للمرة الأولى في تاريخ صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في التوجه نحو طريق جديد لم تسلكه من قبل، لتغير قواعد اللعبة في مقاومتها مع المحتل لتكون أكثر تأثيرًا “محليًا وعربيًا ودوليًا” وتحقق أهدافها المرجوة سريعًا.
فمنذ الـ30 من مارس/آذار الماضي، تخوض حركة حماس دون هوادة معركة “المقاومة الشعبية” بكل تفاصيلها مع الاحتلال على حدود قطاع غزة تحت شعار مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار، وقد حققت بحسب مراقبين الكثير من النتائج الإيجابية والمهمة خلال الـ15 يومًا الماضية في قيادة هذه المقاومة وكشف عورة وجرائم الاحتلال بحق المدنيين السلميين العزل.
هذا النهج الجديد وغير المسبوق لحركة حماس، فتح باب التساؤلات واسعًا عن أسباب وأهداف تبنيها “المقاومة الشعبية” في هذا الوقت تحديدًا، وهل ستكون بديلًا عن المقاومة العسكرية، وبعيدًا عن إطلاق الصواريخ والقذائف من غزة على المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، لجلب أنظار العالم وتأليب الرأي العام على الحصار المفروض على غزة والأزمات المتفاقمة التي يعانيها أهالي القطاع منذ 12 عامًا.
قوة الشعب
مسؤولون في حركة حماس أكدوا أنهم سيمضون في المقاومة الشعبية إلى آخر مدى من دون اللجوء إلى السلاح، معتبرين “المقاومة الشعبية هي معركة الشعب، كل الشعب، أما المواجهة المسلحة فهي معركة النخب العسكرية، ونحن نريد أن نخوض معركة الشعب”.
المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع، قال: “واهم من يظن أن غزة ستنهار، فمزيد من الخناق لا يولد إلا الانفجار وليس الانهيار”
وعلق القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان، على التساؤلات المطروحة بشأن المقاومة الشعبية وإمكانية أن تكون بديلاً للمقاومة المسلحة، مؤكدًا “مسيرات العودة الكبرى في قطاع غزة مستمرة للتأكيد على أن كل فلسطين لنا والقدس عاصمتها الأبدية”.
وأوضح أن المقاومة السلمية الشعبية هي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وليست بديلة عن المقاومة المسلحة، قائلًا: “جميع أطياف شعبنا اتفقت على أن تكون مسيرة العودة الكبرى قرب السياج الفاصل سلمية وشعبية بعيدًا عن تسليحها في وجه الاحتلال ونحن ملتزمون بسلمية المسيرة”.
وأشار رضوان قائلاً: “المقاومة المسلحة سنستخدمها في المكان والوقت المناسبين لأننا ندرك تمامًا أنه لا يفل الحديد إلا الحديد”، مؤكدًا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يؤمن إلا بلغة القوة.
في حين المتحدث باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع، قال: “واهم من يظن أن غزة ستنهار، فمزيد من الخناق لا يولد إلا الانفجار وليس الانهيار”، وشدد القانوع على أن “الحراك الشعبي (الذي تشهده مختلف المناطق الحدودية بشكل يومي ويشتد في كل يوم جمعة) هو سيد نفسه وسيقرر طبيعة الأيام القادمة مع الاحتلال الإسرائيلي ومحاصري شعبنا في غزة”.
وأقرت حركة حماس العام الماضي برنامجًا سياسيًا (الوثيقة السياسية)، هو الأول منذ تأسيسها عام 1987، أشار إلى التوقف عن اعتبار السلاح الأسلوب الوحيد للتحرير، وفتح الباب أمام أساليب أخرى، خصوصًا المقاومة الشعبية السلمية.
رأى المحلل السياسي جهاد حرب أن هناك تحولاً لدى “حماس” في طريقة استخدامها للوسائل النضالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي
وقال مسؤول في الحركة: “نصَ الميثاق القديم للحركة على أن تحرير فلسطين يجري بواسطة السلاح، لكن اليوم هناك إجماع بين القوى السياسية على تبني المقاومة الشعبية”، مضيفًا “يجب أن نبقي الطريق مفتوحة أمام الوسائل الأخرى، بما فيها المقاومة الشعبية والمفاوضات، في حال كانت الظروف وموازين القوى ملائمة لتحقيق أهدافنا”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد قال في كلمة له بمؤتمر بيت المقدس الإسلامي الدولي التاسع، بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، الأربعاء الماضي: “حتى إخواننا في حركة حماس بدأوا يتبنون المقاومة الشعبية السلمية، وأنا أهنئهم لأنهم استفاقوا وثبت لهم أن المقاومة الشعبية السلمية فعالة أكثر”.
تحول مدروس
من جانبه رأى المحلل السياسي جهاد حرب، أن هناك تحولاً لدى حركة حماس في طريقة استخدامها للوسائل النضالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ينطلق من وثيقة الحركة الأخيرة التي صدرت عام 2017 وتشير إلى الإيمان بوسائل النضال كافة وهذا باعتقادي المدخل السياسي الرئيسي الذي أنتج إيمان قيادات واسعة من حركة حماس للمقاومة الشعبية، بحسب حرب.
“الهدف الأساسي من هذا التوجه هو جلب اهتمام المجتمع الدولي للأزمة الخانقة التي يعيشها قطاع غزة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي، إضافة إلى استثمار المناسبتين المتعلقتين بيوم الأرض وذكرى النكبة اللتين تمثلان وجهين لعملة واحدة وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثل بطرد الفلسطينيين عن الأرض والاستيلاء عليها”، يضيف حرب.
ويتابع المحلل السياسي: “المقاومة الشعبية توفر غطاءً مهمًا لحماس لعدم إدانتها من المجتمع الدولي ووقف الضغوط المحتملة عليها من الأطراف الإقليمية، وفي الوقت نفسه هذا الأسلوب يمنحها القدرة على حشد أعداد كبيرة من المواطنين في غزة من خلال المسيرات السلمية بما أنه لا يستخدم فيها أي نوع من أنواع السلاح”.
يشير المحلل السياسي حسن أبو حشيش إلى أن النظر إلى حركة حماس بأنها حركة مسلحة فقط “نظرة قاصرة”
وعند سؤاله عن توجه حركة حماس لخيار المقاومة السليمة جزء من مشروع أمريكي قادم بالمنطقة قال: “لا أعتقد ذلك ولكن الإدارة الأمريكية تريد من الفلسطينيين الخضوع لإملاءات اليمين الإسرائيلي دون أي حراك من الفلسطينيين سواء كان سياسيًا أو شعبيًا أو مقاومة مسلحة”.
كما أكد المحلل السياسي حسن أبو حشيش أن اندماج حركة حماس بمسيرة العودة جاء على شكلين، الأول وهو المشاركة الفعلية المباشرة، والثاني، توجيه الخطاب السياسي نحو فعالية الغضب الشعبي وإمكانية أن يحقق اختراقًا في العديد من الملفات السياسية.
ويشير أبو حشيش إلى أن النظر إلى حركة حماس بأنها حركة مسلحة فقط “نظرة قاصرة”، مبينًا أنها حركة شعبية شمولية تتغلغل في الأوساط الاجتماعية والسياسية والدينية والعسكرية والأمنية والنسائية والطلابية في المجتمع الفلسطيني.
ونبه، إلى أن حركة حماس عندما انطلقت كانت حركة شعبية تعتمد على الأدوات السلمية في مواجهة الاحتلال التي كانت متمثلة بالكتابة على الجدران وحرق الإطارات والمسيرات، لافتًا إلى أنّها كانت رائدة في حينه، مضيفًا “حركة حماس الآن باتت تمتلك أدوات أكثر في مواجهة الاحتلال، ولكنها تسخرها في الوقت المناسب وحسب الإمكانات”، لافتًا إلى أنّ الأولوية اليوم ليست للعمل العسكري بل للعمل الشعبي السلمي”.
ويضيف أبو حشيش، هناك اتفاق مسبق بين حركتي فتح وحماس، يؤكد اعتماد المقاومة السلمية لفترة ما، دون التخلي عن أي نوع من أنواع المقاومة، لافتًا إلى أن ما جاء على لسان عدد من قيادات حركة حماس أنّ الاعتماد على نوع معين من المقاومة لا يعني بالتأكيد التخلي عن بقية أنواع المقاومة.