الأسبوع، وجهت إدارة ترامب رسائل إيجابية، حيث أورد وزير الخزانة، ستيفن منوشين، “لا أنتظر أي حرب تجارية”. أما مدير المجلس الاقتصادي الوطني، لاري كودلو، فقد أشار إلى أن الأمريكيين يرغبون “في مواصلة المفاوضات مع الصين”، وأضاف محاولا طمأنة الشعب الأمريكي “لم يحصل شيء إلى حد الآن، إذ يمكن أن تتنازل الصين وتفتح معنا باب الحوار الجدي”. أما المستشار الاقتصادي لترامب، بيتر نافارو، فقد أكد أن التهديدات الأمريكية الموجهة للصين جدية وجوفاء في آن واحد.
حيال هذا الشأن، أورد ترامب في تغريدة له على حسابه “سنبقى أنا والرئيس الصيني بينغ صديقين حميمين مهما بلغت حدة صراعنا التجاري. ستقوم الصين برفع الحواجز التجارية نظرا لما في ذلك من مصلحة لكلينا. وفي المستقبل، سنصل إلى أرضية توافق بشأن حماية الملكية الفكرية. فكلا البلدين يطمحان إلى مستقبل أفضل”.
بعد أن استعرضت الصين والولايات المتحدة الأمريكية قوتهما، يبدو أنهما ترغبان في وضع قضية الحرب التجارية على طاولة المفاوضات
يمكن أن يكون ترامب قد علم بقصة الإطارات المطاطية من طرف أحد الأشخاص في البيت الأبيض. ومن المرجح أن يكون ترامب قد أدرك أن الحرب التجارية الحقيقة لا تجدي نفعا. ويبدو أن المستهلكين والعمال هم أكثر من يدفع ثمن الإجراءات الحمائية على الدوام، فيما يستفيد بعض المصنعين من هذه الإجراءات بعد أن يخسروا وطنهم.
في الجهة المقابلة، عمل الرئيس الصيني شي جين بينغ بنصائح مستشاريه. فعلى الرغم من أنه لم يذكر ترامب والولايات المتحدة الأمريكية بصريح العبارة خلال تصريحاته، إلا أنه أعرب عن اعتزامه زيادة الواردات وتسهيل الاستثمارات الخارجية عبر وضع قوانين شفافة على غرار حماية الملكية الفكرية. والجدير بالذكر أن مسألتي سرقة براءات الاختراع الغربية ونزع الملكيات مثلتا في السابق نقطتا خلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وفي الوقت الراهن، يجب على كل شخص يرغب في الاستثمار في الصين أن يوفر رأس المال الاستثماري ويدفع تكاليف نقل التكنولوجيا.
بناء على ذلك لسائل أن يسأل، كيف كان رد ترامب؟ نشر الرئيس الأمريكي تغريدة على موقع تويتر قال فيها إن “التعريفة الجمركية على صادرات السيارات الصينية نحو الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ 2.5 بالمائة، فيما تبلغ التعريفة الجمركية على صادرات السيارات الأمريكية نحو الصين 25 بالمائة”. في هذه الحالة، هل يمكن الحديث عن تجارة نزيهة؟ في الحقيقة، تبدو هذه التجارة غير عادلة.
بعد أن استعرضت الصين والولايات المتحدة الأمريكية قوتهما، يبدو أنهما ترغبان في وضع قضية الحرب التجارية على طاولة المفاوضات. منذ قرنين، أكد العالمان الاقتصاديان، آدم سميث ودافيد ريكاردو أن طرفا واحدا يخسر الحرب التجارية. في هذا السياق، يجب علينا أن نطرح التساؤل التالي، لماذا يلعب رجال الدولة بالنيران؟ في واقع الأمر، يفكر الحكام في الحفاظ على السلطة على حساب رفاهية شعوبهم.
المصدر: تسايت