ترجمة حفصة جودة
يشبه القادة السياسيون في السلطة الحروب الصغيرة، فهي تمكنهم من البقاء طويلًا والتلحف بعلم بلادهم والتظاهر بأنهم يملكون مصير الأمة، كما يسمح لهم بتشويه خصومهم ووصفهم بأعداء الوطن.
تتصرف تريزا ماي من هذا المنطلق منذ أن أمرت بانضمام 4 طائرات بريطانية للهجوم الجوي على 3 منشآت سورية صباح السبت الماضي، كان أداؤها دون المستوى لكنه حازم، لتشبه في ذلك الملكة إليزابيث الأولى وهي تتحدى الأسطول الإسباني في مدينة يبوراي قديمًا، الخدعة هنا أن تظهر وكأنها تشعر بثقل رهيب من المسؤولية لكنها ليست خائفة من اتخاذ قرارات حاسمة للدفاع عن الأمة.
كما تستمتع وسائل الإعلام بهذا الصراع العسكري القصير، فالناس لديهم رغبة ملحة أكثر من المعتاد في معرفة ما يجري بالعالم، فأول الصحف في العالم خرجت من رحم الحرب في نهاية القرن الـ16 وأوائل القرن الـ17، فالصراع العسكري مشوق ويصنع الكثير من الأحداث المثيرة (الميلوداراما) ويمكن الحديث عنه كأنه صراع بين الخير والشر.
ما رأيناه لم يكن دليلاً على قوة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لكنه كان دليلاً على ضعفهم
في هذا الحدث؛ كانت الطبيعة البسيطة للضربات قد جعلت محرري الأخبار وكأنهم أشخاص يرتدون أفضل ما لديهم لكنهم لا يجدون مكانًا ليذهبوا إليه، كان لديهم شعور بالامتعاض وخيبة الأمل لأنهم لا يكتبون عن حرب حقيقية، لقد أصبح هناك فجأة الكثير من الممثلين على خشبة المسرح دون وجود جمل كافية لترديدها، لقد كانت التغطية مملة حتى إن أفضل المراسلين لم يكن لديه ما يقوله.
لا يمكن تجاهل تلك الضربات الجوية ببساطة، فلها دلالة مهمة جدًا على عكس ما ادعاه دونالد ترامب وتريزا ماي وإيمانويل ماكرون، ما رأيناه لم يكن دليلاً على قوة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لكنه كان دليلاً على ضعفهم.
الدليل على ذلك – وهو ما يعكسه توازن القوى في سوريا – هو قائمة الأهداف التي لم يتم مهاجمتها، والجهود الجبارة المبذولة لعدم قتل أو جرح أي من الروس كقوة سياسية وعكسرية مهيمنة في سوريا، أما إيران وحزب الله فكانا خارج حدود الضربات تمامًا وكذلك الجيش السوري ونخبته ومعداته الثقيلة وأماكن الذخيرة، وعلى عكس ما حدث في بغداد عام 1991 و1998 و2003؛ لم يكن هناك أي ضربات صاروخية موجهة لمواقع مهمة وبارزة مثل القصر الرئاسي أو مبنى وزارة الدفاع في دمشق.
هذه الطبيعة المنضبطة للضربات الجوية تعكس التوازن الحقيقي للقوى في سوريا
وصف بوريس جونسون وتريزا ماي تلك الضربات بأنها كانت إنسانية في هدفها لمنع استخدام الغازات السامة، ويتحدث جونسون وكأن الأسد أول من يستخدم الغاز منذ الحرب العالمية الأولى، متجاهلًا بذلك عشرات الآلاف من الإيرانين والأكراد الذين قُتلوا بالغاز في حرب إيران والعراق بواسطة صدام حسين الذي كان مدعومًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.
ولنفترض أن التهديد بتجديد الضربات قد يردع الأسد، فإنه لن يشكل فارقًا كبيرًا لدى السوريين، فعدد الذين ماتوا من الغاز (1900 شخص) لا يمثل سوى 1% من النصف مليون سوري الذين قتلوا منذ بداية الحرب عام 2011، لذا إذا كان لدى قادة العالم أي اهتمام حقيقي بسبع سنوات من سفك الدماء في سوريا؛ لكانوا بذلوا جهودًا أكبر في الماضي لإنهاء تلك الحرب المروعة.
هذه الطبيعة المنضبطة للضربات الجوية كانت واقعية للغاية وتعكس التوازن الحقيقي للقوى في سوريا، فالأسد مدعوم من روسيا وإيران وحزب الله والقوات الشيعية في العراق وقد فاز بشكل كبير في تلك الحرب الأهلية، ولن يتغير هذا الوضع دون القيام بحملة مفتوحة من الهجمات لدعم القوات المعارضة على الأرض مثلما فعل الناتو في ليبيا عام 2011.
من المستحيل التخلص من الأسد دون حرب شاملة
لكن هذه الحملة لا يمكن شنها على الأسد بكل بساطة لأنه بخلاف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لديه حلفاء أجانب أقوياء مثل روسيا وإيران، كما أن الولايات المتحدة اكتشفت تكلفة الأمر ووجدت أن المعارضين الحقيقيين للأسد سوى الأكراد ينتمون جميعًا لداعش والقاعدة، ولنتذكر كيف اعترف البنتاغون عام 2016 – بكل إحراج – أنه انفق 500 مليون دولار لتدريب 5 مقاتلين معتدلين موالين للولايات المتحدة بدلاً من 5000 آلاف مقاتل مثلما أعلن في البداية.
المغزى هنا أنه في حالة توسيع نطاق الضربات الجوية؛ لن يغير الأمر كثيرًا من نتائج الحرب السورية، لكنه كان سيؤدي بالتأكيد لتصعيد الأمر وقتل المزيد من الناس، وهناك خرافة يتبناها ترامب مؤخرًا وهي أن الرئيس أوباما فقد فرصة حقيقية لإضعاف الأسد والتخلص منه عام 2013، لكن العوامل التي قيدت أوباما هي نفسها ما تمنع ترامب من اتخاذ نفس الفرصة، لذا من المستحيل التخلص من الأسد دون حرب شاملة، وحتى لو أراد ترامب القيام بذلك فسوف تكون النتيجة انهيار الدولة مثلما حدث في أفغانستان وليبيا والعراق؛ مسببًا انتشار الفوضى التي ستؤدي حتمًا إلى ازدهار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة.
المصدر: إندبندنت