في الـ16 من نوفمبر الماضي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي إيزينكوت، خلال مقابلة له مع صحيفة “إيلاف” السعودية: “هناك توافق تام بيننا وبين المملكة العربية السعودية التي لم تكن يومًا من الأيام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها”، في محاولة منه لنقل وتجسيد حجم ما وصل إليه التنسيق بين البلدين.
وفي الـ20 من نفس الشهر، أي بعد أربعة أيام فقط، من هذا التصريح، قال وزير العدل السعودي السابق محمد بن عبد الكريم العيسى، خلال حديث له لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية: “الإرهاب باسم الإسلام غير مبرر أينما كان، بما في ذلك في “إسرائيل”” وذلك خلال مؤتمر عقد في باريس خلال هذه الفترة.
وقبل هذين التصريحين بأقل من شهر تقريبًا وفي أكتوبر الماضي قدم رئيس اتحاد الجودو الإماراتي محمد الدرية، اعتذاره ﻟﻨﻈﻴﺮه ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻔﻴﺔ ﻗﻀﻴﺔ ﻋﺪﻡ ﺭﻓﻊ ﻋﻠﻢ “إسرائيل” ﺧﻼﻝ ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻗﻴﻤﺖ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ، بمشاركة لاعبين إسرائيليين، ﻭﺑﺤﺴﺐ صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ﻓﻘﺪ ﺗﻌﻬﺪﺕ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ ﺑﺮﻓﻊ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﻘﺒﻞ، ﺧﻼﻝ ﻣﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﻮﺩﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ.
التطبيع العربي الصهيوني لم يعد مقتصرًا فقط على اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، الموقعتين بين القاهرة وعمان من جانب، وتل أبيب، من جانب آخر، في عامي 1978 و1994 على التوالي، والمرفوضتين شعبيًا، إذ تجاوز الأمر المعاهدات والمواثيق الرسمية ليصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فلم تعد كلمة التطبيع سيئة السمعة، كما كانت في الماضي، ولا شيئًا مستغربًا، يحتاج إلى جهود حثيثة من التحليلات والتأويلات للتبرير، إذ بات الأمر مفضوحًا بصورة كبيرة رغم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها بعض العواصم العربية لإقناع شعوبها بنفي ما يتردد هنا وهناك.
وبعد أن قطعت العديد من الدول العربية وخاصة الخليجية أشواطًا ممتدة نحو التطبيع الكامل، سريًا، مع الكيان الصهيوني، وقدمت لأجل ذلك كل ما يلزم من قرابين إثبات الولاء والدعم، ها هي تل أبيب تكافئ المهرولين العرب بخطوة ربما تكون مفاجئة للبعض، وذلك باستحداثها منصبًا رفيعًا تكون مسؤوليته الأساسية تفعيل الاتصالات مع العالم العربي، على غرار ما تقوم به الولايات المتحدة، فهل قررت دولة الاحتلال نقل خطوات التطبيع من مخابئ السرية إلى العلن؟
مبعوث إسرائيلي للعرب
في سابقة هي الأولى في تاريخ منظومة الأمن الإسرائيلية، عين وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، رجل الموساد (شعبة جهاز المخابرات الصهيوني) إريج بن حاييم، مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، وهي التسمية الدبلوماسية للعالم العربي، بحسب ما أوردت القناة الإسرائيلية العاشرة عن مسؤول في الوزارة.
المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أشار إلى أن هذا المنصب المستحدث في الوزارة هو الأول من نوعه منذ نشأة الكيان المحتل، وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام بشأن الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة، لافتًا إلى أن مبعوث الشرق الأوسط الجديد سيباشرعمله قريبًا، وضمن مسؤولياته سيكون التواصل مع العالم العربي وكذلك عن التواصل والعلاقات مع دول غربية لها وجود في المنطقة.
ومن المقرر أن يكون أول ملف مطروح على مكتب بن حاييم هو الكارثة الإنسانية في قطاع غزة وإلى جانبه محاولة حشد أكبر عدد من الدول العربية والغربية لإبداء استعدادها للاستثمار في غزة وتمويل إعادة إعمارها، مثل وسائل تنقية المياه وتحليتها وإنتاج الكهرباء وتوزيعها، حسبما أشارت القناة الإسرائيلية.
يقينًا ما كان لوزير الدفاع الإسرائيلي أن يقدم على هذه الخطوة، معلنًا تسمية منصبا دبلوماسيًا جديدا للمنطقة العربية دون استشارة الحليف الأمريكي الذي يسعى بكل ما يملك من إمكانيات إلى تقريب وجهات النظر بين الدول العربية والاحتلال، كذلك ما ألمح إليه البعض بأنه ما كان ليعلنه بهذا الشكل دون أن يكون قد تلقى الضوء الأخضر من تلك الدول العربية التي يسميها “دول الاعتدال”.
موافقة أمريكية وضوء أخضر عربي قبل اتخاذ هذه الخطوة
إيران.. كلمة السر
بروز إيران كقوة إقليمية قادرة على فرض نفسها كلاعب أساسي في العديد من ملاعب دول المنطقة على رأسها اليمن وسوريا ولبنان والعراق، أثار حفيظة وقلق تل أبيب وبعض العواصم العربية خاصة الخليجية في آن واحد، ورغم العداء الأيديولوجي بينهما، فإن هذا العامل كان كفيلاً بطي مرحلة العداء وتدشين صفحة جديدة من التفاهمات والعلاقات المشتركة التي تقوم على مبدأ “عدو عدوي صديقي”.
في تقرير له، كشف جوناثان ماركوس محرر الدفاع والشؤون الدبلوماسية بشبكة “بي بي سي” أن نتائج الصراع الإقليمي الدائر في الشرق الأوسط خلال الخمس سنوات الأخيرة تظهر أن إيران وحلفاءها ووكلاءها السياسيين والعسكريين كحزب الله في لبنان وقوات الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن هم الأكثر انتصارًا حتى الآن، ومن ثم فإن تعزيز العلاقة بين “إسرائيل” ودول الخليج على وجه الخصوص أمر منطقي لكل منهما.
ماركوس أشار أن كلاهما (إسرائيل والخليج) يتفقان على عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ويشعر كل منهما بالقلق من بعض جوانب الاتفاق الدولي الذي يحد من أنشطة إيران النووية، كما يرين أن جماعة “حزب الله” مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة، ومن ثم كان التكاتف والتفاهم من أجل التصدي لها، وهذا ما جسدته العديد من التصريحات الأخيرة الصادرة عن الرياض وأبو ظبي على وجه التحديد والمتعلقة بأن دولة الاحتلال لم تقدم على الإساءة أو إلحاق الضرر بالسعودية أو الإمارات على عكس ما تقوم به طهران، ومن ثم كان لا بد من إعادة النظر في تقييم مفاهيم العدو والصديق مرة أخرى بما يحقق مصالح الشعوب بعيدًا عن الأيديولوجيات الثابتة.
خلال الأعوام الثلاث الأخيرة تحديدًا، سجلت العلاقات بين دولة الاحتلال والسعودية تقاربًا غير مسبوق على المستويات كافة، لتقفز قفزات متسارعة نحو تعزيز صور التعاون مع الكيان الصهيوني خاصة مع قدوم محمد بن سلمان.
هرولة سعودية إماراتية
بعيدًا عن التطبيع السياسي المعلن لكل من مصر والأردن، فإن السعودية والإمارات يقودان سويًا أكبر موجة تطبيع في تاريخ العرب منذ تدشين الكيان الصهيوني فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، متجاوزين في ذلك كل الخطوط الحمراء التي فرضها الرفض الشعبي لهذه الخطوات التي ينعتها رجل الشارع العربي بـ”العار”.
سعوديًا، فقد تدرجت في علاقاتها مع الكيان الصهيوني عبر عدة مراحل، بدءًا بمرحلة الرفض الكامل ثم الاتصالات غير الرسمية المرفوضة مرورًا باللقاءات السرية وصولًا إلى الانتقال للمرحلة العلنية، لتصبح المملكة شريكًا أساسيًا في اتفاقية السلام الموقعة بين مصر ودولة الاحتلال، وذلك حين تفرض سيادتها فوق جزيرتي تيران وصنافير التي تأتي في إطار المخطط الأمريكي الذي يسمى إعلاميًا بـ”صفقة القرن”.
وخلال الأعوام الثلاث الأخيرة تحديدًا، سجلت العلاقات بين البلدين تقاربًا غير مسبوق على المستويات كافة، كاشفة تخلي المملكة عن العديد من اللاءات التي طالما رفعتها قبل ذلك وعلى رأسها التطبيع مع دولة الاحتلال، لتقفز قفزات متسارعة نحو تعزيز صور التعاون مع الكيان الصهيوني خاصة مع قدوم محمد بن سلمان.
الكاتب جيمس روبينز: “لن يمر وقت طويل قبل أن نرى سفارة السعودية في مدينة القدس المحتلة”
رحلة التطبيع لم تقتصر فقط على زيارات لمسؤولين سابقين لتل أبيب، نفت الرياض كثيرًا علاقتها بهم أو تمثيلهم للموقف الرسمي للمملكة، إلا أن الأمر بات اليوم مختلفًا، إذ تجاوزت الزيارات سقف المسؤولين السابقين لتصل إلى قمة الهرم السياسي في الدولة، كما جاء على لسان بعض المصادر الإسرائيلية، بأن المسؤول السعودي الذي زار “إسرائيل” سرًا في شهر سبتمبر الماضي هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
هذا الأمر كللته بصورة واضحة التصريحات الأخيرة التي أدلى بها ولي العهد لمجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، خلال زيارته لواشنطن الأخيرة التي أكد من خلالها على “أحقية الشعب اليهودي في بناء دولة له”، حين قال :”أعتقد أن لكل شعب في أي مكان كان، الحق في أن يعيش في وطنه بسلام، أعتقد أن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في أن تكون لكل منهما أرضه”، كما أكد: “”إسرائيل” اقتصاد كبير مقارنة بحجمها، واقتصادها ينمو بقوة، بالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع “إسرائيل”، وإذا كان هناك سلام، فستكون هناك الكثير من المصالح بين “إسرائيل” ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن”.
إماراتيًا.. لم تختلف أبو ظبي كثيرًا عن السعودية في هرولتها نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، إذ كشفت العديد من المصادر تقاربًا غير مسبوق في العلاقات بين البلدين شملت تطبيعًا سياسيًا واقتصاديًا كاملاً، بدعم من الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب.
تعمقت العلاقات بين البلدين بشكل قوي عقب اغتيال الموساد للقيادي في حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام محمود المبحوح، في 19 من يناير عام 2010 الذي قيل إن أبو ظبي من أدلت بمعلومات إقامته وبيان تحركاته للموساد الإسرائيلي عن طريق ذراعها محمد دحلان.
ومنذ هذا الوقت تطورت العلاقات بين البلدين تطورًا تدريجيًا متصاعدًا خلال السنوات الأخيرة، تجسد في عشرات اللقاءات السرية المشتركة التي جمعت بين مسؤولين إماراتيين وآخرين إسرائيليين رفيعي المستوى، في العديد من العواصم، من بينها واشنطن، فضلاً عن لقاءات مقبلة ستُعقد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
الأمير تركي الفيصل وتسيبي ليفني وهرولة سعودية نحو التطبيع
هل بات افتتاح سفارة سعودية في إسرائيل وشيكًا؟
تصاعد خلال الفترة الأخيرة الحديث عن فتح سفارة سعودية في تل أبيب، آخره ما ألمح إليه الكاتب جميس روبينز، في مقاله المنشور بصحيفة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، الذي توقع إعلان السعودية افتتاح سفارة لها قريبا في “إسرائيل”.
روبينز في مقاله كشف أنه “لن يمر وقت طويل قبل أن نرى سفارة السعودية في مدينة القدس المحتلة”، مضيفًا أن هذه الخطوة تمثل تطبيعًا تاريخيًا للعلاقات بين “إسرائيل” والعديد من الدول العربية، مستندًا في ذلك إلى عدد من الشواهد والأدلة التي تقود إلى هذا السيناريو، في مقدمتها اجتماع جرى في 13 من مارس الماضي، اجتمع فيه ممثلون من المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، في البيت الأبيض، وعُقد المؤتمر من قبل المستشار البارز في إدارة ترامب حول السلام في الشرق الأوسط جاريد كوشنر، والأمر الأكثر جدارة بالملاحظة أن وفدًا إسرائيليًا حضر أيضًا الاجتماع، وهو أول اجتماع دبلوماسي معترف به علنًا تشارك فيه تلك البلدان إلى جانب الكيان الإسرائيلي.
ومن الأدلة التي ساقتها الصحيفة ذلك، عبور الطيران الهندي المتجه إلى “إسرائيل” الأجواء السعودية، هذا بالإضافة إلى طيران مقاتلات إسرائيلية جنبًا إلى جنب مع مقاتلات إماراتية في مناورات عسكرية مشتركة باليونان مؤخرًا، هذا بخلاف لقاء ولي العهد السعودي الأخير في نيويورك مع ممثلين لمجموعة كبيرة من التنظيمات اليهودية الأمريكية، بما في ذلك “آيباك” ومؤتمر الرؤساء واتحادات شمال أمريكا، و”آي دي أل” و”آي جي سي” و”بناي بريث”.
الخبير في الشأن الصهيوني عدنان أبو عامر في تصريحات سابقة له لـ“نون بوست” قال: “السفارة الإسرائيلية في الرياض على الأبواب”، وذلك في ضوء تعليقه على نشر الناشط والصحفي الصهيوني بن تسيون صورًا له داخل الحرم النبوي في المدينة المنورة.
في مارس الماضي، طرحت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية هذا التساؤل: لماذا لا تسارع المملكة العربية السعودية لإعلان التطبيع الرسمي مع تل أبيب رغم تجاوز ما يدار تحت السطح من تنسيق وتفاهم سري؟ غير أن الصحيفة في إجابتها أشارت إلى أن السلام مع “إسرائيل” لن يقدّم شيئًا للسعوديين وكذلك لا يثير اهتمام أشقائهم في الإمارات، خاصة أن ما تريده دولة الاحتلال من هذه الدول يتم دون الاضطرار لدفع ثمن إقامة علاقات رسمية معها، وهذا في نظر الصحيفة كافٍ على الأقل في الوقت الراهن، وحتى إشعار آخر.