ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الخميس الماضي، رفض مسؤولون إسرائيليون تقديم أي دليل لإثبات هجومهم المنسق لتشويه سمعة ياسر مرتجى، المصور الصحفي الفلسطيني الذي أطلق عليه قناص إسرائيلي النار الأسبوع الماضي بينما كان يوثق الاحتجاجات في غزة.
لقد عانت “إسرائيل” لأيام من أجل شرح سبب قتلها مرتجى، الذي كان يرتدي سترة واقية من الرصاص مكتوب عليها بكل وضوح كلمة “صحافة” عندما أطلق عليه عيار ناري يوم الجمعة. وبعد جنازته يوم السبت، أصر متحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية على أن القناصة الإسرائيليين لم يستهدفوا مرتجى أو الصحفيين الفلسطينيين الخمسة الآخرين الذين أصيبوا بالذخيرة الحية.
في وقت لاحق من يوم السبت، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى أن مرتجى ربما قُتل لأنه كان يتحكم في طائرة من دون طيار فوق القوات الإسرائيلية أثناء الاحتجاجات. لكن تسجيلات الفيديو قبل لحظات إطلاق النار، أظهرت أن مرتجى كان يستخدم جهازا مثبتا باليد لتسجيل صور المتظاهرين، وليس طائرة من دون طيار.
مشاهد تُظهر اللحظات الأولى لاستشهاد الصحفي ياسر مرتجى @YaserMurtaja خلال تغطيته لمسيرة العودة الكُبرى في بلدة #خزاعة، وهذا يُكذب ادعاء الاحتلال بأنه كان يتحكم بطائرة تصوير عن بعد. Via @qudsn pic.twitter.com/xgnzoPPsjV
— Yasser (@Yasser_Gaza) April 8, 2018
إن لم يكن مرتجى قد قُتل عن قصد، فإن مقتله يقوّض مزاعم الجيش الإسرائيلي بأن قناصيه أطلقوا الذخيرة الحية فقط على “المحرضين” وسط حشود المحتجة في غزة، “بطريقة دقيقة ومدروسة”. فقد أظهرت الصور، التي التقطتها كاميرا المصور لحظات قبل إصابته بالرصاص، أن الأطر النهائية كانت من المحتجين الذين انفصلوا عن القوات الإسرائيلية بسبب جدار سميك من الدخان الأسود الذي تولد بسبب حرق الإطارات.
المصور ياسر مرتجى، يرتدي سترة واقية وخوذة زرقاء، كان يصور المحتجين في غزة، قبل لحظات من إطلاق النار عليه يوم الجمعة.
في الواقع، تشير تلك الصور إلى أن القوات الإسرائيلية كانت تطلق النار بشكل عشوائي عبر الستار الدخاني، صوب المتظاهرين والصحفيين. وعلى عكس بعض الغزّاويين غير المسلحين الذين قُتلوا خلال موجة الاحتجاجات الأخيرة وكانت لهم خلفيات قتالية، كان مرتجى مصورًا ومصور فيديو معروف جدا وعمل مع منظمات إخبارية دولية ومجموعات المساعدة، ومع الفنان الصيني آي ويوي.
خلال الشهر الماضي، نال مرتجى موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على الحصول على منحة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بقيمة 11.700 دولار لشراء معدات لشركته عين ميديا. وفي مذكرة لها، أكدت خدمة أبحاث الكونغرس على ضرورة أن يخضع برنامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وغزة لعملية تدقيق متخصصة لضمان عدم تحويل الأموال إلى حماس أو المنظمات الأخرى المصنفة ضمن قائمة المجموعات الإرهابية من قبل الحكومة الأمريكية.
لم يستجب أي من المسؤولين الإسرائيليين لطلبات المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك ذي إنترسبت، لتقديم أدلة تدعم ادعاءاتهم
لقد وصفه زملاؤه في غزة بأنه كان مهنيا متفانيا في عمله لا يحمل أي انتماء سياسي معروف أو علاقات مع حماس، الجماعة المتشددة التي تحكم الجيب الفلسطيني. وسنة 2015، تقدمت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بشكوى عامة نيابة عنه، عندما تعرض مرتجى رفقة ثلاثة من زملائه للاعتقال والضرب على يد مسلحين تابعين لحماس بسبب توثيقهم عملية إزالة الأنقاض في مدينة غزة، بعد أن تعرضت للتدمير خلال القصف الإسرائيلي العام السابق.
بعد أربعة أيام من مقتله، عرض وزير الدفاع الإسرائيلي مبررا جديدا هذه المرة. وردا على سؤال طرح عليه خلال مؤتمر صحفي حول مقتل المصور، ادعى ليبرمان دون الاستظهار بأي دليل أن مرتجى كان عضوا في جماعة حماس. وسرعان ما شاطر المتحدثَان باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أوفير جندلمان وديفيد كييس، ادعاءات ليبرمان التي لا أساس لها من الصحة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم كررها كبار الدبلوماسيين.
وعلى تويتر، كتب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان: “كان المصور ياسر مرتجى إرهابيًا له صلة سابقة بالجناح العسكري لحركة حماس، حمل رتبة نقيب وتلقى راتبا منتظما من حماس منذ سنة 2011. وقد اعتاد على استخدام طائرات من دون طيار من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية عن قوات جيش الدفاع في الجبهة.”
ومن جانبه، صرح، ديفيد كييس، المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي على تويتر: “اتضح أن “المصور” الذي قُتل في غزة هو موظف في حركة حماس، المنظمة الإرهابية التي تسعى إلى تدمير “إسرائيل”. وقد ظهر على كشوف رواتب حماس منذ سنة 2011. وكان يستخدم طائرة من دون طيار من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية عن المواقع الإسرائيلية. وُصف من قبل الصحفيين في عدد كبير من التقارير بأنه “صحفي”. فهل سيصححون سجلاتهم؟”
كانت الصورة المستخدمة للتعليل على هذا الادعاء حول مرتجى مأخوذة من صورته الخاصة على حسابه في فيسبوك، التي تظهره وهو يحمل كاميرا مركبة على طائرة من دون طيار وهو في سعادة غامرة لاستخدامها في تصوير الجمال الطبيعي لغزة.
لم يستجب أي من المسؤولين الإسرائيليين لطلبات المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك ذي إنترسبت، لتقديم أدلة تدعم ادعاءاتهم، التي تتناقض بشكل حاد مع ما كان معروفًا في السابق عن المصور. ولجعل الأمور أكثر غموضا، قال متحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية، في الصباح نفسه الذي ظهرت فيه أول المزاعم بأن مرتجى مقاتل متشدد ينتمي لحركة حماس، “لسنا على علم بأي من هذه المعلومات”.
وجه معتصم، شقيق مرتجى، أصابع الاتهام نحو وزير الدفاع الإسرائيلي قائلا إنه يزيف الحقائق
في رسالة إلكترونية إلى ذي إنترسبت، أرسل ليبرمان بيانا تجاهل فيه الأسئلة المتعلقة بأدلة التهم المنسوبة لمرتجى وكرر ببساطة ادعاءه. فكتب وزير الدفاع قائلا “فيما يتعلق بالمصور، وكما ورد في سؤالكم فقد سبق وقلت إنه إرهابي كان على صلة بالذراع العسكري لحماس. لذلك، آمل أن ينشر هؤلاء الصحفيون ووسائل الإعلام، التي كانت غاضبة للغاية وتحدثت عن الصحفي المسكين الذي كان يؤدي مهمته بأمانة، الحقائق الصحيحة”.
في شأن ذي صلة، غرد مراسل التلغراف، راف سانشيز، على تويتر أن “وزارة الدفاع الإسرائيلية ومكتب رئيس الوزراء يحاولان جعل المراسلين يعيدون نشر ادعاءاتهم التي تفتقر للدليل، التي تفيد بأن ياسر مرتجى كان عضوا في حركة حماس. ومع ذلك، لا يزالان ممتنعين عن الإجابة على السؤال المركزي في هذه الحالة، وهو ما إذا كان جيش الدفاع الإسرائيلي قد قتله عمدا”.
بعد تجاهل العديد من المطالب التي تنادي بالتعليق على ما حدث، اتصل المتحدث الرسمي باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، الكولونيل جوناثان كونريكوس، بصحفيين تابعين لموقع ذي إنترسبت بعد نشر هذا المقال ليدلي بتصريح مفاده أن الجيش يتوافق الآن مع وزير الدفاع. وأضاف كونريكوس أن هناك معلومات استخباراتية غير محددة أظهرت أن المصور كان ينتمي إلى حركة حماس.
في المقابل، رفض المتحدث الرسمي الإفصاح عما إذا كان موقف الجيش حول تعمده إصابة مرتجى من عدمها قد تغير، لكنه أفاد بأن السلطات الإسرائيلية لا تزال تبحث في أطوار عملية اغتياله، مشيرا إلى أنه من المرجح إصدار بعض المعلومات الاستخباراتية حول هذا الأمر في المستقبل.
نوه إيجلاند الدبلوماسي السابق الذي توسط لسن بنود اتفاقية أوسلو للسلام سنة 1993، إلى حقيقة انتمائه في السابق لأولئك الذين يريدون مساعدة “إسرائيل” ويأسوا من الطريقة التي تعمل بها الحكومة الحالية مع “كلاب الهجوم”
من جهته، وجه معتصم، شقيق مرتجى، أصابع الاتهام نحو وزير الدفاع الإسرائيلي قائلا إنه يزيف الحقائق. وخلال حديث له مع وكالة الأنباء الأمريكية أسوشيتد برس، أورد معتصم أن الوزير ينشر الأكاذيب لينأى بنفسه عن المأزق الذي علق فيه، فقد كان ياسر يوثق الاحتجاجات بواسطة كاميرات بسيطة لبيان صبغتها السلمية.
خلال الأسبوع الماضي، وافق مرتجى على صنع فيلم وثائقي لصالح المجلس النرويجي للاجئين لتسليط الضوء على المشقات التي يضطر سكان غزة، البالغ تعدادهم مليوني نسمة، إلى مواجهتها؛ حيث تم اعتماد العنف لترحيلهم من منازلهم في الأرض التي أمست الآن تسمى “إسرائيل”، وذلك قبل وبعد تأسيس الدولة اليهودية سنة 1948.
في سياق متصل، حاول يان إيجلاند، الدبلوماسي السابق الذي توسط لسن بنود اتفاقية أوسلو للسلام سنة 1993، والذي يضطلع الآن بقيادة المجلس النرويجي للاجئين، دحض المزاعم الإسرائيلية التي تتخذ من موقع تويتر منصة لها. كما ندد إيجلاند بمحاولة تشويه سمعة الرجل الميت خلال مقابلة هاتفية أجراها مع موقع ذي إنترسبت، واصفا هذه الهجمات بأنها “حملة تشهير” ضد صحفي سبق له التعرض لمشاكل لا تحصى مع حماس.
في هذا الإطار، صرح إيجلاند بأنه “لا وجود لشيء مماثل، فهذا الأمر يعد بمثابة تشويه سمعة رجل صالح لقي حتفه على يد قناص إسرائيلي. حقا، إن هذا لأمر سيئ للغاية”. وأطنب إيجلاند في الحديث عن ماضيه مع “إسرائيل” وأفاد قائلا “لقد كنت صديقا “لإسرائيل” منذ أن وطأت قدماي أراضيها في سن 19″.
في سياق متصل، أضاف السياسي المنتمي سابقا إلى حزب العمل النرويجي “درست في معهد ترومان لأبحاث السلام في الجامعة العبرية، وتسنت لي فرصة العمل مع رئيس الوزراء رابين، ووزير الخارجية شمعون بيريز، وتوسطت مفاوضات أوسلو للسلام بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية. وأظن أنه قد تبادرت لذهني عدة أسئلة حول الأمور التي حدثت “لإسرائيل” التي أحببتها وأعجبت بها؟”.
رد سفير “إسرائيل” لدى النرويج، رافائيل شوتز، على تصريحات إيجلاند الغاضبة بسبب مقتل مرتجى، من خلال موقع تويتر مشيرا إلى تقرير نشرته الصحافة الإسرائيلية ورد بين سطوره اتهام ضمني لمرتجى بأنه كان ينتمي لحماس
في المقابل، نوه إيجلاند إلى حقيقة انتمائه في السابق لأولئك الذين يريدون مساعدة “إسرائيل” ويأسوا من الطريقة التي تعمل بها الحكومة الحالية مع “كلاب الهجوم”، على غرار تلك الموجودة في مجموعة “مونيتور” غير الحكومية الموالية “لإسرائيل”. كما قال إيجلاند إن هذه المجموعة تكرس مجهوداتها لتشويه المنظمات الجيدة والإطاحة بها.
إلى جانب ذلك، أكد إيجلاند أنه يمكن تبين صحة ما قاله من خلال مثال مجلس اللاجئين النرويجي، الذي تم إغلاقه لبعض الوقت في غزة من طرف حركة حماس. واختتم يان إيجلاند حديثه مفيدا بأن هذه المجموعة بالغت في ممارسة الأذى، وأنه يعتقد أن ليبرمان ذهب بعيدا فيما يتعلق بهذا الأمر. ونادى بضرورة انتباه الأشخاص الجيدين إلى هذه الممارسات.
من جهته، رد سفير “إسرائيل” لدى النرويج، رافائيل شوتز، على تصريحات إيجلاند الغاضبة بسبب مقتل مرتجى، من خلال موقع تويتر مشيرا إلى تقرير نشرته الصحافة الإسرائيلية ورد بين سطوره اتهام ضمني لمرتجى بأنه كان ينتمي لحماس. والجدير بالذكر أن هذا التقرير الصحفي يستند إلى تصريحات “مسؤولين عسكريين مجهولين”.
عند سؤاله يوم الخميس عن كيفية معرفته بشأن صحة المزاعم التي تحوم حول مرتجى، أخبر شوتز موقع ذي إنترسبت أنه كان يردد تصريحات وزير الدفاع، فضلا عن تصريح كان متحدث رسمي باسم رئيس الوزراء قد أدلى به في وسائل الإعلام الرئيسية. كما صرح شوتز بأنه استند في تعليقاته إلى ما نشرته وسائل الإعلام. وفي مرحلة ثانية، تم الضغط على شوتز للإدلاء بأي معلومات استخباراتية تدعم مزاعمه، بيد أنه نفى ذلك وقال إنه أخذ تصريحات هؤلاء المسؤولين واعتمدها حجر أساس لتعليقه على هذه المسألة.
فضلا عن ذلك، أبدى شوتز اعتراضه على تعليقات إيجلاند التي تتهمه رفقة ثلة من المسؤولين الإسرائيليين بالمشاركة في حملة تشويه مرتجى، من خلال تكرار الإدعاء الذي لا يستند لدليل قاطع. في هذا الصدد، قال شوتز “لا يمكنني القول إنني متفاجئ، فليس جللا أن السيد إيجلاند ومنظمته قاموا بتسييس القضية منذ وقت طويل تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان. فهم ناشطون في الحملات المناهضة “لإسرائيل” “.
الموقع: ذي إنترسبت